الفصل 113
ظهر فرخٌ ملوثٌ كأنه مغطى ببقع السخام بدلًا من ريشه الذهبي الناعم المعتاد.
كانت حالته أسوأ من ذي قبل، حين لم يكن له سوى ريشة سوداء واحدة.
“آه، آبر؟ ما الذي حدث؟”
لكن حالته لم تكن غريبة فقط من حيث اللون، بل كان هناك أمر غير طبيعي آخر.
عادةً ما كان يخاطبني بصوتٍ مبتهج، أما اليوم فكان يحدق بي بصمت دون أن ينبس بكلمة.
في تلك اللحظة، شعرت بشيءٍ ما وسألت آبر مجددًا:
“هل سيزار كذلك أيضًا؟”
عندها، أومأ الفرخ برأسه دون أن يتكلم.
كان آبر قد أخبرني يومًا أنه مخلوق خُلق بواسطة قوة سيزار، ولذلك كانا مرتبطين ببعضهما البعض.
وهذا يعني أن سيزار هو الآخر… ربما الآن…
حين خطرت لي تلك الفكرة، انقبض قلبي وامتلأت عيناي بالدموع.
عضضت باطن فمي بشدة كي لا أبكي.
“آبر، لدي طلب.”
طلبت من آبر أن يُنسق لي لقاءً مع ريشار.
لم يكن هناك وسيلة للتأكد إن كان فهم طلبي أم لا، فقد انقطعت بيننا سُبل التواصل المعتادة، لكنه خدش إصبعي بمنقاره مرة، ثم اختفى بهدوء.
وصل المستشار الملكي ريشار في وقتٍ متأخرٍ من الليل، بعد انتهاء وجبة العشاء.
في البداية، ظننت أنه متشردٌ عجوز جاء إلى الملجأ حين كلّمني.
لم يكن يشبه ريشار الذي أعرفه.
لكنه، عندما أزاح رداءه الأسود، عاد إلى هيئته التي أعرفها.
“إنها تعويذة لتغيير الإدراك البصري.”
بالطبع، كان مظهره مميزًا أكثر من اللازم في هذا المكان، لذا كان لزامًا عليه إخفاؤه بالسحر.
هذه التعويذة تغيّر الشكل الخارجي ليندمج مع البيئة المحيطة.
“شكرًا لقدومك، ريشار.”
بعد أن شكرته، سألت عن أكثر ما كان يشغل بالي:
“كيف حال سيزار الآن؟”
“……”
هز ريشار رأسه بوجهٍ جاد.
قال إن سيزار، مثلي، قد فُرض عليه الحَجْر، ولا يُسمح لأحد بدخول قصر الزمرد سوى بعض الخدم الذين حددتهم الإمبراطورة بنفسها.
“لكن، من خلال شهادات الخدم الذين اقتربوا من سموه، تمكنا من استنتاج حالته.”
“يعني ذلك…؟”
هز ريشار رأسه بعلامات الأسى.
“حالته خطيرة. أكثر من أي وقتٍ مضى.”
عند سماعي ذلك، شعرت كأن قلبي سقط في قاع الأرض.
تذكّرت آخر مرة رأيت فيها سيزار، حين بدأت القشور السوداء التي كانت تقتصر على يده اليسرى بالامتداد فجأة لتغطي نصف جسده العلوي.
“هل هذا بسبب اشتداد أثر اللعنة؟”
“لا يمكننا الجزم. ربما الإمبراطورة زادت من شدتها، أو أن حالته تدهورت لسببٍ ما. والمشكلة الأكبر أننا لا نستطيع رؤيته شخصيًا…”
عضضت شفتي السفلى بقوة.
لكن حتى ريشار نفسه قال إن الوضع كان حرجًا جدًا في آخر حفل، لدرجة أن الوصول إلى سيزار أصبح صعبًا للغاية.
“لا أعلم إن كان سيزار بخير.”
أفعال تلك الإمبراطورة تجعلني أخشى أن تكون تعذبه مجددًا كما في السابق.
“على أي حال، أخبرني لماذا طلبت رؤيتي. لدي أنا الآخر معلومة أود إبلاغك بها.”
“آه، صحيح.”
بما أنه أتى بكل هذه الصعوبة، وجب علينا تبادل المعلومات بسرعة.
أخبرته بما سمعته عن اختفاء الناس من الملجأ.
عندها، أصبح وجهه جادًا.
“الملجأ، هاه…”
هز رأسه ثم قال بنبرة تأكيد:
“الملجأ رسميًا مرفق ديني، لكنه من النوع الذي يسهل التحكم فيه حسب أهواء الممولين.”
“الملجأ؟”
“قليلون من يشكون في مثل هذه الأماكن. فهي تُدار بتبرعات خيرية، ويُشرف عليها رجال دين، لذا من الصعب كشف ما يجري في داخلها من الخارج، حتى لو كان شرًا.”
وأضاف ريشار ما كنتُ أشعر به:
“والأسوأ… أن من يختفون من هناك لا يبحث عنهم أحد.”
“……”
في تلك اللحظة، خطرت لي فكرة مفزعة جعلتني أرتجف.
