لم يتخيل بيفار أبدًا أن تكون تلك الكلمات موجهةً إليه، فبقي يرمش بعينيه بذهول لعدة ثوانٍ.
أما أرييلا، فكانت ملامحها هادئةٌ وساكنة، على عكس وجه بيفار الذي كان على وشك الانفجار.
“بأي وقاحةٍ تتجرئين على التفوه بمثل هذا..…!”
“توقف عن مقاطعة الحديث. لم أنتهِ بعد.”
قالت أرييلا ذلك وهي تنظر إليه بنظرةٍ مائلة فيها استهزاء.
“هل هي عادةٌ عندكَ، أن تقاطع الناس؟ فقبل قليل أيضًا قاطعت الملك وهو يتحدث. هل تظن نفسكَ شيئًا عظيمًا؟”
حينها، صرخ بيفار مستنجدًا بملك الشياطين،
“مولاي! أنظر إلى ما تتفوه به هذه المتغطرسة! إنها تهين هذا الإقليم كله!”
“أنت من أهان أولًا. أنا لم أدخل هذا المكان من تلقاء نفسي، بل الملك هو من دعاني، وهو من أمرني بالجلوس. لقد كانت أوامر ملكية. أما أنتَ، من تكون حتى تعارض وتستخف بكلام الملك؟ ألا تعرف حدودكَ؟”
“أنتم أيها البشر التافهون-“
“بما أنك ذكرت البشر، دعني أخبركَ بأمر. في عالم البشر، ما تسمى به أفعالٌ مثل تصرفك هذا تجاه الملك؟ خيانةً عظمى. نعم، خائـن.”
ثم رفعت يدها وحرّكتها أسفل ذقنها، وكأنها تشير إلى أن رقبة بيفار يمكن أن تطير في أي لحظة.
“كفى!”
تدخل صوت لودفيك أخيرًا، متأخرًا. و لم يتكلم إلا بعد أن استمع طويلًا لهجوم أرييلا وتمزيقها لبيفار.
‘يا لها من امرأة غريبة.’
هذا هو قصر ملك الشياطين. وفوق ذلك، انظر إلى الأعضاء الموجودين: مصاص دماء، ومستئذب، هيكلٌ عظمي، وحتى ملك الشياطين نفسه.
أي إنسان عادي كان ليصاب بنوبة فور دخوله هذا المكان. لكن ماذا عن تلك المرأة؟
لم تكتفِ بعدم الإغماء، بل دخلت بخطى واثقة وجلست دون تردد. وليس هذا فحسب، بل إنها لا ترتبك حتى أمام أولئك الشياطين رفيعي المقام، بل ترد عليهم بحدة وكأنها على وشك أن تلتهمهم.
‘غريبة…..لكنها ستكون نافعة.’
تحدث لودفيك بصوتٍ حازم مشحون بالقوة،
“بيفار! لقد اتخذتُ قراري. لا رجعة فيه!”
وحين ضغط لودفيك بهذا الشكل، لم يجرؤ أحدٌ من أتباعه على الاعتراض بعد ذلك.
وهكذا، بدأ اجتماع إدارة الإقليم بحضور خمسة أشخاص، من ضمنهم أرييلا.
***
أول قضية طُرحت كانت تزايد غارات الأورك داخل الإقليم.
“عدد الجنود قليلٌ بشكل كارثي!”
صرخ أولكن بحماس.
“علينا تجنيد المزيد من القوات! ونحتاج إلى أسلحة أكثر أيضًا!”
ثم هز بيفار رأسه.
“لا يوجد حتى من يعمل في الحقول، فكيف لنا بتجنيد جنود؟”
“ماذا عن التوظيف من خارج الإقليم؟”
“المال لا يكفي.”
عندها تحدث ريتشموند.
“ما رأيكَ في اقتراحي الذي ذكرته سابقًا؟”
“أي اقتراح؟ أتعني…..ذلك الرأي الذي طرحته عن استخدام الزومبي كقوة حراسة؟”
أومأ ريتشموند برأسه. فعبس بيفار وكأن الأمر لا يُعقل.
“ستنتشر رائحة العفن في أرجاء الإقليم. وسينثرون الأحشاء واللحم في كل مكان.”
حتى أولكن أبدى اعتراضه على ذلك الرأي.
