“ما الذي أتى بكَ إلى هنا؟”
“لا شيء. كنتُ أمرُّ بالجوار.”
أجاب فيركلي بصوتٍ خافتٍ بينما وقف بجوار إليانا،
ثم ألقى نظرةً خاطفةً على هاجيل وجيزيل المقابلين لها.
حينها، أخيرًا، تقدّم هاجيل الذي كان متجمدًا في مكانه ليقدّم تحيته الرسمية.
“هاجيل لاتو، أحيي شمس الإمبراطورية.”
“أحيي شمس الإمبراطورية.”
تبعه جيزيل بذكاء، محاكيًا أخاه في التحية.
أومأ فيركلي برأسه قليلًا ثم قال.
“تبدون مستمتعين. عن ماذا كنتم تتحدثون؟”
“آه، كانت جلالة الإمبراطورة تعرض لنا بعض السحر. هذه أول مرة نرى فيها سحر الطبيعة بأعيننا.”
أجاب هاجيل وهو يفرك مؤخرة رأسه بخجل، حيث لا تزال آثار السعادة ظاهرة على وجهه.
توجهت نظرات فيركلي تلقائيًا إلى الطاولة، حيث كانت هناك أشياء متنوعة مصنوعة من الثلج مبعثرة عليها.
من بينها كانت زهرة.
أمسكت فيركلي بالزهرة وقال.
“ليلي، ألم تعديني بأن الزهور ستكون لي وحدي؟”
“ماذا؟ أنا؟”
حنت إليانا رأسها ببراءة وكأنها لا تتذكر أي وعدٍ كهذا.
شعر فيركلي بانقباضةٍ من رد فعل إليانا.
ابتسم بشكلٍ متكلفٍ أكثر وأدخل الزهرة خلف أذنها وقال.
“ألم تقولي إنني أجمل من الزهور؟”
“آه!”
عضّ هاجيل على لسانه مندهشًا من كلام فيركلي، لكنه كتم أنينه، غير قادرٍ على إظهار انزعاجه.
ألقى فيركلي نظرة خاطفة على ذلك المشهد ثم عاد ليحدّق في إليانا.
كانت أليانا بدورها تحدّق بفيركلي بتأمل، الذي ظهر من اللامكان ويتصرف بشكلٍ لطيف.
تسائلت مَن يحاول أن يسحر مرة أخرى.
أمسك فيركلي بيد إليانا وقال بصوتٍ منخفض.
“هيّا، إليانا، عليكِ أن تضعي زهرةً في شعري أيضًا.”
أمال رأسه قليلًا، فانحدر شعره الأسود الناعم إلى جانبٍ واحد.
شعرت إليانا بإحساسٍ غريبٍ من تصرّفات فيركلي.
‘هل يحاول بذلك أن يضع هاجيل لاتو في موقفٍ محرج؟’
تذكرت كيف أن فيركلي كان يتظاهر بالمبالغة في إظهار الحب أمام روب عندما كادت أن تُخطَب له.
وكيف كان يطلب منها إظهار المشاعر أمامه تحديدًا.
‘أكانت كلماته عن الغيرة صادقة حقًا؟’
كانت إليانا قد سمعت من رئيس الخدم أن مزاج فيركلي لم يكن جيدًا هذه الأيام.
لكنها ظننت أنه مجرد تمثيل.
إلا أن رؤيته يتظاهر بهذا الشكل أمام عينيها جعل المشاعر تعود من جديد.
صنعت إليانا وردةً ووضعتها خلف أذن فيركلي قائلة.
“ها، هل هذا يكفي؟”
عندما قالت ذلك بسخاء، تصلّبت ملامح فيركلي للحظة قبل أن يعود للابتسام.
ما جعل إليانا تعضّ على شفتها السفلية من شدة الضحك.
بعد ذلك، قال هاجيل بذكاء.
“جلالتك، الزهرة تليق بكَ كثيرًا.”
“شكرًا لك.”
أجاب فيركلي بجفاء ثم جلس إلى الطاولة.
“هل ستظل هنا لفترةٍ أطول؟”
“ألا يمكنني ذلك؟”
عبس فيركلي وكأنه مستاءٌ لأن إليانا لم تبدُ سعيدةً ببقائه، غير مدركٍ أن ذلك بالذات ما أسعد إليانا.
