تشاد ظل فترةً يعاني صداعًا.
يُطلب منه أن يجد طريقةً ليتحول التنين كما لو كان من سلالة الشياطين أو البشر؟
مطلبٌ كهذا كان مبالغًا فيه بحق صبي يعمل خادمًا في قلعة ملك الشياطين، ولم يمضِ على خبرته سوى بضعة أشهر.
“تشاد، ما بكَ؟”
ناداه كوبولد ذو فراءٍ اشتعل بياضًا وقد وضع عدسةً أحادية على عينه اليمنى.
كان ذلك هو غرويب، كبير خدم القلعة.
“الخدم يقولون أنك منذ أيام تتجول بوجهٍ شاحبٍ عابس. حتى أنهم يمزحون بأنك لم تعد بحاجة إلى مكنسة، فما يخرج من فمكَ من تنهداتٍ كافٍ لمسح الأرض بأكملها.”
كان غرويب قد أدرك أن أمرًا ما أصاب تشاد.
“في الحقيقة……”
فتردد تشاد قليلًا قبل أن يعترف بما جرى.
“كل هذا من أجل أمرٍ تافهٍ كهذا؟”
بالنسبة لتشاد كان الأمر جللًا، لكن غرويب بدا غير مصدّق.
“ذلك التنين المشاغب يريد أن يتحول؟ فليتحول إذاً!”
كان كبير الخدم قد سمع من قبل بشتى الأمور التي تجري في القلعة.
“ذلك الفتى التنين يبدو أنه بدأ يتقن سحر لغة التنانين.”
وكان غرويب قد أدرك هذا حتى قبل أرييلا وسبق أن رفع تقريرًا به.
“سحر لغة التنانين؟”
“نعم. إنه السحر الفريد الذي لا يتقنه سوى التنانين. وبه يمكن فعل شتى الأمور. والتحوّل أحدها.”
“وما هو التحوّل؟”
“هو السحر الذي يغيّر الشكل. والتنانين على وجه الخصوص مولعةٌ به.”
فالتنين يعشق التنكر بهيئة كائنٍ آخر والتجول بين مختلف الأجناس وكأنه منهم.
“يدّعون أنهم أعظم من أي سلالة أخرى، لكنهم في الحقيقة مولعون بالتلصص على حياة الآخرين، أمرٌ غريبٌ فعلًا.”
حك تشاد رأسه بحيرة.
“لكن السيد باي لا يبدو أنه يعرف الطريقة بعد.”
“التنين بذاته أشبه بمصهرٍ يغلي بقوة سحرية لا تنضب. سيكتشف الأمر من تلقاء نفسه حين يحين الوقت.”
“وماذا أفعل أنا؟”
“كن مستمعًا جيدًا لتذمره. أظن أنه بحاجةٍ إلى من هو في سنه.”
***
“سحر لغة التنانين؟”
نقل تشاد إلى باي ما سمعه من غرويب.
“حقًا؟ إذاً ما كان يحدث مجرد سحر؟”
الآن فقط فهم حقيقة ما كان يجري حين كان الهواء يندفع هائجًا لمجرد أن يقول: هبَّ!
“فلنجرّب إذاً!”
تلألأت عينا التنين بفضول، وكان الفضول ينهش قلب تشاد أيضًا.
‘التنين مدهشٌ حقًا، يكفي أن ينطق بما يريد ليتحقق دون حاجة إلى تعاويذ معقدة.’
وكما في المرات السابقة، لم يرهق التنين نفسه بالتفكير. فكل ما عليه هو أن ينطق بما يشتهي صراحة.
مقتنعًا بذلك، هتف باي بجرأة،
“تحوّل!”
بوم!
ما إن أطلق إرادته حتى حدث التغيير فعلًا. لكن النتيجة كانت ناقصة.
لا وميضًا خاطفًا ولا انفجارًا مدويًا، بل ما إن دوّى الصوت حتى غمر المكان دخانٌ أبيض متصاعد.
“كح! كح!”
من أين خرج كل هذا الدخان؟
تشاد كان يسعل وهو يتساءل، وفجأة اخترق صوت باي ذلك الضباب الكثيف.