“غررغ! الزومبي ضعفاء جدًا. يسقطون فورًا إن قاتلوا ضد أوركٍ مدرب.”
“إن لم يكن لدينا المال لتجنيد جنود جدد، ولا ترغبون في استخدام الزومبي…..فلا بد إذًا من صيانة الأسوار.”
“ومن أين سنأتي بذلك المال؟”
“يجب زيادة الضرائب المفروضة على السكان.”
“ماذا تقول! الناس لا يجدون ما يأكلونه أصلًا..…”
واستمرت الجلسة كدوامة بلا حل واضح. وكانت أرييلا قد استوعبت الأجواء العامة في صمت وقرصت شفتيها في داخلها.
‘إنها فوضى!’
كلما اقترح أولكن أو ريتشموند حلاً، يأتي بيفار المسؤول المالي ليرفضه تمامًا.
وكان السبب واضحًا.
‘في النهاية، المال هو أصل المشكلة.’
لكن إن استمر الوضع دون أي استثمار، فحياة سكان الإقليم ستزداد بؤسًا.
وفوق ذلك، فإن هجمات الأورك المستمرة في كل وقت تُعد مشكلةً كبيرة. و سيفقد المزارعون الكوبولد رغبتهم في العمل، وفي النهاية سيتلاشى حتى دافعهم للاستقرار، مما سيدفعهم للرحيل إلى أقاليم أخرى.
“أرييلا.”
ناداها ملك الشياطين وهو يستمع إلى النقاش العشوائي بين التابعين. فتوقف الثلاثة عن الكلام في اللحظة نفسها.
“ما رأيكِ أنتِ؟”
نظر لودفيك إليها بنظرةٍ عميقة المعنى.
‘كما توقعت، هذا ما كان يدور في بالك؟’
عندما التقيا لأول مرة، سألها إن كانت قد أدارت دولةً من قبل.
وبعد أن وصلت إلى عالم الشياطين، اتضح أن الوضع من سيئ إلى أسوأ، من المشاكل المالية إلى انعدام الأمن، مع عدم توافق الآراء بين التابعين.
ومن المؤكد أن ملك الشياطين المبتدئ كان يعاني دون أن يجد حلاً.
‘إذًا لقد مهّدت لي الساحة وتريد مني أن أُثبت جدارتي، أليس كذلك؟ هل كان هذا هدفكَ من التعاقد منذ البداية؟’
لم تتهرب أرييلا من نظرات لودفيك. والتقت عيونهما في الفراغ.
‘مع ذلك، يبدو الأمر ممتعًا. في النهاية، عليّ أن أفعل ذلك إن كنت أريد البقاء……رغم أنني لا أستطيع إنكار شعوري بأنني قد خُدعت قليلًا.’
ابتسمت أرييلا ابتسامةً خفيفة.
‘إن كان هذا ما تريده، فسأكون على قدر التوقعات. لكن لاحقًا…..سأحصل على كل ما أستحقه. فالعقود، في الأصل، تُدار هكذا.’
أجابت أرييلا بعد أن نظّمت ملامح وجهها. فالجواب كان حاضرًا في ذهنها بالفعل.
“أولًا، علينا أن نطلع على الدفاتر، أليس كذلك؟”
ساد الصمت في قاعة الاجتماع.
“……!”
“الدفاتر؟ أي دفاتر؟”
“هوه، مثيرةٌ للاهتمام حقًا.”
أظهر التابعون الثلاثة ردود فعل مختلفةٍ تمامًا. وأرييلا تابعت الكلام وهي تراقب وجوههم جميعًا.
“في النهاية، هناك الكثير من منافذ الإنفاق، بينما لا يوجد مصدر دخل حقيقي، أليس كذلك؟ إذا استمررنا في هذا النوع من النقاشات النظرية من خلف الطاولة، فلن نصل إلى أي نتيجة.”
وتمتمت في سرّها.
“الأدق أن المشكلة ليست في أن الإقليم لا يملك المال، بل في كثرة اللصوص داخله.”
عندها انتفض بيفار وعارض بعينين جاحظتين. وأشار إلى الورق الممدود فوق الطاولة.
“إن كنت تبحثين عن بيانات، فهي موجودة! كل ما يتعلق بالميزانية المتاحة حاليًا في قلعة ملك الشياطين مذكورٌ هنا بالكامل..…!”
لكن أرييلا شددت على كلماتها بقوة أكبر.
