فكرت للحظة أنهم قد يكونون حفّاري قبور أو دورية من القرية، لكن لو كانوا كذلك، لجاءوا بحاملات المشاعل وبصوت جهير يسألون عمّا نفعله في هذا الوقت المتأخر في المقبرة.
أما هؤلاء، فقد اقتربوا بصمت في الظلام، بملابس داكنة دون أي مصدر للضوء، مما يدل على أنهم يريدون التصرف بسرية.
خرج فيتّوريو فورًا من الحفرة وسحب سيفه الطويل.
“احذروا. خطواتهم تدل على تدريبهم الجيد.”
هل تبعنا أحد إلى هنا بنيّة الأذى؟ سرعان ما أحاط بنا القتلة بملابس سوداء، يحملون أقواسًا وسيوفًا.
“ابقوا خلفي، يا سموّ الأمير.”
قال فيتّوريو وهو يقف أمامي كدرع، ثم أخرج ريشار عصاه من كمّه ووقف إلى جانبه.
“من أنتم؟ عرّفوا بأنفسكم واذكروا من تتبعون!”
صرخ فيتّوريو، لكن لم يتلقَّ أي إجابة، فقط نظرات ثابتة موجهة إلينا.
بدأ ريشار سريعًا في تلاوة تعويذة، فظهرت حولنا دروع شفافة شبه مرئية.
ومع صوت طلقٍ حاد، بدأ القتال.
أطلق أحدهم قذيفة من قوسه نحونا، لكنها ارتطمت بالدرع السحرية التي أقامها ريشار، وسقطت دون أن تصيب أحدًا.
تنفست الصعداء، لكن وجه ريشار لم يكن مطمئنًا.
“الدرع لن يصمد طويلًا.”
“ماذا؟”
كان كلامه صادمًا وأشعرني بالخوف.
لم يكن هناك معنا سوى رجلين فقط غيري أنا ودلفينا.
وأما المهاجمون فعددهم لا يقل عن اثني عشر شخصًا.
أنا ودلفينا لن نكون أي عون في القتال، وحتى الهرب سيكون صعبًا بساقيّ.
“إذن، ماذا سنفعل؟”
ابتلعت ريقي بقلق، فصرخ فيتّورو بعزم:
“لن أدعهم يمسونكم بسوء. سأحميكم ولو ضحيت بحياتي.”
لكن رغم عزيمته، لم يزل التوتر يملأ الأجواء.
لقد كانت لحظة خطرة، مصيرية.
******************
كان سيزار ما يزال مستلقيًا وقد أغلق على نفسه عقله.
لم يشرب قطرة ماء منذ أيام، ورغم ذلك، ظل حيًا بطريقة غريبة.
لكنه كان يموت ببطء، لا بسبب الجوع، بل لأن رين لم تكن بجانبه.
لم يكن الجوع جوعًا جسديًا، بل فراغًا مصدره غياب رين.
لم يمر يوم دون أن تكون قربه، وغيابها ترك فجوة هائلة في قلبه.
كما يُقال: لا تدرك قيمة الشيء إلا بعد فقدانه.
لكن هذا لم يكن مجرد غياب شخص، بل أشبه بثقبٍ ضخم في صدره، يدخل منه هواء بارد ينهش قلبه.
لذا لم يتحرك، بل التصق بالأرض ليتفادى الشعور بالبرد.
مرّت الأيام، ولا يعرف كم منها.
لم يستطع أن يُدرك الزمن بفقدانه رين.
كان يريد فقط… أن يراها.
في تلك اللحظة، ومضة صغيرة من الضوء ظهرت أمام عينيه.
ففتح سيزار عينيه، التي لم يفتحهما منذ مدة طويلة.
الجفاف جعلهما تؤلمانه بفعل الملح.
ما رآه أمامه كان كتكوتًا صغيرًا.
مخلوقه المُستدعى، أبرَكساس. لماذا ظهر الآن فجأة؟
فجأة، حاول سيزار النهوض باندفاع، لكن الأغلال الثقيلة على جسده منعته.
منذ أن حاول قتل أحد الخدم سابقًا، تم تقييده بأغلال خاصة للمخلوقات السحرية الخطيرة.
لكن ذلك لم يكن مهمًا له الآن، فقد شعر بنفحة عطر عذبة تملأ صدره الجاف.
بكل جهده، حاول أن يتحرر من تلك القيود.
ومع صوت تمزق الأرض وخروج الخطاف من مكانه، تحرّك سيزار أخيرًا.
اقترب الكتكوت الملون من يده، وكاد سيزار أن يبكي.
لقد شمّ رائحة رين الحقيقية بعد طول غياب حتى كادت أن تتلاشى من ذاكرته.
