كانت مأدبةُ الاحتفال بحمل الإمبراطورة غارقةً في أجواءٍ دافئة.
تجمّع النبلاء بأزيائهم الفاخرة، يتبادلون أطراف الحديث مع شركائهم.
لم يتوقف عزف الموسيقى، وامتلأ المكان بعبق الزهور الفوّاحة وروائح الأطعمة الشهية.
كانت ماري في غاية الحماس.
كان هذا أول خروجٍ لها بعد انتهاء فترة النفاس. بعدما قضت وقتاً طويلاً تحت الحماية المفرطة في قلعة هاربونز.
شعرت بلهفةٍ أشبه بفتاةٍ مراهقةٍ تحلم بحفلة ظهورها الأولى.
مدَّ لها كاليوس كوباً من عصير الرمان قائلاً.
“أخبريني لو شعرتِ بأدنى تعب.”
“بل على العكس، أشعر أنني أتحسن.”
“ماذا؟”
“لذا إن سألتَني مرةً أخرى، سأغضب!”
ابتسمت ماري ابتسامةً عابثة ملوّحةً بتهديدٍ مزاح.
غمغم كاليوس مضطرباً. كان يتبعها ككلبٍ حراسةٍ يخشى هروب سيدته، مما جعل مشاعرها تتنقل بين العطف عليه ورغبتها في إغاظته.
وفجأة، بينما كانت تحدّق في حلوى تشبه خدّي ريبيكا الممتلئين، همست.
“أتساءل إن كانت ريبيكا بخير.”
“يومٌ واحد لن يضرّها، ثم أن المربية تعتني بها جيداً.”
“صحيح لكن …”
انتابتها شعورٌ غريب.
قبل وقتٍ قصير، لم تكن تلك الطفلة موجودةً في العالم، ثم ظهرا فجأةً واستولت على كل مشاعرها.
أن تفتقدها بعد يومٍ واحدٍ فقط كان أمراً غريباً عليها.
لاحظ كاليوس عبوسها المفاجئ، فربّت بخفةٍ على خدّها ليلفت انتباهها.
“ماذا؟”
حدقت به وهي تتنهد، فقال.
“أشعرُ أنني خسرتُ أمام ريبيكا.”
“كلاكما ثمينٌ بالنسبة لي!”
“لكنني أتمنى أن أكون الأثمن.”
“يبدو أنكِ أصبحتِ جشعًا الآن!”
أدارت عينيها مستغربةً من غيرته المفاجئة، ثم انفجرت ضاحكةً.
لم تشعر بالسعادة إلّا عندما يعبّر عن مشاعره بهذه الصراحة.
بدا عليه الخجل فحول نظره وهو يتمتم.
“نعم، لم أكن أعرف أنني رجلٌ جشعٌ إلى هذا الحد.”
“أحبكَ وأحبّ ريبيكا بنفس القدر.”
“أعرف، أعرف، أنا فقط … آسف، كان تصريحي أحمقاً.”
أخذ يفرك مؤخرة رأسه محرجاً، مما جعلها تشعر برغبةٍ في تقبيله لو لم يكونوا محاطين بالحضور.
هل شعر كاليوس بنفس الشعور؟
أمسك بيدها بحذرٍ وقبّل راحتها، ثم همس.
“أريدُ أن أقبّلكِ.”
مثل طفلٍ عنيد، داعب راحتها بشفتيه مراراً حتى احمرّت وجنتاها.
وعندما كان على وشك ترك يدها، سمعوا فجأةً صوتاً مرحاً.
“ستحملين بطفلٍ ثانٍ على هذا المنوال!”
“!!”
التفت كاليوس عند الصوت المرح المفاجئ.
عندما استدار، وجد إليانا واقفةً بثيابها الأنيقة.
كات وجهها يلمع بسعادة، وكأنها تفكر بأيّ طريقةٍ ستضايقه.
وإلى جانبها، كان فيركلي يضحك متسلّياً بالمشهد.
‘أوه لا…’
نهض كاليوس مسرعاً وشعر بالشؤم.
“أحيّي-“
فقط عندما كان على وشك تقديم احترامه،
“ماري!”
