لم يكن يتنقل هكذا في العادة، لكنه فعل ذلك اليوم إكرامًا لابنته.
ومن خلال العينين الظاهرتين بين الضمادات، قرأت سيسيل تعابيره بوضوح. و هذه النظرة تعني: “لا أفهم ما تقولين.”
وهذا ما أشعل غضبها أكثر.
كيف لا يعرف؟ كيف ينسى؟
“هل ظننتَ أنكَ ستُخفي الأمر عني؟ وأنه بعد موتكَ لن يُكشف سركَ؟!”
فخرج صوت غيرو متيبسًا متقطعًا،
“لا….أفهم….فسّري….أوضح!”
“لقد عثرتُ على الرسائل. في متعلقاتكَ، بين تَرِكتك!”
“رسـ….رسائل؟”
“الرسائل التي أرسلتها أمي إليكَ قبل وفاتها!”
“..…!”
اتسعت عينا غيرو، واتسعت بؤرتاهما الغائمة تحت الغشاء الأبيض.
و بدا وكأنه أخيرًا فهم ما تشير إليه ابنته.
“تلك…..الرسائل!”
“الآن تدرك لماذا أتصرف هكذا؟”
قضمت سيسيل أسنانها بقوة.
لقد عاشا طويلًا وحدهما، هي وأبوها فقط. فأمها رحلت باكرًا وهي لا تزال صغيرة.
آنذاك، لم تكن تملك من الإدراك ما يكفي لفهم ما كان يدور حولها. لذلك لم يبقَ في ذهنها سوى شذرات من ذكريات مبعثرة.
“أمي، حتى أنفاسها الأخيرة، كانت تتلهف لرؤيتكَ. ومع ذلك كانت أكثر ما تخشاه هو أن أُترك وحيدة.”
ارتجف صوتها وامتلأ حزنًا.
“لكن أين كنتَ أنت؟ كنت خارج البيت، في رحلة عمل! كل ذلك فقط لأجل بعض المال الحقير!”
كان ذلك قبل أن يلتحق غيرو بنقابة فيدوِك. في تلك الأيام كان منشغلًا بالتجارة، متنقلًا هنا وهناك لبيع وشراء البضائع.
“ومع ذلك لم أكن ألومكَ…..ليس حينها.”
لم يعد فيرو إلا بعد أن أُقيمت الجنازة بمعونة الجيران.
لقد عاد متأخرًا…..متأخرًا جدًا.
وحينها ارتمت سيسيل في حضنه وبكت بكاءً مريرًا.
لفترة قصيرة، لم يكونا سوى عائلة صغيرة تتقاسم الحزن نفسه. لكن بعد وفاة غيرو، اكتشفت سيسيل الحقيقة المخبأة.
“أمي لم تسقط فجأة.”
“……!”
“مرضها كان يتفاقم منذ أشهر. لكنها أخفته. وأنت عرفتَ ذلك، ومع هذا تركتَ البيت! حتى بعدما توسّلت إليكَ ألا تذهب!”
أشارت إليه بإصبعها المرتجف.
“لقد واصلت إرسال الرسائل. تخبركَ بأن حالتها تسوء يومًا بعد يوم. تبتهل إليك أن تعود. و هل تعرف ما الذي شعرتُ به وأنا أقرأ تلك الرسائل؟”
“…..!”
“لقد توسلت بهذا القدر…..ومع ذلك لم تُرسل حتى ردًا واحدًا!”
عندها عادت صورةٌ من ذاكرتها، أمها، كل صباح، تقف أمام صندوق البريد تنتظر.
“تخيّل كم مرة رأت الصندوق فارغًا…..وكم مرة تحطم قلبها في صمت. لقد انكسرت روحي حين أدركت ذلك.”
“سيـ….سيل!”
حاول غيرو أن يقول شيئًا. لكنها قاطعته ببرود،
“السبب؟ واضح. منذ البداية كنتَ مهووسًا بعملكَ. لم تهتم بأسرتك يومًا، كنتَ دائمًا تقدّم النقابة على عائلتكَ.”
وجاء صوت سيسيل قاطعًا، كالسيف.
“وماذا بعد؟! أرى أنكَ عدت كزومبي فقط من أجل العمل مرة أخرى؟!”
لم تكن سيسيل تحمل ضغينةً تجاه أرييلا التي أعادته للحياة.
لكن فكرة أن الرجل الذي أهمل أسرته وترك أمها تموت بسبب انشغاله بالعمل، يعود من الموت أيضًا ليواصل العمل…..جعلت القشعريرة تسري في جسدها.
“سـ…..سيسيل! اسمعيني!”
“لا أريد سماع شيء! كان يمكنكَ على الأقل أن تكتب ردًا واحدًا فقط!”
“الأمر…..ليس كذلك!”
كان قلب سيسيل كان قد انغلق تمامًا. ومع ذلك حاول غيرو بكل يأس أن يشرح شيئًا، أن يبرر لنفسه أمامها.
عندها وقع الأمر.
غغغغغغغغغغغغغغغغغغغغغغغ!
