حبست أرييلا نفسها مع فيلي عدة أيام في المكتبة.
“فيلي، هل تستطيعين أن تجدي لي كتبًا في هذا الموضوع أيضًا؟”
كانت قد درست من قبل عن بحر عالم الشياطين فور قدومها إلى هنا. و في ذلك الوقت تخلت نهائيًا عن فكرة التجارة البحرية، لأن الشروط كانت سيئةً للغاية.
“هل تفكرين فعلًا في الخروج إلى البحر؟”
“نعم. في الماضي لم أجرؤ حتى على التفكير في الأمر، لكن مملكتنا تغيّرت كثيرًا أليس كذلك؟”
“بالتأكيد. وكيف لا!”
أومأت فيلي بحماس، ثم راحت مسرعةً تطير جيئة وذهابًا حاملةً الكتب التي طلبتها أرييلا.
و كانت في غاية السعادة لأن المكتبة ستفيد المملكة هذه المرة أيضًا.
***
“لنبدأ الاجتماع.”
بعد عدة أيام. بناءً على المواد التي رتبتها مع فيلي، شرحت أرييلا الأمر للملك لودفيك وأتباعه.
“انظروا إلى هذه الخريطة.”
“هم؟”
كان أولكن معتادًا على شتى أنواع الخرائط العسكرية، لكن يبدو أنها المرة الأولى التي يرى مثل هذا النوع.
“ما هذه الخريطة؟ أفهم أنها تُظهر القارة التي نعيش فيها، لكن……”
لم تُرسم عليها أي حدود أو طرق أو أنهار أو جبال، بل بدت فارغةً تمامًا. وعوضًا عن ذلك، امتلأت البحار برموز معقدة وأسهم متعددة الاتجاهات.
“هذه خريطةٌ توضّح حركة التيارات البحرية.”
“تيارات……؟”
بدأت أرييلا تشرح لمخلوقات الشياطين، الذين لم يعرفوا سوى اليابسة، مفهوم طرق البحر ومبدأ جريان مياه المحيط.
فبالنسبة للأميرة السابقة لمملكة بحرية، كان هذا التخصص بمثابة مجالها الأصلي.
وأخذت تُقسّم مناطق البحر وتشير إليها.
“تيارات بحر عالم الشياطين تختلف حسب قربها من اليابسة. أما البحار البعيدة جدًا عن البر، فهي ليست موضوع بحثنا اليوم.”
ففي عالم الشياطين لا تشرق الشمس إلا من فوق اليابسة، إذ لا يوجد ملك شيطان يطفو فوق الماء ليحكم رعيته.
وبالتالي يُحافظ على مناخ معتدل فوق الأرض، لكن كلما ابتعدت السفن إلى عرض البحر انخفضت درجات الحرارة بشكل حاد.
“تلك البحار البعيدة صعبة المنال، وسطحها يتجمد، مما يجعل الإبحار فيها مستحيلًا. لذا فهي خارج نطاق بحثنا.”
ورسمت أرييلا خطوطًا مائلة على ذلك الجزء من الخريطة.
و ألقى ريتشموند نظرةً على الخريطة باهتمام. فهو كان يعرف الكثير عن عالم البشر.
“الوضع هنا مختلفٌ تمامًا عن موطنكِ. هناك لا يتجمد البحر إلا في الشمال، بينما هنا يتجمد بمجرد الابتعاد عن اليابسة بغض النظر عن الاتجاه.”
“بالضبط. الشمس وحدها تُحدث هذا الكم من التغييرات.”
ثم رسمت خطًا طويلًا في منتصف المسافة بين اليابسة والبحر المتجمد.
“إنه بحرٌ بعيدٌ بالقدر الكافي، لكنه لا يتجمد. هذا هو الأساس. على طول هذا الخط تجري تياراتٌ بحرية سريعة للغاية.”
قررت أن تسميه تيار فون السريع.
“إن ركبناه سنصل إلى الشمال بسرعةٍ لا يمكن مقارنتها بالطرق البرية أو الأنهار.”
