ماتِياس، بابتسامته الواثقة المعهودة، بدأ في إلقاء خطبته المطولة:
“فكّري جيدًا، ما السبب الذي يجعلك غير قادرة على التغلب على إيرينيّا؟”
عند سؤاله هذا، تغيّر وجه جيوفينيتا فجأة وصرخت بغضب:
“وأين يكون الأمر الذي لا يمكنني فيه التغلب على تلك اللقيطة ؟!”
كان الغضب يتصاعد حتى رأسها، فاحمرّ وجهها الأبيض حتى بدا محمرًا كليًّا.
وأثناء مشاهدته لذلك، رأى ماتياس في داخله أن عدم قدرتها على هزيمة تلك اللقيطة إيرينيّا في أي أمر هو أمر طبيعي تمامًا.
خلال الأيام القليلة الماضية التي قضاها معها عن قرب، توصّل إلى انطباع واحد فقط: جيوفينيتا فلوريس كانت كصفحة بيضاء نقيّة.
أو بالأحرى، كانت كأرض ثلجية لم تطأها قدم بشر.
وإن أردنا قولها بلطف، فهي بريئة تمامًا، وإن أردنا الصراحة، فهي غبية إلى حد لا يُطاق.
ولم يكن هذا كل شيء.
فهي لا تعرف حتى حدودها، لكنها طمّاعة بشدة، لا يمكنها أن تحتل سوى المرتبة الأولى في الطمع، وكان عنفوانها يصل عنان السماء.
الشيء الوحيد الذي يمكن احتماله فيها هو وجهها الجميل وجسدها المتناسق.
وإذا أبقت فمها مغلقًا، فقد كان بالإمكان تحمّل وجودها، لكن حين تبدأ بصوتها المزعج الذي يخترق طبلة الأذن كما هو الحال الآن، فإن القرف يصعد من داخله دون إرادة.
“ماتي، هل تستمع إليّ؟”
وزادت الطين بلة بذكائها المحدود وسرعة بديهتها التي تشبه حيوانات الغابة.
بل الأدق أن هذا لم يكن ذكاءً، بل غريزة برية تطورت نتيجة نقص في العقل.
“أوه، أجل، نعم، لا يوجد ما يجعلك أدنى من إيرينيّا.”
ابتسم ماتِياس بلا مبالاة وهو يمرّر يده على شعره إلى الخلف.
أجل، يجب أن تمتلك على الأقل هذا النوع من الذكاء الاجتماعي حتى تتمكن من النجاة كابنة كبرى لدوقية فلوريس في هذا العالم القاسي.
والآن وقد فهم سبب القلق الدفين لدى دوقة فلوريس، بات يستطيع أن يتفهّم بشكل غامض سبب هوس تلك الدوقة بابنتها.
سواء كانت تدرك هذا أم لا، فقد بدأت جيوفينيتا تسأل بأسلوب حيوي:
“حسنًا، إذن كيف عليّ أن أنشر الإشاعات؟”
يا لها من امرأة! حتى لو دُفع الجواب نحو فمها لما استطاعت أن تبتلعه.
ابتسم ماتِياس بابتسامة هادئة وبصبر:
“أنتِ ترغبين في كسب ولي العهد الأول، أليس كذلك؟”
“بالضبط، أليس كذلك؟”
أومأت جيوفينيتا بحماس وصفّقت بيديها.
كانت حقًا نقية، نقية حتى كأنها زجاج شفاف يمكن رؤية باطنه.
“لكن شقيقي متزوج من إيرينيّا بعهد أبدي، أليس كذلك؟”
شدد ماتِياس عمدًا على كلمات “العهد الأبدي” و”الزواج”.
“ن-نعم… صحيح.”
كانت تعابير وجه جيوفينيتا المتألمة تستحق المشاهدة.
تلك التي تحمل في داخلها نية قذرة بخطف رجل متزوج، لكنها تتصرف وكأنها تمنحه حبًا نقيًا، كانت في نظره متناقضة ومضحكة.
