“بفضل عقدكِ معي. صراحة، لولاكِ ما كنت لأتخيل ما آل إليه حال مملكتي.”
حدّق فيها لودفيك مباشرة، مسترجعاً ما أنجزته حتى الآن.
فقد كشفت فساد بيفار، وحطمت مؤامرة اتحاد فيدويك. وأنقذت صغير التنين الذهبي فخصبت أرض الإقليم، ثم حققت صفقةً غير مسبوقة مع غابة الجان.
كما هجّرت الإنت لبناء حاجز ضد الأورك، واستقطبت مواهب جديدة، وها هي تستعد لفتح طريقٍ يقود إلى مواجهة مع أحد ملوك الشياطين المجاورين.
كل ذلك لم يكن ليحدث بدون أرييلا.
ومنذ قدومها، حظي لودفيك بفرصة للتفرغ أكثر لشؤون الحكم.
وهكذا أدرك. أن الحيوية دبّت في الطرقات على نحو لا يُقارن بالماضي.
فالتحول الأوضح لم يكن في زيادة الحركة فحسب، بل في ملامح السكان. أولئك الذين فقدوا الأمل وصاروا يعيشون يومهم بجرّ الأقدام.
كان شعبه يتغير. وقد عادت الضحكات، وأشرقت عيونهم ببارقةِ رجاء.
وفوق كل ذلك، كان نمو الشمس التي كانت الصغيرة.
وبينما كان يسترجع هذه الأحداث، تنبّه إلى أمر،
“قلتِ أنني أنقذتكِ، لكن الحقيقة أننا أنقذنا بعضنا. لقد أنقذتِني أنتِ أيضاً.”
و لم تُنقذ أرييلا لودفيك وحده.
“لقد أنقذتِني…..وأنقذتِ مملكة الشياطين كلها.”
لم يسبق أن قال مثل هذا من قبل. فنظرت أرييلا إليه ملياً.
و ربما بسبب الحلم الذي رأته قبل قليل، راحت تستحضر أول لقاءٍ بينهما.
ملامح وجهه حين حلُق فوق السفينة المشتعلة تحت قدميها، كانت تطابق الآن ملامحه في وهج الموقد.
آنذاك كما الآن، كان وصف “وسيم” أقل مما يستحق.
كلما ارتجفت ألسنة اللهب برزت عيناه الحادتان وخط فكه المرسوم كالنحت. أما شعره الأسود فكان يلمع مثل ظل مبلل تواً قد جف، وبشرته البيضاء ازدادت إشراقاً تحت الضوء.
كأنه كائنٌ من أسطورة هبط للحظات يستدفئ بالنار.
رغم أنها تراه كل يوم، عادت إليها تلك المشاعر المنسية.
ربما لأنه نادراً ما كان يتحدث بهذا القدر من الجدية. فبانت كل هيئةٍ وتفصيلة كأنها جديدة.
“هل تذكرين أني قلتُ يوماً أنني محظوظ؟ وخصوصاً إذا فكرتُ في البيئة التي نشأتُ فيها.”
لكن كلماته كانت متناقضة.
حينها، توقف بصر أرييلا عند صدره العاري.
ثيابه كانت ممزقةً بفعل عاصفة الأفعى. ومن تحتها ظهرت ندوبٌ قديمة. وما خفي كان بلا شك أضعافاً لا تُحصى.
كانت آثار صراع مرير لأجل البقاء.
فمنذ عمر لم يكن يصلح إلا للحماية لا لحمل السلاح، زُج به في معارك لا تنتهي. ومع ذلك، نجا بصعوبة. لكت أيُسمى هذا حظاً جيداً؟
ربما حالفه الحظ أحياناً. لكن أرييلا لم تُرد أن تُسلّم حاله للحظ بهذه البساطة.
فإن كان هذا يُسمى حياةً محظوظة، فما عساه يكون سوء الحظ؟
ثم تحدّث لودفيك.
