وبّخت سيليستينا نفسها معتبرة ما خطر ببالها مجرد خيال سخيف، لكنها، من جهة أخرى، لم تستطع إنكار مدى طمعها في لقب زوجة ولي العهد.
كانت هناك أسباب منطقية وراء هوس الإمبراطورة كورنليا بزواج ولي العهد الأول، رغم أنه لم يكن ابنها البيولوجي.
ذلك لأنها كانت تدرك تماماً نظرة الناس من حولها.
فرغم كونها زوجة أبيه، إلا أن ترك عرش زوجة ولي العهد شاغراً دون تزويجه قد يُفسَّر بأنه نوع من العرقلة أو الحسد تجاه مكانة ولي العهد الأول، مما قد يثير استنكارًا علنيًا.
لهذا، كان اختيار شريكة زواج ولي العهد أمرًا يجب أن يتم بعناية بالغة.
وبما أنه لم تكن هناك أميرة من العائلة المالكة مستعدة للزواج من أمير يُعتقد أنه ملعون، فقد بدأت مفاوضات الزواج مع عائلات النبلاء.
هذه العائلات أيضًا تم اختيارها من قِبَل الإمبراطورة بعناية فائقة وبناء على حسابات دقيقة، مفضلة تلك التي يمكن التحكم بها بشكل مناسب.
وقد قامت الإمبراطورة حتى بالتلاعب بالمرشحات لهذا المنصب عبر مرسيدس، مقدمةً مكافآت مناسبة لعائلاتهن لتهدئة أي توترات.
كان الزواج من ولي العهد الأول بمثابة مغامرة قاتلة.
ولهذا السبب كانت سيليستينا قد تخلّت طواعية عن ذلك المنصب الذي لا يحمل إلا المظهر الجميل، وسلمته لتلك اللقيطة.
لكن الأمور قد تغيرت الآن.
ولي العهد الأول، الذي بدا سليماً معافى إلى هذا الحد؟ في الماضي، لم يكن ذلك حتى قابلاً للتصور.
لم تستطع فهم كيف تمكنت تلك الفتاة إيرينيا من الإفلات من لعنة ولي العهد.
ربما، حقاً، بفعل دماء فلوريس، أو بسبب السلالة الخاصة من الدم التي تنتمي إلى الساحر الأعظم كوشيمو، حدثت معجزة ما استطاعت من خلالها كبح “لعنة التنين المجنون”.
وحين فكرت في ذلك، شعرت فجأة بحرارة ومرارة تجتاح صدرها.
ماذا لو كانت جيوفينيتا؟ لو كانت جيوفينيتا تعرف كيف تفك تلك اللعنة؟ كانت ابنتها التي أنجبتها من رحمها، وكان من الممكن أن تصبح زوجة ولي العهد للإمبراطورية! زوجة ولي العهد! ألا يُعد ذلك ثاني أعلى مقام يمكن أن تبلغه امرأة في الإمبراطورية بعد الإمبراطورة نفسها؟
كلما فكرت بذلك، شعرت بالمرارة والغضب لأنها قد منحت تلك اللقيطة شرفًا عظيمًا كهذا.
لكن لم يكن ذلك ممكنًا.
هزت سيليستينا رأسها بعنف وكأنها تحاول نفض هذه الأفكار المزعجة.
حتى لو كان ولي العهد الأول قد تخلّص من تأثير اللعنة جزئيًا عن طريق الصدفة، فلن يدوم هذا الحظ إلى الأبد.
كما أنها لم تكن لتُعرّض ابنتها الوحيدة جيوفينيتا لهذا الخطر العظيم.
لقد تابعت سيليستينا شخصية الإمبراطورة كورنليا عن كثب طوال هذا الوقت.
فهل فشلت الإمبراطورة يومًا في إسقاط أي عقبة أمامها؟ أبدًا لم يحدث.
حتى اللعنة التي أصابت ولي العهد الأول لم تختفِ من تلقاء نفسها. فمثل تلك اللعنات البغيضة لا تزول بسهولة.
“ومع ذلك…”
كلما فكرت، كلما زاد شعورها بالحسرة.
رغم أن ولي العهد الأول لا يزال يعاني من آثار اللعنة واختلالات عقلية محتملة، إلا أنه الوريث الشرعي الوحيد لسلالة الإمبراطور ووريث صليب النقاء المقدس.
