“ألم تقولي لنطير؟ إذاً علي أن أحملكِ وأنا أطير، كما فعلتُ في عالم البشر من قبل.”
“……آه.”
جاء رد أرييلا متأخرًا بنصف إيقاع.
“ذلك اليوم حين أمسكتُكِ من رقبتكِ ورفعتكِ، أثرتِ ضحك. تقولين أنكِ لا تستطيعين التنفس.”
وعادت الذكرى متأخرةً إلى ذهنها.
قبل مجيئهما إلى عالم الشياطين، كانا قد مثّلا مشهدًا فوق سفينة الإمبراطورية الحربية. بدا الأمر كما لو أن ملك الشياطين ظهر فجأة واختطف الأميرة رغمًا عنها.
و كان الغرض أن تُغطّى حادثة اختفائها كحدث قهري لا ذنب للملكة فيه ولا لها. حتى تتوقف الإمبراطورية عن ملاحقتها بدل أن تواصل تعقبها.
فلن يرغبوا بمواجهة ملك الشياطين في عقر دار الشياطين من أجل أميرةٍ واحدة.
“إذا شددتَ رقبتي ورفعتني فطبيعيٌ أن أختنق! لستُ كلبًا ولا قطة.”
“كيف لي أن أعرف؟ لم أطِر مع إنسانٍ من قبل.”
“وهل يجب أن تُجرِّب لتفهم؟ هنالك ما يُسمى بالمنطق.”
تمتمت متذمرة، ثم سألت بصوت منخفض.
“……هل ما زلتَ تذكر ما حدث ذلك اليوم؟”
“طبعًا. ثم بعد ذلك ثنيتُ خصركِ ووضعتكِ على كتفي، فبدأتِ تتلوين من الضيق وتتمردين.”
قال لودفيك ذلك بصوتٍ واثق.
“عندها تعلمتُ! كيف يُفترض بي أن أحمل إنسانًا وأنا أطير.”
فهمت أرييلا عندها سبب اقترابه وبسط ذراعيه.
كما في ذلك اليوم حين أحرق سفينة الإمبراطورية، كان ينوي أن يحملها بذراع تحت ظهرها والأخرى تسند ساقيها. ثم يطير بها على هذه الحال.
“ما هذا….عبثٌ بلا طائل..…”
لكنها نفسها لم تستطع أن تفسر بوضوح ما الذي كان بلا طائل.
شعرت أرييلا أن قلبها الذي كان ينبض بعنف، بدأ يهدأ من جديد. والدفء الذي لفّ وجنتيها بدأ يتلاشى.
‘ولماذا ارتبكتُ أنا من الأساس؟’
خطر لها أنها بدت غبية. فالطرف الآخر بدا في منتهى البرود واللامبالاة.
و لسببٍ ما شعرت وكأنها هي الخاسرة، ولم يعجبها ذلك.
“إذاً، لن تذهبي معي؟ من دونكِ، كيف سنعثر على أفعى البحر؟”
“بالطبع سنذهب معًا. لكنني لن أعتمد على لودفيك. فالآن أستطيع الطيران وحدي.”
هذه المرة جاء دور لودفيك ليتفاجأ.
“سحر الطيران؟”
أومأت أرييلا برأسها.
“أتقنتِه بالفعل؟”
“طبعًا. لقد تعلمتُ سحر التخفّي أيضًا، فما الذي يمنعني من إتقان سحر الطيران؟”
عجز لودفيك عن الرد للحظة وبقي فمه نصف مفتوح.
“……ذلك السحر الصعب! أنا نفسي احتجتُ إلى سنواتٍ لأتعلمه.”
بدا عليه أنه لا يستطيع تصديق الأمر. وتمتم في داخله.
“مجرّد أن تتقنه في بضعة أشهر أمر مدهش…..لكن متى وجدت الوقت أصلًا؟”
لودفيك كان يعرف جيدًا كم هي مشغولة.
فمع ازدهار إقليم ملك الشياطين كانت تنخرط في شتى القضايا الكبيرة والصغيرة، وفي الوقت نفسه تفكر في طرق لهزيمة ديلارك.
وفوق ذلك كله، كانت تراجع سحر الجنية فيلي، وتعلم لودفيك القراءة والكتابة، وتعالج شكاوى متعلقة بالتنانين، وتفتش بين المخطوطات القديمة.
وبين كل هذا الزخم كانت تجد وقتًا، مقطّعًا ومجزّأ، لتواصل أبحاثها الخاصة في السحر.
لكنه لم يتخيل قط أنها أتقنت حتى سحر الطيران، ذلك السحر العسير. فحتى بين عامة الشياطين لم يكن مألوفًا، إذ يجدونه بالغ الصعوبة.
“بصراحة…..أنا نفسي لم أفهم معادلاته كلها بعد.”
فهو يستطيع إطلاق سحر النار وكأنه غريزة، لكن أي تعاويذ أخرى كان لا بد أن يتعلمها من أحد.
