أحد الخدم الذين كُلِّفوا بمراقبة القوس الزمردي الأخضر اندفع مذعورًا وهو يركض.
“ح، حدث أمر جلل!”
“وما هذا الأمر الجلل الذي يجعلك تُثير كل هذا الضجيج؟”
كان الخادم يتصبب عرقًا ولم يجد وقتًا لالتقاط أنفاسه، فقد ألحّت عليه الإمبراطورة بالرد على الفور.
وخلف الإمبراطورة، كان نمر ضخم يدور حولها ذهابًا وإيابًا، ثم عبس وهو ينظر إلى كبير الخدم.
لكن ما إن لامسته يد الإمبراطورة البيضاء الصغيرة حتى أصدر ذلك الوحش الضخم صوتًا خافتًا غاضبًا.
ارتجف كبير الخدم من شدة التوتر وتراخت ركبتاه، وبدأ العرق البارد ينساب من جبهته.
“تحدث، أيها الخادم.”
“ذا… ذلك هو…”
تنحنح كبير الخدم قليلاً وابتلع ريقه الجاف، ثم أجاب.
لقد كانت قصة مذهلة للغاية، حتى إن الإمبراطورة كورنيليا نفسها شكت في بادئ الأمر أن كبير الخدم قد جنّ جنونه.
“أتعني أن ولي العهد الأول طلب ماذا؟”
“طلب… مقابلة جلالة الإمبراطور.”
مال رأس كورنيليا قليلاً إلى الجانب.
ذلك ولي العهد… لماذا؟ لم تستطع أن تتخيل سببًا لهذا الطلب.
وكان لها كل الحق، فبعد الحفل، كان ولي العهد الأول، سيزار، قد دخل في حالة هياج شديد، لدرجة استُخدمت فيها حتى أغلال الوحوش الكبرى لتقييده.
لقد جاء في التقارير التي تلقتها قبل أيام، بل حتى في تقرير الأمس، أنه لا يستطيع القيام بأي من الأنشطة الأساسية، ناهيك عن الحديث العادي، فلا طعام ولا نوم.
الجميع اعتقد أن ولي العهد سيزار قد استسلم أخيرًا لـ “لعنة التنين المجنون”، وأنه فقد إنسانيته بالكامل، وأنه بذلك انتهت أحقيته في ولاية العرش.
وكانت النهاية المأساوية لأولئك الذين أصابتهم هذه اللعنة موثقة جيدًا في السجلات التي توارثتها الأجيال في القصر الإمبراطوري، ومن بينها تفاصيل النهاية المأساوية والمروعة للملك المؤسس أركانجيلو.
ولم يكن وحده.
كل الأمراء الذين أصيبوا بهذه اللعنة عبر العصور، انتهى بهم الحال إلى ميتات بشعة ويائسة.
لذا لم يكن ثمة شك في أن ولي العهد الأول سيلقى المصير نفسه.
لكن هذا الصباح، وقع حدث قلب كل ما عرفوه من قبل.
حين ذهب كبير الخدم مع الحراس لتفقد حالة ولي العهد، اقتربوا من باب الغرفة المغلقة بشدة وهم متوترون للغاية.
دائمًا ما كانت لحظة فتح الباب هي الأخطر، لأن الوحش داخل الغرفة كان يثور مع صوت فتح الباب.
لكن اليوم، كان هناك شيء مختلف.
لم يُسمع أي هدير أو صوت هياج مع صوت فك القفل، ولم يظهر ولي العهد.
انتبه الجميع لشيء مريب وبدأوا يتفقدون الغرفة في ارتباك.
كانت الأشياء المحطمة والخراب في المكان كما هو معتاد، لكن ما لم يكن معتادًا هو اختفاء ولي العهد، الذي كان ينبغي أن يكون مقيدًا بسلاسل غليظة.
كانوا قد تحققوا بأنفسهم الليلة الماضية من أنه مقيد بأغلال لا تستطيع حتى الوحوش كسرها.
فأين اختفى إذًا؟
في تلك اللحظة، اتجهت أنظار الجميع نحو مكان واحد.
لقد كان ولي العهد.
ولي العهد سيزار دي لا روزا كونستانتيني فيوري، واقفًا عند النافذة وقد تخلّى عن جميع القيود.
كاد الجميع أن يفروا من الخوف، لكنهم اضطروا لكتم أنفاسهم.
رغم أنه بدا هادئًا، إلا أنه لا يمكن التهاون.
فلو أثاروا غضبه بأدنى صوت، لا أحد يعلم ما قد يحدث.
كان ولي العهد ينظر بهدوء إلى الخارج من نافذة مغطاة بستائر ممزقة وقضبان حديدية مكسورة، متجاهلًا دخول الحراس والخدم إلى الغرفة.
لم يتحرك قيد أنملة.
بدأ الجميع يشعر بأن هناك أمرًا غير طبيعي.
لماذا هو ساكن بهذا الشكل؟ حتى البارحة، كان كوحش مجنون يشد السلاسل ويهاجمهم بزبد يتطاير من فمه.
العديد من الفرسان أصيبوا بجراح بليغة بسبب مخالبه أو أنيابه.
لقد عرفوا جميعًا قوة هذا الوحش عن قرب، ولذلك لم يجرؤ أحد على التهاون.
