لقد شحب وجهها بالفعل حتى بدا وكأن طبقة من الجص قد طُليت عليه، فغدا بلون الرماد.
“ما الأمر، سيدتي؟”
لم يتبقَ شيء من تلك الثقة التي كانت تظهر بها، وكأنها على استعداد للانقضاض على ولي العهد الأول في أي لحظة.
بدت الآن كفأر مذعور يختبئ ويضغط على أسنانه من الغيظ، مما أثار شفقة مارتا.
في تلك اللحظة، هزّ ضحك وديّ بعيد للأمير وزوجته كيان جيوفينيتا، فارتعشت كتفاها.
بدت وكأنها سُحقت تحت وطأة حديد ثقيل، غير قادرة على رفع رأسها.
ثم قبضت بشدة على غصن من شجيرة شوكية.
فزعت مارتا وسرعان ما أبعدت يد جيوفينيتا، لكن قطرات دم حمراء صغيرة قد تجمعت بالفعل على راحتها البيضاء.
ومع ذلك، لم تُعر جيوفينيتا أي اهتمام لذلك، بل كتمت أنفاسها واكتفت بالتحديق نحو إيرينيا وسيزار.
“آه، سيدتي…”
تردد ضحكٌ آخر بين الزوجين.
كانا يتشاجران بخفة، وكأن الأمر لا يستحق، ولكن بدا واضحًا أن علاقتهما قوية جدًا.
لقد بدوا كزوجين مثاليين، يبعثان في النفس مشاعر عذبة تثير الوخز في القلب.
من وجهة نظر مارتا، لم يكن هناك شك في أنهما كانا ثنائيًا متناغمًا مثاليًا.
لكن عينا جيوفينيتا، التي كانت تراقب المشهد، بدأت تزداد احمرارًا، حتى انهمرت دموع كبيرة كثقل حبات المطر من عينيها.
أطلقت مارتا تنهيدة حزن تلقائية:
“آه، سيدتي…”
كانت أضعف نقطة في حياة جيوفينيتا هي مارتا، الخادمة التي رافقتها منذ الطفولة.
أخرجت مارتا على الفور منديلًا من صدرها ولفت به راحة يد جيوفينيتا.
“يديك الجميلة قد تشوهت تمامًا. لنذهب للعلاج فورًا.”
عند كلمات مارتا اللطيفة، لم تستطع جيوفينيتا إلا أن تبكي بصمت.
ومع ذلك، لم تشعر أن تلك الدموع ستطفئ الغيظ الذي يشتعل داخلها.
كانت تنوي أن تهاجم ولي العهد الأول مباشرة عندما تراه.
ولكن، الآن بعد أن شاهدت بعينيها انسجامه مع إيرينيا، شعرت وكأن قلبها يتمزق.
“ما… ما هذا؟”
من أعماقها، أرادت أن تندفع نحو إيرينيا وتفصل بينهما.
ولكن قدماها لم تطاوعاها.
لماذا؟ إيرينيا هي من كانت تعاني من إعاقة في قدميها، ولكن جيوفينيتا هي من لم تستطع الحراك.
وفوق ذلك، لم ترد أن تُظهر لهما هذا الوجه القبيح والمليء بالدموع.
كان هناك شيء غريب.
شيء ما في الأمر خطأ جدًا.
لطالما كانت أسمى وأجمل شيء في هذا العالم هي جيوفينيتا، بينما كانت التفاهة والوضاعة من نصيب إيرينيا.
فكيف انعكست الأدوار بهذه الطريقة؟
لم تكن جيوفينيتا، التي اعتادت أن تتربع على قمة الجميع، قد شعرت بمثل هذا الانهيار النفسي من قبل.
ولهذا كانت في غاية الاضطراب والخوف.
“هذا غريب… غريب جدًا…”
ضغطت جيوفينيتا على أسنانها وتابعت التحديق في العاشقين أمامها.
رأت وجه إيرينيا السعيد، والذي بدا أكثر إشراقًا من المعتاد.
“من غير المعقول أن تكون تلك القبيحة جميلة… الأمير سيزار لابد أنه قد أخطأ في حكمه…”
كان مظهر الأمير سيزار، بكل بساطة، رائعًا.
وها هو يبتسم بحرارة عند رؤيته لإيرينيا.
شعرت جيوفينيتا بألم حاد يخترق صدرها.
ضربت صدرها بقبضتها.
“لماذا يبتسم لها بتلك الطريقة؟”
ذلك الضحك كان يجب أن يكون موجهًا لها وحدها.
فكيف يُمنح لتلك اللقيطة الحقيرة؟ كلما فكرت، ازداد غضبها.
لا بد أن الأمير لا يعلم كم هي إيرينيا نجسة.
“تلك الحقيرة كانت مجرد شحاذة تتسكع في الشوارع…”
كانت جيوفينيتا تعرف ما الذي تضطر النساء في الشوارع لفعله من أجل البقاء.
تعرف مدى الإهانة والاستغلال الذي يتعرضن له مقابل قطعة خبز واحدة.
“لابد أنها هي الأخرى مارست تلك الأفعال القذرة في الشوارع.”
من يدري؟ ربما باعت جسدها وضحكتها للرجال القذرين.
لهذا استطاعت إغواء الأمير بتلك السهولة.
لا شك في ذلك.
كل النساء القادمات من الشوارع متشابهات.
تزعزعت مشاعرها مرة أخرى.
أحست بطاقة سوداء مخيفة تغمر جسدها.
وفي كل مرة كانت تسمع همسات غريبة من داخلها.
لقد سمعتها كثيرًا حتى التصقت تلك الأصوات بأذنيها.
