صرخت أرييلا حينها،

 

“خذوا هذا أيضًا!”

 

حتى لودفيك، الذي أصبح يصدق كل ما تقوله أرييلا ولو ادّعت أن الشمس تشرق من الغرب، أبدى اعتراضه هذه المرة.

 

لكن أرييلا كانت حازمة،

 

“علينا أن نأخذه مهما كان!”

 

وفي النهاية حملوا معهم حجر المانا العملاق وتلك الكتلة الغامضة ذات الرائحة الكريهة، ثم حلقوا عائدين إلى أراضي الشيطان.

 

“هيا، إلى البيت!”

 

وهكذا أسدل الستار على الرحلة البحرية الطويلة، التي بدت بلا نهاية.

 

***

 

مرّت أيامٌ منذ عودة أرييلا ورفاقها إلى أراضي الشيطان.

 

ورغم إنجازهم العظيم، فإن سكان المقاطعة لم يعرفوا بعد شيئًا عنه.

 

لقد قضوا على أفعى البحر الذي سيطر على السواحل، بل وعادوا محمّلين بغنائم، ومع ذلك ظل الأمر طيّ الكتمان.

 

“لو علم الخارج أننا نُعِد للتجارة مع الشمال فسيكون خطرًا، خصوصًا ديلارك.”

 

فالغاية من فتح خط الملاحة الجديد هي الحصول على معدن الحديد المظلم. ومن الطبيعي أن يعارض ديلارك استحواذ جيرانهم على موردٍ عسكري كهذا.

 

“إذًا، لنُنجز كل شيء في صمت.”

 

باستثناء قلةٍ قليلة من الخدم المقرّبين، لم يكن أحدٌ يعلم أن أرييلا ورفاقها عادوا من البحر.

 

وكان كبير الخدم غرويب أحد هؤلاء القلة.

 

“من المُفرح عودتكم، سيدتي أرييلا.”

 

“غرويب، لم يحدث شيءٌ في القلعة أثناء غيابنا، صحيح؟”

 

“كل شيءٍ على ما يرام، سيدتي. لكن بلغني أن مواجهة الأفعى لم تكن سهلةً أبدًا.”

 

“المهم أننا عدنا بسلام، وهذا يكفي.”

 

ابتسمت أرييلا ببهجة وأجابت.

 

“البيت يبقى الأفضل دائمًا. أخيرًا أشعر أنني أتنفس.”

 

كانت قد بدأت تلقائيًا تُسمي قلعة الشيطان بيتها، ولم يجد غرويب في ذلك ما يستحق الاستغراب، فأومأ موافقًا.

 

ولم تكن مبالغتها حين قالت أنها بدأت تشعر بالراحة.

فالغرفة التي كادت تفقد وعيها عند رؤيتها أول مرة في عالم الشياطين، غدت اليوم المكان الذي تنام فيه مطمئنةً أكثر من أي أحد.

 

وكأن كل ما اضطرب عاد إلى نصابه…..سوى أمرٍ واحد، غريب ومتعلق برجلٍ بعينه.

 

“لودفيك؟”

 

بعد أيام، التقت به في الممر خارج غرفتها.

 

“…..أرييلا.”

 

منذ عودتهم لم يقابلا بعضهما منفردين إلا في قاعة الاجتماعات، فكانت هذه أول مواجهةٍ وجها لوجه بينهما.

 

“كنتُ في طريقي إلى معمل سيسيل. أردت مناقشة الأشياء التي حصلنا عليها.”

 

“آه، نعم.”

 

غير أن إجابته بدت متقطعةً ومتكلفة.

 

فبادرت أرييلا تعرض عليه برفق،

 

“هل تريد أن تأتي معي؟”

 

فتردّد قليلًا،

 

“…..لا. لا بأس.”

 

“لماذا؟”

 

“أنا مشغول.”

 

“مشغول؟! واضحٌ أنكَ تتجول في الممرات فقط.”

 

“آه، ذلك….في الحقيقة…..أقصد….أقوم بدورية.”

 

“في هذا الممر بالذات؟”

 

“نعم. دورية. هذا مهم، أليس كذلك؟”

 

وكأنه أقنع نفسه بكلامه، فأضاف مغمغمًا،

 

“صحيح…..لا مجال للاستهانة. لا بد من مراقبة القلعة من الداخل أيضًا.”

 

كان كلامه منطقيًا إلى حدٍ ما، لكنه بالتأكيد ليس عملًا يليق بملك الشياطين.

 

شبّكت أرييلا ذراعيها وأخذت تحدّق به مطولًا، فما كان من لودفيك إلا أن استدار على عجل، متجنبًا نظراتها ليعرض ظهره.

 

“أنا…..مشغول، سأذهب.”

 

ابتعد بخطواتٍ متخشبة مرتبكة، فأطلقت أرييلا ضحكةً صغيرة.

 

“يا له من طبعٍ غريب.”

 

وكان حدسها صحيحًا.