امرأة يسهل فهمها.
لكن رغم ذلك، أخفى ماتياس مشاعره وهمس بصوت عذب كأنه سكر ذائب:
“إذن، ما الذي ينبغي عليك فعله؟”
نقّر ماتِياس بإصبعه السبابة على جبين جيوفينيتا، كأنه يقول لها: استخدمي هذا الرأس الصغير قليلاً.
لكنها واصلت تعبيرها المتحير، فما كان من ماتِياس إلا أن يلفظ كلمة “إشاعة” بشفتيه.
“آه، إشاعة! تعني أن أنشر بين الناس أنني والأمير سيزار مقربان للغاية، أليس كذلك؟”
“ماذا؟ هاهاها!”
انفجر ماتِياس ضاحكًا ولم يستطع السيطرة على نفسه.
أمسك بطنه من شدة الضحك، بينما بدأت جيوفينيتا بالقلق والتحرك بعصبية.
“ماتي، لا تضحك فقط، أخبرني بالإجابة!”
“آه، حقًا إنكِ فتاة ممتعة.”
ومع أن عينيه كادتا تدمعان من شدة الضحك، اختفى ذلك سريعًا من وجهه.
كان بقاؤها إلى جواره يضمن تسلية دائمة، لكنه كلما قضى وقتًا أطول معها، شعر بأن ذكاءه يتناقص، وهو شعور لم يكن محببًا.
“لكي تنتشر الإشاعات، يجب عليك تمزيق سمعة العدو.”
“العدو؟”
نظر إليها نظرة شفقة حين بدا عليها أنها لا تفهم مجددًا، وتمتم:
“الشخص الذي يعرقل طريقك الآن.”
“آه!”
أخيرًا بدت وكأنها فهمت وارتسمت ابتسامة عريضة على وجهها.
حقًا، كان الأمير الثاني لعوبًا.
لماذا لم يعطِها الجواب منذ البداية؟ لكن لم يكن لديها أحد تثق به مثل ماتِياس، فلم تستطع التذمر كثيرًا.
“صحيح، أنتِ لم تتزوجي بعد، وأنتِ الابنة الكبرى لدوقية فلوريس، بالإضافة إلى كونك ابنة معتمدة من الإمبراطورة، لذا لا يوجد ما تخسرينه ولا داعي للخوف. لكن وضع إيرينيّا مختلف تمامًا.”
بدأ وجه جيوفينيتا يزداد إشراقًا، فابتسم ماتِياس بسخرية وهو يلاحظ ذلك.
“وفوق ذلك، فإن من أصبحت زوجة الأمير لا تليق بهذا المقام.”
لو لم يكن هناك “لعنة التنين المجنون” التي نزلت على ولي العهد الأول، لكانت جيوفينيتا هي من شغلت منصب زوجة ولي العهد.
أما إيرينيّا، فقد كانت مجرد خطة احتياطية وضعتها دوقة فلوريس لتجنب تزويج ابنتها الوحيدة إلى الأمير الملعون.
بل في الواقع، لو لم يظهر أثر اللعنة على سيزار، لكان قد تزوج من أميرة أجنبية، لكن لم يكن من الضروري إخبار جيوفينيتا بذلك، إذ إن الواقع كان بعيدًا عن كل تلك الفرضيات.
وبعد أن وضّح ضعف إيرينيّا وعدم أهليتها، علّقت جيوفينيتا بحماس:
“وفوق كل هذا، إنها عرجاء ولها ماضٍ مليء بالتسكع في الشوارع! لا تملك أي ذرة من الرقي اللائق بزوجة ولي العهد… أوه؟”
اتسعت عيناها فجأة كما لو أنها أدركت شيئًا:
“أجل، فهمت الآن!”
“أتعني، أن ننهش في سمعة إيرينيّا؟”
صفّقت جيوفينيتا فرحة، فإذلال إيرينيّا كان شيئًا تجيده.
لكن ماتِياس هز رأسه نافيًا.