“يا ابنتي… صغيرتي!”
خوفًا من سماع ذلك الصوت مجددًا، ضغطت جيوفينيتا على أسنانها وسدت أذنيها.
لم ترد سماع صوت تلك المرأة الشحاذة.
نظرت إليها مارتا، التي لم تكن تدري شيئًا، بحيرة.
كان هناك لهيب يتصاعد في قلب جيوفينيتا.
لهيب غضب فقد وجهته، يحرق روحها ويحولها إلى فحم أسود.
تلك المتسولة.
تلك التي نادتها بـ”ابنتي”.
لم تستطع التوقف عن التفكير بها.
ماذا لو… ماذا لو كانت تلك المرأة القذرة لها صلة بها من الأصل؟ حينها ستكون اللعنة التي ألقتها على إيرينيا، قد انعكست على نفسها.
وهذا كان كافيًا ليشعرها بالرعب والقرف.
لم تكن تعرف كيف تُغيّر اتجاه ذلك اللهيب.
كان يحرق جسدها الصغير ويؤلمها، ولا يمكنها السيطرة عليه.
لذلك، جلست جيوفينيتا هناك وبكت طويلًا.
***************
كان داخل غرفة الأمير الثاني، ماتياس، في فوضى عارمة.
قطع الأثاث المحطمة وشظايا الزجاج الحادة كانت متناثرة على الأرض، إلى جانب قطع غير معروفة، وخرز، ومجوهرات مبعثرة.دخل بيرتوتشيو، الخادم المخلص لماتِياس، إلى الغرفة بحذر.
وكلما خطا خطوة، صدرت أصوات خافتة من الشظايا تحت قدميه.
“من هناك؟”
سمع صوت ماتِياس الحاد، فرفع بيرتوتشيو يده سريعًا مهدئًا وهو يدخل غرفة النوم:
“أنا، سموّ الأمير.”
اغتنمت العاهرة التي كانت في الغرفة الفرصة، وغطت جسدها بقطعة قماش وركضت خارجة.
لم يكن من الصعب أن نلاحظ أن مكياجها قد تلطخ بالدموع، بعد ما مرّت به طوال الليل.
أشار بيرتوتشيو إلى الحارس المرافق له ليعطيها أجرتها.
وحين أُعطيت بعض العملات الذهبية، أشرقت ملامح المرأة على الفور.
“ألم أقل بألّا يدخل أحد؟ ما الذي تفعله هنا؟”
كان الأمير الثاني، ماتِياس، مستلقيًا على السرير، غاضبًا. وكانت الشراشف ملطخة، لا يُعرف إن كانت بآثار خمر أم دماء.
ولأنه لم يغادر السرير منذ أيام، فقد بدا أكثر خشونة من آخر مرة رؤي فيها.
“حان وقت علاجك، سموّ الأمير.”
وضع بيرتوتشيو أدوات العلاج على الطاولة بجوار السرير، وركع أمامه باحترام.
“اللعنة…”
تألم ماتِياس وتقطبت ملامحه.
لقد انكسر معصمه الأيسر تمامًا بعد شجاره مع ولي العهد الأول.
أفاد الطبيب المعالج أن العلاج المنتظم لمدة شهرين على الأقل ضروري لتجنب أي إعاقة دائمة، وأوصى باستخدام دعامة طبية طوال الوقت.
كان ذلك مهينًا جدًا.
مجرد البقاء ساكنًا كان يملؤه بالغضب، وكان يستيقظ مرارًا وتكرارًا أثناء نومه.
لقد كان في أسوأ حالاته.
مرّر يده خلال شعره بعنف وجلس على طرف السرير.
لو تلقى علاجًا سحريًا، لكان تعافى بسرعة أكبر.
لكن الساحر الوحيد القادر على العلاج في القصر هو ريشار، التابع المخلص لولي العهد الأول.
ولم يكن يريد أن يعرف أحد من الغرباء عن إصابته.
لم يرد أن تُكشف حقيقة أن معصمه قد كُسر على يد ولي العهد.
لذلك، كان يستمع بهدوء لتعليمات طبيبه.
كان خائفًا من “العواقب”، ولهذا حرص على تلقي العلاج باستمرار.
فلو بقيت تلك الإصابة وأدت لإعاقة، فستكون سخرية تلاحقه طوال حياته.
“ابدأ.”
مدّ ماتِياس يده اليسرى نحو بيرتوتشيو.
كانت يده ملفوفة بضماد على دعامة خاصة.
وعلى الرغم من مظهره القوي، كانت يد بيرتوتشيو حذرة ودقيقة في نزع الضماد.
فقد كان جنديًا مخضرمًا، معتادًا على التعامل مع الإصابات.
حتى بيرتوتشيو، الذي لا يتأثر عادة بشيء، كان يشعر بتوتر شديد اليوم.
“سموّ الأمير، هناك أمر أود سؤالك عنه.”
“ما هو؟”
لم يكن خادمه المخلص يتحدث عبثًا.
نظر إليه ماتِياس متوقعًا شيئًا صعبًا.
“ما هذه الحماقة التي ستقولها الآن؟”
بادَره ماتِياس بسرعة، مدركًا أن مواجهة الحقيقة أفضل من إغضابه لاحقًا.
“إنها نصيحة صادقة من جلالة الإمبراطورة، بأنك لا تستطيع الظهور في اجتماع الدول الثلاث القادم بهذا المعصم المشوّه.”
كان الأمر منطقيًا، ومنذ وقت طويل وصلت أخبار حالته إلى آذان الإمبراطورة كورنيليا.
“وماذا بعد؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 144"