“كثيرًا ما فكرت أن مجرد وصولي إلى هذا العمر يعني أنني استهلكت كل حظوظ حياتي، لكن الآن تغيّرت أفكاري”
تراقص لهيب النار بخفة ونعومة.
“ربما يا أرييلا…..لقاؤكِ أنتِ، هو أعظم حظٍ أُتيح لي في حياتي”
***
كان صوته منخفضًا ورصينًا، لكنه تسلل عميقًا إلى أعماق الذاكرة.
فارتبك نبض قلبها كما ارتعشت ألسنة اللهب الهادئة.
“…….”
شعرت أرييلا أن هذا الجو غريبٌ ومحرج. فبدأت بالكلام متعمدةً أن تجعل نبرتها خفيفة. كما لو أنها تمزح.
“ألا تبالغ كثيرًا في تقديري؟ لقد عشتَ مئات السنين بالفعل”
حولت بصرها نحو النار.
“لا بد أن أشياءً أعظم قد حدثت لكَ في تلك القرون، أشياءٌ أكبر من مجرد لقائي. بل وحتى مستقبلكَ سيكون أطول بكثير من حياة البشر، لذا ستجد دائمًا حظوظًا أكبر……”
“لحظة، ما الذي تقولينه؟”
“ماذا؟”
ارتسمت على وجه لودفيك ملامح غريبة.
“عشت مئات السنين؟ أي هراءٍ هذا الذي تتحدثين به وكأنه حقيقةٌ مؤكدة؟”
لماذا يردّ هكذا؟
لم تفهم أرييلا السبب.
“لكن، ألستَ أنتَ ملك الشياطين؟ أليس الشياطين يزدادون قوةً كلما كبروا في السن؟ ولكي تبلغ من القوة ما يكفي لقتل الملك السابق، فلا بد أنكَ تدربت مئات السنين……”
فقاطعها لودفيك.
“نمو طولي توقف منذ ثلاث سنواتٍ فقط”
فاتسعت عينا أرييلا دهشة.
“ماذا…..ماذا قلتَ؟”
و تلاشت على الفور تلك الأجواء التي كانت تغلفهما قبل لحظات.
ثم أخذ عقل أرييلا يحسب بسرعة.
الشياطين يعيشون أعمارًا أطول بكثير من البشر، لكن سرعة نموهم تكاد تكون متشابهة. أي أن نمو الطول يتوقف تقريبًا عند السابعة عشرة.
وإن كان قد توقف منذ ثلاث سنوات فقط…..
“مستحيل!”
كانت الإجابة مجرد حساب بسيط.
“إذاً يا لودفيك، أنتَ تجاوزتَ العشرين بالكاد؟”
قد لا يعرف عمره الدقيق، لكنه لن يبتعد كثيرًا عن ذلك.
“أي أنكَ قريبٌ من عمري تقريبًا؟”
فأجاب لودفيك ببرود.
“لا أفهم سبب سوء فهمكِ، ولماذا رفعتِ تقديري إلى هذا الحد؟”
“لأنكَ لم تخبرني بعمركَ ولو مرةً واحدة!”
فردّ لودفيك بكل ثقة.
“وأنتِ لم تسألي حتى!”
فأخذت تفتش في ذاكرتها. هل حقًا لم تسأله قط؟
“لا، لقد سألت!”
تذكرت حين استدعت لودفيك أول مرة، وكيف أربكها الأمر كثيرًا.
ذلك لأن ملامحه بدت شديدة الصغر. لكنها لم تجد وقتًا لتعلق عند تلك الملاحظة طويلًا.
على أي حال، كان من الصعب تقدير عمر الشياطين من مظهرهم، لذا ظلّت تفكر بالأمر ببساطة.
‘حتى لو بدا هكذا، فلا بد أنه عاش مئات السنين، فهو ملك الشياطين بعد كل شيء’
تذكرت الحوار الذي دار بينها وبين لودفيك يوم استدعته.