“كيف؟ هل تحولتُ جيدًا؟”
“لحظة فقط، ما زلت لا أرى……”
لكن قبل أن يُكمل، كانت الغشاوة قد انقشعت. وما إن وقعت عينا تشاد على هيئة باي المتحوّل، حتى لم ينبعث منه إعجابٌ بل صرخة رعبٍ مدوّية.
“آآآااااااااااااك!”
“اصمت! لماذا تصرخ؟”
لم يستطع تشاد حتى أن يرد، بل انقلبت عيناه وراح يزبد من فمه قبل أن يخرّ مغشيًا عليه.
“ما الذي أصابه بحق؟”
تذمر باي وهو يبحث عن مرآة.
ومنذ أن بدأ المال يتدفق، كانت جدران ممرات قلعة الشيطان قد ازدانت بمرايا كثيرة. فاختار إحداها وحدّق فيها.
“……!”
أطرافه صارت طويلةً شبيهة بتلك التي لدى الشياطين فعلًا. لكن المشكلة كانت في المواضع والعدد.
على كتفٍ واحد تدلت منه ساقان زائدتان، وفي أسفل جسده برزت ثمانية أذرع مثل قوائم العناكب، بينما رأسه ظل رأس تنين كما هو!
“ككككككككككككآآآآآآآااااااك!”
نسي باي تمامًا كيف وبّخ تشاد منذ لحظات، وأطلق صرخةً رهيبة. وعلى الفور تجاوب الهواء مع عاطفته وتضخّم صداه.
وووووووووووووم!
سحر (رعب التنين). قدرةٌ خاصة لا يمتلكها سوى التنانين مثل سحر لغتهم.
وكلمة “رعب” جاءت أصلًا من خوف الأجناس الأخرى حين يواجهون تنينًا.
لكن هذه المرة كان العكس، فالذي خاف حتى العظم هو التنين نفسه! ولو علم كاليثيرد بالأمر لكان قد ناح من الحسرة.
ومهما كان السبب في انطلاقه، فإن تأثير الرعب كان بالغًا.
كرااااااااااك!
فالمرآة التي كان باي يواجهها أطلقت صوتًا حادًا ثم تناثرت إلى شظايا صغيرة.
***
“آه يا ويلي، كيف سنخرج من هذا؟”
بعد قليل، حين أفاق تشاد من إغماءته، بدأ يجمع شظايا المرآة المحطمة ووجهه يقطر قلقًا.
وباي هو الآخر عاد إلى هيئته الأصلية وهو يعاونه بملامح منكسرة.
“ذلك الأخرق حطم المرآة هذه المرة أيضًا؟”
عندما اعترف تشاد بصدق، لم يفعل غرويب سوى إطلاق تنهيدةٍ عميقة. وقد عقد العزم على رفع الأمر إلى أرييلا.
فالمرآة لم تكن المشكلة، بل الأهم أن تنينًا ذهبيًا قد أيقظ قوة الرعب.
وبدأ يبدو أمرًا مألوفًا أنه يفكر باللجوء إليها بدلًا من رفع الأمر مباشرةً إلى ملك الشياطين، رئيسه الأعلى.
“أ……أعتذر.”
“وما الذي يجعلكَ تعتذر؟ هل أنتَ من حطّمها؟ أليست هذه أيضًا من أفاعيل ذلك الزاحف المزعج؟”
ورغم قلقه البالغ، لم يوبّخ غرويب تشاد. بل على العكس، منحه ما يشبه المكافأة.
“أحضر ذاك الفتى التنين.”
ثم دخل باي، الذي كان ينتظر خارج الباب. لقد تبع تشاد بعدما سمع أنه استُدعي ليتعرض للتوبيخ.
ألقى غرويب نظراته بالتتابع عليهما معًا.
“إذا أردتما التدرب على التحوّل، فافعلا ذلك خارج القلعة، في مكانٍ لا يراكم فيه أحد.”
كان غرويب قد توقف منذ زمن عن مخاطبة باي بلهجة الاحترام.
ثم التفت إلى تشاد هذه المرة.
“تشاد، بدلًا من الانشغال بالتنظيف، عليك أن تلازم هذا التنين طوال اليوم.”
