الفصل 124
*********
لقد فُقدت أرواح كثيرة جراء هذا المصير القاسي الذي عصف بها.
وربما، إن دفْع الجميع إلى هذه التعاسة، بما فيهم أنا، هو في الحقيقة الوجه الحقيقي لـ “لعنة التنين المجنون”.
ولكن، لم أستطع السماح بحدوث ذلك مع إيرينيا.
كان عليّ أن أمنع بأي وسيلة فقدان رين.
لأنها كانت كل شيء بالنسبة لس.
لم أرغب في أن يتسبب تأثير لعنتي في شقاء شخص آخر مجددًا.
“ولأجل ذلك…”.
كان لا بد أولًا من معرفة أصل كل هذه الكارثة.
ما الذي جعلهم يصلون إلى هذه الحال؟
كونه محتجزًا هكذا ويُعامل كحيوان، كل هذا كان من فعل شخص واحد.
الشخص الذي يُعتقد أنه ألقى عليه اللعنة.
والسبب الأصلي، وجذر كل هذا الشر.
“الإمبراطورة كورنيليا”.
لقد كانت رين من أخبرني بذلك مرارًا، وكان يشعر بلعنتها على جلده مباشرة. حتى الآن.
“لكي أوقف الإمبراطورة…”.
بدأ يفكر.
بدأ الذهن الذي كان طويلاً مشوشًا يتصفى تدريجيًا.
من أجل رين، استطاع أن يتحول إلى هذا الشخص الحازم.
قالت رين ذات مرة: “مناورة الملكة– لكي تُسقطي الملكة، عليك أن تهاجميها من نقطة ضعفها”.
أما هو، فما يملكه الآن لا يكاد يُذكر.
لكنه كان يملك ورقة واحدة فقط.
الإمبراطور غويدو.
إمبراطور هذه الإمبراطورية ووريث صليب القديس النقي.
الوحيد الذي يمكنه مجابهة الإمبراطورة، بل ربما هو الوحيد الذي لا تستطيع الإمبراطورة التأثير عليه.
“إذًا، لا بد لي من لقاء والدي”.
استدعى سيزار الخادم وأمره أن يرسل رسولًا.
كان يخطط للقاء والده للمرة الأولى منذ عشر سنوات تقريبًا.
************
“قالوا إن ولي العهد الأول يريد مقابلة جلالة الإمبراطور غويدو بنفسه…”.
شكّت الإمبراطورة كورنيليا في أذنيها أولًا.
إذ أنه حتى الأمس فقط، كان ولي العهد الأول فاقدًا لعقله ويهتاج كوحش.
أن يطلب فجأة مثل هذا الطلب لم يكن منطقيًا.
“لا بد أن هناك أمرًا خاطئًا”.
كانت لعنة التنين المجنون، التي عززتها عدة مرات مؤخرًا، قد بدأت تصبح غير مستقرة، لذا كانت تعمل على تقويتها باستمرار.
لكن لسبب ما، لم يكن الأمر سهلاً كما كان سابقًا.
ولم يكن من السهل اكتشاف السبب.
الطريقة الأضمن كانت مقابلة ولي العهد الأول مباشرة والتحقق منه.
لكنها لم تكن تريد أن تواجهه شخصيًا.
“من الأفضل الإمساك بغويدو بدلًا من مقابلة ذلك الوحش”.
تذكرت كورنيليا غويدو، الذي حولته بتأثير إيحائها وتنويمها المغناطيسي إلى شخص غبي.
ذلك العجوز العنيد.
حتى بعدما تحولت أفكاره إلى عجينة، كان أحيانًا يرفض مطالبها على الفور.
رجل قذر.
“لكنني ما زلت أحتاج إليه”.
على الأقل حتى الآن، كانت بحاجة إليه.
لأنه الإمبراطور، ولأنها تحتاجه لتعيين ابنها وليًا للعهد ـ وريث صليب القديس النقي.