وكان السبب في سرعته الشديدة هو الفارق الهائل في حرارة وكثافة مياه البحر.
ثم اكتفت أرييلا بهذا الشرح، مراعيةً مستوى استيعاب لودفيك، فلم تُفصّل أكثر.
“لكن ما الفائدة من وجود طريق تجاري مثالي هناك؟”
تدخلت سيسيل.
“لو خرجت الآن إلى البحر القريب من هنا، لن تجد سوى جحيم لا يسمح حتى بالصيد!”
“أصبتِ الحقيقة يا سيسيل.”
أشارت بخط دائري على طول الساحل. فقد جاء الدور الآن لتوضيح التيارات البحرية القريبة جدًا من اليابسة.
“معظم الشياطين يمقتون البحر. فبيئة الساحل، حيث تلتقي اليابسة بالماء، بالغة القسوة.”
سواحل الجنوب عند قلعة الملك الشيطاني خاليةٌ من السكان. فرغم أن شمس لودفيك ترسل ضياءها إلى هناك، لم يبنِ أحدٌ بيتًا قط.
فالعواصف تهب فجأة، والضباب الكثيف يلف الأفق باستمرار، والمدّات المحلية العنيفة تحدث بكثرة.
“السبب أن تياراتٍ دافئة قادمة من اليابسة تلتقي بتيارات باردة من أعماق البحر، فتتسبب في تلك الكوارث.”
أما لودفيك فقد بدا أنه استسلم لعدم الفهم، ورسم خربشات عشوائية على الورق بقلمه.
فانتزعت أرييلا القلم بحركة خفيفة، و حدّقت بنظرة صارمة.
“أنصت جيدًا. ما سأقوله الآن مهمٌ للغاية.”
ثم شرعت تفترض بشأن تاريخ مملكة لودفيك الشيطانية.
“منذ زمن سحيق، قيل أن هذه كانت مملكة شيطانية قوية. أليس ذلك مدهشًا؟”
أومأ ريتشموند موافقًا.
“بالفعل، فالمكتبة هنا وحدها كافيةٌ لإثبات ذلك.”
إنها أقدم مبنى في المملكة. و قد يبدو متهالكًا من الخارج، بعد أن رُمِّم بالخشب.
لكن الداخل يختلف تمامًا، حيث تصادف أعمدة وجدران حجرية شامخة تُذكّر بالمعابد. بحجمٍ هائل بحق.
إنه أثرٌ قديم بكل معنى الكلمة، ودليلٌ على نفوذ ذلك العصر.
“ألا يثير التساؤل؟ أي دولة تحتاج إلى دورة لوجستية كي تزدهر، فكيف تمكنت هذه المملكة من بلوغ مجدها في الماضي؟ أظن أن الجواب يكمن في البحر.”
“تقصدين أن مملكة لودفيك كانت نشطةً في التجارة البحرية قديمًا؟”
بدت سيسيل غير مستوعبة.
“من خلال ذلك البحر الجهنمي؟”
“لابد أنهم شيدوا سفنًا عملاقة، قادرةً على شق طريقها وسط أمواج هائجة. وما إن تعبر تلك المنطقة حتى تصل إلى تيار فون السريع.”
لكن لسببٍ ما، ضعفت المملكة لاحقًا، فلم تعد قادرةً على صيانة تلك السفن الضخمة.
“ومع سقوط المملكة وانقطاع حركة البضائع، تكررت دوامة الانهيار الاقتصادي.”
“إذاً، لو بنينا نحن أيضًا سفنًا بذلك الحجم!”
“سنستعيد طرق البحر بالتأكيد. حتى العام الماضي لم يكن بالإمكان مجرد التفكير في بناء سفن، لكن الآن الوضع مختلفٌ تمامًا.”
أما الممالك المجاورة فتستخدم نهر سيرفينيون في الجنوب للملاحة. وليس لديهم دافع للمخاطرة بخوض غمار البحر.
