فُتِح باب غرفة الاجتماعات. و في الداخل، كان لودفيك وثلاثةٌ من أتباعه جالسين حول طاولة مستديرة كبيرة.
“أوه، أنتِ هنا.”
لوّح ملك الشياطين بيده بوجه خالٍ من التعبير.
وعلى الفور، انصبت ثلاث نظراتٍ نحو أرييلا.
انحنى غرويب بيد واحدة على صدره محييًا باحترام، ثم تراجع إلى الخلف.
“هذه أرييلا، كما قلت سابقًا، إنها المتعاقدة معي. أما الجالسون هنا فهم..…”
بدأ لودفيك بتقديم أتباعه واحدًا تلو الآخر. بأسماءٍ مألوفة سبق أن سمعتها من غرويب.
‘إذاً هؤلاء الثلاثة هم النواة الأساسية في قلعة ملك الشياطين، أليس كذلك؟’
يبدو أنهم عاشوا في هذا الإقليم منذ عهد ملك الشياطين السابق.
أما لودفيك، فلم يمضِ على توليه العرش سوى عام واحد تقريبًا. ويقال أن الأتباع يعرفون شؤون الإقليم أكثر منه.
‘هل تم خداعي؟ قال أنه ملك الشياطين، لكنه لا يعرف شيئًا ولا يملك شيئًا!’
هل يمكن أن تكون القشة التي تمسكت بها مجرد حبل مهترئ؟
شعور بالغضب اجتاحها مجددًا من الداخل. لكن ذلك لم يدم طويلًا، إذ أخذت أرييلا نفسًا عميقًا بهدوء.
‘لا، لا جدوى من الندم. يجب أن أستفيد من الأوراق التي أملكها!’
تحدث مستئذب.
“همم! كنت أشم رائحة إنسان طازجة منذ قليل. إذاً فعلاً عقدت اتفاقًا مع إنسان؟ هاها! ظننت أنها كذبة!”
اسمه أولكن، وهو المسؤول عن الأمن والدفاع في الإقليم. و بالطبع، كانت المعلومات عنه مدونة في الدفتر.
يبدو أنه بسيطٌ وغبي قليلًا؟ رغم أن هذا مجرد تقييم شخصي من غرويب.
ضحك أولكن بصوت عالٍ، فغضب الشخص الجالس بجانبه. وجهه كان شاحباً وأنيابه بارزة بوضوح، مما يدل على أنه مصاص دماء.
“هه! كيف يمكن لبشرية تافهةٍ أن تحضر مجلسًا يترأسه ملك الشياطين؟!”
بحسب ما ورد في الملاحظات، فلا بد أن اسمه هو بيفار. هو من يتولى الشؤون المالية، وقد خدم القلعة جيلاً بعد جيل.
بيفار بدا منزعجًا لمجرد أن أرييلا دخلت إلى هذا المكان.
“أما زلتَ تجهل قوانين قلعة ملك الشياطين؟ هذا مكانٌ سري لا يُسمح حتى لأبناء عشائر الشياطين الغرباء بدخوله، فكيف ببشرية؟ لو كان الملك السابق ما زال حيًّا، لكان قد مزّق تلك المرأة إربًا!”
حك أولكن ذقنه المغطا بالفرو.
“هاه؟ لكنها متعاقدةٌ معه، أليس هذا استثناءً؟”
“لا وجود لأي استثناء! هذا قانونٌ غير مكتوبٍ متوارثٌ منذ القدم! ناهيك أن هذا الاجتماع مهم…”
بدأ بيفار يستشهد بتاريخ عالم الشياطين وعاداته مبررًا ضرورة طرد أرييلا من قاعة الاجتماعات. لكن أسلوبه مستفز.
يبدو أن كراهيته لأرييلا تفوق حرصه على القوانين.
‘ما به هذا؟ يغضب لوحده وكأنه فقد صوابه.’
وبينما كانت تستمع إلى أسبابه المطولة، تخيلت أرييلا نفسها وهي تخيط ذلك الفم الشاحب بخيطٍ فضي.
“…وبالتالي، ما يحدث الآن بلا سابقة ولا منطق! ما رأيك أنتَ، ريتشموند؟”
قال بيفار ذلك وهو يذكر السبب الثامن، ثم التفت إلى الطرف الآخر.
كان يخاطب هيكلًا عظميًّا يرتدي رداءً أسود، تتمايل أنواره داخل تجاويف جمجمته الخاوية.