“لا أريد أرقامًا مبهمةً كهذه! نحتاج إلى بيانات مفصلة ومقسمة بدقة.”
“ماذا؟”
“تقول هذه الورقة أن نفقات صيانة الإقليم تبلغ مئة ألف سيل شهريًا. لكن ما الذي يُصان تحديدًا؟ وبواسطة مَن؟ وبأي طريقة تتم هذه الصيانة؟”
استحضرت أرييلا في ذهنها مشاهد الإقليم التي شاهدتها بالأمس، كما استرجعت أسعار السوق والعملات المتداولة في عالم الشياطين كما شرحها لها غرويب.
لو كانت تلك الأموال تُنفق فعلًا كما هو مكتوب، لما كان حال الإقليم بهذا السوء.
“هـ…..هذا لأن!”
لم يستطع بيفار الرد على الفور.
“سبب بقاء النقاش في دائرةٍ مفرغة دون أي تقدم هو أننا لا نتعامل إلا مع أرقام ضخمة ومبهمة كهذه.”
لهذا لا بد من تحليل الأمور بدقة، وكأننا نجري عملية تشريح.
“علينا أن نعرف هل حقًا لا توجد أي مصادر دخل إضافية، وهل يُنفَق المال المتوفر حاليًا بشكل صحيح وفعّال. لنحسب كل شيء حتى آخر قطعة نقدية، ثم نقرر الخطوة التالية.”
تدخل ريتشموند عندها،
“أيعني هذا أن المتعاقدة ستتفقد دفاتر حسابات هذا الإقليم بنفسها؟”
“بالطبع.”
“هذا غير مقبول!”
صرخ بيفار بغضب ووقف من مقعده بعنف.
“دفاتر حسابات قلعة ملك الشياطين تُدار بسريةٍ تامة! كيف نعطيها لشخص غريب مثلكِ؟!”
لوّح ريتشموند بعظمة سبابته يمينًا ويسارًا.
“بدقة أكثر، لم تعد غريبة. إنها متعاقدة مع ملك الشياطين.”
“لكنها ليست حتى من عالم الشياطين! وصلت إلى هنا للتو، فبأي حق تتعامل مع الوثائق الرسمية؟!”
ردّت أرييلا بصوت هادئ لكنه حاد،
“بالعكس، كوني من خارج هذا العالم يعني أنني أستطيع مراجعة الدفاتر من دون أي تحيّزٍ أو مصلحة شخصية. فكروا بالأمر كنوعٍ من..… ’المراجعة الخارجية‘ إن صح التعبير.”
“ولماذا عليَّ أنا أن أسمح لمثلكِ أن تُراجعني؟!”
ها قد ظهر وجهه الحقيقي أخيرًا.
شعرت أرييلا بإحساس واضح. فذلك الشاحب…..يخفي أمرًا قذرًا!
ونهضت من مكانها دون أن تتراجع.
“لو كنت بكامل وعيكَ، لكان من البديهي أن تتعاون! أعمدة الدولة تنهار، فهل تنوي إصلاحها فعلًا؟”
ثم رفعت إصبعها وأشارت إلى بيفار كأنها تطعنه به.
“تقول أنه لا يوجد حتى طعام لإغاثة سكان الإقليم الجائعين! ونحن نريد الآن أن نعرف السبب، لكنك ترفض إظهار دفاتر الحسابات التي قد تحوي الجواب؟ إن لم يكن هذا تقصيرًا في أداء الواجب وعرقلة للعمل، فما هو إذاً؟”
“تـ…..تقصير في أداء الواجب؟ عرقلةٌ للعمل؟”
“في بلدتي التي نشأت فيها، إذا أهمل الإداريون واجباتهم، يُعد ذلك خيانةً للأمانة ويُعاقبون بشدة. كانوا يُجلدون أو يُنفون أو يُزجّون في السجن. ألا توجد قوانين كهذه في عالم الشياطين؟”
في تلك اللحظة،
“……!”
شعرت أرييلا بتغير مفاجئ في أجواء المكان.
“هذا الوغد؟”
اشتدت نظراتها حدة.
وووونغ—!
كانت طاقةً قوية تتصاعد من حول بيفار.
‘هل يحاول قمعي باستخدام قوته السحرية؟’
_________________
فجريه حلال
لودفيك لو ماسوا شي هنا مب رجال 😘
Dana
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"