لكن ذلك النهر لا يصل إلى أراضي مملكة لودفيك الشيطانية. و لذلك، من وجهة نظر أرييلا، كان لديها ما يكفي وأكثر من الأسباب للتوسع نحو البحر.
“لكن هناك مشكلةٌ واحدة.”
في بحر الجنوب لمملكة الشيطان. وأثناء غياب الناس عنه تمامًا، استقر فيه ضيفٌ غير مرغوب به.
“تقول السجلات أن أفعى البحر تعيش هناك منذ مئات السنين.”
***
تحدّث التنين الذهبي، باي وهو يهبط،
“تشاد، المتأخر الدائم.”
“نعم، سيد باي!”
كان تشاد مشغولًا في التنظيف، لكنه عندما جاء باي لم يُبدِ تذمرًا، بل تلألأت عيناه فرحًا.
لكن للأسف، لم يكن هناك صُرّةٌ مربوطة حول عنق ذاك التنين الصغير.
“جئت على عجل، فلم أتمكن من المرور على المطبخ. سأجلب لكَ شيئًا في المرة القادمة!”
“جئتَ على عجل؟”
فما من عمل لذاك التنين الذهبي سوى الطيران هنا وهناك طوال اليوم وجمع ما يشبه الكنوز.
فما الأمر يا ترى؟
“تشاد، المتأخر الدائم.”
“نعم، سيد باي!”
“لقد أدركتُ أمرًا مهمًا.”
شبك باي ذراعيه القصيرتين.
وكما كان قد قلد كبير الخدم غرويب سابقًا، هذه المرة حاول تقليد عادة أرييلا. غير أن ذراعيه القصيرتين لم تسعفاه.
كان يريد أن يمسك مرفق يده اليمنى براحة يده اليسرى وهو يشير بأصابعه، لكن يده اليسرى القصيرة لم تصل، وظلت تتخبط في الهواء.
“تشاد، أنتَ شيطان، صحيح؟”
“طبعًا.”
“أنتم الشياطين أطرافكم طويلة. لا تملكون قشورًا. وبشرتكم بيضاء كذلك.”
“نـ……نعم، صحيح؟”
“أرييلا أيضًا كذلك. ذراعاها وساقاها طويلةٌ جدًا. ليس لديها قشور، وبشرتها ناعمةٌ ولامعة.”
عندها كشف باي عن مراده.
“أريد أن أتحول إلى شكلٍ يشبهكم! يجب أن تساعدني.”
فشهق تشاد مذعورًا.
“ماذا……؟ أنا؟ ……أنا؟”
“نعم، أنتَ!”
“لكن كيف لي أن أساعدكَ في ذلك؟”
“لقد أنجزت مهمتكَ السابقة ببراعة أيضًا.”
“صحيح……لكن.…”
“أنا أحب اسمي حبًا شديدًا، عظيمًا، للغاية. ومن الآن فصاعدًا يجب على الجميع أن يناديني باي.”
ورفرف بجناحيه الطويلين بخفة، وكأنه راضٍ حقًا. لكن ذراعيه القصيرتين ظلتا على حالهما.
“وبالطبع أحب جسدي كما هو، فأنا تنينٌ عظيم. أنا راضٍ عنه. راضٍ حقًا……لكن أحيانًا تكون ذراعاي قصيرتين على نحو مزعج!”
فقد خطرت ببال باي فكرةٌ ليتغلب على هذه المعضلة.
“لذا، علينا أن نجد الطريقة أولًا، وبعدها أتحول فقط حين أحتاج!”
“لكن بأي وسيلة؟”
“أنتَ من سيبحث عن الطريقة!”
عندها شعر تشاد بصداعٍ حاد يطرق رأسه.
________________________
وهو وش دراه شلون😭😭😭😭😭
المهم ذولا مصايبهم واجد مايدرون يلحقون يزينون سفينة ولا على افعى البحر ذي 😂
وباي أكبر همومه يبي يده طويلة……بس لو يتحول صدق وناسه احسن
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 87"