للحظة، ساد صمتٌ مخيف.
كان هاجيل يتمنى لو أن الإمبراطورة تتراجع عن كلامها الآن، لكن إليانا بدأت تضحك ببراءة، تراقب فيركلي بابتسامةٍ عريضة.
عندما كاد هاجيل أن يركع على ركبتيه ليتراجع عن طلبه.
“افعلي كما تشائين.”
انطلق إذن موافقة فيركلي.
سألت إليانا بعينين واسعتين بتعجب.
“حقًا؟”
“نعم.”
أجاب فيركلي باختصار ثم شرب رشفةً من النبيذ.
ثم التقت عيناه بعيني هاجيل.
نظرةٌ أكثر شراسةً من ذي قبل.
كانت مُرهِبة لدرجة أنه لم يستطع حتى أن يجرؤ على طلب سحب الإذن.
كانت عيناه تقولان بوضوح –
‘إذا تجرّأتَ على القيام بأيّ شيءٍ أحمق، لن أدعك بسلام.’
“……”
كاد هاجيل أن يبكي.
لو استطاع، لعاد إلى لاتو على الفور.
خفض رأسه وقال.
“شكرًا لسماحكم لي بشرف الرقص مع صاحبة الجلالة.”
***
كلما اقترب موعد الحفل، ازداد القصر حيوية.
لكن في المقابل، بدا مزاج فيركلي يزداد سوءًا.
كان غالبًا ما يحدّق في الفراغ، ثم يقطّب جبينه فجأة، وكأن شيئًا ما يزعجه.
فهم رئيس الخدم السبب.
لقد كان حاضرًا حين سمح فيركلي للإمبراطورة بالرقص مع أمير لاتو في الحفل.
عندما تذكّر ذلك العشاء المشحون، كاد العرق البارد أن يتصبّب منه مرة أخرى.
‘ما الذي تفكر فيه صاحبة الجلالة حقًا…؟’
في ذلك العشاء، كانت إليانا هي الوحيدة التي بدت مبتهجة.
“ألا يمكنكَ ببساطة أن تطلب منها عدم الرقص؟”
عندما تجرأ رئيس الخدم وسأل. رفع فيركلي نظره.
“ماذا؟”
“الرقص.”
“أتُظنّ أنني منزعج فقط بسبب الرقص؟”
نعم.
أراد رئيس الخدم أن يجيبه بهذا، لكنه ضحك بارتباك.
إثارة أمرٍ لا يعترف به سيده لن يزيد الأمور إلّا سوءًا.
“لقد برد الشاي. سأحضر المزيد مع بعض الحلوى.”
“أريد أن أكون وحيدًا.”
“حسنًا. إذا احتجتَ أيّ شيء، نادِني في أيّ وقت.”
بعد مغادرة رئيس الخدم، نقر فيركلي على ذراع الكرسي بأصابعه.
وبعد لحظات…
“بفت…”
وضع يده على فمه ليخنق ضحكةً كانت على وشك الخروج.
سرعان ما انتشرت ابتسامةٌ عريضةٌ على وجهه.
لم يعد هناك أيّ أثرٍ للجو الكئيب الذي كان عليه قبل قليل.
“أظنها ستكون راضيةً بهذا القدر.”
ضحك فيركلي بخفة ثم حوّل نظره نحو جناح الإمبراطورة حيث تقيم إليانا.
كان يعلم منذ البداية.
أن إليانا كانت تستفزه عمدًا لتثير غيرته.
بالطبع، لم يعجبه فكرة رقصها مع رجلٍ آخر، أن يلمس يديها وجسدها.
لكن الأمير كان ضيفًا دبلوماسيًا.
طلب أميرٍ من دولةٍ مجاورةٍ الرقص من إمبراطورة الإمبراطورية هو في الحقيقة تكريمٌ لها.
وربما سيقدّم أعضاء الوفود الآخرون طلباتٍ مماثلة.
لم يكن فيركلي أحمقًا ليخلط مشاعره الشخصية بأمورٍ الدبلوماسية.
