“القديم قد مضى، والجديد ها هو ذا” ― لقد مضى ما هو عتيق، وها هنا ما يوجد من جديد.
يرتدي قاضي محاكم التفتيش قلنسوة بيضاء مخروطية الشكل بها فتحات للعينين والأنف والفم.
كانت تلك وسيلة لإخفاء هوية من يصدر الحكم.
لذلك كانت تلك القبعة البيضاء رمزًا للرعب بعينه.
― … وبالتالي تُدان الساحرة إيرينيا فلوريس بالإعدام حرقًا.
― يا لها من ساحرة شريرة!
― لقد أغوت الأمير بسحرها النجس!
الجميع ألقى عليَّ الحجارة. كنت مشدودة اليدين والقدمين إلى حمار يُسحب بي عبر أنحاء الإقطاعية.
ثوبي الجميل تحول إلى خرق بالية، حتى أن صدري انكشف تمامًا.
الجميع رشقني بالحجارة.
وبُصقت إحدى البصقات القذرة على خدي.
كانت كومة القش العملاقة هي المسرح المعدّ لي.
منذ أيام كانت تُسقى بالزيت حتى فاحت منها رائحة خانقة، وبلغ ارتفاعها حدًا غطّى السماء.
― أسرعوا وأحرقوا هذه العاهرة الشبيهة بالساحرات!
وُضع للملكة كورنيليا مقعد في أفضل مكان.
وعندما أشارت بيدها، قُيدت أطرافي بالسلاسل.
حاولت المقاومة والتحرر، لكن لم أفلح.
أيدي الرجال الغليظة ثبّتت جسدي على منصة الإعدام.
ابتسمت كورنيليا.
كانت تحمل شعلة بيدها.
حاولت بأي وسيلة إيقاف ما يجري، لكن صوت ضحكتها ظل يتردد في أذني.
شفتاها الحمراوان ارتسمتا في خطٍ مقوس. تلك الشفاه الرهيبة نطقت:
“إنها ساحرة، ويجب أن تُحرق”.
لامست ألسنة اللهب الحمراء قدمي.
كان الأمر ساخنًا، ومؤلمًا. هل عليّ أن أتحمل هذا العذاب إلى الأبد…؟
“لا… لا!”
صرخت وتلويت، ثم استيقظت جالسة فجأة.
كان الجو ساكنًا كالموت.
جسدي كله غارق في العرق البارد حتى شعرت بالرطوبة واللزوجة.
“… سموكِ؟”
دلفينا، التي كانت نائمة بجانبي، استيقظت بتثاقل
“لا، لا شيء. دلفينا، ما زال الوقت ليلًا، نامي مجددًا.”
فسألتني بصوت لا يزال يغلبه النعاس:
“هل رأيتِ كابوسًا مرة أخرى؟”
“نعم…”
نعم، منذ عدة أيام وأنا أستيقظ كل ليلة بسبب الكوابيس، وقد حرمت دلفينا من النوم أيضًا.
“أنا آسفة. لا يزال هناك وقت حتى بداية العمل الصباحي، فحاولي أن تنامي قليلاً.”
“لا، سموكِ أنتِ من تبدين شاحبة الوجه.”
أحضرت لي كوب ماء فاتر من إناء خشبي قريب. تناولت الكوب الخشبي الثقيل.
“شكرًا لك.”
كان كوبًا خشبيًا خشنًا يشبه ما يستخدمه عامة الناس، وليس كأسًا فضيًا أو زجاجيًا. شعرت كم مضى من الوقت على آخر مرة استخدمت فيها شيئًا كهذا.
نعم، كنا نقيم حاليًا في إحدى غرف ملجأ للرعاية تابع لأبرشية العاصمة.
الملجأ هو مكان يجمع فيه الأيتام، المشردين، والمصابين بالجذام وغيرهم لتقديم الرعاية لهم. أما سبب وجودي هنا، فهو التالي:
«زوجة ولي العهد، إيرينيا، ارفعي رأسكِ.»
لا أعلم من أين استمد سيزار تلك القوة، لكن الحفل انتهى بكارثة.
سقطت الثريات، وتحطمت النوافذ، وسقط العديد من المصابين.
بعد انتهاء كل شيء، بدا الحفل وكأن دمارًا شاملاً حل به، لا يمكن أن يكون بفعل شخص واحد.
«ما رأيكِ فيما حدث الآن؟»
سألتني الملكة. لم أكن أرغب في قول أي شيء، فاكتفيت بخفض رأسي.
أُخذ سيزار من قبل فرسان الملكة، أو بالأصح، سُحب بالقوة.
استُخدم المخدر، والهراوات، والشِباك لإخضاعه.
«سموه ليس مخطئًا. كل ما حدث هو بسبب سوء تصرفي.»
انحنيتُ وألتمست من الملكة إطلاق سراحه، لكن ردها كان مفاجئًا:
«زوجة ولي العهد، لا شك أنكِ خرّبتِ الحفل. لكني قلت لكِ سابقًا إنني واضحة في الثواب والعقاب.»
أشارت بيدها، فدخلت إحدى الوصيفات حاملة شيئًا لم أكن أفهمه.
«هذا ما يُعرف بحلم النقاء الأزرق. لقد جعلتِ ولي العهد يبدو وكأنه إنسان. أليس هذا إنجازًا؟ لا أحد سبقك في ذلك. لذلك أمنحكِ مكافأة.»
كنت مذهولة، غير قادرة على استيعاب الموقف.
حتى أني نسيت أن أعبر عن امتناني.
أشارت لي دلفينا من جانبي لأستفيق.