حاولت طردها من رأسي، لكنها بدت منطقية جدًا في ظل كل ما يجري.
ويبدو أن ريشار شاركني نفس الفكرة، إذ بدأ يتحدث بهدوء:
“لقد أخبرتُك من قبل… أن مادة السحر الأسود الأساسية هي الألم البشري.”
“……”
“لخلق تعويذة تضع لعنة مباشرة على سمو الأمير، كان من الضروري حشد كم هائل من الألم.”
أضحية بشرية.
ما إن سمعتُ تلك الكلمة حتى اقشعرّ جلدي.
تحولت الفكرة التي حاولت إنكارها في عقلي إلى كلمة واحدة ترددت في رأسي.
كان ذلك مرعبًا.
استخدام الناس للعنات؟ فجأة، شعرت كأني أسمع صرخات عذابهم في أذني.
أصابعي كانت ترتجف.
جسدي تجمد، ورأسي يدور، ولم أعد أستطيع التماسك.
أخرجت زجاجة خلٍّ عطري من جيبي، وشممتها.
“آه، أوف…”
رائحة الخلّ الحادة أعادت لي بعض الوعي وسط الغثيان.
نظر إليّ ريشار بصمت.
“لو أنك كنت بجانب سموه على الأقل، لكان الوضع أفضل.”
“لكنني لا أستطيع مغادرة هذا المكان أثناء فترة الحَجْر.”
“وهنا تكمن المشكلة.”
ساد بيننا صمت ثقيل.
لم أستطع التحكم بنفسي لبعض الوقت، فمسحت العرق البارد من جبيني بمنديل.
كان ريشار من كسر هذا الصمت.
“هناك خبر آخر.”
“ما هو؟”
تمنيت من كل قلبي أن يكون خبرًا جيدًا.
خفض ريشار صوته وأخرج شيئًا من معطفه.
“هل تذكرين زجاجة الدواء التي طلبتِ مني تحليلها سابقًا؟”
كانت تلك الزجاجة التي أعطتني إياها الكونتيسة إلفيرا، مخبأةً في علبة مرهم.
هززت رأسي بصمت، فأخبرني ريشار بحقيقة ما فيها:
“إنه سمٌّ فتاك. قطرتان فقط قادرتان على قتل إنسان.”
“…سم؟”
ضيّقت عيني.
لماذا أعطتني الكونتيسة شيئًا كهذا؟ وبينما كنت أتمعّن في الأمر، تابع ريشار كلامه:
“لهذا السم خصائص مذهلة. ما إن يدخل الجسم، يتسبب في نزف داخلي حاد، ثم بعد فترة قصيرة، يختفي دون أن يترك أي أثر. لا يمكن كشفه حتى بأدق التحاليل.”
في تلك اللحظة، تلاحقت في رأسي ذكريات كالرعد.
“هذا…!”
تذكّرت حالات الموت التي رأيتها من قبل بعين البصيرة.
وفاة ابنة ماركيز بيريغرينو، ثم وفاة الخادمة إيلدا.
والسمّ الذي ادعت مرسيدس أنه “هبة من الحاكم”.
“هذا السم قد يكون ما قتلهم جميعًا!”
صرخت بانفعال.
ربما كانت الكونتيسة تحاول إيصال اتهامها للإمبراطورة من خلال إعطائي ذلك السمّ.
لكن ريشار هز رأسه.
“ليس لدينا دليل على أن هذا هو نفسه السمّ الذي قتلهم. كل ما نعرفه هو أن محتوى هذه الزجاجة سامٌّ فحسب.”
“آه…”
خفضت رأسي.
نعم، لقد مرّ وقتٌ طويل.
ثم إن السمّ ذاته يصعب اكتشافه.
علاوة على ذلك، فقد تم دفن الجثث منذ زمن طويل، وتحولت إلى رماد منذ فترة.
قال ريشار متفكرًا:
“ليت أمكننا فحص الجثث.”
“الجثث…؟”
فكرة مرعبة جعلتني أتوتر لا إراديًا.
تساءلت إن كان هذا من باب المزاح، لكن وجه ريشار كان جادًا تمامًا.
“أي شيء يمكن فحصه — خصلة شعر، قطعة لحم، شظية عظم — يمكن أن يكشف نمطًا مشتركًا.”
لكن فحص الجثث يُعد تدنيسًا خطيرًا.
“سيهاجمنا رجال الدين لو علموا بذلك. ثم إن الجثث قد لا تكون موجودة أصلًا.”
كنت أعلم أن إيلدا رُميت خارج المدينة بعد موتها.
لكن ماذا عن جثة ابنة الماركيز؟ ربما…
“……”
كانت الفكرة التي خطرت في رأسي مرعبة للغاية، فهززت رأسي بسرعة.
“لا، لا يمكن. حتى لو كانت الجثث موجودة، لا يمكننا…”
“لكن الجثث تخفي الحقيقة.”
في الواقع، كان هناك سبيل.
وهو… فحص جثة ابنة ماركيز بيريغرينو.
التعليقات لهذا الفصل " 113"