كانت على وشك أن تأمر الخدم الواقفين خلف إلدا بسحبها من المكان، حين تلاقت عيناها فجأة بعين إحدى الخادمات. ارتبكت الفتاة وارتجفت، ثم أسرعت بخفض بصرها إلى الأرض، بحركة بدت مصطنعة بشكل مريب. هل دبّ فيها الخوف فجأة وسط هذه الفوضى؟ أم أن هناك شيئاً آخر؟
“انتظري، أنتِ هناك.”
نطقت بها دون تفكير، مدفوعاً بإحساس غريب تسلل إلى كيانها، إحساس لم تستطع تجاهله. التفتت الفتاة بصوت مرتجف:
“ن… نعم؟”
كان شعوراً بارداً، يقشعر له البدن، كما لو أصابته صاعقة. لم يكن بإمكانها التغاضي عنه. أمرت أحد الخدم الواقفين عند الباب:
“فتش هذه الفتاة.”
تردد الخادم قليلاً، غير مستوعب للطلب. عبست وقالت بنبرة ضيقة:
“ألم تسمع ما قلت؟”
اقترب الخادم ببطء، ثم أمسك بذراع الفتاة المتجمدة في مكانها. هتفت برعب:
“سيدتي!”
ربما كانت تظلمها، وربما لا. لكنها لم تكن تطيق الشعور الذي انتشر في جسدها. وإن كانت مخطئة، فستكون مجرد سيده مجنونة كما يظنون.
قالت بهدوء:
“فتش جيداً. تفقد ما إن كان هناك جيب مخبأ داخل المريلة.”
حتى هي وجد تالأمر جنونياً، لكنها كانت تشعر بأن شيئاً ما مختبئ هناك. ولم يخب ظنها.
“ها… هذا!”
صرخ الخادم فجأة، مخرجاً من طيات ملابسها سواراً صغيراً، يتلألأ بالذهب. وقع على الأرض فظهر للجميع. لم يكن فاخراً، لكن من الواضح أنه لا يليق بخادمة بسيطة.
ربما كان هو نفسه الحلي الذي اتهموا دلفينا بسرقته. بل لا شك في ذلك.
تناوله الخادم وناوله لها، فأمسكتها و سألت الفتاة بنبرة صارمة:
“قالوا إن دلفينا سرقت حليي. فكيف خرج هذا من جيبك أنتِ؟”
خفضت الفتاة رأسها ولم تنبس بكلمة، جسدها يرتجف بشدة. دموعها سالت بصمت، والخادمات الأخريات بدأن بالذعر.
الآن وقد انكشف الدليل، لم يعد بإمكانهن الفرار من المحاسبة.
“خذوهن جميعاً واستجوبوهن.”
اقتيدت الخادمات من المكان، لا حول لهن ولا قوة. وحدها دلفينا ظلت راكعة على الأرض، تنظر حولها محاولة استيعاب ما جرى، ثم التقت نظراتها بنظرات السيدة، فانحنت بشدة.
“شكراً لك… سيدتي.”
السرقة جريمة جسيمة، ومصير الخادمات لن يكون سهلاً. لقد أرادوا توريط دلفينا واستخدموها أداة في ذلك، ولو لم أكتشف الحقيقة، لكانت هي من تُسحب من هنا الآن.
زفرت تنهيدة ثقيلة. أرادت أن تخبرها أنها لا تحتاج لشكرها لكنها فقط لوّحت بيدها. شكرت مرات ومرات، ثم انسحبت بهدوء.
عادت الغرفة إلى السكون، لكن رأسي ظل يضج بالتفكير. أدركت أكثر من أي وقت مضى أنني بحاجة إلى أشخاص يمكن الوثوق بهم.
“رين.”
قطع أفكارها صوت سيزار، وهو يسحب طرف ثوبها
“ماذا هناك؟”
التقت أعينهما، وابتسم الفتى ببراءة. كان مشهداً جميلاً، لكن قلبها انقبض. مسحت آثار الكدمة على خده و تبعت عينا سيزار حركة يدها
لم يكن إلا نظرة، لكنها آلمته في أعماقها. ربما عاش سيزار كل هذا الألم من قبل. وربما كان صراخه وتمرده الطريقة الوحيدة التي يعرفها ليصرخ من أجل النجدة.
وفي تلك اللحظة، فكرت في نفسها، في وضعها الذي لا تجد فيه من يثق بها إلا زوجها.
“عليّ أن أغيّر كل شيء.”
فهي وسيزار باتا في قارب واحد الآن. ومن يمكنه كبح خادم وقح، لا يمكنه السكوت على من يعتدي على سيده .
لأجل سيزار، ولأجل نفسها، عليها أن تطهر هذا المكان وتملأه بمن يمكن الاعتماد عليهم. وللقيام بذلك…
“عليّ التحدث إلى الإمبراطورة.”
تماماً في تلك اللحظة، دوى طرق على الباب. دخلت مرسيدس، تتبعها بعض الخادمات يحملن الماء والملابس النظيفة.
“كنا نبحث عن الأمير الصغير، فها هو هنا.”
“أهلاً، السيدة أرونتشو.”
