كل ما كان يسمعه هو صوت السلاسل الحديدية وهي تصدر ضجيجًا معدنيًا.
لم يستطع أن يُدرك كم من الوقت مرّ منذ وقوع ذلك الحدث.
بالكاد كان يشعر بجريان الهواء.
وذلك لأن المكان الذي حُبس فيه لم يكن يدخله شعاع واحد من الضوء.
لقد عادت الأمور كلها إلى نقطة البداية.
كلما قاوم، اشتدت القيود التي تكبل جسده.
كان بإمكانه كسر تلك السلاسل متى أراد، لكنها أصبحت مملة الآن.
لم يعد يعرف كم مرة صرخ فيها مستدعيًا رين، أو كم مرة هاج، فتم تخديره، ثم غاب عن الوعي للحظات، ليُضرب بعدها من جديد.
لذلك، لم يكن بوسعه سوى أن يستلقي على الأرضية الحجرية الباردة، في الظلام، محدقًا في السقف.
صرخ عدة مرات طالبًا أن يُحضِروا له رين، لكن ما خرج من فمه لم يكن لغة بشرية مفهومة.
فقد تحوّل صوته إلى هدير وحشي أشبه بعواء الوحوش.
بل إن جهازه الصوتي قد تغيّر هو الآخر دون أن يدرك متى حدث ذلك.
وما لم يكن بوسعه فهمه إطلاقًا هو حقيقة اختفاء رين، التي كانت دومًا إلى جانبه.
كلما فُتح الباب، رفع رأسه على الفور موجّهًا نظره نحو الداخل، متسائلًا في نفسه: هل عادت رين؟ لكن لم يكن يرى إلا خدمًا مذعورين.
وجوههم كانت مشدودة بالتوتر والخوف، وهم يمدّون إليه الطعام باستخدام عصًا طويلة كما لو أنهم يُلقمون وحشًا، ثم يفرون من المكان.
لم يستطع سيزار فهم وضعه إطلاقًا، وكان مرهقًا نفسيًا وجسديًا إلى حد كبير.
لماذا يكرهه الجميع؟ ما الخطأ الذي ارتكبه؟ وبينما كان غارقًا في تلك الأفكار، شعر بأن برودة الأرض التي اعتاد عليها أصبحت فجأة أكثر قسوة ووخزًا، فاضطر أن يكوّر جسده على نفسه.
― “قلتُ لك من قبل.”
عاد ذلك الصوت للظهور مجددًا.
الصوت الذي سمعه عشرات، بل مئات المرات وسط هذا الظلام.
كان قد اختفى لفترة، حتى ظن أنه زال، لكنه عاد مجددًا في النهاية.
― “ظننتَ حقًا أنك أصبحت إنسانًا؟”
كان يعرف جيدًا أن هذا الصوت لن يختفي حتى لو سدّ أذنيه.
ومع ذلك، تمنى لو استطاع أن يسدّهما.
لكن جسده المربوط بالسلاسل لم يسمح له حتى بذلك.
اضطر لتجاهل ذلك الصوت.
فمهما كان، لم يكن له شكل مادي.
― “أيها الوحش، لقد سمعت ما قاله الناس، أليس كذلك؟”
ما زال يتذكّر بوضوح أصوات من نادوه بالوحش.
رائحة الخوف النتنة التي تفوح منهم، والصراخ الذي يكاد يمزق طبلة الأذن.
جميعها كانت أمورًا يكرهها سيزار.
― “رين تركتك. لا بد أنها شعرت بالقرف منك. من يستطيع تحمّل وحش مثلك؟”
“…… لا، هذا غير صحيح.”
هزّ سيزار رأسه بقوة وهو ينكر.
لكن صوته الذي سمعه بأذنه لم يكن كما اعتاد.
مهما حاول التحدث بلغة البشر، لم يخرج منه سوى هدير متوحش.
هل أصبح جسده حقًا وحشًا؟
“هذا غير صحيح.”
