في قاعة الاجتماعات في قلعة ملك الشياطين.
“سيربنت البحر؟”
ما إن طُرح هذا الاسم غير المتوقع حتى اكتسى وجوه الجميع بملامح الجدية.
سيربنت البحر وحشٌ هائل يشبه أفعى المحيط العملاقة. و كل ما يدخل منطقته يُعامل كطعام فينقضّ عليه بشراسة.
وقد عُرفت مياهه باسم “مقبرة البحر”، ولم يكن غريبًا أن يرتعد البحّارة خوفًا منه.
“مع تراجع قوة مملكة الشيطان شيئًا فشيئًا، تقلص معها بطبيعة الحال نشاط التجارة البحرية.”
لم يحدث الانقطاع فجأة، بل ظلّ الوضع يتدهور ببطء وكأنما هو على حافة الاحتضار.
ثم جاء اليوم الذي وقع فيه حادثٌ قاتل حال دون أي إبحارٍ بعدها.
وبالعودة إلى السجلات القديمة وتجميع خيوطها، تمكنت أرييلا من استنتاج السبب.
“في البحر لا تشرق الشمس، لذا لا يمكن لأي كائن طبيعي أن يعيش هناك. لكن كما نعلم جميعًا……هناك استثناءات.”
أومأ أولكن مؤكدًا.
“الوحوش!”
وفي عالم الشياطين، ثمة معياران يميزان الكائن الطبيعي عن الوحش.
أولًا، أن يكون بلا عقل. ثانيًا، أن يتمكن من البقاء حتى من دون عناصر البقاء الأساسية مثل الشمس أو شجرة العالم.
وأي مخلوق يحقق هذين الشرطين يُسمّى وحشًا.
“صحيح. في ذلك الزمن كان البحر يعج بالوحوش، ثم ظهر فوقها المفترس الأكبر……سيربنت البحر.”
وبدءًا من لحظة نشاط ذلك المخلوق في السواحل القريبة من المملكة، لم ينجُ أي مركب مرّ في تلك المياه.
“قبل سقوط الأراضي، لا بد أنهم حاولوا الحفاظ على خط الملاحة حيًّا. لكن يبدو أن المملكة وقتها لم تعد تملك القدرة على مواجهة سيربنت البحر.”
هكذا لخّصت أرييلا بعد بحثها في المخطوطات مع فيلي.
“من وجهة نظر ذلك الوحش، كانت مياهنا الساحلية المكان الأمثل لبناء عشه.”
“طبعًا، فالمكان يعج بالفرائس، ولا وجود لتهديد من الشياطين.”
لكن إن كان ذاك السيربنت الذي تدفق إلى هذه المياه ما يزال حيًا حتى الآن؟
“هناك احتمال أن يكون قد مات من الشيخوخة أو انتقل إلى بحر آخر. لكن هذا لا يتعدّى أن يكون أملًا نتعلّق به.”
لا بد من التحقق. فإطلاق السفن دون التأكد قد يقود إلى كارثة لا تُعالج.
ثم تحدّث لودفيك،
“الأمر بسيطٌ إذاً. نعثُر على ذلك الثعبان ثم نقطّعه شرائح.”
لكن ملامح أرييلا كانت بعيدةً كل البعد عن الرضا.
“لا تستهِن بالأمر. قد يكون خصمًا أصعب حتى من “آكل الموتى” الذي اصطدناه في المرة السابقة.”
ثم فتحت الكتاب الذي بين يديها.
“ووفق ما ورد هنا، فإن سيربنت البحر الذي جرفته الأمواج إلى سواحلنا كان في ذلك الحين بالفعل وحشًا بمستوى ملوك الشياطين.”
أي أنه قويٌ لدرجة أن حتى الحاكم نفسه إن واجهه فلن يستطيع الجزم بنتيجة المعركة.
“هـممم……”
تمتم غيرو بتلعثم.
“عادةً، في الطرق، التجارية، إن ظهر، وحش، كهذا، يتم، تجنّبه.”
“لكننا لا نملك خيار التجنّب، أليس كذلك؟”
إذا أرادوا فتح الطريق البحري، فلا بد من مواجهته.
“علينا أن نبدأ الاستكشاف بأسرع وقتٍ ممكن.”
ثم تمتمت أرييلا بالتمنّي في سرّها.
