كان مجرد ذكره كافيًا ليهز ذاكرتي. لطالما سمعت أن هذه الجوهرة تُورث عبر نساء العائلة الإمبراطورية جيلاً بعد جيل.
“نعم، من تتلقى تلك الجوهرة، تنال بذلك اعتراف الإمبراطورة شخصيًا.”
“حقًا؟”
كنت أعلم في قرارة نفسي أن لقاء الإمبراطورة كورنيليا لن يكون بالأمر السهل. مجرد التفكير في أنها هي من تخلت عن قصر الزمرد لصالحنا، يشير إلى شيء ما… شيء أشبه بالعداء الخفي.
أن أجلس معها لتناول الشاي؟ وأن تنظر إليّ بعين القبول؟ فكرة يصعب تصديقها. بالكاد سأعرف طعم الشاي إن شربته.
لكن، كنت مضطرة. لا مفر. إن أردت النجاة من هذا الوضع، فعليّ أن أتحمل كل شيء، حتى لقاءها.
“آه، مولاتي، يلزم أن تتجهزي قبل الغداء…”
الخادمات رمقنني بنظرات محرجة. لم يكن ذنبي، بل ذنب سيزار، الذي ظل متشبثًا بي كقط صغير يرفض أن يترك صدر أمه.
بهذه الحال، لن أستطيع حتى أن أبدّل ملابسي.
“ألن يأتي سيزار معي؟”
مرسيدس هزّت رأسها برفق.
“جلالة الإمبراطورة…”
سعلت قليلاً قبل أن تواصل:
“لا تود لقاء الأمير الأول.”
تجمدت للحظة. هذا يعني أنني سأكون وحدي في حضرة الإمبراطورة.
بصراحة، حتى لو جاء سيزار، لكان وجوده مصدر قلق بحد ذاته. ربما من الأفضل أن أواجهها وحدي… وإن كان قلبي يخفق بجنون، حاولت جاهدًة ألّا أُظهر ذلك.
“لا أريد رؤية كورنيليا.”
قالها سيزار بصوت قاطع. جمدت الخادمات في أماكنهن وقد تملكتهن الدهشة.
“حقًا؟”
“نعم.”
لكن مهما يكن، لم يكن بوسعي التهرب من اللقاء. كان الوقت يمضي، وعليّ أن أستعد.
“سيزار…”
ناديت اسمه برقة محاولة إبعاده عنّي، لكنّه دفن وجهه مجددًا في صدري كما لو كان يتشبث بآخر شاطئ أمان.
مرسيدس وضعت يدها على فمها، تبتسم بإعجاب لا مبرر له.
“لا… الأمر ليس كما تظنين.”
تمتمتُ على عجل. ربما هو فقط لا يحب الغرباء. أو… ربما تأثير الدم الذي سقيناه له البارحة بدأ بالتلاشي.
أياً كانت الأسباب، كنا بحاجة للحظات على انفراد.
“هل يمكننا… أن نُترك لبعض الوقت؟”
انسحب الجميع من الغرفة بناءً على طلبي، بعدما شددت على عدم السماح لأحد بالدخول مهما حدث. لم يكن لدينا متسع من الوقت.
فتح فمه، فانكشفت أنيابه بوضوح تحت الضوء. تلمع بحدة وسط شعره الكثيف، كأنها تعلن عن خطر وشيك.
نَفَسه بدا دافئًا، بل ساخنًا، ثم اتجه بثقله نحوي حتى كدت أختنق من ثقل جسده.
كانت غريزته تسيطر عليه مرة أخرى، وها هو الآن يشمّ رائحتي كحيوان جائع، يحدق في عنقي بثبات.
“ليس هنا!”
كنت على وشك لقاء الإمبراطورة، ولا مجال لترك أي أثر على جسدي.
لكن رغم احتجاجي، أرسل لسانه الدافئ ببطء على عنقي، يتبع نبضه الطويل.
غطيت عنقي بيدي، فانتقل إلى عظمة الترقوة.
“ولا هنا أيضاً.”
لكنه استمر، ينزل أكثر، وبدأت أنفاسي تضطرب.
إلى متى سأظل أساومه على جسدي بهذا الشكل؟ منذ البداية، هذه العلاقة كانت… معوجّة.
وضعت يدي على فمه، أعلم أن الجرح لم يلتئم بعد.
وفعلًا، ما إن شمّ رائحة الدم حتى غاص وجهه في كفي، يلتهم رائحة الحياة.
أنيابه غرست نفسها في جرحي المفتوح. كان الألم مروعًا، لكنني تشبثت بهدوئي.
ضغطت عينيّ، أُردد في داخلي:
“تحمّلي، لا بأس… قليل من الألم فقط.”
لكن حين فتحت عينيّ، وجدته يحدق فيّ بعيونه الحمراء، كأنها تمزقني قطعة قطعة.
تساءلت في تلك اللحظة… هل ما أفعله صائب؟ هل كنت مخطئة في شيء ما؟
لكنه، كعادته، عاد يدفن وجهه في يدي بعد أن ملأها بعلامات أنيابه.
في النهاية، كما هو الحال دائمًا… كنت أنا من يضطر للتوسل والانكسار.
“دعنا نُنهي الأمر… أرجوك؟”
همستها والدموع تترقرق في عيني، أراقبه وهو ينهشني بشغف جامح، أترجاه وأهدئه كما فعلت مرارًا من قبل. لم يهدأ إلا بعد عناء طويل، وكأن قلبي لم يعد يحتمل المزيد.
_________________
بمجرد أن سحبت خيط الجرس، دخلت الخادمات على الفور.