تقلّب على الأرض متذكرًا ماضيه.
لقد قالت رين بنفسها: إنه إنسان حقيقي.
لكن أين هي الآن؟ أين رين، التي كانت تمنحه دائمًا حضنًا دافئًا وتدعمه بكلماتها؟
― “ألا تفهم؟ لقد تخلّت عنك!”
كوّر جسده على نفسه من جديد.
خدش الأرضية الحجرية بأظافره فتطايرت شظاياها.
لكنه أدرك أن هذا النوع من التمرد لن يغيّر شيئًا.
لن يُبدّل شيئًا.
كان يشتاق لرين.
لكنها لم تكن في أي مكان.
حاول أن يفهم كيف يمكنه أن يراها من جديد.
لكن الغضب أخذ يتصاعد من أعماق صدره، وكان من الصعب كبحه.
هل يجب أن أقتلهم جميعًا؟ شعلة حارقة اندلعت في صدره.
اشتعلت عيناه كأنهما تلوّنتا باللون الأحمر في لحظة.
ربما كان ذلك هو أسهل الحلول.
طالما أصبح هكذا، فلا مانع من أن يقطع حناجر هؤلاء الحثالة ويمحوهم جميعًا.
من يدري؟ ربما يكونون هم من يخفون رين عنه.
“غررر!”
بمجرد أن راوده هذا التفكير، انفجر الغضب داخله ولم يستطع تحمله.
وفي تلك اللحظة، فُتح الباب.
هل هي رين؟ هل أتت أخيرًا لرؤيته؟
“آه، آآه!”
صوت صرخة رجل.
لم تكن رين هذه المرة أيضًا.
الشخص الذي دخل تراجع على مؤخرته من شدة الرعب.
ومع صخب شديد، سقط الطبق الذي كان يحمل الطعام على الأرض.
في تلك اللحظة، غلى الدم داخل جسده.
الغضب المكبوت طوال هذا الوقت انفجر دفعة واحدة.
رفع سيزار الجزء العلوي من جسده ببطء.
كانت تلك القيود بالنسبة له كألعاب الأطفال.
ما إن شدّ جسده بقوة حتى انثنت السلاسل مثل عيدان الحلوى وسقطت على الأرض.
خادم كان يراقب ذلك المشهد ارتجف حتى بلّل نفسه من الخوف.
فاحت رائحة كريهة أثارت اشمئزازه.
سيقتل هذا الرجل.
الجسد البشري هش للغاية، فإذا خدشته بأظافرك في موضع معين، سيتفجّر منه سائل أحمر، وسيموت في الحال.
كان سيزار يعرف ذلك بفطرته.
يعرف أين يعضّ، وأين يقطع.
ربما شعر الخادم بطاقة القتل المصفّاة التي لم تكن موجودة قبل لحظات، فاستعاد وعيه.
التقت نظراتهما.
نظر إليه سيزار الآن دون حتى أن يهدّر، بل بعين المفترس، بهدوء.
وفي تلك اللحظة، سمع فجأة صوت رين عند أذنه.
«لا تفعل!»
لماذا؟ لماذا لا يجب أن أفعل؟ أراد سيزار أن يُصغي أكثر لذلك الصوت.
تلفّت برأسه سريعًا.
لكن رغم بحثه المستميت، لم يرَ رين في أي مكان.
«لا يجوز أن تؤذي الناس.»
عاد الصوت مجددًا.
صار سيزار الآن يفتّش بنظره يمنة ويسرة بجنون.
حتى إنه شمّ الأرض علّه يعثر على أثرٍ لها.
ربما تكون قريبة.
لكن مهما بحث، لم يرَ سوى ذلك الرجل.
شعر بالاشمئزاز، بل بدأ يشعر بالضيق، ففرك جبينه بعصبية.
“ه، هاه!”
أراد أن يقول له: “اغرب عن وجهي”، لكن كل ما خرج من حلقه كان هدير وحش.
لكن على ما يبدو، وصل المعنى.
