وقفت أناييس أمام المرآة مرتديةً فستانها المفضل بلون النرجس. حتى فستان المصمم الشهير بدا متواضعًا أمام الربيع الثالث الذي يعود إليها.  

لمست أناييس الزخارف المضافة إلى الأكمام التي كانت ممزقةً حتى الليلة الماضية.  

“لماذا لا ترتدينه حتى هذا العام فقط؟”  

همست المربية بجانبها، لكن غرز الخياطة التي أصلحتها كانت متقنة.  

“لا بأس، لا يزال صالحًا للاستخدام.”  

لم يكن الوضع مريحًا بما يكفي لشراء فستانٍ جديدٍ كلّ موسم، لكن سبب ارتدائها لفستانٍ قديمٍ كان أيضًا بسبب والديها. أرادت أن تحتفظ بذكرى آخر هديةٍ منهما لأطول فترةٍ ممكنة.  

“هل أنتِ بخير، آنستي؟”  

سألت المربية بحذرٍ وهي تعدّل ملابسها.  

“همم؟”  

اتّجهت نظرة المربية بهدوءٍ خلف كتف أناييس. حيث كانت تقع نهاية نظرتها على طاولة أناييس، وبالتحديد على الأوراق المبعثرة فوقها.  

هزّت أنايس كتفيها كأن الأمر لا يستحق الاهتمام.  

“لا تقلقي، هذه ليست أول مرة.”  

“لكن يبدو أن المحتوى خطير…”  

“قلتُ لكِ إنه ليس بالأمر المهم، مربيتي.”  

رغم كلامها، مجرّد تذكّر محتوى الأوراق على الطاولة كان كافيًا لاستنزاف طاقتها. ومَن يستطيع أن يفرح عند رؤية إشعارات المطالبة بالديون؟  

“لو أن السيدة لم ترحل بهذا السوء …”  

“أوه، لا تبدأي بهذا الكلام مرّةً أخرى! ما الفائدة؟”  

أجبرت أناييس نفسها على الابتسام أمام دموع المربية.  

لو لم يتركها والداها فجأةً قبل ثلاث سنوات، لكانت حياتها مختلفةً تمامًا الآن.  

لكنها كانت الابنة الوحيدة المدلّلة التي لا تعرف شيئًا عن قسوة العالم، تضحك لأتفه الأسباب وتكتئب لعدم شراء فستانٍ جديدٍ أو عدم دعوتها لحفلة عيد ميلاد. ثم تنسى كلّ شيءٍ بسرعة.  

لكن واقعها لم يعد كذلك الآن. أصبحت الحياة معركةً حقيقية، وأُلقِيت أناييس في وسطها.  

هزّت رأسها لتتخلّص من الأفكار الكئيبة وتجاهلت محتوى الأوراق.  

أمسكت بالصحف والمجلات الأسبوعية التي ستقرأها في العربة، ووضعتها تحت إبطها.  

عندما خرجت من الباب، كانت المربية تفتح بريدًا واصلًا حديثًا. نظرت أناييس إلى ساعة الحائط ثم مدّت يدها بسرعة.  

“سأقرأها في الطريق، أعطِني إياها.”  

دفعت الرسائل بين صفحات الصحيفة بصورةٍ عشوائية، ثم صعدت إلى العربة المنتظرة.  

حتى لو كان قلبها مثقلًا بالحزن، كان عليها أن تتحرّك بعد كلّ هذه الدموع.  

حتى لو…  

كانت الفائدة المرتفعة ظالمة.

حتى لو كانت على وشك خسارة أحد عقارات العائلة.  

حتى لو كانت تشعر بالغضب لأنها لا تستطيع الاعتراض على هذه الفائدة الجائرة!  

“أولئك الأوغاد!”  

منذ وفاة والديها المفاجئة قبل ثلاث سنوات، وجدت أناييس نفسها مسؤولةً عن عائلة كونت برين دون أيّ استعداد.  

في البداية، بدا الأمر يسيرًا رغم إدارتها الساذجة. لكن المشكلة بدأت عندما اكتشفت أن العائلة مثقلةٌ بالديون.  

لو أن أحدًا ما أخبرها بمخاطر القروض الربوية، لما وقعت في هذا الفخ. لكنها الآن تستدين لسداد ديونها.  

لو استطاعت، لَعادت إلى تلك الأيام وصفعت نفسها الساذجة حتى تفقد وعيها. لكن الندم كان عديم الجدوى.  

كانت الأمور تتحسّن مؤخرًا، وظنّت أنها ستتمكّن من سداد كل الديون.  

حتى أمس، عندما تلقَّت إشعارًا بزيادة الفائدة إلى الضعف.  

“آه…”  

أغلقت أناييس عينيها ثم فتحتهما. فجأة، تذكّرت فكرةً جعلتها تتمسّك بواقعها.  

‘يجب أن أركّز على ما يمكنني فعله الآن.’

تنفّست بعمق ثم فتحت جريدة بينيش جازيت.  

[روكسان، زهرة عائلة باستيان، ستعود!]  