‘ذلك الهيكل هو ريتشموند، أليس كذلك؟ قيل أنه مسؤول عن الشؤون الإدارية المتفرقة ما عدا الدفاع والمالية.’
أجاب ريتشموند.
“حسنًا، إنها أول متعاقدةٍ مع ملك الشياطين…..وعلى أي حال، لقد دُعيت إلى هذا المكان فقط من أجل التعارف، أليس كذلك؟ من الجيد على الأقل أن نتعرف على وجهها.”
ثم نظر إلى لودفيك وكأنه يسأله عن رأيه.
لكن توقعات ريتشموند لم تكن في محلها. فلم يكن الأمر مجرد لقاء تعارف. بل على العكس، ذهب لودفيك خطوةً أبعد.
“سنبدأ الآن اجتماع إدارة الإقليم. اجلسي أنتِ أيضًا.”
لم يكن مجرد تعريف بها، بل كان إعلانًا صريحًا بمشاركتها في الاجتماع. عندها، رد بيفار بدهشة ممزوجة بالاستياء،
“اجتماع؟ وتشارك فيه هذه البشرية؟!”
كانت أرييلا لا تزال ترتدي فستانها اللؤلؤي الذي ارتدته أثناء الطقوس، إذ لم يُمنح لها أي ملابس مناسبة للتبديل. فاستغل بيفار ذلك للسخرية منها.
“من شكلها، تبدو مجرد فتاةٍ بملابس فاخرة وعقل فارغ. وحتى لو استمعت للاجتماع، فلن تفهم شيئًا على الإطلا-”
“نعم! سأشارك في الاجتماع.”
قاطعت أرييلا حديثه بحدّة، ثم جلست بسرعةٍ في أقرب مقعد شاغر.
فانعوج وجه بيفار بغضب. أما أرييلا، فكظمت رغبتها في غرس وتد حديدي في قلب ذلك الشاحب المتغطرس، و تحدثت بثقة وجرأة.
“منذ لحظة إبرام العقد، أصبحت أنا و لودفيك كيانًا مشترك المصير. إن لم تُدار هذه الأرض جيدًا، فستتأثر الشمس، وإذا تأثرت الشمس، فحياتي ستكون في خطر، أليس كذلك؟”
“لكن، مع ذلك-!”
قاطعت أرييلا كلام بيفار مرة أخرى، ثم حدّقت في الأتباع وبدأت ترد عليهم نقطةً بنقطة.
“هل بينكم من هو أكثر استماتةً مني؟ لنفترض أن هذه الأرض دُمِّرت. على الأقل، أنتم لن تموتوا. أما أنا، فسوف أموت! أليس هذا كافيًا لأُمنح الأهلية؟”
رفع ريتشموند يديه ووضعهما على الطاولة، ثم شبك أصابعه. فصدر صوت طقطقة من مفاصل عظامه.
“حسنًا، لنقل أن لكِ حقٌ الحضور. لكن الاستحقاق شيء، والكفاءة شيء آخر، أليس كذلك؟”
فهمت أرييلا المعنى الكامن في كلماته.
هل يمكنها أن تلعب دورًا ذا قيمةً في اجتماع يحدد مصير أرض بأكملها؟ هل تملك من المعرفة والمهارة ما يؤهلها لذلك؟
تدخل لودفيك مؤيدًا،
“أرييلا كانت أميرةً في عالم البشر. لديها خبرةٌ في إدارة دولة.”
أبدى أولكن إعجابه، وأصدر ريتشموند صوتًا ينم عن اهتمامه. أما بيفار، فسخر منها بازدراء.
“أميرة؟ مضحكٌ فعلاً.”
نظراته نحو أرييلا كانت مملوءةً بالعداء. وواصل كلامه الحاد.
“لو كانت من سلالة ملكية حقيقية، لما انتهى بها المطاف في عالم الشياطين. لا بد أنها من دولة لا تستحق أن تُسمى دولة، بلا أصل ولا مقام.”
ثم عقد ذراعيه وسخر بتهكم،
“أو لعلها كانت في ذيل قائمة ورثة العرش؟ أميرةٌ بالاسم فقط، امرأةٌ عديمة الكفاءة لا تقدر على فعل شيء بمفردها، فلجأت إلى إغواء ملك الشياطين وعقدت معه الاتفاق!”
