3
أدّى الممر الضيق إلى غرفة استقبالٍ سريّة. أطلق الناس على غرفة الاستقبال الصغيرة هذه اسم ‘غرفة استشارات الليدي أمور’.
كانت غرفة الاستقبال مغطاةً بطبقاتٍ متعدّدةٍ من الستائر التي تخفي هوية المراجعين تمامًا، مما جعل من المستحيل معرفة هوية بعضهم البعض.
“هل كنتِ بخير؟ ألم تفتقدي هذا الـ كاميل؟”
بالطبع، طالما لم يكشف عن هويته بهذا الشكل.
نظرت أناييس، التي ترتدي قناع أمور، إلى الرجل الذي كشف عن نفسه دون أن يُطلَب منه ذلك، وتردّدت. لم يكن الشخص الذي زارها في هذا الوقت المبكّر من أتباع روكسان.
خفضت أناييس نبرة صوتها ونقّت أسلوب كلامها بما يتناسب مع مستشارة العلاقات العاطفية ‘أمور’.
“الكونت دي سانت.سمعتُ أخبار زواجك. تهانيّ لك.”
“هذا محرج. هل انتشر الخبر بالفعل؟”
أخرج كاميل دعوة الزفاف من جيب صدره ومرّرها على الطاولة.
“أردتُ إخبار الليدي أمور شخصيًا.”
“كم أنتَ مراعي.”
“ألم نتبادل الكثير من الأشياء بيننا؟”
“أخشى أن يسمعنا أحدٌ ويُساء فهمنا.”
“مَن كان ليعلم أنني سأستقرّ مع امرأةٍ واحدة.”
“أنا أيضًا مندهشةٌ لأن هذا سيحدث.”
“هاهاها! ليست مجرّد مجاملة، كما تعلمين، كانت صورتي كفاسقٍ قويّةً جدًا.”
ليست مجاملة …
كانت معرفته بنفسه نقطة قوّة، إذا أردنا اعتبارها نقطة قوّة. بدأ في زيارة صالون أندرسون برين في الخريف الماضي، على الرغم من سمعته السيئة مع النساء.
أثناء نزهةٍ في الحديقة، سُحِر بشكلٍ عشوائيٍّ بامرأة. المضحك أنه حتى في تلك اللحظة، كان برفقة امرأةٍ أخرى.
على أيّ حال،كانت هناك قاعدةٌ غير مكتوبةٍ بين النساء اللواتي مررن بمراسم بلوغ سن الرشد كلّ عام ‘لا تشربي النبيذ الذي يقدّمه كاميل دي سانت’، لذلك كان عليه أن يبذل قصارى جهده لكسر حذر المرأة الغامضة الجذابة. في النهاية، استسلم وجاء إلى هنا.
لم أكن أعلم أنه سيصل إلى الزواج حقًا.
على الرغم من أنها تتقاضى أجرًا مقابل الاستشارات، شعرت أناييس بالحيرة الآن، هل كان مساعدة فاسقٍ مثل كاميل في الحب هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله؟
“من المستحيل أن تحضري حفل الزفاف، أليس كذلك؟”
“سأبارككَ من بعيد.”
“توقّعتُ ذلك. يبدو أن هذه ستكون تحيّتنا الأخيرة. ألا تريدين أن تخبريني بهويّتكِ أنا فقط؟”
“……”
في الصمت الذي تلا ذلك، رفع كاميل يديه بإيماءة استسلام.
“هاها، لا بأس. كنتُ أقول ذلك فقط. سأذهب الآن.”
آه،نعم! بينما كان يستدير للمغادرة، توقّف فجأةً وقام بحكّ رأسه بإحراج.
“بالمناسبة … قد يأتيكِ زائر … مميّزٌ بعض الشيء.”
“زائرٌ مميز؟”
“نعم…صحيح. زائرٌ مميز.”
زائرٌ مميز، وصعب، ومخيفٌ بعض الشيء. تمتم كاميل بكلماتٍ لنفسه ثم غادر غرفة الاستشارات كما لو كان يهرب.
