“همم…”
كان جسدي مثقلاً لا يرغب في الاستيقاظ. حاولت أن أغيّر وضعيتي وأتقلّب قليلًا في السرير، غير أن شعورًا غريبًا يشبه السقوط مجددًا في عمق النوم بدأ يتسلل إليّ، وكأنني على وشك أن أنجرف من جديد إلى عالم الأحلام.
ثم… شعور آخر. مختلف. شيء غير مألوف يمسك بكاحلي، ناعم ودافئ قليلاً، وربما كان يلامسني بخفة، كمن يموّه حركة خفيفة بالخدش.
فتحت عيني بالكاد، أنظر إلى جانب السرير، ظننت أن قطعة قماش أو شريط قد التفّ حولي…
“آه؟”
وهناك، رأيت سيزار. كان يمسك بكاحلي ويجذبني بلطافة.
“هيهي.”
ابتسم بمجرد أن التقت أعيننا.
ما الذي يفعله هذا الطفل هنا؟! فركت عينيّ المتعبتين وتحدثت إليه بنبرة ناعسة:
“ينبغي أن تكون في غرفتك الآن.”
لكنه تجاهل كلامي كليًا، واستمر في جذب كاحلي بإصرار طفولي.
“آه، لا بأس…”
تنهدت باستسلام، فلدي شعور قوي أنه سيعود ثانية لو طردته الآن. رفعت الغطاء جانبًا وفتحت له الطريق.
“ستبرد إن بقيت هناك، تعال إلى الداخل.”
“أجل!”
قفز إلى السرير بفرح، مثل طفل نال مبتغاه للتو. كان من الصعب أن أعتاد على هذه المسافة القريبة بيننا.
“نحن زوجان، أليس كذلك؟ لا بأس إن تشاركنا السرير…”
تمتمت بكلمات لا أعرف حتى لمن أبررها، بينما كنت أحاول إبعاده قليلًا عني كلما زحف نحوي أكثر.
ضحكت، إذ تذكرت أناريسا فجأة. كم مرّ من الزمن منذ أن نمت إلى جانب أحدهم وشعرت بحرارته؟
تذكرت أيامنا سويًا في ذلك المنزل الصغير قبل أن أدخل قصر آل فلوريس. كنا ننام كل ليلة ونحن متعانقين، خاصة في الشتاء، حين لم نملك التدفئة الكافية، فكنا نتقاسم دفء أجسادنا بصمت.
“حين نعانق بعضنا، نشعر بالدفء وننام أسرع.”
“هممم…”
يبدو أن الإرهاق لم يكن من نصيبي وحدي. صوت سيزار كان مثقلاً بالنعاس. طبيعي، بعد كل ذلك النشاط الجنوني.
أغلقت عينيّ أخيرًا…
“رين…”
ناداني من العتمة، بصوت خافت. بالكاد استطعت أن أفتح عينًا واحدة، كانت ثقيلة كقطن مبلل.
ثم… طُبع قبلة ناعمة على شفتيّ. فتحت عينَيّ تمامًا.
هل… قبّلني الآن؟
ضحكة صغيرة خرجت مني بلا إرادة. كان ينظر إلي بثبات، بعينيه الواسعتين اللامعتين، ثم غاص في حضني مرة أخرى دون أن ينبس بكلمة.
“آه، أي تصرف هذا…”
ضحكت بهدوء، شعور غريب من البهجة تسلل إلى قلبي، ومعه انزلقت بهدوء إلى عالم النوم.
**************
“هل نجت؟”
“نعم، يا سمو الأمير.”
كاد ماتياس، الابن الثاني للإمبراطورة كورنيليا، أن يُسقط الريشة من يده حين وصله الخبر.
المرأة التي ظن الجميع أنها ستكون الزوجة الخامسة المتوفاة لذاك الأبله… لا تزال على قيد الحياة.
“كنت أظن أن جثة جديدة ستُرسل قريبًا…”
ابتسم ماتياس ساخرًا وهو يقلب الريشة في يده. الأمور أصبحت مثيرة للاهتمام.
“لا بد أن العجائز المحافظين فرحين.”
طوال حياته، عاش ماتياس تحت ظل صفة “الابن غير الشرعي”. ومع أن ولي العهد سيزار يعاني من مشاكل عقلية واضحة، ظل المحافظون يتمسكون بأحقيته في العرش.
“ما يريدونه حقًا هو دمية على العرش.”
في قارة أنهكتها الحروب مع عشائر الشياطين، لم يكن العرش الإمبراطوري يُمنح إلا بموافقة موحدة من حكّام الحلف الثلاثي: إمبراطورية أستيريا، غابة هيبريليوم، وتحالف ستويكان الحديدي.
هؤلاء كانوا دوماً يفضلون إمبراطورًا يناسب مصالحهم.
“تُرى، من هي تلك الشابة المحظوظة؟”
لم يحضر الحفل، بالطبع، فكيف له أن يعرف؟
“من عائلة الدوق فلوريس.”
فلوريس، فلوريس… ردد الاسم مبتسمًا.
كوزيمو فلوريس. حتى الأطفال في الشوارع ينحنون حين يسمعون ذلك الاسم.
قبل مئات السنين، عندما هدد تنين مجنون بإفناء الحياة على الأرض، ظهر بطل طارد ذاك الوحش. كان من بين أولئك الأبطال الساحر العظيم، كوزيمو فلوريس، الذي مُنح لقب دوق بعد قتله للتنين، ومنذ ذلك الحين وهو يُذكر كبطل الأمة وحكيمها الأعظم.
