136
************
شعرتُ بأن قلبي يقفز بعنف.
كان يضطرب بجنون كما لو أنني حبستُ في صدري سمكة كبيرة.
ما الذي قلته لتوي لسيزار؟ ما الذي فعلته بحق السماء؟
قبل أن أشعر بالندم، داهمني دوار شديد.
كان رأسي يدور لدرجة أن بصري تعتّم، وشعرتُ أنه لو فتحتُ فمي فسوف يندفع قلبي خارجه، فلم أستطع قول شيء بعد ذلك.
لكن كل ما حدث كان خارجاً عن إرادتي، قوة قاهرة لا أملك دفعها.
في تلك اللحظة، استدار سيزار نحوي واقترب ببطء.
“رين…”
صوته كان مبحوحاً قليلاً، فيه نبرة معدنية.
شددت قبضتي على طرف ملابسي.
أمسكت بها بقوة لدرجة أن أظافري صارت بيضاء.
كانت أطراف أصابعي ترتجف من التوتر، لكنني لم أرد أن أترك سيزار يرحل.
رغم قربه، كنت أشتاق إليه بشدة.
سيطر عليّ شعورٌ بأنني أريده أقرب، رغبةٌ في الاقتراب منه أكثر فأكثر، احتلت كل أفكاري.
“أمّا، قبل قليل…”
ولهذا، بدأت أتكلم دون تفكير، أقول أي شيء يخطر لي.
لا شك أنني لا أستطيع تفسير تصرفي هذا حتى لنفسي، ولكن ما لم أستطع احتماله أكثر هو الصمت الذي خيّم بيننا.
رغم أنني أعلم يقيناً أنني سأندم لاحقاً، لم أستطع التوقف عن الكلام.
استمع سيزار بهدوء إلى كل ما كنت أقوله.
“ما حدث قبل قليل لا يزال يخيفني كثيراً… لا أريد أن أكون وحدي…”
عندما سمع ذلك، بدأ سيزار يحلّ برفق يدي التي كانت متشبثة بكُمّه، ثم وضع يده فوق يدي.
“سأمسك بيدك.”
“هممم…”
رغم أن مجرد إمساكه بيدي لم يكن كافياً، إلا أنني شعرت بالارتياح لمجرد معرفتي بأنه لن يغادرني الآن.
بقينا ممسكين بأيدي بعضنا البعض بصمت لفترة من الزمن.
رغم ذلك، لم تختفِ مشاعر القلق.
هل يعقل أنه ينوي أن نظل هكذا طوال الليل؟
ما كان مني إلا أن طلبت طلباً أكثر جرأة.
رفعت الغطاء وقلت له بوضوح:
“لا زلت خائفة، تعال واستلقِ خلفي.”
“حسناً، فهمت.”
أجاب سيزار على الفور دون أي تردد، حتى أنني شعرت أن ترددي السابق كان غير مبرر.
تقدم نحوي بهدوء.
كان عليه أن يتجاوزني ليصل إلى الجهة الخلفية من السرير.
مالت المرتبة قليلاً تحت وطأة وزنه، وجسده انحنى ناحيتي.
توترت عضلات ذراعيه حتى لا يسحقني.
رأيت تفاحة آدم تتحرك في حلقه، وبرز وريد أزرق باهت بجوارها.
عند رؤية ذلك المشهد، بلعتُ ريقي الجاف بصعوبة.
كان أمراً غريباً جداً.
حين اقترب مني الأمير الثاني، التصق جسدانا أيضاً كما الآن.
لكن في ذلك الوقت، شعرت بالقرف الشديد، بينما الآن، لماذا لا أشعر بأي انزعاج مع سيزار؟
لا، لم يكن الأمر عادياً.
بل، كل مرة يلامس فيها جسدي، يمر تيار ساخن يحرقني.
مع كل لمسة، ترتجف روحي بشدة حتى تكاد الدموع تسقط من عيني، ويزداد تنفسي اضطراباً.
وجهي يغلي من الحرارة.
عندما استقر سيزار خلفي، شعرت بحرارة جسده، التي كانت أعلى من حرارة الشخص العادي.
في دفء حضنه، أطلقت زفيراً طويلاً كنت أحاول كتمانه.
“هووو…”
اقترب مني سيزار بحذر شديد، واحتضن كتفي.
شعرت بأنفاسه الدافئة تلامس عنقي.
“آه…”
خرجت مني تنهيدة صغيرة لا إرادية.
وعندما سمعها سيزار، تجمد في مكانه.
بدا وكأنه طفل صغير ضبط متلبساً بلعبٍ لا ينبغي له.
كان يلمسني كما لو أنني دمية خزفية قابلة للكسر.
لم أستطع تحمل ذلك، فقررت أن أكون أكثر جرأة.
أمسكت بيده ورفعتها إلى كتفي.
“عانقني بقوة هكذا.”
ابتسم سيزار بخفة، وامتثل لأمري بصدق.
ابتسمت بارتياح وأنا أشعر بقوة ذراعيه تحيط بكتفي.
بقينا على هذا الحال، نستلقي بصمت، نستشعر حرارة بعضنا البعض في ظلمة الغرفة.
عندما زال البرود الذي كنت أشعر به من خلفي، وحل مكانه دفء لطيف، همستُ بالكلمات التي كانت عالقة في صدري.
“…شكراً لك على ما فعلته سابقاً.”
بالفعل، كنت قد نسيت حتى أن أشكره من شدة الصدمة والاضطراب.
“لو لم يكن سيزار هناك، لحدث أمر فظيع حقاً.”