خاصة وأنه مضى أكثر من عشرة أيام منذ أن توقف عن الأكل والشرب.
بل إن البعض بدأ يراهن على اليوم الذي سيلقونه فيه جثة هامدة.
لكن ما رأوه اليوم كان شيئًا لم يتخيله أحد.
هذا الهدوء وهذه السكينة لم يسبق أن شاهدوها من قبل.
منظر جعلهم يتوهمون أنهم أمام أمير رزين وأنيق، لا وحش هائج، لولا الدمار المحيط.
في تلك اللحظة، هبّت نسمة ريح حرّكت خصلات شعره.
ثم استدار ببطء ونظر إليهم، ورفع يده بهدوء.
رفع الفرسان أسلحتهم بسرعة وصوتها المعدني يملأ الغرفة.
التوتر بلغ ذروته، وكل الأنظار شاخصة نحوه.
لكن ولي العهد بدا هادئًا تمامًا، يمرر يده على شعره بهدوء.
أولئك الذين راقبوه ابتلعوا ريقهم بصعوبة.
الإنسان لا يتعامل إلا مع ما يمكن توقعه.
لقد فتحوا الباب اليوم وهم يتوقعون أن يواجهوا الوحش، فيقيدونه، ويجبرونه على التهام شيء ما، ثم ينظفون الفوضى ويغادرون.
لم يتوقعوا هذا المشهد الهادئ أبدًا.
لدرجة أنهم شكّوا في أنفسهم، هل هم في حلم؟ هذا التناقض الحاد جعلهم يرتبكون.
وأثناء وقوفهم جامدين، استدار ولي العهد ببطء، فعاد التوتر يخيم على المكان.
كان الجميع يتساءل إن كان هذا الهدوء مجرد خدعة، وأنه سينقضّ عليهم في أي لحظة.
ابتسم ولي العهد بابتسامة خفيفة، فرجف الفرسان من الإحساس بالغربة الشديدة.
لقد ذاقوا جنونه بأجسادهم، وها هو يقف أمامهم وكأنه حكيم أو كائن سامٍ لا يُدانى.
لم يجرؤ أحد على التحرك أمام هالته الطاغية.
ثم كسر الصمت وسأل بهدوء:
“ماذا تفعلون؟”
كان سؤالًا بسيطًا، لكن لم يستطع أحد الإجابة.
بل إنهم لم يدركوا تمامًا أن ذلك صوت بشري.
ما الذي قاله ولي العهد الآن؟ لم يكن زئيرًا ولا صراخًا وحشيًا، بل صوت نبيل رزين، ومع ذلك لم يتمكنوا من استيعابه.
ثم تردد صوته العذب من جديد:
“ألم تسمعوا كلامي جيدًا؟”
هذه المرة، كان أول من تفاعل هو كبير الخدم.
“عفـ…. عذرًا يا مولاي!”
انحنى رأسه نحو الأرض دون وعي.
فقد اعتاد طوال حياته على الخضوع لمن هم أعلى مقامًا منه، ففعل ذلك تلقائيًا.
ولمّا أدرك أنه أخطأ، كان رأسه قد انخفض بالفعل، ولم يستطع رفعه دون إذن.
وحين رأى الحرس كبير الخدم ينحني، تبادلوا النظرات ثم انحنوا هم أيضًا.
ثم تقدم ولي العهد حافي القدمين بخطى هادئة نحوهم.
وكلما اقترب، شعر كبير الخدم أن حبلًا غير مرئي يلتف حول عنقه.
بدأ العرق يتصبب من راحة يده وجسده كله يرتجف.
ابتلع ريقه الجاف بصعوبة، وكان الجميع في حيرة تامة من هذا الموقف الغامض.
ثم حلّ صمت طويل. وكسر ولي العهد الصمت مجددًا، حيث انحنى ببطء واقترب من كبير الخدم.
كانت جبهة كبير الخدم تكاد تلامس الأرض.
“قل لي… من يدخل غرفة سيده دون طرق الباب؟”
رنت كلمات ولي العهد المهيبة في أذنه، فعضّ كبير الخدم على لسانه.
“ذ… ذلك…”
بدأ العرق يتصبب من جبينه، ولم يستطع تصديق الموقف الذي هو فيه. غرفة السيد؟ هل كان هذا الرجل يومًا سيده؟
لقد خدم الإمبراطورة، لا ولي العهد.
“ألن تجيب؟”
وعندما وبخه ولي العهد بشدة، انتبه كبير الخدم أخيرًا.
“لـ، لا، سيدي!”
“إذًا، هل أعدّ هذا السلوك تمردًا على أفراد العائلة الإمبراطورية؟”
في تلك اللحظة، اسودّت الدنيا أمامه.
كأن السماء قد وقعت فوقه.
تمنّى لو كان هذا حلمًا، لكن الواقع كان واضحًا تمامًا.
وبينما هو عاجز لا يستطيع قول شيء، أصدر ولي العهد أمرًا جديدًا:
“ارفع رأسك.”
رفع كبير الخدم رأسه كالمسحور.
تسرب العرق إلى عينيه وأشعره بالحرقة، لكن ذلك لم يعد مهمًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 122"