وبلا تردد، احتضن الكتكوت الصغير.
وفجأة، ظهرت صورة رين أمامه.
كانت أنحف من المعتاد، ووجهها شاحب، لكنها كانت هي.
رآها تطهو الطعام للمشردين في مبنى مهترئ.
بدا أنها بخير، فدمعت عيناه من الارتياح.
ثم تغيّر المشهد، فرأى رين تتسلل ليلًا إلى مكان مجهول.
لم يفهم لماذا تذهب إلى مكان خطير كهذا.
لكنه شعر بطاقة قاتلة.
أحدهم ينوي قتل رين.
ريشار وفيتّوريو معها، وقد يستطيعان حمايتها، لكن ذلك لن يكون كافيًا.
لو كان هو هناك… لما استطاع أحدهم الاقتراب منها.
بدأ الغضب يتأجج داخله.
كيف يجرؤون؟ هذه الحشرات الحقيرة تريد قتل رين؟
أراد قتلهم جميعًا.
مدّ يده، لكن ما رآه لم يكن سوى ذكريات أبركساس دون وجود حقيقي لها.
ورغم ذلك، واصل محاولة لمسها في الهواء، حتى أسقط يده أخيرًا بيأس.
ماذا أفعل؟ كيف يمكنني أن ألقاك مجددًا؟ كيف أساعدك؟
لأول مرة، شعر سيزار بغضبٍ من عجزه.
ما جدوى قوته التي تفوق البشر، وهو لا يستطيع فعل شيء، فقط يُعامَل كوحش ويُسجن؟
كلما قاوم، زادت قيوده.
ثم أدرك فجأة.
لطالما كانت رين هي من تحميه.
ماذا عن حادثة مرسيدس؟ لو كان حينها أكثر وعيًا، لما سمح لها بإيذاء الآخرين، بل وحتى التفكير في إيذاء رين.
وعندما اصطدم بقائد الحرس، كانت رين من وقفت تحميه، رغم ضعفها.
أما هو؟ فقد كان يزمجر ويثور دون فائدة.
وكان فرحًا فقط لأن رين اعتنت به.
كم كان غبيًا.
حين واجه الأمير الثاني، رين هي من انحنت.
هو؟ لم يفعل شيئًا سوى التهديد.
وعندما حدث ما حدث مع الإمبراطورة، تحملت رين كامل المسؤولية.
كل ما كان عليه فعله هو الصبر، لكنه انفجر.
فانتهى الأمر بأن انحنت رين مرة أخرى.
تذكر كل ذلك جعله يشعر بالغثيان.
وكأن عالمه كله ينهار.
حتى سبب تطوّع رين الآن ومعاقبتها لنفسها كان واضحًا…
كل ذلك بسببه.
ـ “ليس هذا صحيحًا.”
فجأة، خاطبه صوت بإلحاح.
ـ “أنت تعرف الحقيقة، سيزار. هذا التفكير خاطئ.”
ثم غيّر الصوت الموضوع:
ـ “لنقتل كل هؤلاء الحشرات، ونتخلص من الباقين. ما دام العالم لا يحتاج سوى لك ولرين، أليس كذلك؟”
كأنها فكرة منطقية.
لكن في أعماقه، أحس بعدم صوابها.
هل ستوافق رين على ذلك؟
ألم تكن ترفض إيذاء الآخرين؟
ـ “وما المشكلة؟”
كانت هناك مشكلة كبيرة.
فكل ما يشكّل سيزار… مرتبط برين.
لا شيء يكتمل دونها.
كان سيزار في حالة من الذعر.
لا يستطيع تحمّل أي فقدٍ آخر.
“لا.”
هزّ رأسه بعنف.
قد لا يعجبه الأمر، لكن رين لن ترضى به.
لا يجب أن ينصت لذلك الصوت.
كان عليه التفكير في طريقة لإنقاذ رين.
لا وقت للغضب.
لكن من مكانه هذا، لم يستطع أن يتخيل وسيلة للمساعدة.
لو كان لديه مزيد من القوة فقط…
فجأة، غُمر جسد أبركساس بضوء ذهبي.
فتح سيزار عينيه، فبدت هيئة الكتكوت مختلفة تمامًا.
“يا مولاي، مر بما تشاء.”
لم يعد كتكوتًا بعد الآن.
بلغ طوله السقف، وكان جزؤه العلوي على شكل ديكٍ مغطى بريش ذهبي، وجزؤه السفلي يتكوّن من ثمانية أفاعٍ ذهبية تلتف وتتحرك.
كان هذا الحاكم القديم ذو الهيئة الغريبة، واسمه هو أبركساس.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 115"
آب طلع عظمة