تجاوزته إليانا مسرعةً نحو ماري.
بقي كاليوس، الذي تم تجاهله، واقفاً محرجاً.
في تلك اللحظة، التقت نظراته بنظره فيركلي، الذي بقيَت يده معلّقةً في الهواء بعد أن فرّت إليانا منه.
تبادلا نظرةً طويلةً كأنهما يتشاركان الألم.
قال فيركي باختصار.
“لقد مررتَ بوقتٍ عصبب، دوق.”
“لا… يبدو أن جلالته يعاني أكثر…”
عندما أجاب كاليوس بجدية، أدا الرجلان نظرَهما نحو النساء.
كانت إليانا تدور أمام ماري كعارضة أزياء، بينما تصفّق ماري مبهورةً.
إليانا، التي كانت في غاية السعادة، نفشت الفستان لإظهاره بشكلٍ أفضل وقالت.
“أليست التنورة مثالية؟ كنتُ قلقةً من انتفاخ بطني لكن الزخرفة تخفيه!”
“بطنكِ لم ينتفخ بعد! ثم إن الملابس تليق بكِ لأنكِ جميلة.”
كانتا منغمستين في عالمهما، حتى قال كاليوس لفيركلي.
“هذه أول مرة أرى ماري تضحك بهذا الشكل بعد الولادة.”
“علاقتهما فريدة.”
“بالطبع أفضل من أن تكونا عدوّتين. نادراً ما حدث ذلك في التاريخ.”
“هذه قوّة ليلي.”
عندما تحدّث فيركلي بانتصابٍ غير ضروريٍّ في كتفيه، نظر كاليوس إلى فيركلي بعيونٍ باردة.
“جلالتكَ تغيرتَ كثيراً أيضاً.”
“في ماذا؟”
عندما نظر إليه فيركلي بنظرةٍ فارغة، هزّ كاليوس كتفيه.
في الواقع، لم يعتقد كاليوس قط أن فيركلي قادرٌ على لعب دور الإمبراطور على أكمل وجه.
لم يكن لديه عدوٌّ سياسيٌّ كبير يُدعى هيرا فحسب، بل بدا أيضًا أنه لا يندم على الحياة كثيرًا.
‘لكنه في الواقع كان ولي عهدٍ واعدًا قبل وفاة والديه.’
كان يُشاد بذكائه ويُمدَح لجماله.
كانت الآنسات النبيلات يزرن القصر لمجرد رؤيته.
رآه كاليوس في صغره مرةً من بعيد.
لسببٍ ما، كان برتدي ملابس نسائية ولديه ضفيرتين.
لكن عينيه كانتا مليئتين بالحيوية آنذاك، لذا صُدم عندما رآه لاحقاً أعمى، بعينين بلا حياة.
في ذلك الوقت، اعتقد كاليون أنه لن يُشفى.
حتى ظهرت إليانا موسيو
تغيّر الإمبراطور.
بشكلٍ جيدٍ جدًا.
“لم أكن أعرفكَ بهذا الشكل من قبل.”
“هل الأمر كذلك؟”
تمتم فيركلي مبتسماً.
لم يبدُ أنه ينوي اختلاق الأعذار.
عندها تمتم كالوس بشكلٍ عابر.
“ربما كانت صورة جلالتكَ التي رأيتُها في صغري حقيقية.”
“عندما كنتَ صغيرًا؟ هل عرف كاليوس الإمبراطور في طفولته؟”
كانت إليانا تحدق بهما، لا يدريان متى وصلت.
“تساءلتُ عمّا تتحدثان، لم تأتيا منذ فترة، اتضح أنكما كنتما ترويان قصةً شيقة.”
كان فضولها واضحًا، لكن كاليوس لم يرغب بالإفصاح.
“لا شيء مهم…”
“لا شيء، أليس كذلك؟”
“هل رأيتكَ يومًا في صغري؟”
عندما أمال فيركلي رأسه، أجابه كاليوس مطيعًا.
“لماذا لم يكن هناك إذًا؟ جلالتكِ، أذكر عندما قسم جلالته شعره إلى ضفيرتين …”
“كيو-هوب! دوق!”
