ثلاث ساعات. مهلة زمنية ضيقة لإنقاذ غيرو.
كان لا بد من التحرك فورًا، لكن العقبة كانت في الطريق. فكيف يمكن العثور على الوحش الذي يتحرك في أعماق الأرض؟
“سأطلق الجنود في الإقليم. فلنبدأ بالبحث من المواقع التي وقعت فيها الزلازل مؤخرًا!”
بهزّ ريتشموند رأسه نافيًا.
“سيستغرق ذلك وقتًا طويلًا. ثم لا ضمان أن يبقى الوحش في نفس المكان لمجرد أن الزلزال وقع هناك.”
ذلك الشيء يتحرك كما يشاء، كخطوط مرسومة عشوائيًا على الخريطة.
“إذاً، ما الحل؟”
ثم خطرت فكرةٌ ما على بال أرييلا.
‘…..ربما ينجح هذا؟’
و صرخت بصوت حاد.
“ريتشموند!”
فالتفت الجميع نحوها.
“حين عدّلت جسد غيرو، وضعتَ في داخله حجر مانا، أليس كذلك؟”
ذلك الحجر الضخم الذي كان ريتشموند يحتفظ به لنفسه قبل أن يقدمه عن طيب خاطر من أجل الإقليم.
“صحيح. بفضله تضاعف زمن الاستدعاء بشكل هائل، وقوة جسده ازدادت أيضًا.”
أرييلا كانت تعرف تمامًا دور حجر المانا. فكلما التقت بغيرو، كانت تشعر بطاقة مانا نشطة تصدر من جسده.
“إذا كان جسده لم ينهار بعد، فالحجر ما زال يعمل داخله، أليس كذلك؟”
“ضمن الثلاث ساعات التي ذكرتها سيظل يعمل بشكل طبيعي. آه، هل تقصدين.…؟”
“نعم.”
تحدّثت أرييلا بعزم يكسو ملامحها.
“سأعثر أنا على (آكل الموتى).”
***
بعد وضع الخطة، تحركوا على عجل. وبعد وقت قصير، وصل المجتمعون في قاعة الاجتماع إلى معمل سيسيل.
كان الفناء الأمامي ما يزال يحمل أثر الحفرة العملاقة التي ظهر منها (آكل الموتى) ثم اختفى ثانية.
و أمام تلك الحفرة التي ابتلعت والدها، وقفت سيسيل مذهولةً عاجزة.
‘ماذا لو كانت تلك بالفعل آخر لحظة؟’
لم يبقَ أثر لذلك الوجه البارد الذي كانت ترمق به والدها قُبيل لحظات.
وبدأت الأفكار تجتاح رأسها كأمواج عاتية.
كانوا يقولون: إذا مات الزومبي بعد أن أُعيد من جديد، فلن توجد وسيلةٌ بعدها لإعادته.
فما بالك إن ذاب جسده بالكامل وتلاشى؟
‘كنت أظن أنني لم أعد أبالي بما قد يحدث بعد الآن.’
كانت قد قررت أن تعيش متجاهلةً كل شيء.
ورغم ذلك…..
‘أن يرحل هكذا، بهذه البساطة والفراغ….حتى في اللحظة الأخيرة لم أفعل سوى أن ألومه وأحاول طرده بعيدًا.’
قست عليه كثيرًا، لكن ما إن واجهت موت أبيها للمرة الثانية حتى اجتاحتها عاطفتها بلا ضابط.
‘ليتني استمعت له ولو على سبيل التجربة…..ماذا كان يريد أن يقول لي في تلك اللحظة، قبل أن يُبتلع؟’
***
وفي تلك الأثناء، كانت أرييلا تقف بجوار سيسيل، ترمق الحفرة بعينيها.
“…….”
وقد امتلأت عينها ببريقٍ غريب.
في عالم الشياطين، كانت أرييلا قد درّبت قدراتها في شتى المجالات. و بفضل أثر العقد الذي ربطها بملك الشياطين، كان تطورها سريعًا للغاية.