وسحر الطيران كان أحدها، وقد كان مساره بالغ المشقة. فالأجزاء التي لم يفهمها عوضها بحسّه الفطري كي يطير بطريقةٍ ما.
فتحدّث مندهشًا بصوتٍ خافت،
“……مهما تعددت الأجساد فلن تفعل مافعلتِه.”
“لهذا السبب يجب أن نُنمّي إقليم ملك الشياطين أكثر وأكثر. إذا كثر الأشخاص الموثوقون، فسيتناقص عملي تلقائيًا.”
قالت أرييلا ذلك وهمّت بإنشاد تعويذة الطيران.
لكن هذه المرة تدخّل باي.
“لا، أرييلا! لا حاجة لذلك.”
“لماذا؟”
ظنّت في البداية أنه سيحل الأمر بسحر التنين من جديد. لكن باي نشر جناحيه وأدار ظهره إليها.
“باي سيُقلكِ!”
قال ذلك بنبرة واثقة. و ابتسم باي بوجه مشرق وهو يقترب منها.
“أستطيع الطيران وحدي، ألم أقل لكَ؟”
“لا يجوز! فهذا يعني أن أرييلا ستستخدم سحرها. صحيحٌ أن باي تنين، لكن أرييلا ليست كذلك. ألم تقولي أن عليكِ أن توفري قوتكِ السحرية؟”
ثم هزّ رأسه نافيًا.
“أرييلا، إذا استهلكتِ الكثير من السحر ستتعبين. لا داعي لذلك. سأُقلكِ أنا.”
كانت كلماته مزيجًا بين العناية والفخر. فضحكت هي بخفة.
“أأنتَ قلقٌ عليّ إذ قد أتعب؟”
“نعم!”
كانت نواياه طيبة، لكنّها كانت تنوي أن ترفض.
‘مهلًا..…’
غير أن تفكير أرييلا سرعان ما تغيّر.
متى ستُتاح لها فرصة ركوب تنين والتحليق مجددًا؟ و ربما تكون أول إنسانة تفعلها.
بل حتى لو شمل الأمر الشياطين، فقد تكون الأولى على الإطلاق.
راودها قليلٌ من الإحساس بالذنب، لكن الفضول الجارف الذي غمرها لم تستطع أن تكبحه.
“إذا ركبتُ على ظهركَ، ألن تتعب؟ فالجسم سيزداد ثِقلًا.”
“لا بأس. في المرة الماضية حملت ما هو أثقل بكثير وطرْتُ جيدًا!”
“أثقل؟ ما الذي حملتَه وطرتَ به؟ أيعقل أنكَ سرقت شيئًا آخر ووضعتَه في عشّكَ؟”
“آه! ذ، ذلك..…”
تهرّب باي من الإجابة وحوّل بصره جانبًا. فعزمت أرييلا أن تفتّش عشّ البرج مجددًا قريبًا.
تلعثم باي قليلًا ثم صاح،
“أرييلا، هذا ليس المهم الآن! ألن ننطلق؟ هيا اصعدي!”
كان صوته هذه المرة وكأنه يُقلّد لودفيك. وكان بارعًا فيه. بل صار يعرف كيف يغيّر دفة الكلام.
“إذاً، سأعتمد عليكَ هذه المرة.”
قالت أرييلا ذلك متظاهرةً بالاستسلام وصعدت على ظهر باي.
وبفضل تغذيته الجيدة وكِبَر حجمه، بقي متسعٌ حتى بعد أن جلست عليه.
“أظن أن شخصًا آخر قد يتمكن من الركوب أيضًا. لكن ألن يكون ذلك مثقَلًا؟”
“لا! لا أشعر بأي ثِقل.”
“إذاً، هل يمكن أن يركب لودفيك أيضًا…..”
في تلك اللحظة تجمّدت ملامح باي. و كان مختلفًا تمامًا عن وجهه المشرق قبل ثوانٍ.
“لماذا أسمح لذلك الرجل؟”
كان ردًا جادًا يكاد يقترب من التجهّم.
وأطلق باي تصريحه كأنه إعلان،
“على ظهر باي، هناك شخصٌ واحد فقط في هذا العالم يحق له الركوب، وهي أرييلا!”
لكن لودفيك لم يتراجع وردّ على الفور،
“ما الذي تهذي به؟ أنا أيضًا سأستغني عن ذلك!”
فتنهدت أرييلا.
‘أي عبث هذا…..كأنها منافسة أطفال على الكرامة.’
***
بُووم!
انطلق التنين حاملًا أرييلا في طيرانٍ قوي. وتبعهم لودفيك بعد أن تمتم بهدوء بتعويذة الطيران.
“وااه!”
اخترق الهواء مسامعها كأنه يتمزق.
والساحل القاحل الذي كانت تقف عليه قبل لحظات هوى بعيدًا تحتها. وقد غمرها إحساسٌ بالسمو تعيشه لأول مرة في حياتها.
كان مختلفًا تمامًا عن شعورها حين طارت مع لودفيك.
“هذا مذهلٌ حقًا!”