‘زائرٌ مميز؟’
هل أخبر كاميل أحدًا عن هذا المكان؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذا جيد. على الرغم من أنه كان يُعتبر، إلى جانب أصغر أمراء باربييه، من الصفيقين الذين لا أمل في إصلاحهم، إلّا أنه كان ابن عائلة دي سانت النبيلة، لذا إذا أشاع الخبر، فسيكون ذلك مفيدًا جدًا لأرباح صالون أندرسون بريين. لكن …
‘ما هذا الشعور المزعج؟’
***
عندما عادت أناييس إلى المكتب، لم يكن لديها حتى وقتٌ للتفكير في الشعور المزعج الذي شعرت به من كاميل.
كان السبب هو البريد الذي جلبته معها من القصر. على عكس الخط الأنيق ، كان المحتوى غير اللطيف يجعل يديها ترتعشان.
تذكيرٌ عاجلٌ بالعثور على خليفةٍ مناسبٍ حيث أن خلافة لقب الكونت مُعلَّقةٌ بعد وفاة الكونت والكونتيسة دي برين …
تحذيرٌ بأنه إذا لم يتم العثور على خليفةٍ مناسب، فسيتم نقل اللقب والممتلكات المرتبطة به إلى المملكة، و …
عندما قلبت أناييس الصفحة، تمنّت لو أنها فقدت الوعي.
[ الموعد النهائي لتعليق خلافة اللقب: سنةٌ واحدة ]
صرخت أناييس وأسقطت الورقة دون قصد.
“هل لم يتبقَّ سوى هذا الوقت القصير بالفعل؟”
الكلمات الحمراء المثيرة للصدمة اخترقت صدرها كما لو كانت حكمًا بالإعدام.
عضّت أناييس شفتيها. في باربييه، كان اللقب يُورَّث للابن الأول كأولويةٍ أولى. لكن أناييس كانت الابنة الوحيدة التي تركها الكونت والكونتيسة دي برين في العالم.
إذن، أليس من الممكن أن ترثه الابنة كأولويةٍ ثانية؟ نعم، ممكن. لكن بشروطٍ صارمةٍ للغاية. هناك طريقةٌ واحدةٌ فقط يمكنها بها، كامرأة، أن تستمرّ في حمل اللقب.
“لا، ربما يجب أن أقول أنه لا توجد طريقة.”
الزواج. نعم، الزواج.
الطريقة الوحيدة لأناييس لاستمرار سلالة عائلة كونت برين هي الزواج! الزواج.
“الزواج ليس أمرًا بسيطًا. كيف يمكنني على الفور…”
لقد كانت مشغولةً جدًا بإدارة شؤون الكونتية لدرجة أنها نسيت. يا للغباء.
‘فكّري، أناييس.’
هل من الضروري أن أستلم اللقب؟
“……”
رفعت أناييس يدها اليمنى عاليًا. ثم صفعت نفسها على خدّها بقوّة.
يا له من هراء، بالطبع يجب أن أستلمه!
لم يكن هذا شيئًا يجب التفكير فيه أو عدم التفكير فيه. ستضيع جميع الممتلكات المرتبطة باللقب. وهذا يعني قصر الكونت، وصالون أندرسون برين، والعقارات الصغيرة المملوكة للكونت رغم أنها مرهونة…
لا يمكنها التخلّي عن إرث عائلتها، حتى لأجل والديها.
إذا لم تحافظ على لقب الكونتية، فحينئذٍ ستفقد كلّ شيء.
المطالبات بالديون، والمطالبات بالزواج. كانت بداية اليوم قاسيةً لدرجة أن الحزن غمرها.
“ماذا فعلتُ بالضبط؟”
هدّأت أناييس ساقيها المرتعشتين وجلست على الأريكة.
“طوال اليوم، أتحدّث عن حب الآخرين وكأنه أمرٌ بسيط. ماذا فعلتُ أنا بالفعل؟”
بينما كانت أناييس تحدّق في دعوة الزفاف التي تلقّتها من كاميل دون سبب، كانت تشدّ شعرها بحنق.
دق، دق.
“آنسة.”
لم يكن مَن فتح الباب على مصراعيه عند الطرق سوى الخادم.