رغم أنه تصرّف بحدّةٍ عندما أبدى هاجيل إعجابه بجمال إليانا، إلّا أنه لن يعترف بذلك.
لكن عندما رأى عيني إليانا تتلألأ بالترقّب، أراد أن يلعب معها.
لذا كان يتصنّع الغضب عمدًا.
حتى رئيس خدمه، الذي يعرفه جيدًا، انخدع بهذا الأداء.
لم يكن هذا هو نوع التمثيل الذي كان يقصده، ولكنه كان مفيدًا جدًا من حيث المضمون. كان فيركلي مصمّمًا على التصرف بأفضل ما تريد.
‘متى سأكشف لها الحقيقة؟ الأفضل أن أفعلها بشكلٍ درامي، سيكون ذلك أكثر متعة.’
بينما كان غارقًا في هذه الأفكار المبهجة، نهض من مقعده.
قرّر أن يستغل وقته وحيدًا في نزهةٍ قصيرة.
ولإظهار صورة الإمبراطور الغارق في التأمل.
وبينما كان يمر عبر الرواق،
“هاهاها!”
اخترق صوت ضحكٍ مألوف أذنيه.
التفت فيركلي نحو مصدر الصوت.
‘ليلي؟’
كان بالتأكيد صوت إليانا.
تساءل مع من تتحدث بهذا المرح.
خاصةً أن صوت الرجل الذي يردّ عليها جعله يتوقف في مكانه.
كان الحديث قادمًا من طاولةٍ خارجيةٍ في نهاية الحديقة.
لم يستطع سماع ما يقولون، لكن الجو بدا مشرقًا للغاية.
غيّر فيركلي اتجاهه واتجه نحو الطاولة.
كلما اقترب، أصبح الصوت أوضح.
وعرف مَن يكون الرجل. هاجيل لاتو.
‘أتذكر أن الأمير جيزيل كان مهتمًا بسحر إليانا.’
تذكّر طلب جيزيل الجريء أثناء العشاء:
“صاحبة الجلالة، هل يمكنني أن أحظى بهذا الشرف أيضًا؟”
“أي شرف؟”
“سمعت أن الإمبراطورة تستخدم سحرًا نادرًا.”
“هذا صحيح.”
“إذا سمحتِ، أودّ رؤيته عن قرب!”
ربما لأنه كان صغيرًا، لم يتردّد في طلبه من الإمبراطورة.
بل جعل هاجيل يحني رأسه خجلًا.
“أرجو أن تعذروا وقاحته، إنه لا يزال صغيرًا…”
“لا بأس. أنا ماهرة في السحر الآن. سأدعوكم قريبًا.”
بهذه البراعة، أنهت إليانا الموقف بجوٍ ودّي.
‘إذًا اليوم هو موعد دعوتهم.’
بين الحين والآخر، كان يسمع صوت جيزيل، لذا بدا أنها تفي بوعدها.
قرّر فيركلي المرور بصمت.
لكن صوتهم المرح للغاية منعه من التحرك للأمام.
‘لا بأس بإلقاء تحيّةٍ سريعة.’
فكّر فيركلي في ذلك واتجه نحو الطاولة.
وحين رأى إليانا وهاجيل يبتسمان لبعضهما البعض…
‘لماذا أشعر بهذا السوء؟’
شعر فيركلي بتصلّبٍ في مؤخرة رقبته، شعورٌ لم يختبره منذ زمن.
دون أن يفهم تمامًا ما الذي يحدث، اقترب منهم بخطواتٍ ثقيلة.
كان يبتسم، لكن عينيه كانتا باردة.
كان هاجيل لاتو أول مَن رآه.
***
في الجانب الآخر، كانت إليانا قد دعت جيزيل وهاجيل إلى الحديقة.
ذلك لأن جيزيل أعرب عن رغبته في رؤية سحر الطبيعة عن قُرب أثناء العشاء.
ورأت أن إظهار السحر أثناء العشاء سيكون أشبه بعرض سيرك، فأرسلت دعوة منفصلة.
عندما وصلت إلى الحديقة، وجدتهما ينتظرانها.