تغيرت ملامح أرييلا إلى البرود الشديد. فلم يكن هناك سبب يدعوها لتحمّل هذا الكم من الإهانات.
سألت بنبرةٍ تتأكد فيها مما سمعت،
“أغويته؟ أنا، أغويت ملك الشياطين؟”
“بالضبط!”
“هذا الكلام مهينٌ جدًا، ليس لي فقط، بل لملك الشياطين أيضًا.”
“ما هذا الهراء؟!”
صرخ بيفار بدهشة وإنكار.
“أنا أُهين ملك الشياطين؟ لا تقلقي، فهذا مستحيل!”
“بل هو كذلك. بحسب كلامكَ، فإن حاكمك تنقصه البصيرة لدرجة أنه وقع في شرك بشرية تافهة.”
ثم التفتت إلى لودفيك وسألَته،
“هل يا ترى، وأنت ملك الشياطين الحاضر بيننا، تفتقر إلى الحكمة لتبرم عقدًا بهذه الأهمية دون تفكير أو تدقيق؟”
هل فهمت الآن، أيها الأحمق؟ لم تكن تهاجمني، بل كنت تهين قائِدكَ نفسه.
“ماذا؟!”
فهم بيفار قصد أرييلا، فازداد ارتباكه. وتغيرت ملامح لودفيك، الذي تلقى السهم في صمت، رغم أنه لم يكن طرفًا في الجدال.
فسارع بيفار لتقديم تبريره إلى لودفيك.
“مولاي ملك الشياطين، لا يمكن أن يكون لي نيةٌ كهذه! تلك الماكرة تحاول بخبث لسانها-”
“لم أنتهِ من كلامي بعد.”
“……!”
“صحيح، أنا من استدعيت ملك الشياطين لأنني كنت بحاجة إليه. لكن ملك الشياطين أيضًا اختارني بعد أن رأى قدراتي. أتقول إنني أغويته؟ ذلك يُقال فقط عندما يستفيد طرفٌ واحد من الآخر. أما نحن، فعقدنا اتفاقًا بدافع الحاجة المتبادلة.”
ثم سألت لتؤكد وجهة نظرها،
“لودفيك، أو بالأحرى، سيدي ملك الشياطين! هل هناك خطأ فيما قلته حتى الآن؟”
“لا…..لا أظن..…”
هز لودفيك رأسه بلا وعي. فالجميع كانوا واقعين تحت سحر براعة أرييلا الكلامية.
“ربما من الصعب على السيد بيفار أن يفهم علاقةً من هذا النوع.”
وقد حان الوقت لتضرب نقطةً ضعفه.
تحدثت أرييلا بنبرة مبالغ فيها، وكأنها تشفق عليه،
“حسنًا، لو أنك جربت يومًا أن يتم الاعتراف بقدراتك، لربما فهمت. لكن كما سمعت، منصبك لم تنله بفضل مهاراتك، بل ورثته ببساطة عن عائلتكَ، أليس كذلك؟”
“أيتها الوقحة!”
امتلأ بيفار بالعار والغضب. و وجهه الشاحب أصلاً ازداد بياضًا من الذهول.
عندها ردّ لودفيك،
“أظن أن الحديث كافٍ حتى هنا. إذًا، من اليوم فصاعدًا، ستشارك متعاقدتي، أرييلا، في الاجتماعات الدورية معنا-”
ثم صرخ بيفار بصوت حاد و قاطعه غاضباً،
“مولاي ملك الشياطين! لا يمكن هذا! أطردها حالًا!”
كان قد تلقّى الصفعة حين ردّت أرييلا عليه بالكلمات، ففقد أعصابه بالكامل.
وعلى الرغم من أن الملك قد أصدر قراره بالفعل، إلا أن بيفار تمادى في العصيان، وكأنه يأمر سيده بدلًا من أن يطيعه.
لكن لودفيك لم ينبس ببنت شفة تجاه هذا التابع المتغطرس. ولم يكن مضطرًا لذلك. فقد سبقه شخصٌ آخر وانتزع الكلمة أولًا.
“أنت هناك، من تظن نفسكَ؟”
فساد الصمت القاعة.
____________________
شخصية ارييلا مره قويه ابوها خسر واجد عسا فيه 😘
غرويب يضحك كل عفش الاتباع عندها هذا وهو اول يوم لها😭
Dana
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 8"