فأصابها الغضب فورًا.
هذا ليس الحل؟ ولا ذاك؟ وكل ما يفعله هو السخرية منها دون إعطائها الجواب.
بسبب ماتِياس، كانت تشعر بالضيق.
“أنت حقًا قاسٍ جدًا.”
قالت ذلك بدلال، فرفع ماتِياس كتفيه بتصنّع ثم همس لها:
“في حفل الاستقبال القادم بمناسبة اجتماع الممالك الثلاث، سيكون على ولي العهد وزوجته بين الحضور بلا شك.”
“حفل الاستقبال؟”
خفض ماتِياس صوته، فتبعته جيوفينيتا دون وعي وخفضت صوتها أيضًا.
وعند سماع كلمة “حفل”، بدأ الحزن يغمرها.
“حتماً ستحاول إيرينيّا التميز هناك. سترقص مع سيزار أيضًا…”
وما إن تخيلت جيوفينيتا رؤية إيرينيّا تبتسم بسعادة إلى جانب سيزار، حتى احمرّت عيناها وامتلأت بالدموع.
“ماذا إن ارتدت فستانًا أجمل مني؟ وماذا عن العقد؟!”
ذلك العقد المسمى “حلم اللهيب الأزرق” لا يوجد جوهرة توازيه في الجمال.
وفكرة أن ترتديه إيرينيّا أمام الملأ كانت تجعل النار تشتعل في صدرها.
“العقد؟”
في تلك اللحظة، تلألأت فكرة بارعة في عقل ماتِياس.
العقد الذي ذكرته جيوفينيتا لا بد أنه “حلم اللهيب الأزرق”.
في الأصل كان يخطط لتلطيخ فستان إيرينيّا أو إحداث شجار لفظي، لكن الآن راودته فكرة أفضل.
“العقد؟ تقصدين (حلم اللهيب الأزرق)؟”
“نعم، ذلك! إنه زاهي وجميل لدرجة أنه يليق بي أكثر.”
تذمرت جيوفينيتا وهي تشهق، لكن ماتِياس قاطعها بنبرة صارمة:
“لا، لا ينبغي أن تطمعي بشيء كهذا. سيكون الأمر خطيرًا للغاية.”
وعندما قال ذلك بجدية، لم تجد جيوفينيتا إلا أن تسأله:
“خطير؟ كيف يعني؟”
“فكّري، (حلم اللهيب الأزرق) هو كنز ثمين يُورث داخل العائلة المالكة عبر الأجيال.”
“ص-صحيح.”
نظر ماتِياس حوله بحذر، ثم همس في أذنها:
“ماذا لو حدث شيء لهذا الكنز؟ هل تعتقدين أن والدتك ستقف مكتوفة الأيدي؟ لهذا السبب على إيرينيّا أن تكون حذرة للغاية.”
“آه…”
“خصوصًا وهي ضعيفة الجسد وكثيرة المشاكل، فمن غير المؤكد إن كانت تستطيع الحفاظ على مثل هذا الشيء. وعليكِ أن تحذري من التورط بشيء كهذا.”
ابتلعت جيوفينيتا ريقها الجاف بصعوبة.
“و، وماذا لو… ماذا لو أضاعت إيرينيّا ذلك العقد؟”
حينها أجاب ماتِياس بسرعة وكأنه كان ينتظر هذا السؤال:
“لا يمكن… هل تعتقدين أن شيئًا كهذا سيحدث فعلاً؟”
وبدأ وجهه يظلم تدريجيًا، وبدا وكأنه يبتسم ابتسامة غريبة.
أما جيوفينيتا فقد كانت متوترة إلى حد أن قبضتاها بيضتا من شدة الضغط.
“لكن لا أحد يعلم ماذا قد يحدث… وإن حدث حقًا، فقد تثير غضب والدتها وقد تُجبر على التخلي عن لقب زوجة ولي العهد. التهاون مع كنوز العائلة المالكة خطيئة كبرى.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 151"