وفي الآونة الأخيرة بدأت تظهر تغييرات لم تكن من قبل كلما استخدمت قوتها.
والبريق الذهبي الذي توهج الآن في عينيها، كان أحد تلك التغيرات.
‘حسنًا، اهدئي…..يمكنكِ فعلها.’
في عينيها السوداوين أصطبغ لونٌ غريب متداخل.
‘لا يجب أن أحاول التقاط كل شيء بعشوائية. ففي أعماق الأرض الآن تتدفق فروعٌ عديدة من طاقة المانا.’
وكان ذلك نتيجة التنين الذهبي الذي غيّر التربة.
وسط تلك القوى التي أغنت الإقليم، حاولت أرييلا أن تلتقط ما يبعث على النفور.
شيءٌ لم يكن في هذه الأرض من قبل. لا أن تنجرف مع الموج وتستسلم لكل ما يتدفق، بل أن تقتنص خيطًا فريدًا.
وووووونغ!
لم يهب نسيم واحد، لكن شعرها أخذ يتمايل قليلًا.
حينها، سألت سيسيل رفاقها بحذر.
“ما الذي تفعله السيدة أرييلا الآن؟”
“انتظري فقط. سترين مشهدًا مدهشًا.”
ثم وسّعت أرييلا حواسها أكثر.
‘هذه أول مرة أحاول فيها استشعار ما تحت الأرض.’
كان الأمر مختلفًا عن التتبع على سطح الأرض. فهناك في الأسفل، عليها أن تخترق التربة والصخور بحواسها كي تدفعها للأمام.
وغالبًا ما كانت الأنفاق التي يحفرها آكل الموتى تنهار بعد أن يعبرها.
‘قليلًا بعد..…!’
وصلت حواسها الآن لمسافة أبعد مما بلغت حين كانت تتبع بيفار قبل أشهر. لكن سرعة التمدد أخذت تتباطأ. فقد وصلت إلى الحد الأقصى.
‘لا، أستطيع فعلها.’
فكسرت قيود ذلك الصوت في داخلها الذي يرسم حدودًا لنفسه.
‘لن أبعثرها على نطاق واسع…..بل أركزها في نقطة واحدة.’
حواسها التي كانت تنتشر بشكل دائري تحولت إلى خط مستقيم مركز. وعلى طول المسار الذي تحرك فيه غيرو، ترددت موجات حجر المانا.
و واصلت تتبعه للأمام…..إلى أن…..
“……هاااه!”
أطلقت أرييلا نفسًا مضطربًا. فالحواس التي مدت نفسها بعيدًا عادت فجأة إلى جسدها، والبريق الذهبي الذي كان في عينيها اختفى.
و شعرت لأول مرة بقلبها ينبض بعنف. كأن روحها التي امتدت خارج جسدها قد عادت إلى وعائها الأصلي.
“أرييلا؟”
و أدرك لودفيك على الفور أن الأمر قد انتهى فسألها.
ثم رفعت أرييلا ذراعها بقوة وأشارت إلى اتجاه محدد.
“هناك، حالًا!”
***
تحركوا من جديد. و المكان الذي قادتهم إليه أرييلا كان أرضًا زراعية تبعد عدة كيلومترات عن المعمل.
وعندما سألوا، قيل لهم أن زلزالًا قد مر فعلًا من هناك.
فقام لودفيك بإجلاء الفلاحين.
“أيها الجنود، طوّقوا المكان مع الحفاظ على مسافة.”
أبعد أولكن الجنود عن ساحة المعركة. لأن ريتشموند كان قد نصحه بأن وجودهم لن يساعد كثيرًا على أي حال.
“لقد جئنا إلى المكان الصحيح. غيرو تحت أقدامنا.”
أكدت أرييلا ذلك. فالموجات المتدفقة من حجر المانا ما زالت تدور بقوة في جسده.
وبجمع ذلك التدفق تكوّنت صورةٌ في مخيلتها. هيئة شيطاني مكتمل الرأس والأطراف.