“هل يعقل أن دماء الحكيم العظيم استطاعت ترويض دماء التنين؟”
أمر كهذا لا يحدث إلا في الأساطير.
“غريب كيف قبلت تلك العائلة تزويج ابنتها لذاك الأبله.”
“في الواقع…”
انحنى المساعد، يخفض صوته وهو يتلفّت حوله. كانت حيلة. لم تكن الابنة الحقيقية.
أمر متوقّع. أي عائلة عاقلة سترضى بتزويج ابنتها لابن يُقال عنه ملعون؟
“وماذا عن موقف الفاتيكان؟”
“سيُرسلون رسالة تهنئة قريبًا.”
زواج أقرّه الفاتيكان، سيعزّز موقف سيزار بقوة.
نقر ماتياس سطح المكتب بأطراف أصابعه.
“والدتي… لا بد أنها غاضبة.”
غضبها معروف. كانت تكره سيزار أكثر من أي شيء.
“وريث كوزيمو، هاه…”
اسم بدا وكأنه خرج من كتاب أسطوري، من زمن مضى لم يعد له مكان في هذا العصر.
“هل يعقل أن هذه الفتاة حقًا… مختلفة؟”
ما الذي جعلها قادرة على كبح ذلك الوحش؟ هل استخدمت سحرًا قديماً؟
“لو كنت أعلم، لحضرت الزفاف.”
لم يكن من هوايته مشاهدة من يموتون… لكن بما أنها نجت، فقد تغيّر كل شيء.
“اجلب لي المزيد من المعلومات عنها.”
“كما تأمر.”
انحنى المساعد بخفة، وتراجع للخلف. أما ماتياس فابتسم بنبرة خفيفة من التسلية.
“سنلتقي عاجلاً أم آجلاً…”
وبينما يدندن لحناً خافتاً، بدت عيناه تلمعان باهتمام خالص.
************
ـ اعترفي الآن بالحقيقة!
كانت الغرفة تضجّ بالصراخ، فوضى افتعلتها الخادمات اللاتي كنّ قد ساعدنني ذات يوم في التزيّن.
ـ دلفينا سرقت مجوهرات سموّه!
وقعت الخادمة ذات الشعر البني أرضًا وهي تبكي، تهز رأسها بشدة وتنكر.
ـ أقسم… لم أفعل شيئًا!
دموعها تناثرت على الأرض، وقد بدت في قمة البؤس وهي جاثية هناك.
ـ كانت دلفينا!
ـ نعم، هي!
الجميع كان يتهم دلفينا. لكنني كنت أعرف الحقيقة. من سرق المجوهرات كان في الواقع…
فتحت عيني، لأكتشف أن الصباح قد حلّ. كان حلماً غريباً للغاية، حيًّا إلى درجة أنني شعرت وكأنني عشتَه حقًا، بكل تفاصيل الوجوه وأزرار الملابس.
لكنه، على الأرجح، مجرد حلم ليس إلا.
“هممم…”
كان سيزار ما يزال نائمًا بهدوء في حضني، يتنفس بثبات.
حين يغلق عينيه ويبقى هادئًا هكذا… يبدو كأنه أمير حقيقي.
************
لم تكن آثار النعاس قد زالت تماماً بعد. مدت يدها لتداعب خصلات شعره المجعد برقة، ثم أغمضت عينيها من جديد. كانت تغرق ببطء في نعاس خفيف، قبل أن يقطع ذلك السكون صوت حركة في الخارج.
همسات متوترة، جدال محتدم، وبكاء مكتوم يطفو في الجو.
“اعترف بالحقيقة حالاً!”
“أقسم أنني بريء!”
دوّى الصراخ حتى اهتزت جدران الغرفة، ما جعلها تجلس فجأة في فراشها.
“ما الذي يحدث؟”
وقبل أن تلتقط أنفاسها، جاء صوت من الخارج:
“جلالتك، هل استيقظتي؟”
دخلت مجموعة من الخدم دون حتى أن تطرق الباب. وجوه مألوفة كل من الذين ساعدوها في الاستعداد ليوم الزفاف.
“أوه…” تمتمت، دون أن تتمكن من طرح أي سؤال.
لكن فجأة، زمجر صوت هائل من داخل الغرفة. كان سيزار.
“آه!”
صرخة صغيرة علت بين الخادمات حين بدا وكأنه على وشك الانقضاض. ارتبكن وسكبن شيئاً من الماء الذي كن يحملنه في الطست، فبللت قطرة منه أطراف السجادة الفاخرة. إحداهن، ذات شعر بني داكن، تقدّمت بسرعة.
“نعتذر! ل-لم نكن نعلم أن سموّ الأمير موجود هنا…”
لكن اعتذارها لم يهدئ الوضع. بل على العكس، بدا أن كلماتها أشعلت غضب سيزار أكثر، وبدأ يتحرك بعنف كما لو كان سيثب من مكانه في أي لحظة.
“سيزار، لا!”
صرخت به بسرعة، محاولة تهدئته. لو تأخرت للحظة، لربما تكرر ما حدث بالأمس…
لحسن الحظ، استجاب لها هذه المرة، وهدأ تدريجياً.
تنهدت وسألت، وهي لا تزال تراقبهم بقلق:
“ما كل هذه الفوضى؟”
التعليقات لهذا الفصل " 11"
اوف يارب اخوه ما يطلع خايس لان مو كل هالناس الخايسه حولينهم
سيزار😭! لاا البيت دا طاهر وهيفضل طاهر🤨