[مَن سيكون السيد المحظوظ الذي تختاره روكسان؟]  

[أسوأ رجلٍ للزواج حسب استطلاع 10 آلاف شخص!]  

[قصة نشأة روكسان دي باستيان]  

.

.  

.

[من هي ‘ليدي أمور’ التي تحقّق الحب؟]  

ابتسمت أناييس أخيرًا عندما وجدت ما تبحث عنه.  

[……في خضم الاهتمام المتزايد بالصالونات، لماذا يحظى صالون أندرسون برين بشعبيةٍ كبيرةٍ بين السيدات؟ هل لأنه مكانٌ يلتقين فيه بالفنانين والعلماء دون تحيّز؟ هذا صحيحٌ جزئيًا. 

السبب الحقيقي هو أن نصيحة ‘ليدي أمور’ حول الحب لا تُوجد إلّا في هذا الصالون. حتى أن بعض الرجال يتخلّون عن كبريائهم ويزورونها.  

هوية هذه المرأة، التي تُوصَف بتجسيد كيوبيد، لا تزال مجهولة. لكن الزبائن لا يهتمّون بذلك طالما أنهم يحصلون على نصائحها. فقد أشاد العديد من الأزواج الذين استفادوا من نصائحها بأنها ساعدتهم على أن يكونوا صادقين.]  

“لا يوجد شيءٌ مستحيل.”  

قرأت أناييس المقالة بعينٍ راضية. لحسن الحظ، نُشِرت المقالة الإعلانية التي طلبتها في الوقت المناسب.  

توقفت العربة، ونزلت أناييس أمام مبنى من الطوب الأحمر المُغطّى باللبلاب. بين الأوراق الخضراء، ظهرت لافتةٌ كبيرةٌ مكتوبٌ عليها ‘صالون أندرسون برين’.  

عندما فتحت باب الصالون، رحَّب بها الموظفون الذين أنهوا استعداداتهم. ردّت عليهم التحية ثم عبرت القاعة وصعدت الدرج الحلزوني.  

في الطابق الثالث، حيث تزيّن اللوحات الجدارية الممر، دخلت إلى المكتبة في نهايته.  

رنين-

 ما إن أغلقت الباب، حتى رنّ جرس الباب من بعيد. كان زائرًا مبكرًا على غير العادة.

خمّنت أناييس أن السبب هو تلك المرأة التي تملأ الصحف والمجلات الأسبوعية بالأخبار.  

وضعت كومة الأوراق التي حملتها على المكتب، ثم خلعت القبعة وعلّقتها على الشماعة.  

عندما فتحت المجلة الأسبوعية، كان أوّل ما رأته صورة شابةٍ كبيرة.  

[هل ستعثر روكسان، ابنة ماركيز باستيان، على شريك زواجها هذا الموسم؟]  

كان خبر عودة ‘زهرة مملكة باربييه’ متداولًا منذ الشتاء الماضي. أجمل امرأةٍ في باربييه، والتي وُصِفت بجمالها المقدّس منذ ولادتها.  

لم تكن شعبيتها تقتصر على مواطني باربييه، فحتى نبلاء الدول المجاورة يتسابقون لإرسال خطابات الزواج كلّ عام. في عام حفل ظهورها الأول، زاد عدد السياح الأجانب ثلاثة أضعاف.  

‘قيل أنها تسبّبت في إصابة رجلٍ بالحب من مجرّد ابتسامة.’

كانت امرأةً مثالية، لم تكن فاتنة الجمال فحسب، بل تمتّعت أيضًا بمكانةٍ وثروةٍ وسماتٍ نبيلةٍ لا تشوبها شائبة.

كان قرار الآنسة باستيان دراسة الرياضيات في جامعةٍ في بلدٍ مجاورٍ كارثةً على رجال باربييه الذين كانوا في سن الزواج. 

حتى أن بعضهم حاولوا الالتحاق بنفس الجامعة، لكن معظمهم رُفض لعدم استيفاء الشروط.  

والآن، ها هي تعود. وهذا يعني …  

“إنها فرصتي.”

ابتسمت أناييس ابتسامةً شريرة. 

أشعلت عودة روكسان النار في قلوب الرجال الذين كانوا يتوقون إليها. حتى ذلك الزائر المبكر ربما جاء ليسأل عن كيفية إنهاء حبّه غير المتبادل.  

بالطبع، سيأتي إلى ليدي أمور.  

“هيهيهي …”  

سيحقّق الصالون أرباحًا كبيرةً بفضل استشارات الحب هذه.  

أخرجت قناعًا نصفياً مزينًا بتفاصيل بيضاء من الدرج الثاني. كان القناع، الذي ارتدته بمهارة، مناسبًا تمامًا لأناييس.  

دفعت خزانة الكتب خلفها، فانفتح بابٌ سريٌّ في المكان الذي دُفِع فيه برفق.

دحلت أناييس الممر الذي يؤدي إلى الطابق السفلي.  

حان وقت خروج ‘ليدي أمور’.

⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄

ترجمة: مها

انستا: le.yona.1