فبدأ الخادم يتراجع ببطء، ثم وقف وهرب من المكان.
وبهذا، عاد وحيدًا مرة أخرى.
― “لمَ لم تفعلها للتو؟”
وسُمع الصوت من جديد، كعادته.
قرر سيزار أن يتجاهله تمامًا هذه المرة.
― “لقد خطرت لك فكرة ممتازة. كان عليك تنفيذها، لا أن تتراجع كجبان.”
نطق الصوت كمن يشعر بالأسى الشديد، وهو يلوك ريقه بامتعاض.
لكن سيزار كان قد تعب حتى من الرد على تلك السخرية.
انهار على الأرض وكأن جسده تهدّم.
صعد من حلقه صوت أنين غليظ يشبه الزئير.
تذكّر رين من جديد.
شعرها الذهبي المصنوع من خيوط الذهب.
شعرها الناعم الرقيق، الذي كان يخشى أن يتشابك لو لامسه بيده.
وتذكّر ملمس بشرتها، ملمس ليس كالبشر، بل أنعم.
وتذكّر عبيرها، رائحتها التي تشبه الحلوى، أو عبير الزهور، أو حتى رائحة الحليب المسخّن مع السكر.
وحين تذكّرها، شعر أن دموعه على وشك الانهمار.
عوى باكيًا.
لم يكن يعرف وسيلة غيرها.
فغضب، ثم بكى، ثم غضب مجددًا.
― “جبان، أحمق. لن تخرج من هذا الزنزانة ما حييت.”
تردّد الصوت في أذنه ساخرًا، وكأنه يضحك عليه. شعر سيزار بأن ما قاله صحيح، فأغمض عينيه ببطء.
****************
“سمعت أن شخصًا رفيع الشأن جاء ليقوم بأعمال خيرية هنا؟”
لم يكن أحد يعلم بأن زوجة ولي العهد جاءت إلى ملجأ الفقراء بذريعة التأمل والانعزال، سوى رئيسة الدير التي تدير المكان.
لم يكن الهدف فقط الوقاية من أي خطر محتمل، بل إن الإمبراطورة أمرت بالتكتم مسبقًا.
“هل الفتاة التي خصّصت لها رئيسة الدير غرفة هي نفسها؟”
عادةً، الفتيات الشابات اللواتي يأتين إلى هذا المكان، يكنّ قد مررن بأحداث معينة.
كأن تكون قد فُضحت أثناء هروبها ليلًا مع حبيبها، أو حاولت الانتحار، أو ترمّلت من زوج عجوز وتريد أن تنظف روحها وتتطهّر قبل الزواج مجددًا…
لكن ما جمع بين جميع أولئك النبيلات هو أمر واحد.
هو أنهن لا يختلطن أبدًا بالطبقة الدنيا.
فحتى لو سقطن إلى هذا المستوى، لم يكن وضعهن الاجتماعي يتغيّر.
النبلاء والخدم، كالماء والزيت، لا يختلطان أبدًا.
لكن تلك الفتاة كانت مختلفة هذه المرة.
“إنها تعتني حتى بمرضى الجذام، الذين نحن أنفسنا نخشى الاقتراب منهم.”
“لقد بدأت الشائعات تنتشر عنها بالفعل. الجميع يتساءل: من تكون تلك السيدة النبيلة التي نزلت إلينا؟”
بدأ كل من العاملين والكهنة في الملجأ يتحدثون عنها بكلمة أو اثنتين.
حينها، صاحت رئيسة الدير بصوت عالٍ:
“كفى كلامًا فارغًا! استعدوا لتوزيع الغداء!”
“نعم، نعم…”
وهكذا، بدأ الكهنة يحرّكون أيديهم بنشاط.
لكنهم، بعد برهة، عادوا ينظرون لبعضهم البعض ويضحكون.
فلم يكن أحد منهم قادرًا على كبح فضوله لمعرفة من تكون تلك الفتاة الجديدة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 111"