‘أتمنى أن يكون قد رحل، ذاك الوحش الأفعواني البحري، إلى مكان آخر بعيد.’
***
في اليوم التالي. قبالة سواحل مملكة لودفيك الشيطانية.
هويييييييييييييي!
سطح البحر الأسود كان يهتاج باضطراب صاخب. وعلى الشاطئ الخالي من البشر عصفت رياحٌ تكاد تمزّق الأجساد.
“أوه……توقعت ذلك، لكن شدته لا تُحتمل.”
عضّت أرييلا على أسنانها.
العاصفة كانت قاسيةً لدرجة أنها لم تستطع حتى فتح عينيها جيدًا. و شعرها الأحمر القصير كان يتطاير بجنون.
حتى أنها فكرت أنها قد تصبح أول إنسان يُنتزع شعره من قوّة الرياح وحدها.
“خطر!”
في طرفة عين اندفع لودفيك نحوها. و غطاها بجسده ولوّح بغمد سيفه بسرعة البرق.
بوم!
ثم دوّى صوت مكتوم.
لقد صدّ الحجر الذي كان يوشك أن يصيب وجه أرييلا مباشرة.
“آه! شكرًا لكَ.”
“……معكِ دائمًا لا مجال للاسترخاء.”
فتنفست بارتياح قبل أن تتمتم بالتعويذة.
“حاجز!”
فتكوّن أمامها حاجزٌ شفاف من الطاقة السحرية. عندها فقط هدأ المطر والريح اللذان كانا يضربانهم بعنف.
بل بالأحرى ارتطما بجدار السحر ثم انعكسا مبتعدين.
لكن أرييلا شعرت بضغط هائل يثقل على الحاجز الذي استدعته.
“هل علينا أن نشق هذا الإعصار ونحلّق فوق البحر؟”
تمتم لودفيك ساخرًا وهو يراقب المشهد بعينين مدهوشتين.
شَعره الأسود الطويل تفرّق وصار منفوشًا كأنه غُمس في الزيت ثم سُحِب. وأرييلا بدورها حاولت إصلاح خصلاتها المتفجرة وكأن قنبلةً أصابتها قبل أن تجيب.
“في هذا الطقس، لا سفينة كبيرة ستبقى طافية، وحتى لو أبحرنا فعلًا، فاللقاء مع سيربنت البحر يعني نهايتنا.”
كانت مهمتهم أن يتأكدوا من وجود سيربنت البحر، وإن كان موجودًا أن يحددوا موضع عشه.
ولهذا اختارت أرييلا وسيلة الاستطلاع الجوي. بدل الإبحار، عليهم التحليق.
ولذلك لم تكتفِ بمجيئها مع لودفيك وحده، بل استدعت عونًا إضافيًا.
“باي.”
“نعم! أرييلا!”
ما إن نادت اسمه حتى أشرق وجه التنين بعينين متلألئتين، كأنه كان ينتظر هذه اللحظة.
“اليوم، سنحتاج إلى مساعدتكَ.”
تذكرت أرييلا كلمات ريتشموند.
“مثل أفعى البحر، فإن سيربنت البحر يتنفس بالهواء. لا يستطيع البقاء في الأعماق إلى ما لا نهاية، ولا يدخل البحر إلا عند الصيد.”
“إذاً موطنه على اليابسة؟”
“صحيح. غالبًا على الساحل أو في جزيرة. وفي هذه الحالة، فالاحتمال المؤكد مئةً بالمئة أنه في جزيرة.”
“ولِمَ؟”
“لو كان قد اتخذ الساحل عُشًّا له، لكان الفوضى عارمةً ولَعلمنا منذ زمن.”
“إذاً لا بد من تمشيط الجزر القريبة.”
هوييييييييييييييييييي!
اشتدت الرياح أكثر فأكثر. إن كان الأمر على الأرض بهذا العنف، فكيف سيكون الوضع في الأعالي؟
أي استخدامٍ ساذج لسحر الطيران قد يعني أن يُجرفوا بعيدًا بلا وجهة، أو يسقطوا سقوطًا مميتًا.
لكن إن استمروا في الطيران مع إبقاء الحاجز السحري كما يفعلون الآن، فسيُستهلك مقدارٌ مضاعف من الطاقة.