“ما الأمر؟إذا لم يكن الأمر عاجلًا، فدعه لوقتٍ لاحق …”
أصيبت أناييس بمزيد من الكآبة عندما خطر ببالها أنه قد يتعيّن عليها خفض راتب الخادم بدءًا من الشهر بعد القادم، وكانت تتحدّث بصوتٍ خافتٍ عندما قاطعها الرجل المسن.
“إنه عاجل!”
“……؟”
“لقد أقفلتُ جميع أبواب الصالون. يجب أن تنزلي وتتفقّدي الأمر بسرعة.”
“ما الأمر؟ لديّ أمورٌ عاجلةٌ أخرى الآن.”
سأضطر إلى إعطاء الخادم إجازةً بدون أجر.
“لقد وصلت جلالة الملكة الأرملة!”
“بدون أجر …ماذا؟ مَن قلت؟”
في تلك اللحظة، صدح صوت كاميل في أذني أناييس.
«قد يأتيكِ زائرٌ مميّزٌ بعض الشيء.»
***
كان المبنى المكوّن من ثلاثة طوابق في ظلامٍ دامسٍ لا يتخلّله أيّ ضوء. على الرغم من أنه لم يكن حتى منتصف النهار بعد وكان يجب أن تكون الشمس في كبد السماء، إلّا أن الأبواب المغلقة بإحكامٍ والستائر المعتمة التي لا تسمح بأيّ ضوء كانت السبب.
وقفت أناييس، التي سارعت خلف الخادم، أمام القاعة الرئيسية وتنفّست بعمق. عند فتح الباب، ظهرت في مجال نظرها في اللحظة التالية شخصٌ يرتدي رداءًا أسود.
على الرغم من أنه كان رداءًا رخيصًا عاديًا، إلّا أن وقفته المستقيمة تنبعث منها هيبةٌ لا يمكن المساس بها.
حقيقة أنها جاءت برفقة خادمٍ واحدٍ فقط تشير بوضوحٍ إلى أن الشخصية الموقرة لديها سببٌ سريٌّ لزيارة هذا المكان اليوم.
“أناييس من عائلة برين، أحيّي جلالة الملكة الأرملة.”
عندما ظهرت صاحبة الصالون الشابة، رفعت الشخصية المهمة الجالسة في المقعد الرئيسي القلنسوة. ظهر شعرها الأسود الفاحم المضفّر بشكلٍ كبير.
يا إلهي.
كانت بالفعل الملكة إليزيا، التي رأتها من بعيدٍ في المناسبات الاجتماعية أو في الصور المنشورة في الصحف بين الحين والآخر.
“يسعدني رؤيتكِ، آنسة برين.”
ردّت بتحيّةٍ قصيرة. لماذا جاءت إلى هنا، وهي شخصيةٌ نادرًا ما يُرى وجهها عادةً …؟
لم تستطع أناييس فهم المغزى من زيارة الملكة الأرملة.
بينما كانت تقف في حيرة، مددت الملكة الأرملة زاوية عينيها.
“لا داعي للتوتر. تعالي واجلسي.”
كانت هذه مناسبةً لمقابلة أكبر شخصيةٍ في المملكة بعد الملك الحالي. لم تكن مثل هذه الفرص كثيرةٌ لأناييس، لذا كان من الطبيعي أن تشعر بالذعر.
جفّ فمها كلّما مرّت نظرة الملكة الأرملة على السجادة العاجية الفاتحة، والأثاث الأحمر من خشب الماهوجني، والبيانو الكرزي.
“يجب أن يكون الأمر صعبًا لإدارة الصالون بدون الكونت، لكنني سمعتُ أن سمعة أندرسون برين جيدة. يبدو أن الآنسة أناييس ورثت كفاءة الكونت برين.”
بسبب توترها الشديد، أجابت بصوتٍ متلعثم.
“هـ هذا إطراءٌ كبيرٌ جدًا!”
“لن أطيل الحديث.”
نظرت الملكة الأرملة نحو الباب وأخفضت صوتها.
“أريد منكِ أن تتولّي ترتيب زواج.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"