إن استمع المرء إليها جيدًا، لربما بدت مزاعمهم منطقية.
تلك الآراء التي تقول إن الإنسان، المولود بحدود البشر، لا يمكن أن يكون مساويًا للتنين، ذي القدرة شبه المطلقة.
تأمل سيزار في أمرٍ ما بعمق، ثم سأل مرة أخرى:
“سمعت أنكم بحاجة إلى تنين جديد، ولكن لا يظهر أي تنين جديد مؤخرًا. هل فهمي للأمر خاطئ؟”
“…”
يبدو أن هذا السؤال قد أصاب كبد الحقيقة، إذ نظر باقي الإلف إلى بعضهم البعض بوجوه حائرة، ثم عمّ الصمت بينهم. وحده إيسيلينور أومأ برأسه ببطء، مظهرًا موافقته.
تنفس سيزار بعمق، ثم قال:
“إذا كان سبب حذركم من التنين المجنون يرجع إلى أن الحاجز قد انهار بسبب تييغروش، مما أدى إلى اندلاع حرب طويلة مع قبائل الشياطين، فذلك تاريخ مروع بالفعل.”
رد إيسيلينور فورًا على كلام سيزار:
“أجل. بسبب ذلك، واجهت العديد من الأعراق في القارة خطر الانقراض، وفوق هذا، ازدادت تحركات قبائل الشياطين نشاطًا في السنوات الأخيرة على نحو غير مسبوق منذ عقود. لذا، من الضروري وضع خطط دفاعية ضدهم في مؤتمر الممالك الثلاث.”
كان لكلام إيسيلينور وجاهة، فرفضهم لوجود تنين مجنون لم يكن مجرد موقف، بل كان أمرًا مرتبطًا بالبقاء نفسه.
غاص سيزار مجددًا في أفكاره، ثم رفع رأسه بعزم وكأنه اتخذ قرارًا.
“ماذا لو استطعتُ أن أسيطر على التنين المجنون الذي في داخلي؟”
عندها، انطلق صوت ساخر من بين مجموعة الإلف. أدار إيسيلينور رأسه رافضًا، وابتسم بسخرية بدوره.
“هل تقول إن بشريًا ضعيفًا، لا يعيش حتى مئة عام، سيتمكن من السيطرة على دم الجنون، وعلى قوة ذلك التنين العظيم؟”
لم يتراجع سيزار، بل ابتسم بثقة ورد بصوت واضح:
“أجل، هذا صحيح.”
عند رؤية هذا الموقف، امتلأت أعين الإلف بنظرات باردة تنضح بالاحتقار.
عندها، رفع سيزار يده بصمت. وفجأة، انبعث نور ذهبي باهر من ظلاله.
“م، ما هذا بحق السماء…!”
ثم ظهر الحاكم القديم، أبركساس، بهيئته الحقيقية.
وما إن رأى الإلف هذا الكائن ، الذي اعتُقد أنه انقرض منذ معركته مع قبائل الشياطين، حتى أصابتهم الدهشة وبدأوا يتحدثون بصوت مرتعش:
“أ-أبركساس؟”
“كيف يمكن أن يظهر هذا الكائن ، الذي قيل إنه انقرض، في مثل هذا المكان؟!”
أبركساس، المتلألئ بلون ذهبي لامع، نفخ صدره متفاخرًا بعظمته، ثم استدار دورة كاملة في مكانه، وركع على ركبتيه تحت قدمي سيزار، وكأنه يُظهر من هو سيده الحقيقي.
تحولت وجوه الإلف إلى لون شاحب.
تبادلوا النظرات فيما بينهم، غارقين في النقاش حول هذا الوضع المذهل.
ولكن، سرعان ما تدخل قائدهم، إيسيلينور، للسيطرة على الموقف.
“كفى. حتى وإن استدعى الكائن القديم، فهذا لا يكفي لإثبات سيطرته على قوة التنين. وفوق هذا…”
ثبتت عينا إيسيلينور الكهرمانيتان نحوي.
شعرت بعدم الارتياح، وبدأت أنظر حولي بتوتر.
“قوة التنين المجنون تلك، أليست تُعد لعنة في عالم البشر؟ أليس من الصحيح أنها تخضع للسيطرة بالكاد عبر سحر تلك المرأة البشرية؟ أليس كذلك؟”
كان واضحًا أنه إلف متمرس في السحر. لقد لخّص وضعنا المعقّد في جملة واحدة، بل ويبدو أنه فهم تفاصيله أيضًا.
فقد ظهروا فجأة بأعداد كبيرة، واختفوا فجأة، مما جعلني أشعر بالارتباك الشديد.