ما كانت تطمح إليه هو أن يصبح ابنها، ماتياس دي لا روزا، الذي وُلِد من رحمها، الإمبراطور، رغم أنه وُلد كولي العهد الأول، لكنه أصبح ولي العهد الثاني.
لتعيين ولي للعهد، كان لا بد من تصويت بالإجماع من الإمبراطور غويدو واثنين من ملوك الحلفاء الآخرين.
غويدو كان بالفعل دميتها، لكن الحليفين الآخرين كانا المشكلة.
عضّت كورنيليا على أسنانها.
“ابني، وليس ذلك الأمير الغبي، هو من يجب أن يصبح…”.
كانت تشعر بالاشمئزاز من كل شيء.
على أية حال، هذه الإمبراطورية كانت فاسدة حتى النخاع.
كورنيليا كانت مجرد ابنة موظف من الطبقة الدنيا.
عندما دخلت القصر الملكي لأول مرة، عامَلها النبلاء بازدراء.
لأن والدها كان تاجر رقيق.
في ذلك الوقت، لم تكن تحلم حتى بأن تصبح فردًا من العائلة الإمبراطورية.
لكن هؤلاء الأغبياء، الضعفاء، والرخوين، كانوا يركعون لها بمجرد لمسة بسيطة منها.
وإن لم يكن لديك سلطة، فقط أسقط أصحاب السلطة.
غويدو، العجوز الجشع، وقع في غرام جمالها، وبدون عناء كبير أصبحت عشيقة الإمبراطور، ومن ثم أصبحت الإمبراطورية ملكًا لها.
كان الأمر أسهل من أن يهدم طفل بيت نمل.
“همم”.
عند التفكير بذلك، بدا أنه من الأفضل لقاء غويدو، الذي هو بالفعل في قبضتها، قبل ولي العهد الأول، وإظهار مثال له.
فما الذي يهم، وهي تمسك بأقوى شخص في هذه الأمة؟ وفجأة شعرت كورنيليا أنها ربما كانت تبالغ في الحذر من ولي العهد الأول.
“حتى لو قابلت الإمبراطور، فماذا يمكن أن تفعل، أيها التافه؟”
فِكر غويدو كان بالفعل تحت سيطرتها.
“وربما سيكون من الممتع مشاهدة لقاء الأب وابنه وهما غارقان في اللعنة معًا”.
بابتسامة خافتة، نادت كورنيليا خادمتها.
“ارسلي رسالة إلى قصر الماس، أريد رؤية جلالته بعد فترة طويلة”.
وبمجرد أن أومأت برأسها، أسرعت خادمات الزينة بإحضار الفساتين والمجوهرات.
“الأخضر يجعلني أبدو شاحبة. أليس هناك شيء آخر؟”
بعد تبديل عدة فساتين، اختارت واحدًا.
ثوب مسائي أحمر منخفض الصدر للغاية.
“نعم، جلالته كان يحب اللون الأحمر. سنأخذ هذا”.
العقل المشتت لغويدو كان ينجذب إلى الألوان الزاهية.
خصوصًا اللون الأحمر كالدم، ليغوص فيه بأنفه متلمسًا الجلد.
عقله مهشم لدرجة أنه لا يعرف حتى ابنه، فماذا سيتغير إن جاءه ولي العهد بنفسه؟
توجهت الإمبراطورة، بأبهى حلة، إلى مكتب قصر الماس.
هناك، كان الإمبراطور يغوص بين أكوام الوثائق.
لم يكن مظهره كمَن يؤدي واجبه بإخلاص، لكنه نهض على الفور مرحبًا بها.
“كوني!”
“كوني” هو اسم دلع لكورنيليا.
الوحيد الذي يُسمح له بمناداتها بهذه الطريقة هو الإمبراطور غويدو.
أنفاسه الساخنة ذات الرائحة الكريهة دغدغت عنقها، لكنها لم تكترث.
“آه، فابيّو العزيز، ماذا كنت تفعل؟”
تحدثت كورنيليا كمن يكلم طفلًا في الخامسة من عمره.
