148

************

“هل تعلم لماذا تُعقد دائمًا اجتماعات التحالف الثلاثي في القصر الإمبراطوري لإمبراطورية أستيريا؟”

“أليس السبب في ذلك هو أن إمبراطورية أستيريا تقع في قلب القارة جغرافيًا بين القوى الثلاث؟”

“ذلك له بعض المعنى. لكن السبب الحقيقي يعود إلى أن إمبراطورية أستيريا قدمت أعظم التضحيات عندما قام التحالف الثلاثي قبل مئات السنين بصيد التنين الشرير تييغروش.”

قيل إن ذلك كان تكريمًا واحترامًا للأبطال الذين ضحوا بأرواحهم خلال القضاء على التنين الشرير.

 لقد فوجئت حقًا بما سمعته.

“هل كان القضاء على التنين تييغروش إنجازًا مشتركًا للتحالف الثلاثي؟”

بالنسبة لي، التي نشأت طوال حياتي في الإمبراطورية، كان ذلك أمرًا غريبًا تمامًا. 

وهذا لأن ما تعلمته أن القضاء على التنين تييغروش هو من أساطير تأسيس الإمبراطورية، وكان إنجازًا يُنسب إلى الملك المؤسس أركانجيلو، أول ملوك المجد في أستيريا، إضافة إلى مؤسس عائلتي، الساحر العظيم كوشيمو فلوريس.

لكن أن تكون هناك أطراف أخرى ساهمت في ذلك الإنجاز؟ لقد كانت لحظة تغيرت فيها كل المعلومات التي كنت أؤمن بها. 

عندما بدا عليّ الاستغراب، أضاف لي ريشار شرحًا:

“فكر في الأمر. التحالفان الآخران، باستثناء الإمبراطورية، لم يكن لديهما حاجة حقيقية لتشكيل تحالف مع البشر.”

“هـ… هذا…”

لم يسبق لي أن فكرت في التحالف الثلاثي من هذه الزاوية، لذا وجدت صعوبة في تقبّله.

 لكن كلما فكرت فيه أكثر، بدت كلمات ريشار منطقية.

 اتحاد الفولاذ، الأقزام الأقوياء الذين يمتلكون قوى وتقنيات تفوق البشر، والجان الذين يمتلكون السحر العالي والحكمة. لماذا قد يرغب هؤلاء في الدخول في تحالف على قدم المساواة مع البشر؟

“لكن، لماذا فعلوا ذلك؟”

أجاب ريشار دون تردد:

“بسبب طبيعة البشر.”

“الطبيعة…؟”

“الطبيعة التي تجعلهم غير خاضعين لتأثير التنين، وقادرين على قتله. القضاء على تييغروش كان أمرًا مستحيلًا بالنسبة لدول التحالف الأخرى.”

“ولماذا… كان ذلك مستحيلًا؟”

لم أستطع فهم الأمر بسهولة. 

رغم أنني لم أرَ تنينًا في حياتي، فقد سمعت كثيرًا عن شرور تييغروش. 

كان تجسيدًا حيًا للرعب، يلقّب بكارثة تمشي على الأرض. 

قام بفك الختم الذي قيد الشياطين منذ زمن طويل، مما تسبب في اجتيازهم للحدود، وانتشر الألم في أنحاء القارة حتى شارف العالم على نهايته.

صيد التنين ليس أمرًا سهلًا.

 خاصة وأن تييغروش كان تنينًا شريرًا عنيفًا وشرسًا. 

لذا ظننت أن الأقزام الأقوياء أو الجان مستخدمي السحر سيكونون أكثر قدرة على مواجهته من البشر.

 فلماذا أُوكلت هذه المهمة العظيمة إلى بشر يفتقرون إلى القوة والتقنية؟

لاحظ ريشار ملامح الحيرة على وجهي، وفكر قليلًا ثم سألني:

“أن تحب شخصًا لا يعني بالضرورة أن تعبده أو تتقبله بالكامل.”

كان تشبيهه أكثر غموضًا. لماذا ذكر الحب؟ وما علاقة العبادة والقبول؟

“لكن، أليس الجان غير قادرين على معارضة التنين؟…”

كان في الأمر ما يثير الريبة. كيف لمن لا يستطيع معارضة التنين أن يفكر في القضاء على تنين شرير؟ بدا الأمر متناقضًا للغاية.

شعر ريشار بحيرتي وتنهد بعمق، ثم فتح فمه بعد تردد طويل:

“مفاهيم الخير والشر تحددها فقط ما يحقق مصلحة الجماعة.”

“المصلحة…؟”

“هَيبِليوم ترى في السحر أصلًا للحياة، ولذلك لا تستطيع رفض مصدر المانا النقي، أي التنانين. ورفض التنين يشبه رفض التنفس.”

كان قد شرح لي سابقًا أن الجان يولدون باستخدام السحر، وهم ملزمون باتباع مصدر الطاقة النقية.

“بمعنى آخر، التنين هو مصدر الحياة بالنسبة لهم. كما لا يستطيع السمك العيش بلا ماء، ولا الكائنات الحية بلا هواء، كانت المانا شيئًا لا يمكنهم الاستغناء عنه.”

حتى هنا كان الفهم ممكنًا. 