“لم يسبق لي أن عقدت عقدًا، لا أعرف حتى كيف يتم”
“مستحيل، لم تجرب ولو مرةً واحدة؟ كنت أتساءل منذ قليل…..كم عمركَ بالضبط؟”
“وما أهمية العمر في أن تصبح ملك الشياطين؟ يا لكِ من إنسانةٍ مليئةٍ بالتحيزات”
نعم، كان السياق هكذا تمامًا.
وفي النهاية تهرب لودفيك من ذكر عمره الحقيقي.
والآن وهي تستعيد الموقف، بدا لها أن قوله: “العمر لا أهمية له في أن تصبح ملك الشياطين” لم يكن إلا ردة فعل تعكس حساسيته تجاه كونه أصغر بكثير مما يُفترض أن يكونه ملك الشياطين.
ومنذ ذلك اليوم لم تعد تسأله مجددًا.
“يا إلهي، لقد أسأتُ التقدير تمامًا”
“انتظري لحظة…..أكنتِ تعتقدين طوال هذا الوقت أنني أكبر منكِ بمئات السنين ومع ذلك تعاملتِ معي بهذا الشكل؟”
“لو لم أظن أنكَ أكبر مني بمئات السنين لما عاملتكَ بهذا القدر من الاحترام أصلًا!”
وحين انقشع سوء الفهم، انهالت عليها إدراكاتٌ كثيرة.
‘تمهلي، إن كان لم يتجاوز العشرين بعد، ومع ذلك بلغ من القوة ما يجعله ملك الشياطين…..فكم يا ترى سيصير أقوى حين يتقدم في العمر؟’
كان من الطبيعي أن تمنحه بنود العقد تسارعًا إضافيًا في نمو قوته. لكنها الآن أدركت أن لودفيك نفسه، منذ البداية، كان يمتلك طاقةً كامنة مذهلة.
لم تستطع حتى أن تتخيل كم سيكون أثر التقاء هذين العنصرين معًا. فالموهبة العظيمة لم تكن من نصيبها وحدها.
‘يا للمصيبة!’
شعرت أرييلا بارتباك يصعب وصفه.
لقد كانت تعتبر لودفيك طَوال الوقت عجوزًا بشريًا، ربما في الثلاثمئة أو الأربعمئة من عمره، شيخًا متقدمًا جدًّا في المقاييس الإنسانية.
شيخًا يتطلب عنايةً متواصلة لكثرة جهله وطيشه، لا يفهم شيئًا إلا مع التوبيخ واللوم الدائم.
لكن الآن، وقد انكشف سوء الفهم، صار لودفيك يبدو لها مختلفًا تمامًا.
‘لا، انتظري. لا داعي لكل هذا الاضطراب. ما العمر إلا رقم، وما أهميته حقًّا؟’
حاولت إقناع نفسها، لكنها لم تستطع إنكار أن شيئًا ما قد تغيّر في داخلها.
***
حاولت أرييلا أن ترتب مشاعرها المعقدة. وأفضل طريقةٍ لذلك كانت أن تصرف نظرها إلى مشاكل الواقع.
وهذا ما وافق طبعها أصلًا. فالمشكلات الواضحة أسهل في إيجاد حلولها من تلك التي يصعب تعريفها.
‘حالما أستعيد جزءًا من طاقتي السحرية، علي أن أحاول الهرب’
لا يمكنها البقاء إلى الأبد في هذه الجزيرة المهجورة. و قد كان عليها أن تجد وسيلة للتواصل مع رفاقها.
ريتشْموند بارعٌ في استخدام سحر الرسائل، ومع ذلك لم يصل منها أي رد، لأنه لا يعرف مكانهم الحالي.
‘لابد أننا جُرفنا بعيدًا جدًّا عن موقع القتال’
كما أن هذه الجزيرة تبدو وكأنها تقع في بحر لم يسبق لباي أن حلق فوقه من قبل.