وبسبب ضغط الرياح الهائل الذي ارتطم بين حاجبيها، أغمضت عينيها للحظة. لكن حين فتحت جفنيها مجددًا، كانت هي والتنين قد تجاوزا اليابسة وحلّقا فوق البحر.
الرياح العاتية وقطرات المطر ما زالت تتساقط بعنف، لكنها لم تؤثر على الطيران. وذلك كله بفضل سحر التنين الذي أطلقه باي.
‘كأننا نطير على امتداد عين إعصار صغيرة.’
مرّت أمواجٌ عاتية مسرعة تحت أقدامهم.
ثم التفتت لتنظر و لتتأكد من أن لودفيك يتبعهم جيدًا. و التقى نظرها بملك الشياطين ففتح فمه قليلاً.
طبعًا لم تُسمع كلماته، لكنها شعرت أنها عرفت ما قال. من المؤكد أنه قال بضجر: “الى ماذا تنظرين؟”
على أي حال، هو متصلّبٌ بعض الشيء.
خلال ذلك، الإنسان والشياطين والتنين اخترقوا البحر العاصف كما هم.
***
“أوه؟ الريح خفتت.”
تمتم باي بذلك.
كم طاروا؟
“صحيح. لقد تجاوزنا أخطر منطقة.”
بفضل المئة شمس التي أنشأها ملوك الشياطين، تحافظ اليابسة دائمًا على طقس معتدل.
و عند حلول الليل تُعدّل الحرارة والضوء، فلا تتحول إلى صحراء قاحلة، فتصبح مناسبة للعيش.
أما البحر الذي لا شمسه فيه فبديهيًا بارد.
وبسبب هذا الفارق الحراري تشهد السواحل العواصف العنيفة التي رأوها للتو.
كانت تلك عقبةٌ حالت دون تقدم لودفيك نحو البحر. وقد اجتازوا تلك العقبة لتوّهم.
ثم أوقف باي سحر التنين.
“أصبح الجو مظلمًا إلى حدٍ ما.”
لم يتجمد سطح البحر بعد، لكنهم الآن في بحر بعيد بما يكفي عن اليابسة.
“هنا المسار الذي سنسافر به لاحقًا. علينا أن نركب تيارًا سريعًا هناك.”
حدقت أرييلا في البحر الممتد تحتهم.
“هنا؟ تيارٌ بحري؟”
“نعم، باي. سنُبحر بالسفينة في هذا الممر البحري لنصل إلى الشمال.”
“لماذا؟”
“لأن مياه ذلك البحر تتحرك بسرعةٍ هائلة.”
“لماذا؟”
“المياه الباردة الآتية من الجليد تدفع المياه الأخرى.”
“جليد؟”
“نعم. إذا طرت لمسافةٍ طويلة وراء الأفق، ستجد البحر متجمدًا.”
“لماذا؟”
أغلقت أرييلا ذراعيها بيديها وهي تجابه سيل الأسئلة الذي لا ينتهي.
“آه، الجو بارد.”
و ارتجفت أسنانها من البرد.
فجأة صنع لودفيك، وهو يطير بجانبها، كرةً نارية بصمت.
فاندلع اللهب فوراً! لم يكن بحجم الشمس لكنه قذف ضوءًا وحرارةً بقدر مناسب. و تزامن اللهب مع سرعة طيرانهم.
“أوه، شكرًا.”
دفّأ الهواء كتفيها. بينما أومأ لودفيغ برأسه قليلاً وهو مغلق الفم.
فتساءلت في داخلها،
‘ما هذا؟ على الأقل ردّ بشيء.’
و في تلك اللحظة،
“أرييلا، هل كنتِ تشعرين بالبرد؟ لماذا لم تقولي ذلك من قبل؟ سأدفئكِ!”
أطلق باي سحر التنين.
“دافئ دافئ!”
بمجرد أن نطق التعويذة البسيطة، ارتفعت حرارة الهواء حول أرييلا أكثر.
و اندلع اللهب! ثم وسّع لودفيك حجم كرة اللهب، كأنه لا يريد أن يخسر.
..…؟!
بدا أن ذلك أثار باي مجددًا. فقضم أسنانه و تحدّث بصوت عالٍ،
“زد درجة الحرارة!”
استعمل ملك الشياطين والتنين سحرهما كأنهما في سباق. فكبرت ألسنة اللهب تدريجيًا، وتنامت حرارة سحر التنين بلا توقف.
ومع تكرار ذلك أصبح الهواء المحيط حارًا كما لو كانوا في جزيرة استوائية.
و لم تَتحمل أرييلا فصرخت،
“كفّوا عن ذلك يا رفاق! سنحترق هكذا!”
________________________
فكرة خليهم يسوونها عند افعى اابحر ذي تحترق بالمره
بس ياناس لودفيك هو الي بادر يدفيها ياناااااااااس🤏🏻
باي بهد يجنن يوم طرد لودفيك وقال محد يقعد علي الا ارييلا😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 90"