مرّت أيامٌ منذ أن تقرر استيراد حديد الظلام، ولم يتحقق أي تقدم يُذكر حتى الآن.
فشعرت أرييلا بضرورة تغيير مسار تفكيرها.
“أليس من المحتمل أن يكون هناك منجمٌ لحديد الظلام في إقليمنا لم يُكتشف بعد؟”
أول من قصدته كان ريتشموند.
“السحر الكاشف للمعادن ليس من تخصصي.”
هز رأسه نافياً، موضحاً أن ذلك خارج مجال اهتمامه.
“هممم، هذا عملٌ يخص الجيولوجيين على ما أظن~؟”
التفتت أرييلا الى سيسيل، لكن هي أيضاً أبدت عجزها عن ذلك.
“تخصصي صناعة الأدوات السحرية. ما إن تحضروا حديد الظلام إليّ فسأتكفل بكل شيء، لكن ما تحت الأرض فهذا خارج نطاقي…….”
حتى فيلي، المستعدة لاتباع أوامر أرييلا في كل شيء، لم تستطع أن تقدم لها جواباً مختلفاً.
“فتشتُ في المخطوطات القديمة بالمكتبة لكن لم أجد ما يصلح كدليل.”
فربّتت أرييلا على رأس الجنية ذات الوجه العابس.
“لا بأس. ليس كل شيءٍ يُحل عبر المخطوطات.”
وكان ذلك نتيجةً متوقعة.
“لو كانت هذه الأرض غنيةً بالمعادن النادرة، لما كنا نعيش بهذا الضعف والبؤس.”
ورغم أن أرضها تحظى ببركة التنين، لم يكن من الواقعي أن تتحول التربة العادية إلى حديد الظلام بمعجزة.
فلم تحتمل سيسيل أكثر،
“فلنشتره ببساطة~! لا داعي لأن نُتعل الجميع.”
كانت من النوع الذي يصدع بالحقيقة دون مجاملة لمن هم أعلى منها منزلة.
ولم يسع أرييلا إلا أن توافقها الرأي.
***
عُقد الاجتماع مرةً أخرى، وهذه المرة أيضاً حضر القزم ممثلاً عن نقابة الجنوب. وقدّم تقريراً عمّا توصّل إليه بعد محاولات الاستقصاء.
“لقد تواصلنا مع مناجم حديد الظلام التي نتعامل معها سابقاً.”
“وأخفيتم تماماً أن المشتري هو إقليم لودفيك، أليس كذلك؟”
“صحيح. لم نذكر سوى أن هناك زبوناً جديداً مهتماً بالشراء.”
بعد أن تعامل مع مركبات السلايم وأعشاب غابة الجنيات، صار هذا القزم يتحدث بلغة شديدة التهذيب.
بل كان على استعداد لتلبية معظم المطالب. فهو الآن مسحورٌ بحلاوة احتكار التجارة.
“باختصار، يمكننا الحصول على الإمدادات. لكن توقيت التسليم سيكون متأخراً جداً.”
“متأخراً؟ إلى أي حد؟”
أجاب القزم بوجه حائر.
“قال معظم أصحاب المناجم الشيء نفسه: إن الحجوزات ممتلئةٌ لعشر سنوات مقبلة.”
“عشر سنوات؟!”
شعرت أرييلا بصداع نصفي.
“إذاً الطلبات المسبقة متراكمةٌ إلى هذا الحد.”
“نعم. فمصادر إنتاج حديد الظلام محدودةٌ للغاية…….”
فبعد أن يبدأ أي إقليم شيطاني بالازدهار قليلاً، فإن أول ما يطمح إليه ملكه هو تعزيز القوة العسكرية.
وبسبب سباق التسلح حتى لا يتفوق عليهم جيرانهم من ملوك الشياطين، ظلّت صناعة التعدين مزدهرةً باستمرار.
“لا يمكننا الانتظار عشر سنوات.”
قالت أرييلا ذلك بحزم، فلم يكن ثمة ما يستدعي مزيداً من التفكير. فالآن هي فقط تكسب الوقت في مواجهة إقليم ملك الشياطين ديلّارك.
صحيحٌ أن هيلينا التي عادت إلى هناك تساعدهم بشتى الطرق، لكنها توقعت أن أقصى ما يمكن كسبه هو عامٌ واحد.
“حتى صبر ذلك المجنون لا بد أن له حدوداً.”
والسبب الذي يمكّنهم من كسب سنة واحدة إضافية هو مشروع النفق الضخم (الوهمي) الذي يُفترض أن الطرفين يستعدان له.
كلاهما واثقٌ تماماً من أن المشروع لن يكتمل، بل لن يبدأ حتى بحفر أول جرافة، ومع ذلك يواصلان بذل الجهد في التحضيرات.