“رباط من القدر، يقول…”
كانت كلمات إيسيلينور الأخيرة أقرب للفلسفة منها إلى أي شيء يمكن أن يفهمه إنسان عادي مثلي.
لم يخبرني بشيء عن السحر الذي زعم أنه قرأه فيّ، ولا عن سبب رحيله الصامت، ولا عن خطوته التالية.
ابتسمت بتوتر وقلت:
“في النهاية، قابلنا الإلف، ولكن لم نحقق الكثير.”
“هكذا يبدو…”
لم أكن الوحيدة المرتبكة بسبب رحيلهم المفاجئ، فقد بدا الارتباك واضحًا حتى على وجه ريشار، الذي اعتاد الحفاظ على تعابير جامدة.
وحده سيزار كان محتفظًا بهدوئه المعتاد.
“سيعودون حتمًا.”
كانت كلماته واثقة لدرجة جعلتني أشعر بالريبة.
“كيف يمكنك أن تجزم بهذا؟”
عندما سألت ذلك، ابتسم لي سيزار ابتسامة رائعة.
“لا أدري، فقط أشعر بذلك. ربما هو دم التنين الذي يسري في عروقي يخبرني بذلك. أن عودتهم ليست مجرد صدفة، بل أمر حتمي.”
لطالما كان ما يقوله سيزار بثقة يتحقق غالبًا.
لم أكن متأكدة إن كان هذا سيتحقق أيضًا، لكن إحساسي كان يخبرني بأن هذه الحادثة لن تنتهي بهذه السهولة.
***********
لم يتبقَ سوى أيام معدودة على انعقاد مؤتمر الممالك الثلاث.
كانت الشائعات تتردد بأن وفود الدول وصلت إلى عاصمة إمبراطورية أستيتريا، لكن، وبموجب معاهدة تنص على تقليل التدخلات قبل الاجتماع، لم يكن ممكنًا لقاءهم فعليًا.
ومع ذلك، تقول الشائعات إن تحركات قبائل الشياطين غير طبيعية مؤخرًا، وإن هناك مساعٍ لتنصيب ولي العهد في الإمبراطورية، لذا يُعتقد أن الممالك الثلاث قد عقدت لقاءات سرية قبيل المؤتمر.
أما في مكانٍ آخر، فكانت جيوبينيتا ما تزال غارقة في أوهامها، تتآمر مع الأمير الثاني، ماتياس.
“إذاً، جونيه، هل تعرفين ما الذي تحتاجينه لتقتربي من ولي العهد الأول؟”
أجابته جيوبينيتا بعينين مستديرتين تتلألأان:
“ما هو يا ماتي؟”
كان الاثنان قد اعتادا على مناداة بعضهما بألقاب حميمية، وكانا يلتقيان في مكان سري بعيد عن الأعين، في نفس الجناح المفتوح حيث التقيا أول مرة.
وعلى الرغم من أن حديثهما لم يكن ذا طابع خاص، إلا أن الجو الحميمي كان دليلاً على مدى تقاربهما.
أراد ماتياس أن يثير فضول جيوبينيتا عمدًا، فلم يجبها فورًا، بل راقب ردّ فعلها.
سرعان ما نظرت إليه بوجه ممتعض.
“أخبرني حالاً!”
رغم أنه أراد أن يُطيل الأمر قليلًا، إلا أن ما كان سيقوله ليس شيئًا يستحق الإخفاء، لذا أجابها فورًا:
“إنه الشائعات.”
“ما الذي تعنيه بالشائعات؟”
لم تتمكن جيوبينيتا من متابعة الحوار.
لم تفهم كيف يمكن أن تساعدها الشائعات في الاقتراب من ولي العهد الأول، لكنها خشيت أن تسأله مجددًا فتبدو كفتاة ساذجة، فمالت برأسها نحو اليسار.
عندها، أطلق ماتياس ضحكة خفيفة أقرب إلى التنهيدة.
“نعم، الشائعات. تلك التي تسقط سيدات ناضجات في لحظة، وتحوّل أكثر المخلصين إلى خونة.”
“هل… يمكن فعل شيء كهذا؟”
رغم أنها تلقت الإجابة، إلا أن كلمات ماتياس ظلت غامضة كالأحجية.
عبست وجهها مثل باحث يتوق للمعرفة، لكنها لم تستطع ربط مفهوم الشائعات بالاقتراب من ولي العهد.
“لكن… كيف تفعل ذلك؟”
تحوّل صوتها إلى نبرة رفيعة مفعمة بالقلق والفضول.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 150"