«أرفع أسمى آيات الشكر والعرفان لجلالتك.»
«لكن كما قلتُ، يجب أن أنزل بكِ عقابًا. لا يمكن القول بأن تهوركِ لم يكن له يد في إصابة هذا العدد من الناس، أليس كذلك؟»
«هذا… صحيح.»
كنت مشدودة الأعصاب، لا أدري ما نوع العقاب الذي سأناله. فقالت الملكة بحزم: عليكِ أن تخدمي في الملجأ لمدة شهرين. في تلك اللحظة، انهرتُ من التعب والارتياح.
لو أن الأمر انتهى بهذا فقط، فهو حظٌ عظيم.
فقد أصيب الكثير، وكاد سيزار أن يقتل الملكة.
لو أرادت، لأمرت بعقوبة أقسى بكثير.
ومع ذلك، لم أكن أعلم ما الذي حل بسيزار.
وهكذا، منذ أسبوع ونحن نقيم في هذا الملجأ.
نحمد رئيس الدير الذي منحنا أفضل غرفة، غرفة الصلاة، ونشكر الملكة على تخفيفها للعقوبة.
يبدأ يوم الملجأ منذ الفجر الباكر. مع دقات الساعة الثالثة، يبدأ المتطوعون يومهم.
جهزنا فطورًا بسيطًا، وخرجنا، فحيانا وجه مألوف كان يحرس الباب طوال الليل.
“صباح الخير، فيتوريو.”
“صباح الخير، سموكِ.”
في الحقيقة، كان الأمر أنني فقط من تلقى أمر الخدمة في الملجأ، لكن دلفينا أصرت على مرافقتي حتى الموت، وفيتوريو هو الآخر أصر على مرافقتنا قائلاً إن وجود الحرس ضروري، رغم رفضي.
لم يكن ملزمًا باتباعي، لكنه كان يعمل بصمت كلما احتاج أحدهم لمساعدة رجل. حتى دلفينا التي شكّت فيه من قبل بدأت تخفف من اعتراضها.
“مع ذلك، لا أزال لا أثق في هذا الرجل…”
لكنها توقفت عن تكرار ذلك لاحقًا، ربما لأنه تخلى عن منصبه كقائد المئة فقط ليرافقني هنا.
تناولنا فطورًا بسيطًا من الخبز الأسود والحساء، ثم اتجهنا إلى المطبخ لتوزيع الطعام على الآخرين.
كانت المعونات محدودة، لكن الجياع والعراة توافدوا باستمرار.
الأخطر كان التعامل مع المصابين بالجذام. لم يرغب أحد في لمسهم، لذا ماتوا متحللين في أماكنهم.
“سموكِ، وجودكِ هنا صعب بما فيه الكفاية، لا داعي للقيام بهذا أيضًا.”
لكني شخصيًا اعتنيت بهم، وغيّرت لهم الضمادات.
وبما أنني فعلت، لم يكن أمام دلفينا وفيتوريو خيار سوى اتباعي.
“لو أردتِ تجنب الناس، فهذه أفضل طريقة.”
كنت خائفة.
لم أكن واثقة من شيء.
الملكة أعطتني حلم النقاء الأزرق، لكنها لا تراني بارتياح.
وكان هناك أمر آخر مريب: الأمير الثاني ماتياس.
لم أكن متأكدة أنه لم يقل شيئًا للملكة.
ربما مرّ الأمر بسلام في تلك الليلة، لكن من يعلم متى قد يتكلم.
لو رأت الملكة أنني أقيم علاقات هنا، فقد تتخذ إجراءً ما. لا أعلم ماذا قد يكون، لكن من الأفضل للجميع أن لا يكون لهم أي علاقة بي.
لذا اخترت العناية بمرضى الجذام تحديدًا حتى لا يقترب مني أحد.
ذلك كان قراري.
“لكن، حتى مع هذا…”
بدت دلفينا على وشك البكاء. لم تستوعب أنني أقوم بأمر كهذا.
“السادة عادةً لا يظهرون إلا وقت توزيع الطعام فقط. ما تفعلينه الآن ليس صائبًا.”
“دلفينا، طالما كنا حذرين، هذا المرض لا يُعدي.”
كنت أقول ذلك وأنا أغيّر الضماد لأحد المرضى.
مع القفازات والقناع، لا يمكن للمرض أن ينتقل. هذا ما تعلمته.
“لكن…”
في تلك اللحظة، قال أحد المرضى، وقد كان جسده مغطى بالضمادات:
“ش، شكراً لك… لا أعلم من أنت، لكن أشكرك من قلبي…”
كان المرض قد التهم حتى عينيه، لكنه مع ذلك عبّر عن امتنانه. ارتحتُ لذلك.
لا أحد يعرفني هنا. بل، قد يكون من الأنسب القول إن لا أحد يتوقع أن تقوم زوجة ولي العهد بأمرٍ كهذا.
“هل تشعر بالراحة الآن؟ سأحضر لك الطعام لاحقًا.”
أمسكت بيده الجافة وهمست. اغرورقت عيناه، رغم أنه فقد البصر، فلم يفقد القدرة على البكاء.
بعد الإفطار، حان وقت الصلاة. كنت أدعو كل يوم من أجل سلامة سيزار.
“ترى، ماذا يفعل سيزار الآن؟”
⸻
لقد مرّ أكثر من أسبوع منذ أن سُجن سيزار في غرفة قصر الزمرد الأخضر.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 110"
كورنيلبا الكلبة تمنيت لو سيزار قتلها و افتكينا منها