ولأن نواياهما متبادلةٌ في الخداع، بدا المشهد وكأنه مشروعٌ حقيقي.
تفاوض على الشروط، تبادل وثائق، زياراتٌ ميدانية، كل ذلك في صورة لا تختلف عن مشروع قائم بالفعل.
“حتى المشاريع الواقعية تحتاج لفترة تحضير بهذا الحجم.”
لكن لو استمر التأجيل بلا نهاية، فسوف يلجأ ديلّارك في النهاية إلى حيلة مباشرة. كأن يطالب بلقاءٍ وجهاً لوجه قبل توقيع العقد.
“قبل ذلك يجب أن نكون على أهبة الاستعداد لمواجهة ديلّارك إن لزم الأمر.”
فتحدّث لودفيك الذي كان يستمع بصمت،
“الحل واضحٌ ولا يوجد غيره.”
“وما هو؟”
“أتسلل خفية إلى أرضه وأقطع رأس ديلّارك بضربةٍ واحدة. وبذلك لا داعي للحرب، أليس كذلك؟ سأقضي عليه دون أن يعلم أحد.”
“واو، يبدو أنكَ حريصٌ على أن تصبح عبداً دون أن يشعر بك أحدٌ أيضاً، أليس كذلك؟”
لم يكن ذلك الاقتراح يختلف كثيراً عمّا كان يُطرح منذ أيام فيدوِك.
“لكن هذا بالضبط ما يريده ديلّارك. أن يدخل لودفيك أرضه وحيداً بلا جنود. وإن أُلقي القبض عليك هناك؟”
“هممم.”
ساد الصمت في قاعة الاجتماع مرة أخرى. فقد شغّل الجميع عقولهم لكن لم يخرج حلٌ واضح.
لا يمكن الحصول على حديد الظلام من داخل الإقليم، ولا من خلال شركاء النقابة الجنوبية الحاليين ضمن الوقت المطلوب.
فمن أين يا ترى يمكن تأمينه؟
وحتى لو وُجد مصدر، فكيف سينقلونه عبر طرق جبلية ضيقة وشديدة الانحدار؟
حينها حدث ذلك.
تَك….تَك!
انطلق صوتٌ غريب لا يليق بقاعة الاجتماعات. فالتفت الجميع إلى مصدره.
كان أولكن قد أخرج من جيبه سكيناً صغيراً، أصغر من الخنجر وأطول قليلاً من عود الأسنان، وراح يقلم أظافره.
وكان أول من استنكر ذلك هو ريتشموند.
“أولكن! ماذا تفعل أثناء الاجتماع؟ ألم أقل لكَ من قبل؟ قصّ أظافركَ في غرفتكَ!”
كان ريتشموند رجلاً شديد الحرص على النظافة، رغم كونه ساحراً يتعامل مع الجثث المتحللة.
فأجاب أولكن بوجه بارد خالٍ من التعبير،
“لكن إن قصصتها في غرفتي قد تسقط بقاياها هنا وهناك. وأحياناً أدوس عليها فتؤلمني. أظافري صلبة تكاد تضاهي المعادن.”
“إذاً نظّف الأرضية بنفسكَ! أو اطلب من الخدم أن يقوموا بذلك!”
“أنا لا أحب أن يدخل أحدٌ غرفتي.”
“إذاً عليكَ أنتَ أن تنظفها بنفسكَ!”
“لو كنتُ متفرغاً إلى درجة تسمح لي بتنظيف غرفتي، لما بدت غرفة نومي بتلك الحالة.”
لم ترغب أرييلا حتى في تخيل شكل غرفة ذلك المستذئب من الداخل. فتدخلت لتضع حداً للجدال بينهما.
“أجلوا الأحاديث الجانبية إلى ما بعد الاجتماع. أولكن، كما تقول، أظافركَ شديدة الصلابة والحدة. ماذا لو أصيب الخدم أثناء تنظيف القاعة بها؟”
“آه؟ لم يخطر لي ذلك.”
في تلك اللحظة.
“انتظروا لحظة!”
قاطعتهم سيسيل فجأة، وكانت عيناها مسمّرتين على السكين الصغير الذي يمسكه أولكن.
“أعطني ذلك السكين!”
“هذا؟ لماذا تريدين سكيناً أستعمله لقص أظافري؟ مقرف.”
فزمجر ريتشموند.
“و تعرف أنه مقرف، ومع ذلك في العادة……!”
تجاهل أولكن كلامه وسلم السكين. فخطفته سيسيل بسرعة وشرعت تفحصه بدقة.
ولم تفهم أرييلا سبب تصرفها إلا بعد أن سمعت همهمتها.
“حديد الظلام؟ لكن الصلابة هنا غير عادية إطلاقاً.”