لو كانت شريكة سيزار ولي العهد الأول هي جيوفينيتا، الوريثة الشرعية لعائلة فلوريس، لا مجرد لقيطة، لكان الأمر مختلفًا تمامًا.
لو تزوجا وأنجبا طفلًا، لكان لذلك الطفل سلالة شرعية تتفوق حتى على ولي العهد نفسه.
طفل يحمل اسم دي لا روزا كونستانتيني فيوري، وينتمي إلى عائلة دوقات فلوريس، التي أنتجت العديد من السحرة العظماء وتوارثت لقب الدوق جيلاً بعد جيل.
لكان وريثًا مثاليًا ترضى عنه التيارات المحافظة والأصولية في الإمبراطورية.
“لو تحقق ذلك فقط…”
كان من الممكن أن يُعاد تشكيل هيكل السلطة في الإمبراطورية.
وما شأن الإمبراطورة كورنليا؟ لو حدث هذا، لاهتزت الساحة السياسية بالكامل، بحيث تُصبح سيطرتها على الإمبراطورية مجرد نكتة.
لكن عندما وصلت أفكار سيليستينا إلى هذه النقطة، توقفت فجأة وابتسمت بمرارة.
حتى لو كانت كل هذه التخيلات ممكنة، فما فائدتها؟
لم تكن الإمبراطورة كورنليا لتتخلى أبدًا عن حلمها الكبير وطموحها في أن تُصعِّد ابنها، ولي العهد الثاني ماتياس، إلى العرش.
كانت من أولئك الأمهات المستعدات لفعل أي شيء من أجل أبنائهن، حتى أنها لم تتردد في استخدام السحر المحرم لإيقاع ولي العهد الأول في لعنة وتدمير الإمبراطورة السابقة.
حتى لو تزوجت إيرينيا من ولي العهد الأول وأنجبت طفلًا، فلا معنى لأن تتمنى لذلك الطفل أن يكبر ويصير وريثًا للعرش.
سيكون ذلك الطفل تهديدًا مباشرًا لوراثة ولي العهد الثاني ماتياس.
لذا، قبل أن يحدث ذلك، ستمتد يد الإمبراطورة، بلا شك، نحو جيوفينيتا أو الطفل، بأساليب خبيثة ودقيقة.
ابتسمت سيليستينا بمرارة.
من المؤكد أن الإمبراطورة الآن تعيش في قلق دائم خوفًا من أن تكون تلك الفتاة إيرينيا حاملًا.
حتى إن لم تكن عائلة دوق فلوريس مستعدة لدعم إيرينيا، فإن الطفل الذي يولد بينهما سيحمل الشرعية الكاملة من ولي العهد الأول.
وإذا نجا الطفل وكبر، فسيكون خصمًا قويًا لـولي العهد الثاني.
وربما، كان السبب الوحيد لبقاء إيرينيا حيّة حتى الآن هو أنها لم تحمل بعد.
أما في حال حملها…
ابتسمت سيليستينا بسخرية وهزّت رأسها مجددًا.
لم يكن من الضروري أن تتدبر حتى هذه الأمور.
ما شأنها إن أصبحت تلك اللقيطة ضحية للعبة السياسة؟
بل سيكون ذلك أمرًا يستحق الفرح.
فإذا اختفت تلك الشوكة في عينها، ستصبح آفاق جيوفينيتا أكثر إشراقًا.
نعم، لقد كانت أيضًا أمًا.
وكانت مستعدة لأن تغرق في أي وحل من أجل ابنتها.
كانت تؤمن أن هذا هو واجبها الذي ولدت لأجله وتلقته من السماء.
“على أية حال، ولي العهد الأول لا يصلح.”
عليها أن توصل هذه الحقيقة إلى جيوفينيتا بوضوح.
أن النزوة العاطفية العابرة قد تنتهي بحرق مروّع.
كان ذلك انحرافًا خطيرًا.
لا يجب أن تصنع من لحظة اندفاع شيئًا تندم عليه طوال حياتها.
“نعم، ذلك الشيء يجب ألا يُمسّ.”
قررت سيليستينا أن تراقب ابنتها الحبيبة بصرامة من جديد.