“لا، لو أنني فقط…”
في تلك اللحظة، خفت صوت سيزار.
شعرت على الفور بأنه يندم على تصرفه.
لكن الخطأ ليس خطأه، بل خطأ الأمير الثاني الذي فعل بي ما فعله.
لماذا يشعر سيزار بالذنب؟
قلت له بنبرة حازمة بعض الشيء:
“ليس الأمر كذلك، سيزار. لقد حميتني.”
“لكن رين مرّت بتجربة مخيفة.”
كان صوته ضعيفاً جداً، وكأنه يلوم نفسه بشدة.
لذلك سارعت لمقاطعته.
“لا، لقد أتيتَ في الوقت المناسب، ولهذا توقف كل شيء عند ذلك الحد. لو لم تفعل، لا أدري ما الذي كان سيحدث الآن…”
ارتجف جسدي كله حين تذكرت ما حدث مع الأمير الثاني.
في تلك اللحظة، شعرت برعب حقيقي من الموت.
لم يكن هناك مفر، ولا أحد يساعدني، وظهرتَ أنت كالمعجزة.
فضمني سيزار بقوة أكبر.
“أنا آسف، كنت أريد أن أحميك.”
“قلت لك ليس ذنبك.”
كان الأمر وكأن سوء التفاهم بيننا يتراكم.
ونتيجة لذلك، بدأنا نتصرف بطريقة فوضوية.
كنا كلانا نشعر بالذنب تجاه الآخر.
شيء كهذا لم يكن من الممكن تصوره في الماضي، ولهذا ضحكتُ دون وعي.
عندما ضحكت، بدا سيزار حائراً.
“فقط… الأمر غريب.”
“ما الذي تقصدين؟”
“لقد أصبحتَ ناضجاً جداً، يا سيزار. هذا ما شعرتُ به…”
“همم.”
في تلك اللحظة، اقترب مني سيزار أكثر.
الغريب أنني شعرت براحة أكبر كلما زادت قوة احتضانه لي.
ومع ذلك، تذكرت كيف كان دائماً يحاول الاقتراب مني مثل طفل صغير.
“لقد تغيّرتُ لأني أردتُ حمايتك.”
ثم همس بذلك في أذني.
“ماذا؟”
“كل شيء لأجل رين.”
نطق كل كلمة وهو يؤكد معناها.
حين أدركت كم يبذل لأجلي، شعرت بعاطفة كبيرة تسري في قلبي كموجٍ هادئ.
“شكراً لك، سيزار.”
ربما لأن مشاعري فاضت، كانت كلماتي الأخيرة تحمل نبرة مبللة قليلاً.
بدا سيزار وكأنه فوجئ، ربما ظن أنني أبكي.
ولهذا التفتُ نحوه على الفور.
لم يكن هناك ضوء سوى نار الموقد، وكان الجو مظلماً قليلاً، لكننا اعتدنا على الظلام.
وحين التقت أعيننا، شعرنا بشيء ما في اللحظة نفسها.
كان حرارة.
شيءٌ خشن لا يمكن وصفه، يلامس جلدي.
كانت عيناه تتأرجحان كقصب تحركه الرياح.
كما لو أن ناراً اشتعلت فجأة في أرجاء الغرفة، كأن شعلة ضخمة تبتلعني.
مجرد نظرته كانت كافية لتجعلني أشعر بحرارة تحرقني.
كانت عيناه تحملان رغبةً واضحة لا يمكن إنكارها.
ربما لهذا السبب شعرت وكأنني ابتلعتُ في دوامة من الحرارة.
كانت النار التي يُطلقها سيزار تشتعل في جسدي وتكاد تحرق كل شيء.
ولم أستطع مقاومتها.
“سيزار…”
ساد بيننا جو لم نكن نشعر به قبل لحظات.
أصبح تنفسي متسارعاً، وأحسست بحرارة في صدري.
تدفقت الحرارة في جسدي، وكان لا بد من تصريفها بطريقة ما.
لكنني لم أعرف كيف.
لم أعرف هذا النوع من المشاعر من قبل.
كانت حرارة غريبة لم أشعر بها مطلقاً.
لكنني، بغريزتي، عرفت ما يجب فعله.
أغمضتُ عيني ببطء، وشعرت بوجه سيزار يقترب بحذر.
بمجرد أن شعرتُ بأنفاسه الدافئة، حدث أول تلامس بيننا. كما لو أن شرارة كهربائية أصابتني.
وبعد لحظة قصيرة، تلامست شفاهنا بشوق.
“آه…”
كانت القبلة شديدة وعميقة لدرجة أنني نسيت كيف أتنفس. وعندما كنتُ أبتعد قليلاً لأتنفس، كان يعود ليقبلني مرة أخرى.
هذه القبلة بللت قلبي القاحل كما يفعل المطر بأرضٍ متشققة من الجفاف.
عندما ابتعدنا قليلاً، لمعت عينا سيزار الحمراوان في الظلام.
كانتا رطبتين، كأنهما مبللتان بالمطر.
قبّل جبهتي، وخديّ، وجسر أنفي.
مع حرارة أجسادنا و حماسنا المتبادل ،لم نعد نعرف من بدأ أولاً، أو من تبع الآخر.
غرقنا في بعضنا البعض، وكأننا فقدنا وعينا.
شعرت بوخز الضمير، وكأن ما نقوم به خطأ.
لكن حرارة جسدي التي تركزت في وجنتيّ جعلت تنفسي مضطرباً بلا توقف.
التعليقات لهذا الفصل " 136"