هاه؟ والآن بعد أن فكرت في الأمر……
الجميع هنا يعرف كم أن أظافر أولكن صلبة. بل إنها أشد متانةً من الحديد العادي، ولهذا لا يستخدم أسلحةً عادة.
وفوق ذلك فهي شديدة الحدة.
فحين اصطادوا آكل الموتى سابقاً، شقّ بطنه بخط واحد من مخالبه. ولا يزال المشهد حاضراً في الأذهان.
“ومع ذلك تمكن هذا السكين الصغير من قص تلك الأظافر الهائلة القوة؟ وبسهولة؟”
تبدل وجه أرييلا بدورها.
“دعيني أراه!”
هي الأخرى راحت تتأمل نصل السكين الأسود بعناية. ثم مدّ القزم و غيرو أيديهما بدورهما.
“أنا أيضاً أود أن أراه!”
“وأنا…..أنا كذلك.”
وهكذا شهدت قاعة الاجتماع مشهداً غريباً: قادة الصف الأول يتناوبون على تفحص مقصّ أظافر المستذئب.
و فقط لودفيك وريتشُموند رفضا لمسه، قائلين أنه يثير اشمئزازهما.
“صغير، لكنه عالي الجودة بشكل مدهش.”
“هل السبب نقاوته العالية؟”
فنفت سيسيل الأمر.
“النقاوة في عتادنا العسكري جيدةٌ أيضاً. فمحتوى المعدن يتأثر أحياناً بالخامة، لكنه يعتمد كثيراً على تقنية الصهر.”
ثم تألقت عيناها بحماسة.
“لكن في هذه الحالة يبدو أن الخامة ذاتها مختلفةٌ منذ مرحلة الخام. إنه يشبه حديد الظلام، لكنه في الوقت نفسه معدنٌ آخر قريبٌ منه.”
ثم أعادت السكين إلى يدها وأدخلت فيه قليلاً من الطاقة السحرية.
كان اختباراً بسيطاً، لكن النتيجة ظهرت فوراً.
“موصلية السحر هنا أفضل من حديد الظلام العادي!”
“حتى في أيامي حين كنت في الخدمة النشطة، لم أرَ سلعةً كهذه قط!”
قال القزم ذلك ثم وجّه سؤاله إلى أولكن،
“من أين حصلت على هذا السكين؟”
“هذا؟”
حك أولكن شعر ذقنه محاولاً استرجاع الذاكرة.
“أظن أني ربحته في مراهنة على الشراب بأحد الحانات، قبل أن آتي إلى إقليم لودفيك.”
وذكر اسم أحد أقاليم ملوك الشياطين.
لكن القزم و غيرو أكدا أنه لا توجد هناك مناجم لحديد الظلام، ولا حتى بالقرب منها خامٌ بهذه الجودة.
“إذاً ماذا عن مالكه الأصلي؟ لأي قوم ينتمي؟”
“ذلك الذي خسر أمامي؟ كان من المازوك. وكان شرابه قوياً بحق. لقد شرب كل واحد منا عربتي خمر عنب.”
لكن ذلك لم يكن دليلاً كافياً. فكل المازوك الذين صادفتهم أرييلا في عالم الشياطين كانوا ذوي قدرة هائلة على شرب الخمر.
فالخمر لا يُذهب عقولهم بسهولة، وكثيراً ما اشتكوا من أنهم يمتلئون شبعاً قبل أن يثملوا.
صحيحٌ أن شرب عربتين كاملتين أمرٌ ملفت، لكن لا يكفي لمعرفة أصله.
“ألم يكن له سمةٌ أخرى؟ مثلاً ثلاثة قرون، أو أنفه متدلٍ حتى تحت ذقنه.”
“سمةٌ أخرى، هم.”
وبعد أن غاص في ذاكرته طويلاً تحدث أولكن،
“آه! تذكرت!”
“ما هي؟”
“كان له لكنةً غريبة.”
“لكنة؟”
“نعم. كان يتحدث بلغة الشياطين المشتركة فعلاً، لكن نطقه كان متصلباً على نحو غريب. وكان يقصّر الكلمات بطريقة غير مألوفة.”
وحاكى أولكن أسلوب حديثه كما سمعه في ذلك الحين.
وفجأة.
“هاه؟ انتظر لحظة.”
“ذلك…..الأسلوب!”
تبادل القزم و غيرو النظرات.
ثم أومآ برأسيهما، و تحدّث القزم أولاً،
“أعتقد أننا عرفنا من أين جاء.”
__________________________
وش المازوك؟ دورت عنه لين دخت ولا دريت وشو حتى الغباء الاصطناعي قالي هو المازوخي😭
هو واضح مخلوق خرافي لدرجة مدري من وين جا
لودفيك وريتشموند صاروا هم العاقلين اليوم الباقين انجنوا😂
عنوان الفصل: رحلتنا من قص الاظافر الى قوة عسكرية
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 85"