“هـه؟”
“لا أستطيع مطاردته بنفسي لأمنعه من التسبب بالمصائب. ستتولى أنتَ الأمر.”
كان بحاجة إلى عينٍ تراقب باي باستمرار. أما تشاد، فلم يعرف أيفرح بهذا أم يقلق منه، فوقف مرتبكًا.
“……أيمكنني فعل ذلك حقًا؟”
“ليست مسألة إمكان، بل لا بد أن تفعل. هذه مهمتكَ اليوم.”
وما إن أنهى كلامه حتى لوّح بيده ضجرًا، كأن لا رغبة له بمزيد من النقاش.
“إن كنتما قد فهمتما، فاغربا عن وجهي قبل أن تُدمَّر أشياءٌ أخرى!”
***
و بعد لحظات. كان الفتى التنين وصاحبه الشيطاني الصغير يقفان عند ضفة نهر صغير خارج القلعة.
وقد فكر تشاد أن المكان هنا آمن، فلن يكون ثمة شيء يحطمه باي.
“إذاً، سأجرّب التحول مرة أخرى؟”
“ألا ترى أنكَ جربت هذا مئة مرة من قبل؟ ألا تشعر بالتعب؟”
“ماذا تقول؟ لم أتجاوز الثامنة والسبعين بعد.”
“……ذاكرتكَ خارقةٌ فعلًا.”
ثم صرخ التنين بحماس،
“تحوّل!”
بوم!
“كيف؟”
“……هذه المرة نبتت لك ذراعان إضافيتان في الجانب الأيمن فقط، وفوق ذلك ما زالت الحراشف على جلدكَ.”
وربما لأنه اعتاد المشهد، لم يعد تشاد يفقد وعيه عند كل محاولة.
“حقًا؟ حسنًا، مرة أخرى. تحوّل!”
بوم!
“وهذه المرة؟”
“أفضل قليلًا من سابقتها، لكن……لا أظن أن وجود رأس ينبت من تحت إبطك أمرٌ مقبول.”
“ألا يمكن اعتبارها مقبولةً على أي حال؟”
لكن تشاد أومأ برأسه نافيًا بصمت.
“تبا……تحوّل!”
بوم!
“ها، أليس هذا أفضل الآن؟”
تململ……تململ!
“لا، هذا لم يعد حتى أطرافًا! أقرب ما يكون إلى مجسّات……”
“تحوّل!”
بوم!
“هذه المرة كيـ-”
“آآآآاااك! لا تقترب مني!”
صغيرًا كان أم كبيرًا، يظل التنين تنينًا.
فالتعاويذ التي كانت لتستنزف قوى سحرية هائلة من أي شيطان، كان يلقيها باي المرة تلو المرة دون أن يبدو عليه أدنى أثر من إنهاك.
وبينما كان التدريب يتكرر بلا توقف……
بومب!
اهتزت أذنا باي، النابتتان حيث كان ينبغي أن يظهر ذيله. وسمع كلامًا لم يكن لتشاد أن يلتقطه.
“إنه ريتشموند؟”
الاسم الذي نُطق كان لرجلٍ لا يقل رعبًا في القلعة إلا عن غرويب نفسه. فتجمد لون تشاد شاحبًا كالجليد.
“هـه! لِـ……لماذا هو بالذات؟”
أصغى باي لرسالةٍ سحرية من ريتشموند، ثم اتّسعت شفتاه بابتسامةٍ عريضة.
“يقول أن أرييلا تناديني! تريد أن أرافقها إلى مكانٍ ما.”
“إلى……إلى أين؟”
وفي تلك اللحظة أشرق وجه التنين أكثر من أي وقت مضى. فقد ذُكر مجالٌ لم يحظ بفرصة استكشافه من قبل.
“تشاد، هل سبق لكَ أن ذهبت إلى البحر؟”
_________________________
الفصل كيوت مفروض اسمها مغامرات التنين😂
غرويب مب شيطان هو كوبولد يخدم الشياطين وذا الكوبولد مايخاف من التنين الا قاعد يهاوشه ويشوفه شي زايد 😭
المهم بيطلعون رحله عائلية ارييلا ولودفيك وولدهم باي ✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 88"