يجب ألا يُسمح بأي فرصة لحدوث شيء كهذا.
فمثل هذه المشاعر كانت الطريق الأسرع إلى الدمار.
**********
بعد أن ودّعنا برناديتا بأمان، ذهبنا إلى مقر ريشار لنعبر له عن شكرنا.
رغم أن الثلاثة أشهر التي قضاها مع برناديتا لم تكن طويلة جدًا، فقد بدا أن ريشار تعلق بها بطريقة أو بأخرى.
شرع ريشار ببطء في ترتيب المكتب الذي كانت تستخدمه برناديتا أثناء دراستها، وكانت على وجهه علامات الأسف.
قام بجمع كتب تعليم السحر الأساسية، والأدوات الكتابية، والأوراق الملطخة بالحبر والمملوءة بخط غير منتظم وتعويذات سحرية، ووضعها جميعًا بهدوء.
حين رأيت ذلك، تبسمت بأسى.
لا بد أن تعليم طفلة صغيرة لا تعرف شيئًا، بينما كان هو منغمسًا في أبحاثه الخاصة، كان أمرًا مرهقًا.
ومع ذلك، لم يتذمر ولو مرة واحدة، وكان ذلك شيئًا ممتنًا له.
“يقال إننا لا نشعر بوجود أحد حتى يغادر، ألا تشعر بالحزن لأن تلميذتك رحلت؟”
سألته وأنا أساعده في الترتيب، متحدثة بخفة.
فابتسم ريشار ابتسامة باهتة، ثم بدأ ينحت ريشة الكتابة التي كانت تستخدمها برناديتا بسكين ليجعل رأسها حادًا مجددًا.
وحين عادت الحِدّة إليها، وضعها حتى هي في صندوق خشبي صغير.
“انتظار نمو التلميذ أيضًا، من الفضائل التي يجب أن يتحلى بها الأستاذ.”
“أجل، معك حق…”
تذكرت برناديتا، التي كانت دائمًا ما تبتسم لنا بلطف وهي جالسة إلى هذا المكتب، ولم أتمالك نفسي من أن ألمسه بشيء من الحنين.
“برناديتا تملك موهبة بارزة في السحر، لذا ستتألق قريبًا بلا شك.”
حين رأيت مدى ثقته بها، شعرت أنه أستاذ حقيقي بحق.
“مع ذلك، أقلق من ألا تتأقلم برني مع البيئة الجديدة.”
فأجاب ريشار بابتسامة واثقة، وقد علت ملامحه الثقة التامة:
“سترين. قريبًا ستصبح أفضل طالبة في المدرسة كلها.”
انبعثت في قلبي طمأنينة من ثقته واعتزازه بتلميذته.
“إنها ذكية. لا شك أنها ستراسلنا قريبًا.”
أغمضت عيني واستحضرت صورتها.
كانت طفلة ضعيفة تقضي أيامها راقدة كالميتة في غرفة ضيقة.
لا شك أن المدرسة السحرية الجديدة ستمنحها دفعة إيجابية.
تخيلتها تصادق أصدقاء جدد، وتتعلم، بل وتصبح في المستقبل ساحرة عظيمة.
ربما لا تزال تبدو صغيرة الآن، لكنها ذات يوم ستنمو لتكون ساحرة لا تقل شأنًا عن كوشيمو فلوريس.
رؤية الطفل يكبر، أمر رائع فعلًا.
إنه يشبه رعاية بذرة لا نعرف نوعها.
في انتظار أن تنمو تلك الساق الرفيعة، ونستكشف الزهرة التي ستتفتح في النهاية.
“على كل حال…”
في تلك اللحظة، نظر ريشار إليّ وإلى سيزار بالتناوب،
وأومأ برأسه.
وبطريقة ما، بدا واضحًا ما الذي كان يعنيه بنظراته، فاشتعلت وجنتاي خجلًا.
“إنه لأمر محمود. بفضل اتّباعه تعاليمي، بات سموّكم بهذه الحالة المستقرة…”
أمسك بيدي سيزار وكأن التأثر غلبه.
كانت هناك أشياء كثيرة تُفهم من تبادل النظرات بينهما.
وحين نظر إليّ ثانية وأومأ برأسه، وكأنه يعرف كل شيء، شعرت بدوار خفيف.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 141"