“رجاء، نادني مرسيدس.”
“حسناً، مرسيدس.”
شعر بشيء من الإحراج. كان سيزار جالساً إلى جوارها في السرير، يحيط خصرها بذراعيه ولا ينوي تركها، لم يحدث بينهما شيء، بالطبع، لكن مجرد رؤيتهما معاً على سرير واحد أمام الآخرين لم يكن مريحاً.
أما مرسيدس، فلم تبدُ منزعجة. وحدها كانت تشعر بالحرج، تحاول إبعاد سيزار قليلاً، لكن سيزار تشبث بها بإصرار.
أدارت مرسيدس الخادمات بهدوء، تحذرهن من إصدار أي ضجيج. وظل سيزار ممسكاً بها كما هو، فتنحنحت بسعال خفيف من شدة الحرج.
“س… سيزار…”
كان صوت مرسيدس ينظر إليهما بابتسامة مشفقة بينما كانت تحاول تعديل ملابسها بسرعة. لم تكن مرتاحةً لفكرة إظهار علاقة وثيقة بين الزوجين أمام الآخرين، فهي قد تُفسر تفسيراً مبتذلاً.
ضحكت مرسيدس وقالت:
“تصرفتم بحكمة. الخادمات تجاوزن حدودهن.”
إذاً، كانت تعلم بما حدث. سألتها بصراحة:
“هل الخدم هنا دائماً بهذه الوقاحة؟”
ابتسمت بمرارة، كما لو كانت تقول إن هذا كان متوقعاً.
“لقد تصرفوا وكأنهم يستندون إلى نفوذ الكونتيسة إلفيرا.”
فكرت في طريقة معاملتهم لها منذ الصباح، كأنهم لم يعترفوا بها كسيدة للمنزل.
مدّت يدها تعبث بخصلات سيزار المجعدة.
“والطريقة التي يعاملون بها سيزار أيضاً…”
“نعم، حتى ذلك.”
تبادلا نظرة صامتة، ثم قالت لها بعد لحظة تردد:
“مرسيدس… بالأمس لم تسنح لي الفرصة لطلب ذلك، لكنك ترين وضعي. جئت إلى هذا القصر الإمبراطوري وحدي، بلا خادمة من منزل عائلتي. لا أحد أعتمد عليه.”
رأت في عينيها لمعة خفية، لم تعرف معناها.
“سيدتي…”
“فقط حتى أعثر على خادمة، هل بإمكانك مساعدتي؟”
أومأت بانحناءة عميقة.
“سيكون شرفاً لي، وإن كنت أخشى أن جهدي القليل لا يكفي.”
“وجودك وحده يكفيني.”
وهكذا أصبحت مرسيدس خادمتها المؤقتة. لم يكن من المعتاد أن تعمل مرضعة الأمير كخادمة للسيدة، لكنها لم تكن تملك خياراً آخر.
لو نظرنا إلى الأمر من هذا المنظور، فوضعي لم يكن طبيعيًا أيضًا؛ انضمامي إلى العائلة الإمبراطورية دون حتى وصيفة واحدة من بيت أهلي لم يكن أمرًا مألوفًا. هل كان هناك شيء واحد على الأقل في هذا الزواج يمكن وصفه بالعادي؟
لهذا، كان من الضروري أن أضمن وجود من يقف إلى جانبي هنا، ولو شخصًا واحدًا فقط.
“أشكرك حقًا، مرسيدس.”
تحدثنا طويلًا. بحكم قضائها سنوات في القصر، كانت تعرف خفايا هذا المكان جيدًا.
“صحيح أنهم طردوا أولئك الوصيفات، لكن لا أحد يضمن ألا يتكرر شيء كهذا.”
كنت أريد أن أعرف على الأقل إن كنت أملك سلطة تعيين وصيفات جديدات. إن أردت أن أحمي نفسي، فعلي أن أختار من أحيط نفسي بهم.
“هذا الأمر… سيتعين مناقشته مع جلالة الإمبراطورة. بالمناسبة، كانت الكونتيسة إلبيرا قد طلبت مني إبلاغك أن الإمبراطورة ترغب بلقائك.”
أدركت أن هذا اللقاء الذي تحدثت عنه الكونتيسة سابقًا قد حُدد أخيرًا — جلسة شاي مقررة هذا المساء.
“جلالتها ترغب في لقائك قريبًا.”
“عادةً، بعد أول ليلة للزواج، يُرتب لقاء يجمع أفراد العائلة المالكة مع من هم أعلى منهم مقامًا. حتى الإمبراطورة السابقة خضعت لهذا التقليد، بلقائها بالملكة الأم.”
وأوضحت لي مرسيدس أن ذلك اللقاء سيكون في الحقيقة ساحة تفاوض غير معلنة، يتم فيها رسم حدود المكانة داخل القصر، وتقرير من يملك الحق في تعيين من.
“وإذا منحتك الإمبراطورة وسام ‘حلم الشعلة الزرقاء’ حينها…”
التعليقات لهذا الفصل " 13"
البطلة قدامها مشوار قد طوله فالنهاية يبدلوها مع اختها😵💫
عسول