 

ففي الحقيقة لم يكن لودفيك مشغولًا أبدًا، بل كما لاحظت لم يفعل سوى التجوال في ممرات القلعة.

 

غير أنها لم تعلم شيئًا آخر…..أنه قبل أن تفتح باب غرفتها وتخرج، كان لودفيك يذرع الممر نفسه جيئةً وذهابًا مرارًا، متمركزًا حول بابها وحده.

 

***

 

“سيسيل، أنا هنا!”

 

“أوه~! آنسة أرييلا!”

 

رفعت سيسيل رأسها من عملها في المعمل، وأول ما فعلته كان إطلاق دعابة.

 

“مبارك، لقد أضفتِ لقبًا جديدًا إلى قائمتكِ! بعد كونكِ متعاقدةً مع ملك الشياطين، وراعية التنين الصغير، أصبحتِ الآن قاتلة الأفعى البحرية!”

 

“أي كلام هذا! الذي قطع رأس الوحش هو لودفيك بدقة.”

 

“لكنني سمعت أن الفضل في ترتيب المسرح كله يعود إليكِ.”

 

بعد تبادل بضع كلمات، أشارت أرييلا إلى الجنود الشياطين المنتظرين بالخارج. فدخلوا حاملين صندوقًا محكم الإغلاق.

 

“ما هذا؟”

 

“قبل أن نفتحه…..من الأفضل أن تفتحي نوافذ المعمل كلها للتهوية.”

 

ارتسمت الدهشة على وجه سيسيل. 

 

وما إن خرج الجنود ثانيةً لضمان السرية، وفُتح الصندوق، حتى علت صرخة تقزز.

 

“أوه!”

 

فاحت رائحةٌ كريهة نفاذة. فقد كان بداخله تلك الكتلة المجهولة التي استخرجوها من أحشاء الأفعى، غير حجر المانا.

 

‘لقد أصررتُ على أخذها…..لكن الرائحة فعلًا لا تُطاق.’

 

غطّت أرييلا أنفها بمنديل، بينما كانت تراقب ردة فعل سيسيل.

 

“مستحيل! أرييلا، أهو من…..بطن الوحش؟”

 

رغم مضي وقتٍ طويل على استخراجه، ظل مكسوًا بغشاء رطب، سطحه أسود متعرّج لامع كأنه مدهونٌ بالزيت.

 

“هل تسمحين أن آخذ عينةً منه؟”

 

“طبعًا.”

 

أحضرت سيسيل أداةً صغيرة، وكشفت بحذر عن جزء من الداخل، فإذا بلون ذهبي باهت يلمع تحت القشرة.

 

قصّت قطعةً ضئيلة، وقربتها من أنفها.

 

في البداية اندفع ملحٌ لاذع وزُفارة خانقة، ثم أخذت رائحة أخرى تتكشف…..

 

غنية، دافئة، عميقة، وفيها حلاوة خفية…..كعطر أعشاب محمصة تحت الشمس.

 

“هل يُعقل أنه خرج فعلًا من الأفعى؟”

 

“نعم.”

 

“إذاً فهذا..…”

 

ترددت الكلمة على شفتيها وكأنها تنهيدة إعجاب.

 

“عنبر التنين!”

 

وكان هذا تمامًا ما تمنت أن تجده.

 

سيسيل أدركت قيمة هذه المادة. كانت مختلفًا تمامًا عن رد فعل السادة في الاجتماع السابق.

 

“عنبر التنين؟ ما قتلناه لم يكن تنينًا، أليس كذلك؟”

 

حتى العنبر الذي يُستخدم في العطور أصلاً يأتي من الحوت؛ لكن الاسم هكذا فحسب.

 

عنبر التنين مادةٌ نادرة تتكوّن في أحشاء الكائنات البحرية الكبيرة. خاصةً عنبر الوحوش غالبًا ما يتحد مع قوةٍ سحرية قوية ليُظهر تأثيرات خاصة.

 

ولكن هذا ليس مجرد وحش…..إنه عنبر وحش من مستوى سيد الشياطين.

 

ردّت أرييلا بصوتٍ مفعم بالتوقع.

 

“بالتأكيد سيكون له تأثيراتٌ خاصة، أليس كذلك؟ الشخص الذي سيُجري الاختبار ويُؤكد ذلك هو أنتِ فقط، سيسيل!”

 

في الواقع، سيسيل كانت مشغولةً جدًا هذه الأيام لأن أرييلا ألقت عليها عدة مهام. لكن فضولها تغلّب على تعب جسدها، فأومأت برأسها بسعادة.

 

في هذه النقطة كانتا متوافقتين تمامًا.

 

“إذا كان بإمكاني إجراء البحث فسأرحب بذلك جدًا! لكن…..”

 

يبدو أن أمرًا واحدًا يزعجها.

 

“هل قال اللورد ريتشموند أنه لا بأس أن أحتكر هذا لنفسي؟ إنّه كنزٌ سيبدي اهتمامًا به أيضًا.”