“باي، ألم تقل أنكَ استدعيت الرياح بسحر لغة التنين في المرة السابقة؟”
“نعم! صحيح.”
“إذاً……هل يمكنكَ أن تفعل العكس؟ أن توقف الرياح العاصفة بدلًا من استدعائها؟”
أمال التنين الكبير رأسه متفكرًا قليلًا، ثم أجاب.
“لم أجرب ذلك من قبل……لكن سأحاول! بما أن أرييلا هي من تطلب.”
تقدّم باي بخطواتٍ واثقة، مفعمًا بالثقة. ثم رفع صوته نحو السماء المزمجرة بالعواصف.
“توقّفي!”
وكان الأثر فوريًا.
طَق!
“واااه!”
“……هووو؟”
حتى لودفيك الذي كان يراقب بشك، ارتعشت حاجباه اندهاشًا. فالضغط الذي كان يسحق الحاجز اختفى تمامًا.
ثم رفعت أرييلا الحاجز، وهي تتمتم بدهشة.
“الريح……”
إن كانت أرييلا قد أوقفت العاصفة بإنشاء جدار يصدّها، فإن سحر لغة التنين عمل بطريقة مختلفة كليًا.
“لقد توقفت الرياح فعلًا……هكذا بكل بساطة؟”
الزوبعة التي كانت تعصف بكل شراسة منذ لحظات، ما إن اقتربت من محيط باي حتى تبدّدت. و فقدت قوتها بسرعة رهيبة، ولم يبقَ منها سوى نسيم عليل.
حتى النسيم الذي لامسهم بالكاد كان يحرّك خصلات شعرهم الأمامية بلطف.
“إذاً بدلًا من قطع طريق القوة، هو يبدّد القوة ذاتها……مدهشٌ حقًا.”
قررت أرييلا أن تجرب الحركة في هذا الوضع.
وبعد لحظات، أخذ لودفيك يتفحص الأجواء المحيطة وهو يتحدّث،
“مدى التأثير لا يتجاوز ثلاثة أمتار، أليس كذلك؟”
حاول باي أن يوسّع ذلك المجال، لكن الأمر بدا صعبًا عليه في الوقت الحالي.
و لم تكن المشكلة في طاقة التنين السحرية، فبحسب قوله يستطيع الحفاظ على هذا الوضع لأيام وليالٍ متواصلة.
إنما المسألة مرتبطة بالخبرة والمهارة.
“ثلاثة أمتار، إذاً.”
ضيقة جدًا على إبحار سفينة، لكنها كافية تمامًا ليحلق في داخلها إنسانٌ و شيطان وتنين معًا.
فسأل لودفيك،
“إذاً……سننطلق؟”
“نعم، لنفعل ذلك.”
خُطوة!
“……!”
شهقت أرييلا فجأة. فقد أقدم لودفيك على فعل لم يخطر لها ببال.
فتح ذراعيه على اتساعهما واقترب منها حتى كاد الفاصل بينهما نصف خطوة لا غير. وكأنه على وشك أن يطوقها بين ذراعيه.
صدره العريض، الذي لم تلحظه عادة، سدّ مجال رؤيتها. وما إن وجدته قريبًا بهذا الشكل حتى أدركت بوضوح كم يفوقها طولًا وهيبة.
وفي غمرة الموقف نسيت تمامًا ما كانا يتحدثان عنه قبل لحظة.
“مـ……ماذا تفعل؟”
احمرّ وجهها على الفور. و تراجعت خطوتين بخفة، فالتقت عيناها بعينيه.
تلك الحدقتان القرمزيتان اللامباليتان انعكست فيهما دهشتها.
و ملامحه الفائقة الواقعية، التي اعتادت عليها في الأشهر الأخيرة، صارت الآن تحدق بها مليئةً بتساؤلٍ خفي.
وفي تلك اللحظة كان قلبها ينبض بجنون دون أن يستأذن.
__________________________
وااااااو ذاه اول مومنت من يوم شالها يوم جا يخطفها😭
قلبها يدق قبل لودفيك؟ لا ما اتفقنا قلت هو بيطيح اول 🥰
المهم ارييلا نست حتى الوحش الي جو يدورونه ما الومها بعد كل ذا الوسامه الساطيه ولا توقع؟
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 89"