لكن الذي لم يفكر للحظة في الابتعاد عني كان سيزار. التصق بي كطفل خائف، رافضًا أن يفلتني، غير مدرك أن الوقت قد حان للرحيل. فبدأت بمحاولة إقناعه.
“عليّ أن أبدل ملابسي الآن، لن أتأخر.”
“هممم…”
كنت أظنه سيعترض بعناد كعادته، لكن يبدو أن جرعة الدم التي شربها جعلته أكثر طواعية. تنهد بعمق، ثم فك ذراعيه من حول خصري بهدوء.
إحدى الخادمات، التي كانت تراقب بصمت، رفعت حاجزًا ساترًا وبدأت بتحضير الملابس.
“اختاري شيئًا بسيطًا قدر الإمكان، رجاءً.”
التقطت من بين الفساتين ما بدا الأقل بهرجة. لم أرغب في لفت الأنظار أكثر مما ينبغي.
زينة الوجه والإكسسوارات أبقيتها في أدنى حد، لأن كل تأخير بسيط كان يُقابل بتذمّر واضح من سيزار.
لكن المشكلة الكبرى كانت يدي المجروحة. رغم أنها مخفية تحت ثنايا الفستان، فإن آثار أنيابه كانت لا تزال واضحة، شوهت الجلد بالكامل.
كان الكل يعلم أنني جرحت يدي بالأمس وتلقيت العلاج، لكن عرض الجرح بهذه الصورة… لم يكن خيارًا مطروحًا. لو لاحظ أحدهم شيئًا غريبًا، فقد يفتح ذلك أبوابًا لا أريد فتحها.
راقبت انعكاس وجه الخادمة في المرآة، لكن يبدو أنها لم تُلقِ بالًا للجروح.
نظرت إلى يدي، فشعرت بالاشمئزاز. كان منظرها بشعًا للغاية، لا يصلح ليد امرأة، ناهيك عن أميرة القصر.
“أحضري لي قفازات.”
“هل أساعدك في ارتدائها؟”
“لا، فقط أعطيني إياها.”
كان لا بد من إخفائها، عن أعين الجميع، وخصوصًا عن عيني الإمبراطورة.
اخترت قفازات قصيرة من الدانتيل الفاتح تناسب النهار، وارتديتها بعناية. يجب أن أتأكد ألا أضطر لنزعها أمام أحد.
“سيزار، سأعود بسرعة.”
“لا أريدك أن تذهبي.”
وكما توقعت… تمسّك بي مجددًا.
“لا خيار لدي، يجب أن أذهب.”
“……لا أريد.”
تنهدت. هل يمكن أن يكون ما يزال يشعر بالعطش؟ لا أظن…
كررت وعدي أكثر من مرة حتى استطعت أخيرًا التوجه نحو جناح الإمبراطورة.
كانت الشمس في أوج قسوتها، تحرق رأسي بلا رحمة. أنفاسي تسارعت وكأنها تسابق الوقت، والعرق انهمر كالمطر فوق جسدي.
************
حقًا، كان الطريق طويلاً ومزعجًا. لدرجة أنني أدركت تمامًا مدى بعد قصر الزمرد الأخضر الذي أُقيم فيه، فهو يقع في أقصى زاوية من هذا القصر الإمبراطوري الواسع.
ساقاي المتعبتان باتتا على وشك الانهيار، والألم بدأ يلسع عضلاتي مع كل خطوة. وفي النهاية، اضطررت إلى جر قدمي جرًّا، أعرج بالكاد أتابع طريقي، ومع ذلك لم يكلّف أحد من المرافقين أنفسهم عناء النظر إليّ — لا الحرس المرافق، ولا الخدم الذين يفترض بهم الاهتمام بي.
“هاه…”
كنت قد توقعت مثل هذا الموقف، لذا اخترت ثيابًا بسيطة قدر الإمكان. وكان اختياري في محلّه. فبرغم أن الربيع لا يزال في بداياته، إلا أن الجو كان خانقًا، رطبًا ومزعجًا بشكل لا يُطاق.
عندما وصلت أخيرًا إلى قصر “مونستون”، كانت الشمس قد ارتفعت عاليًا في كبد السماء.
ذلك المكان مخصص لأعلى نساء القصر مقامًا، وقد بدا باذخًا منذ أول وهلة. مدخله وحده كان مختلفًا عن سائر الأجنحة، مزدانًا بفخامة لا تخطئها العين.
بني من الرخام الأبيض والذهب في مزيج متناغم، فيما نُثرت قطع زجاجية بلورية هنا وهناك لتعكس ضوء الشمس وتبعث بريقًا لبنيًا ساحرًا كأنما قد خرج من حلم مقدّس.
“الأميرة قد وصلت.”
أعلن أحد الخدم دخولي، فوقع بصري على الإمبراطورة كورنيليا جالسةً في لا مبالاة على العرش الذهبي في قاعة الاستقبال.
كانت قد رفعت شعرها الأحمر المشتعل بعناية، وتزينت بثوب قرمزي يُبرز لون شعرها المميز. أما على رأسها، فثبتت تاجًا يدمج بين الياقوت واللؤلؤ، فوق شبكة ذهبية نُسجت بخيوط فاخرة.
يتدلى من عنقها قلادة تحمل وردة بيضاء ملتفة حول صليب خشبي — رمز لا يُسمح بارتدائه سوى للإمبراطورة نفسها.
شددت من قبضتي وأخذت نفسًا عميقًا، محاوِلة أن أخفي أثر تعبي وأواصل المشي بخطى ثابتة. لم يكن الأمر سهلًا، خاصة حين بدأت ضحكات خافتة تتسلل من بين وصيفات الإمبراطورة، كأنها سهام صغيرة تخترق صمتي.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 14"