لكن بعدها طرح ريشار سؤالًا من زاوية أخرى:

“لكن، ماذا لو تلوث ذلك الماء؟ وماذا لو أصبح الهواء ملوثًا؟”

“هل تقصد… مثلما حدث عندما أصبح تييغروش تنينًا شريرًا؟”

“صحيح. كان التنين والجان مرتبطين ارتباطًا وثيقًا. لكن، رغم قربهم، كان الجان أكثر اعتمادًا على التنانين من العكس. لذا، لا يمكن القول إن بينهما حبًا متبادلًا. كل شيء كان لحساب مصلحة بقاء الجماعة…”

شبّه ريشار العلاقة بين الجان والتنين بالنحل:

“عادةً ما يُعتقد أن ملكة النحل تحكم مجتمعها. لكن، هل تعلم ما يحدث إذا أصبحت غير قادرة على التلقيح أو مرضت؟”

لم أكن أعلم شيئًا عن حياة النحل، فهززت رأسي نفيًا.

“تقوم العاملات بقتلها وتنصيب ملكة جديدة.”

“ملكة جديدة…”

ما استنتجته من كلام ريشار هو التالي:

الجان أحبوا وعبدوا التنانين، لكنهم لم يترددوا في التخلص منهم عندما تعارضت المصالح. كانوا مستعدين لمخالفة طبيعتهم والاعتماد على البشر لقتلهم.

“لكن… كيف يُسمّى هذا حبًا؟”

“في الواقع، هناك من يشاركك الرأي. حتى والدي كان ممن شعروا بالاشمئزاز من هذا التناقض في طبيعة الجان، وترك هيبليوم في النهاية.”

لم أجد ما أضيفه إلى كلامه.

لكن ريشار طرح عندها موضوعًا جديدًا:

“المشكلة أنهم، بعد قتل تييغروش، لم يستطيعوا إنتاج تنين جديد.”

“تنين جديد؟”

أومأ برأسه ناظرًا نحو سيزار.

“تُولد التنانين في باطن الأرض المتجمد تحت أراضي اتحاد ستويكان الفولاذي شمال القارة. وقد وُجدت هناك بيضات تنانين أحيانًا. لكننا لم نسمع بخبر فقس أي منها منذ عقود.”

“أليس هذا أمرًا خطيرًا؟”

إذا كان الجان لا يستطيعون الانفصال عن التنانين، فإن توقف ولادتهم كارثة.

أومأ ريشار رأسه وأكمل:

“حتى البيوض التي فُقست، ماتت قبل أن تبلغ مرحلة البلوغ، مما جعل الجان يشعرون بالذعر. حاولوا كل الطرق لإنقاذ التنانين، لكن الأمر ازداد سوءًا، وحتى البيوض باتت نادرة.”

“لا أصدق…”

“لابد أن هيبليوم كان في حالة طوارئ. حاولوا البحث عن الأسباب. ظهرت آراء عديدة: نشاط الشياطين المتزايد، تدهور البيئة، أو حتى أن اتحاد ستويكان يسرق التنانين…”

ثم بدأ ريشار بالحديث عن شبهة اتحاد ستويكان.

كونهم خبراء في صناعة الأسلحة والهندسة، لطالما طمعوا في مشتقات التنانين. كان لديهم التقنية لاستخدام القشور، الأسنان، الدم، الجوهر، اللحم، وحتى العظام.

لم أفكر طوال حياتي بالتنانين، ولم أتخيل أن العلاقات والمصالح المحيطة بهم بهذه التعقيد. 

بدا الأمر غريبًا للغاية.

“الجان في هيبليوم يعتمدون في قراراتهم المصيرية على التنبؤات. لكن لم يستطع أي نبي أو ساحر عظيم أن يتنبأ بأي شيء عن التنانين. لذلك، بدأ البعض يعتقد أن ما يحدث هو لعنة من تييغروش.”

“لعنة… هل تقصد لعنة التنين المجنون؟”

لم يجب ريشار، واكتفى بالإيماء وهو ينظر إلى سيزار.

“في خضم ذلك، تركتُ لهم رسالة: ‘هنا، يوجد تنين.'”

في تلك اللحظة، شعرت بحركة مشوشة في الخارج. بدا وكأن الرياح تهب مع ضوء ساطع.

لقد رأيت مثل هذا الضوء في برناديتا عندما كانت تفقد السيطرة على سحرها في المهرجانات.

لكن ريشار لم ينظر حتى للخارج، وابتسم بهدوء.

أما سيزار، فقد بدا وكأنه أدرك شيئًا.

من بين ظلاله، استدعى مألوفه. 

أبركسا، الذي تألق بضوء ذهبي مهيب، ظهر بعد غياب، وتمدد قليلًا، ثم حك جناحيه بمنقاره.

“أبر، مرحبًا.”

بدأت ألمس ريشة أبر برفق.

منذ عودتنا من القصر الإمبراطوري وأنا أرى أبر، لكنه كان دومًا يظهر بهيئة فرخ صغير.

أما الآن، فقد ظهر بشكله الأصلي.

نظر كل من سيزار وريشار نحو باب الغرفة.

“وأيضًا، لقد وصل عمي للتو.”