ارتجّت الأرض تحت أقدامهما.
“مرة أخرى؟”
اعتادت سيسيل على تلك الاهتزازات فلم تضطرب.
وقد غمرها الغضب حتى النخاع، ولم تفكر إلا في الدخول مجددًا إلى المعمل.
فمدّت يدها نحو مقبض الباب. لكن أصابعها لم تلمس شيئًا سوى الفراغ.
غغغغغغغغغ!
“هاه؟”
“سيسيل!”
لكن اهتزاز هذه المرة لم يكن شبيهًا بما سبق. كان أقوى بكثير.
شقااااق!
“الأرض!؟”
ساحة المعمل الأمامية انشقت طولًا. و اهتزاز الأرض اشتد لدرجة أنهما لم يعودا قادرين على الوقوف.
هوَت سيسيل أولًا على ركبتيها. أما غيرو فمد يده محاولًا الوصول إليها بجهد يائس.
لكنه فقد توازنه بدوره وارتطم أرضًا، يتدحرج بعيدًا عن المعمل.
لقد كان زلزالًا مدمّرًا بكل معنى الكلمة.
“كيااااااااااا!”
عندها شقّ الفضاء صراخٌ يصم الآذان.
كووووورررررررر!
ومن الشق الممزق في الأرض انبثق وحش هائل.
للوهلة الأولى بدا كأن عمودًا أحمر عظيمًا استُدعي من أعماق الأرض. وقد كان أشبه بدودة أرضية ضخمة، لكن مضاعفةً آلاف المرات.
ومن الفجوة التي تركها جسمه الهائل، تناثرت التربة والصخور في كل اتجاه كقذائف.
سيسيل، المذعورة، رفعت ذقنها تنظر إليه. و حتى في ذهولها، حاولت أن تفكر.
“دودة أرضية..…؟”
كان ذلك أول ما خطر لها.
“كياااااا!”
“لا….هذا ليس..…”
لقد كان مختلفًا تمامًا عن أي دودة أرضية عادية. فرأسه بالذات كان شنيعًا. كأن جمجمة ضخمة انشقّت إلى خمس قطع.
ومن كل شقٍّ امتدّ مجسّ ضخم يتلوى من طرف جسده.
شششششخخخ!
كانت تلك الزوائد اللحمية الطويلة تمثل فم الوحش وشفتاه، و أسنانه ولسانه، و أصابعه ويديه في آن واحد.
وحين فتح مجساته الخمسة كزهرة دوّار الشمس، انكشف في المركز فُوّهة سوداء مظلمة.
وكانت تتجه مباشرة إلى…..
“لا!”
فصرخت سيسيل بغريزتها.
“أبي!”
ظل غيرو الزومبي يتدحرج فوق الأرض التي ما زالت تهتز كالمدّ. بينما اقترب الوحش من جسده برأسه الضخم.
فانتفضت سيسيل واقفة، تحاول جاهدةً أن تحافظ على توازنها رغم أن الأرض تحت قدميها كانت تهتز كالماء. لكن قبل أن تتمكن من بلوغه، كان الوحش أسرع، وانقض عليه.
فصرخت سيسيل من أعماقها,
“أبييييييي!”
في اللحظة نفسها، رفع غيرو رأسه متأخرًا. و رأى الوحش ينقض نحوه، ورأى ابنته تصرخ هناك أمامه.
فمدّ ذراعه الملفوفة بالضماد نحوها.
“سيـ…..سيل!”
لكن صرخته تلاشت في الهواء.
كوااااااا!
فقد ابتلع الوحش غيرو مع الأرض من حوله، ثم اختفى عائدًا إلى جوف التراب قبل أن تتمكن سيسيل من فعل أي شيء.
***
“إنه آكل الأموات.”
قال ريتشموند ذلك بحسم.
“آكل الأموات؟”
كان ذلك في الاجتماع الطارئ داخل قلعة الملك الشيطان.
الاسم بدا غريبًا على مسامع معظم الحاضرين. فسأل ريتشموند،
“أشبه بدودةٍ عملاقة، لكن برأس تخرج منه خمسة مجسات، صحيح؟”
أومأت سيسيل، وعيناها متورمتان من البكاء. فقد هرعت إلى القلعة مباشرة بعد الحادثة.
“نعم، صحيح!”
“إذاً لا شك. أنه وحش يلتهم الأموات حرفيًا. نادرًا ما يظهر على سطح الأرض.”
“وماذا يعني ذلك؟”
“يتجول في أعماق التربة، يبتلع الجثث مع التراب المحيط بها دفعة واحدة.”
يأكل الجثث……
كان تعبيراً مقززاً ومرعباً في آن.
“بما أن بيئته مختلفة، ولأنه لا يأكل الأحياء، لم يتعرض قومنا لخطره عادة..…”
ثم أضاف بحدة،
“لكن لسوء الحظ، كان في هذه الأرض جثةٌ تسير فوق السطح.”
لم يكن هيكلاً عظمياً مجردًا، بل زومبي كامل بجسده ولحمه وأحشائه.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 78"