“نلتقي بزهرة الإمبراطورية.”
“لم أتوقع أن تكونا هنا قبلي.”
ابتسمت إليانا، فبادر هاجيل بسحب الكرسي لها.
كان جيزيل يأكل الآيس كريم ثم حدّق فيها بتأمل.
ثم سأل بحذر.
“سمو الإمبراطورة، هل يمكنكِ إصلاح الآيس كريم الذائب؟”
“لا أستطيع إعادة شكله بالكامل، لكن يمكنني إعادة تجميده.”
مد جيزيل وعاءه نحوها.
كان الآيس كريم قد ذاب قليلًا. ضحكت إليانا ثم وضعت يدها على الوعاء.
كانت تستطيع فعل ذلك دون لمس، لكنها أرادت إبهار ضيفها الصغير.
عندما لمست الوعاء، تجمد الآيس كريم مرة أخرى مما جعله أسهل لتناوله.
أضاءت عينا جيزيل بالإثارة.
“واو! رائع! لقد تجمد! هل رأيتَ ذلك، أخي؟”
ضحك هاجيل من حماسه، ثم جلى حلقه وقال.
“آسف لأنكِ تستخدمين سحرًا قويًا كهذا لأمرٍ بسيط.”
كان قد سمع أنها تستطيع التحكم في الثلج والمطر على مستوى المنطقة،
لذا توقع أنها لا تستخدم سحرها لأمورٍ تافهة.
لكن رد فعل إليانا مختلفًا.
“في الحقيقة، أنا أستخدمه كثيرًا لأغراض عملية.”
“هاه؟”
ابتسمت إليانا عندما رمش هاجيل عينيه.
“مثلًا عندما أحتاج ثلجًا.”
ثم جعلت مكعبات ثلجٍ تطفو في كوب عصير البرتقال الذي يشربه هاجيل.
عندما تفاجأ هاجيل، استمرت إليانا.
“أو عندما لا يوجد أدواتٌ كافية.”
في الحال، ظهرت عصا ثلجية في الكوب.
“يمكنكَ تحريكها بينما تشرب.”
“… هذا مدهش.”
” هذا رائعٌ جدًا!”
كان جيزيل مبهورًا بمشهد تشكّل الثلج والعصا أمام عينيه.
حتى هاجيل بدأ يطلب طلباتٍ غريبةٍ مثله.
“هل يمكنكِ تجميد كوب الشاي هذا أيضًا؟”
“هذا اختصاصي.”
تذكرت إليانا أول مرّةٍ جمدت فيها كوب شاي في منزل فين، وابتسمت.
في ذلك الوقت، كانت متوترة ولم تنجح تمامًا.
لكن الآن، كانت بارعة لدرجة أن عيني هاجيل أضاءت مثل جيزيل.
“إنها المرة الأولى التي أرى فيها سحر الطبيعة بهذا القرب. إنه مذهل. لا بد أنه يجعل الحياة أسهل.”
“هاها، أليس كذلك؟”
“نعم. أن تستخدميه بهذه السهولة دون إرهاق، هذا حقًا رائع، سمو الإمبراطورة.”
“مديحكَ يجعلني أخجل.”
ابتسمت إليانا بلطف ثم عرضت المزيد من السحر.
هذه التعاويذ الصغيرة لا تستهلك الكثير من طاقتها.
وبينما كانوا منغمسين في حديثهم المرح،
فجأة، تصلّب هاجيل وتوتر.
لاحظت إليانا أن نظراته تتجه خلفها.
“أمير هاجيل؟”
في لحظة حيرتها، وقف هاجيل فجأةً وانحنى.
ثم صرخ جيزيل.
“واو! إنه صاحب الجلالة!”
رغم أنه كان ردًّا غير مهذبٍ بعض الشيء، إلّا أنه كان بريئًا.
التفتت إليانا لترى فيركلي يقف هناك.
كان يبتسم.
لكن لماذا أشعر بهذه القشعريرة؟
أحست بشعورٍ غريبٍ ينتابها.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "131"