‘يبدو أن بيل أحمقٌ أكثر مما ظننت.’
كانت إليانا تعلم أن فيركلي يتظاهر.
فمنذ ما قبل الزواج، وهي تعيش في الغرفة المجاورة لغرفته، وكانا دائمًا معًا.
ولم تكن لتخلط بين تصرفاته الحقيقية والمزيفة.
في اللحظة التي بدأ الجو فيها يتوتر بسبب فيركلي، فتح جيزيل فمه بمرح.
“لدي سؤال!”
“ما هو؟”
“هل صحيحٌ أن الأيام التي تتساقط فيها الثلوج في الإمبراطورية هي أيام مشاجراتكم؟”
“جيزيل!”
صاح هاجيل مذعورًا وهو يغطي فمه.
ضحك فيركلي من السؤال السخيف.
لقد كان يعلم أن هذه العبارة الساخرة انتشرت بين الناس،
لكن سماعها من أمير دولةٍ مجاورةٍ كان مضحكًا.
“حسنًا، بما أن الثلوج نادرةٌ في إمبراطوريتنا، فقد يكون ذلك صحيحًا.”
أجاب فيركلي بلطف، فصاح جيزيل.
“أوه، إذن هذا حقيقي!”
في الواقع، نادرًا ما تساقط الثلوج في إمبراطورية أوين ذات المناخ المعتدل.
أدرك فيركلي مؤخرًا أنه أصبح أضعف أمام الأطفال،
فمجرد التفكير في أنه سيصبح أبًا جعل صور طفله تتراءى له كثيرًا.
قالت إليانا.
“جلالتك، ستجعلهم يظنون أن هذا حقيقي.”
“إذن، أليس صحيحًا؟”
قال جيزيل بوجهٍ محتار، بينما تنفّس هاجيل الصعداء لأن الجو لم يكن متوترًا كما توقع.
كان سعيدًا لأن فيركلي لم يعتبر جيزيل وقحًا.
‘كلاهما ضعيفٌ أمام الأطفال.’
شعر هاجيل بالسعادة لاصطحابه جيزيل.
ومنذ ذلك الحين، استمر الجو بودّ.
كان يومًا مهمًا لمملكة هاجيل، حيث حظوا بفرصة لقاء إمبراطور أوين.
ومع مرور الوقت، حان وقت الرحيل.
“إذن، سنلقاكم في الحفل.”
انحنى هاجيل وجيزيل معًا.
بينما أومأ فيركلي برأسه، ناسيًا غيرته للحظة.
لوّحت إليانا لهما قائلة.
“أنا متشوقةٌ لرقصك، أيها الأمير هاجيل!”
“آه…”
رأى هاجيل وجه فيركلي يتجهم بمجرد ذكر الرقص، فأومأ برأسه بابتسامة مرتبكة واختفى مسرعًا.
عقد فيركلي ذراعيه على تصرف إليانا.
“هل هذا الرقص يثير حماسكِ لهذه الدرجة؟”
“ربما.”
أجابت إليانا وهي تضحك، محاولةً تجنب الإجابة، فاحتضنها فيركلي من خصرها.
وبما أنهما وحدهما، لم يترددا في الاقتراب من بعضهما.
حدّقت إليانا في الزهرة خلف أذن فيركلي قائلة.
“الزهرة جميلة، أليس كذلك؟”
“وأنا؟”
“وبيل أيضًا، بالطبع.”
أطبقت إليانا شفتيها على شفتي فيركلي بخفة لتهدئة مزاجه المتقلب، ثم ابتسمت.
وكأن غضبه ذاب بمجرد لمس شفتيها.
رد فيركلي بخفة.
“كان عليّ أن أمنعه من الرقص.”
“هل ندمتَ الآن؟”
“نعم.”
فضحكت إليانا بصوتٍ عال عندما أجاب بخضوع بشكلٍ غير متوقع.
كانت غيرة فيركلي الصريحة ظريفة أكثر من تمثيله للغضب.
أمسكت إليانا بوجنتيه.
“أخيرًا أظهرتَ مشاعركَ الحقيقية.”
“كنتِ تعلمين أنني كنتُ أمثّل.”