وعندما شرحت ذلك تحدّث ريتشموند،
“إذاً لم يذُب سوى جلده قليلًا بفعل العصارة الهاضمة، أما الداخل فما زال سليمًا. حتى الآن.”
ثم ردد ريتشموند تعويذة الرسالة. سحرٌ يوصل الإرادة لمسافات بعيدة.
“غيرو! جئنا لإنقاذكَ! إن كنت تسمعني فحرّك جسدكَ ولو قليلًا!”
عندها شعرت أرييلا بحركة ظِلّ غيرو في أعماق الأرض.
“لقد حرّك ذراعه اليمنى الآن!”
قتنفّس الجميع الصعداء.
“ما زال محتفظًا بوعيه أيضًا.”
“علينا…..علينا إنقاذه بسرعة!”
قالت سيسيل ذلك بنبرة ملؤها التضرع.
“لكن كيف ننتشله؟”
فعاد الجميع ينظرون إلى ريتشموند.
“لاستدعاء آكل الموتى إلى سطح الأرض، لا بد من إلحاق ألم شديد به.”
“حقًا؟ ألن يهرب عندها أعمق في الأرض بدلًا من الصعود؟”
“ذلك الوحش ضخم الجثة لكنه ضئيل الذكاء. فإذا تألم بلا سبب اعتقد أن ما يسحقه هو ثِقَل التراب والصخور فوقه. لذا يسعى للخروج إلى الفراغ الخالي من الضغط.”
ثم تابع ريتشموند شارحًا طريقةً لإيلامه.
“عادةً ما نصطاد آكل الموتى بدفن جرار سُموم عميقًا في الأرض ثم نفجرها.”
وأضاف أن الجرار جاهزةٌ بالفعل.
لكن الجميع اعترضوا.
“لا وقت لدينا الآن لنحفر الأرض.”
“وفوق ذلك، هذه أرضٌ زراعية! لا نضمن أن بركة التنين ستقاوم السم.”
لو انفجر أو انهار جزء من الأرض فيمكن إعادة ملئه بالتراب وإن تأخر الأمر. أما إن تسرّب السم إلى الأعماق فقد تتحول الأرض إلى خراب لا يصلح أبدًا.
فأخذ الجميع يحكّون رؤوسهم قلقًا.
كيف يمكن إيلام ذلك الوحش الضخم القابع في الأسفل؟
‘انتظروا لحظة.’
و مرة أخرى، من جاءته الفكرة كانت أرييلا.
“سيسيل.”
“نعم؟”
سألتها بجدية.
“تعويذات التعميد، لا يمكن إلقاؤها على الكائنات الحية، صحيح؟”
‘لماذا تسأل عن هذا فجأة؟’
“مستحيل. فالتعاويذ التي تمنح قدراتٍ للكائنات تُصنَّف ضمن البركات أو اللعنات. أما سحر التعميد فلا يُستخدم إلا على الأشياء الجامدة.”
“ريتشموند.”
“همم؟”
“الزومبي لا يملكون حياة، صحيح؟ إذاً أجسادهم مجرد أشياء، أليس كذلك؟”
“الزومبي جثثٌ تتحرك بإرادة. ليس فيها حياة. وبحسب تصنيف الواقع فهي بالفعل أشياء.”
قتوقف وهو يشرح، متردّدًا.
“ولكن…أيمكن أنكِ تقصدين..…؟”
نعم، جسد الزومبي مجرد شيء. وقد تألّقت عينا أرييلا بعدما تأكدت من تلك الحقيقة.
“إذاً يمكننا إلقاء التعميد حتى على الزومبي؟”
________________________
مدري شذا التعميد بس هو السحر الي حطته سيسيل وارييلا على السيف ذاك
المهم واو ابي رسمة لأرييلا وعيونها ذهبية غش ياخي
طلبات الرسم: لودفيك من قريب نشوفه ونتأمله + ريتشموند قبل وبعد + غرويب + ارييلا بعيونها الذهبية
طبعاً ذي طلبات لاحياة لمن ينادي ✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 79"