سعل فيركلي عبثًا في وجه كاليوس، الذي ذكّره فجأةً بماضيه المظلم.
لكن كاليوس لم يُلاحظ.
“حينها فكرتُ أنه لديكَ هواية ارتداء ملابس مغايرة.”
“ارتداء ملابس مغايرة؟”
عندما سألت إليانا وعيناها مفتوحتان على مصراعيهما، قاطعها فيركلي.
“دوق هابونز، من الأفضل أن تتوقف عن فتح فمك.”
“آه.”
عندها فقط أغلق كاليوس فمه بانفعال.
بالطبع، كان يحدق فيه بسخط فيركلي لأنه قد قال كلّ شيءٍ بالفعل.
نظرت إليانا إلى فيركلي بعينين لامعتين.
ثم تمتمت بكلماتٍ ذات معنى بابتسامةٍ خبيثة.
“لذا كانت لديكَ هواية ارتداء الفساتين!”
“لا!”
“لا بد أنكَ كنتَ جميلةً!”
“ابقي هذه الأفكار لنفسكِ فقط!”
عندما ردّ فيركلي بشعورٍ مُريب، رفعت إليانا زاويتي عينيها.
“فو، فوو.”
أطلقت إليانا ضحكةً غامضةً لم تكن تكبح جماحها ولا تضحك من القلب.
استمرّت شفتاها في الارتعاش، وهو أمرٌ مُزعج.
“أعتقد أن ليلي تُحب أن أكون في ورطة.”
“مستحيل.”
رفعت إليانا زاويتي شفتيها بشكلٍ مُبالغ فيه، ونظرت لفيركلي من أعلى لأسفل.
“لا يوجد صور؟”
“لا!”
“حقاً؟”
“نعم، حقًا!”
“هذا سيئٌ جدًا.”
بدت إليانا وكأنها تخفض رأسها بوجهٍ متجهمٍ عند إجابة فيركلي الحازمة، ولكن بعد ذلك نظرت فجأةً إلى الأعلى مرة أخرى.
“إذًا لنرسم واحدةً الآن!”
“ماذا؟”
“ارتدِ فستاناً! لدي الكثير!”
ارتسمت على وجه إليانا ملامح الإصرار، لكن فيركلي هز رأسه بنفيٍ قاطع.
“لا.”
“قلتَ إنكَ أحببتَ ذلك عندما كنتَ صغيرًا.”
“هذا…!”
زمّ فيركلي شفتيه ولم يستطع مواصلة الكلام.
يبدو أنه لم يرتدّ ملابس النساء طوعًا.
على العكس، كان رد فعله غامضًا، كما لو كان لديه قصة ليرويها.
“ما الأمر؟”
“….”
“إذا أخبرتَني، فقد أُعيد النظر في طلبي سابقًا.”
“هل قلتُ يومًا إنني سأستمع إليكِ؟”
عندما ارتسمت على وجه فيركلي تعبيرٌ من الحيرة، هزّت إليانا كتفيها.
“على أي حال.”
“لاحقًا. سأخبركِ عندما نكون وحدنا.”
تجنّب بلكيري الإجابة وركض نحو ماري.
“ماذا؟ بما أنكَ لم تخبريني، فأنا أكثر فضولًا الآن.”
تمتمت إليانا بتعبيرٍ خالٍ من أي كتعة.
بالطبع، توقّف تذمرها بعد قليل.
الأهم من ذلك هو التفكير في نوع الفستان الذي يناسب فيركلي.
‘لو كان شعره طويلاً كالسابق، لكان أجمل. لكن لا بأس هناك الكثير من تسريحات الشعر التي يمكننا عملها.’
ومع ذلك، ولأنه طويلٌ نسبياً بالنسبة لرجل، بدا تزيين الشعر سهلاً.
“هيهي.”
ضحكت إليانا ضحكةً خفيفة.
في الوقت نفسه، شعر فيركلي بقشعريرةٍ تسري في جسده.
لسببٍ ما، شعر بوضوحٍ بأن إليانا تُدبّر أمراً ما.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "133"