“هل هذه أوّل مرّةٍ أرى تمثيلك؟ لقد مثلنا معًا من قبل.”
ضحكت إليانا، فرفع فيركلي كتفيه وهو يمدّ فمه بشكل مستقيم.
أدرك فيركلي للمرة الأولى أنه بهذا القدر من الضيق.
لم يكن يتوقع أن يغلي صدره غيرةً لمجرد رؤيتها تبتسم للآخرين.
“ابتسمي لي وحدي.”
“لا أريد.”
“ليلي.”
عندما أجابت إليانا بمزاح، ضغط فيركلي على يده لتقريب المسافة بينهما.
لكن إليانا لم تتأثر بمظهره أبدًا.
كما أن فيركلي لم يكن تقصد تهديدها حقًا.
أزعجته ردود فعلها قليلًا.
“إذن، عليكَ أن تغار أمامي فقط. لا تمثّل أمام الآخرين.”
“ماذا قال رئيس الخدم؟”
“إنه صعبٌ بعض الشيء.”
“…”
“هاها، أنا أمزح. أنا فقط أريد أن أرى غيرتكَ لي وحدي.”
اصطدمت إليانا بجبهته وهي تضحك.
وكان شعورها مشابهًا تمامًا لما شعر به فيركلي قبل قليل.
اصطدم فيركلي بجبهتها أيضًا وفتح فمه.
“وأنا كذلك.”
“حقًا؟”
“نعم، أتمنى أن أكون وحدي مَن يجعلكِ تبتسمين.”
“هيهي، أنتَ تفعل ذلك بما يكفي.”
عندما ابتسمت إليانا، قبّلها فيركلي ورد.
“لا أعرف، أنا جشع.”
شعرت إليانا بيد فيركلي تشدّ على خصرها.
كان ممتعًا بالنسبة لها أن هذا الرجل الذي يصرّ على التمسك بها مهووسٌ بها فقط.
“أتطلع للمستقبل، لأرى كيف ستجعلني أبتسم.”
ابتسم فيركلي ببطء عند همسة إليانا الحنونة، وكأنه لم يكن مَن غضب واشتعل غيرةً قبل قليل.
كان كلاهما منغمسًا في الآخر.
“إذا كنتِ تتوقعين ذلك، سأبذل قصارى جهدي دائمًا.”
“لا تقسُ كثيرًا على الأمير هاجيل، لقد بدا مضطربًا.”
“هل تدافعين عن رجلٍ آخر أمامي الآن؟”
“هاهاها.”
انفجرت إليانا ضاحكةً من تغيّر فيركلي السريع.
احتضنها فيركلي بقوة، غير راضٍ عن رد فعلها.
ثم عضّ أذنها بخفة وزمجر.
“حياة هاجيل لاتو بين يديكِ.”
“وَيحي!”
“لذلك، تصرّفي بحكمة.”
“حسنًا، فهمت.”
احتضنت إليانا فيركلي وأعطت وعدًا حلوًا.
كان الاحتضان دافئًا جدًا.
* * *
حان يوم الحفل.
ارتدت إليانا فستانًا فاخرًا لأول مرة منذ فترة.
كان الفستان الذي صنعته ماري معدّلًا ليناسب المرأة الحامل.
كانت إليانا دائمًا ترتدي فساتين ماري في المناسبات المهمة.
رغبةً منها في إظهار علاقتهما الجيدة، ولأنها تحبّ رؤيتها سعيدة.
قالت فين، التي كانت تزيّنها.
“رغم التعظيل السريع، إلّا أنه لحسن الحظ، أن الفستان يناسبك.”
“ماري ماهرةٌ حقًا.”
رفعت إليانا كتفيها وكأنها هي مَن تمّ مدحها.
“لم أتوقع أن تعدّله بنفسها، مع أنها مشغولة بسبب الآنسة ريبيكا.”
“كنتُ سأرتدي فستانًا آخر لهذا السبب، لكنها اتصلت بي.”
“يبدو أن الأميرة متحمسةٌ جدًا.”
“ربما وجدت موهبتها متأخرة.”
بينما كانت تتحدث مع فين، دخل فيركلي بعد أن أنهى استعداده.
“هل نذهب؟”
أخذت إليانا بذراعه وتوجّها إلى قاعة الحفل.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "132"