“ما، ما طلبتِ مني فعله…”.
كانت الأوراق تغطي مكتبه بلا أي فراغ بينها.
“وهل قمت به بشكل صحيح؟”
بابتسامة حالمة، جلست كورنيليا على طرف المكتب.
أخذ غويدو يهز رأسه بحزن.
“ل، لا أفهم شيئًا…”.
عندها فقط ابتسمت كورنيليا بشكل عريض، وأمسكت بإحدى الوثائق.
كانت وثيقة تمنح احتكارًا لأحد المناجم لعائلة تدعمها.
“هذه، وهذه، وهذه أيضًا”.
كل الوثائق التي اختارتها كانت تعود بالنفع على العائلات الموالية لها.
غويدو، بنظرة مشوشة، نزع خاتمه وطبع الختم.
“أحسنت، فابيّو. والآن، تستحق مكافأة، أليس كذلك؟”
“آآه…”.
بذراع واحدة، مسحت جميع الوثائق من على الطاولة.
تغير تعبير غويدو للحظة، لكنه أدرك نيتها، وابتسم ابتسامة ماكرة.
بدأ تنفسهما يعلو ويتسارع.
“فابيّو، بالمناسبة…”
“هممم؟”
“ابننا، ماتي…”
أظهر غويدو ردة فعل للحظة.
“ممم؟”
عجوز قذر.
شعرت كورنيليا بالاشمئزاز، لكنها تجاهلته.
نظرت إلى عينيه وبدأت بالإيحاء.
“علينا تعيين ابننا وليًا للعهد”.
“و، وليًا للعهد…؟”
وأخيرًا، تزعزعت نظرات الإمبراطور.
كانت قد كررت هذا الإيحاء مرات عديدة، فبات عبدًا مطيعًا لها.
ومع ذلك، كان أحيانًا يظهر بعض التردد.
ربما كانت بقايا مقاومته الأخيرة.
لكنها لم تستطع العبث بعقله أكثر من اللازم، إذ لن يكون مفيدًا إن أصبح غير قادر حتى على أداء وظائفه اليومية.
“نعم، علينا تعيين ماتي وليًا للعهد”.
“ماتي، ماتيا…”.
وكان لا بد من تقوية هذا الإيحاء مجددًا.
عينا كورنيليا الزرقاوان توهجتا بضوء بارد.
**************
اللباس الذي جُلب له كان أحد الهدايا السابقة من الإمبراطورة كورنيليا.
تخلّى عن الثياب الرثة، وارتدى الجديد، فبدا كرجل نبيل وسيم.
لقد مرّ بالفعل ساعتان منذ طلبه مقابلة الإمبراطور، فلا بد أن الرسالة وصلت إلى قصر الماس.
تذكّر اللقاء الأول بعد أكثر من عشر سنوات.
ذاكرته عن الإمبراطور غويدو كانت ضبابية تمامًا، كحال أمه.
قاد الخادم سيزار إلى الداخل.
قصر الماس كان أضخم وأفخم موقع في القصر الإمبراطوري، ومقر إقامة الإمبراطور.
كان غويدو قد عاد من قصره الصيفي في الجنوب لحضور موسم الاجتماعات الاجتماعية هذا.
لكن ذلك لا يعني أنه كان يشارك فيها بنشاط.
كل ما كان يُعرف هو أن بعض الراقصات كنّ يترددن على القصر.
“من هنا، تفضلوا”.
اقتاده الخادم إلى قاعة المقابلات.
كلما اقترب أكثر، بدأت تتردد ضحكات ناعمة.
وكان سيزار يعرف مسبقًا من تكون صاحبة الصوت.
في عرش قاعة المقابلات في قصر الماس، جلست الإمبراطورة كورنيليا بكل استرخاء.
عند قدميها كان راكعًا ، لم يكن سوى الإمبراطور غويدو نفسه.
التعليقات لهذا الفصل " 124"