 

“يقول أنه لا يريد حتى لمس الأشياء التي تفوح منها رائحة مقززة كهذه.”

 

“يا للعجب! هو نفسه لا يتردد في استخدام جثثٍ ذات روائح أكثر فظاعة كمواد بحثية.”

 

معايير القذارة عند ريتشموند محيرةٌ حقًا.

 

سيسيل لم تكن تخاف من ريتشموند. ربما لأن ريتشموند كان زبونًا دائمًا للمحل منذ البداية؟

 

ثم عاد الحديث الذي انحرف قليلًا إلى عنبر التنين.

 

“لا يمكن استخدام كتلة العنبر كما هي، يجب أن نصفيها أولًا، على شكل سائل.”

 

“في عالم البشر كانوا يغمرون الكتلة في الكحول ليذوب.”

 

“الأمر نفسه في العالم الشيطاني. لكن لا أظن أن في هذه الإقطاعية يوجد كحولٌ عالي النقاء.”

 

“فماذا سنفعل إذًا؟”

 

“لا داعي للقلق. إن لم يكن فسنصنعه. المقطر له تركيبٌ بسيط فيمكن تجميعه بسهولة. لكن ما الذي سنستخدمه كخام؟”

 

أرييلا توقعت ذلك بالفعل وقد أعدّت الإجابة.

 

“سمعت أن العنب يتراكم بكثرة هذه الأيام في مملكة سيد الشياطين.”

 

كان هذا أحد المشاكل التي تُقلق رئيس الخدم غرويب.

 

بعد تحسّن الأحوال الاقتصادية والأراضي في الإقطاع، بدأت قلعة سيد الشياطين بتشجيع زراعة عدة محاصيل تجارية.

 

وكان من أبرزها العنب.

 

فبتخمير العنب يمكن صنع النبيذ، المشروب الأكثر شيوعًا في العالم الشيطاني. لكن زراعة العنب في إقطاعية لودفيك لا تزال تمر بصعوبات وتجارب متعثرة.

 

“الجميع يقول أن النبيذ المصنوع من عنبنا طعمه سيئ.”

 

“صحيح، أن تكون الأرض خصبةً لا يحل المشكلة بمفرده. فالتقنية ضرورية.”

 

حتى الشركة التجارية الجنوبية أبدت أنها غير مجدية تجاريًا، فاضطرت للتخلي عن التصدير واستهلاكها داخل الإقطاع.

 

لكن الطلب الداخلي منخفض، لذا العنب الفائض يكاد يتعفن.

 

“بما أننا سنرميه على أي حال، فلنستعمله كله كخام للكحول.”

 

باختصار: تُخمر العنب وتُقطر لصنع الكحول، ثم تُذاب كتلة العنبر في ذلك الكحول.

 

وهكذا حُلّ اقتراحٌ واحد. و المسألة التالية التي طرحتها أرييلا كانت أثقل وأكثر جدية.

 

“حسنًا.….”

 

تحدّثت بنظرة جادة.

 

“ماذا حصل بشأن الطلب الذي طلبتُه في المرة الماضية؟”

 

“….…”

 

بدت على سيسيل تعابير قاتمة فجأة. و بدلاً من الإجابة فورًا ترددت لوهلة.

 

لو نظرت للوراء، كل شيء بدأ بقولٍ واحد من أرييلا.

 

كانت قد أوكلت لها مهمةً قبل أن تذهب لصيد الأفعى. و تذكرت سيسيل الحوار الذي كان بداية الكابوس.

 

“سيسيل، لدي طلبٌ واحدٌ فقط.”

 

“بالتأكيد! فقد أنقذتِ والدي، ويجب أن أردّ الجميل لإقطاعية سيد الشياطين، فقولي ما تريدين.”

 

“نعم! حسنًا. أريدكَ أن تصنعي شيئًا.”

 

“هل هو سلاحٌ مثل المرة السابقة؟ أم درع؟”

 

“سفينة.”

 

“…..ماذا؟”

 

“هل سمعتني؟ سفينة. نحتاج إلى سفينة. ليست عدة سفن، بل سفينةٌ واحدة بالتمام والكمال. سفينةٌ تتحمل عواصف الساحل، وتشق ممرًا بحريًا لم يُستخدم منذ مئات السنين، وتبحر حتى شمال العالم الشياطاني. ما رأيكِ، هل هذا ممكن؟”

 

“….…”

 

_________________________

 

طلع عنبر حق العطر نايس 

 

لودفيك ياقلبو وش فيك؟ تبي تعرض الزواج على ارييلا؟ تبي ذبايح؟ كل شي جاهز انت انطق بس وش قاعد تسوي عند غرفتها😭

 

شكله للحين يبي يقول الي ماقدر يقوله في الجزيره؟ مدري بس وناسه يعني هو الي وقع اول؟ هههاااااعاعاهتها

 

Dana