‘إذاً، بدلًا من انتظار النجدة سلبيًّا، من الأفضل أن نصنع إشارة استغاثة’
طقطق، طقطق!
ثبّتت نظرها في النار المشتعلة.
كانت قد اعتمدت على الحطب حفاظًا على طاقتها السحرية، لكن لودفيك كان قادرًا على إشعال النيران حتى من دون أي وقود. فقد سبق أن حلقا فوق البحر بينما كان يُشعل ألسنة اللهب في الهواء بلا خشب.
‘لو استغللنا تلك القدرة؟’
فسألته فوراً،
“إلى أي مدى يمكنكَ التحكم في النار؟”
أربكه تبدل الموضوع المفاجئ، فأجاب مترددًا،
“لم أجرب قط قياس المدى حين أطلقها لتنفجر”
“لا، لا أقصد الانفجار، بل الإبقاء على النار مشتعلةً طويلًا…..كما فعلت فوق البحر”
“التحكم الدقيق لا يتجاوز مئة خطوة”
كانت أرييلا ترغب في أن تصل نيرانه لمسافة أبعد.
‘مئة خطوة غير كافية’
ومع ذلك لم تستسلم.
“حين تشعل النار، أي صورةٍ ذهنية تستحضرها؟”
عادةً ما يستخدم السحرة التعويذات والمعادلات المعقدة، لكن لودفيك في ما يخص نيرانِه، كان يكفيه التخيل ليُفعّلها.
وهذا يقترب من مبدأ سحر التعاويذ اللفظية.
“أستحضر طاقتي من جسدي وأركزها في نقطةٍ واحدة، ثم أتخيلها تتوهج بحرارة، وبعدها أطلق شرارةً صغيرة جدًا، كأنها وميض، فتشتعل النار”
“شرارة؟ لكنكَ لا تعرف سحر البرق أصلًا!”
“ليست برقًا حقيقيًّا من السماء، بل مجرد ومضةٍ صغيرة لا تكاد تُرى”
“عجيب…..ومن الذي علمكَ كل هذا؟”
“وهل يحتاج رفع اليد اليسرى إلى معلم؟ عرفت ذلك طبيعيًّا منذ كنت صغيرًا”
وتابعت تسأل،
“يمكنكَ أيضًا قطع الأشياء الصلبة بالنار، صحيح؟”
استعادت في ذهنها ما أظهره أثناء صيد آكل الموتى.
“بوسعي أن أصوغ النار كسيف، وأمزق بها الأشياء أو أحطمها”
تلألأت عينا أرييلا. فقد بدا لها أن ما يفعله أقرب إلى بلازما الأثير.
“إذاً يمكن اعتبار ناركَ ظاهرةً، لكنها في الوقت ذاته مادةٌ ملموسة”
“لا أفهم قصدكِ”
“قصدي أنني أستطيع أن أُسقط تعويذة التعزيز على نيرانكَ، كما فعلت حين منحت السيوف خصائص سحرية”
فشرط التعزيز أن يقع على مادة بلا حياة. وأرييلا رأت أمامها طريقًا جديدًا يتفتح، فتألقت عيناها بفرح.
أما لودفيك، فلم يستطع أن يخمن ما الذي تفكر فيه هذه المرة، وظل يحدق بها في حيرة.
__________________________
طيب توني بقول وناسه على المشاعر الي بينهم بس ما امدا ارييلاتكمل خربتها😭
اخيراً لودفيك اعترف بعمره طلع صغير بالنسبة للشياطين بس حلو عمره كزوج ارييلا✨
ارييلا يوم قالت انها كان تحترمه عشانها تحسبه اكبر؟ اي احترام يا قلبو؟😭😭😭
بمناسبة اليوم الوطني 95 هذا هو الفصل 95
وسارعيييييي لللمجد والعلياااااااء🇸🇦
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 95"