“بين نقطة الحراسة التابعة لإقليم ملك الشياطين والأراضي الزراعية، أي في الأطراف الملتبسة تحديدًا، تكرر الزلازل بشكل متتالٍ. بالاهتزازات طفيفة، لا أكثر.”
آه، صحيح.
واستحضرت أرييلا ذكرى من صباح ذلك اليوم.
“حين كنتُ في معمل سيسيل قبل قليل، شعرتُ باثنين منها في فترة وجيزة.”
أومأ أولكن برأسه.
“تقصدين المبنى الجديد، أليس كذلك؟ موقعه ينطبق تمامًا على ما ذكرتُه الآن.”
“صحيح، فهو ليس داخل منطقة السكن، لكنه يقع أقرب من خط الحماية الذي يحرسه الإنت.”
أما سيسيل، التي تكاد تلتصق بالمكان ليل نهار كروح عالقة، فقد قالت أن هذه الظاهرة باتت تحدث مرارًا في الآونة الأخيرة.
و لم يسع أرييلا إلا أن تتعجب. فهي لم تشعر بشيء مماثل قط حتى الآن.
“الأمر غريبٌ فعلًا. هذه المقاطعة اشتهرت منذ القدم بخرابها، لكن على الأقل الزلازل لم تكن من بين مشاكلها.”
ثم أخرج أولكن خريطةً وبسطها أمامهم.
“إذا وضعنا علامات على الأماكن التي اهتزت فيها الأرض بالتسلسل، فإن النتيجة تكون هكذا.”
النقاط رسمت خطًا مستطيلًا متعرجًا. و دققت أرييلا النظر في الترتيب.
“كأن شيئًا…..يتحرك هناك.”
لو كان زلزالًا طبيعيًّا لما ظهر بهذا النمط المنظم. فالزلازل الثانوية عادةً تتناثر بلا ترتيب هنا وهناك.
لكن النقاط التي وضعها أولكن اتصلت ببعضها كخط أسود رسم بضربةٍ واحدة.
كانت تتحرك جيئةً وذهابًا بمحاذاة حصن ملك الشياطين، محافظةً على مسافة ثابتة منه.
بل وحتى عادت تعبر من مواقع اجتازتها سابقًا.
“يُرجَّح أنه وحش عملاق يعيش في باطن الأرض. فالاهتزازات تنشأ تبعًا لمسار الجحر الذي يحفره.”
قطبت فقطّبت جبينها.
أجل، لقد وُجد السبب الذي حال دون اكتشافه من قِبل التنين صغير الكاشفة. فوحش يجوب تحت الأرض لا يمكن رؤيته من السماء.
وهكذا أيضًا اتضح كيف تمكن من اختراق حاجز الإنت العملاق.
“لقد أغفلتُ هذا الاحتمال. إن حفر المتسلل بعمق يتجاوز جذور النمل، فلن يُقبَض عليه.”
أولكن أوضح أنه هرع إلى مواقع الاهتزاز مباشرةً بعد حدوثها للتحقق بنفسه. فسمعه الحاد، الذي يفوق سمع بقية الشياطين، التقط دويًا غريبًا يتردد في جوف الأرض.
“لقد كان صوت تنفّس كائن ضخم. حاولتُ الحفر لأقتفي أثره، لكن زلزالًا آخر وقع واختفى الصوت تمامًا. و يبدو أنه تنبّه إلينا وتراجع.”
عندها سأل لودفيك،
“أي وحش تظن أنه قد يكون؟”
“لو كنتُ قد التقطتُ رائحته لحسمتُ الأمر، لكن مع الصوت وحده لم أتمكن من التحديد. إنما ما أنا متأكد منه أنه بالغ الضخامة، ولذا تسببت حركته في تلك الزلازل.”
حينها، نظرات لودفيك تحولت نحو ريتشموند.
“ريتشْموند، هل يخطر ببالكَ شيء؟”
ذلك الذي يغوص في دراسة الحياة والموت كان واسع الاطلاع على الكائنات أيضًا.
“مخلوق ضخم يحفر الأرض…..هل أبدأ بالأسوأ أولًا؟”
“قل.”
“تنين الرمال (Sand Dragon).”
ما إن ذُكر اسم تنينٍ يحفر أعشاشه في أعماق الأرض، حتى هزّت أرييلا رأسها.
“ذلك أسوأ احتمال ممكن. ثم إن كاليثيرد نفسه مرّ من هنا، فهل من المنطق أن يحفر تنين جحرًا تحت إقليمنا؟ سيكون إعلان حرب صريح.”
التنين الصغير حالة استثنائية، أما التنانين عمومًا فلا تقطن في أراضي ملك الشياطين، لا في السماء ولا في جوف الأرض.
إن كان التنانين قد دخلوا بلا إنذار مسبق ولا دعوة، فذلك إعلان حرب صريح. ولهذا هو أسوأ الاحتمالات.
لكن لماذا قد يتدخل تنين في شؤون سياسة الشياطين أصلًا؟
مهما فكّروا، بدت احتمالية ذلك ضعيفة. حتى ريتشموند نفسه أقرّ بذلك.
“تنين الرمال يفضّل طبيعة الصحاري. ربما في الماضي، أما الآن، فهذه الأرض الخصبة لا تثير اهتمامه. فمحركه السحري قائم في قلبه، لا يحتاج إلى الاعتماد على سحر الطبيعة.”
لكنه أوضح أن الأمر يختلف مع الوحوش.
“معظم وحوش باطن الأرض تفضّل الأراضي المليئة بالحياة والسحر.”
فهنالك طعامٌ وفير، كما يمكنها امتصاص الطاقة السحرية نفسها.
ثم ذكر ريتشْموند أمثلةً لذلك.
“الوحوش التي سأعددها الآن كلها كذلك: الدودة الأرضية، السحلية الصخرية العملاقة، بهيموث الكهوف، آكل الموتى، الأفعى الأرضية، سرب الأنفاق، مبدّل الأرض، الغولم الكريستالي، تيتان الظل، الرابض الحجري…إلخ.”
واستمرّت القائمة طويلًا.
وقد بدا على لودفيك الصداع من طولها، بينما أرييلا أخذت تحفظ بجدّ أسماء الوحوش التي لم تُعرف في عالم البشر، متعهدةً أن تبحث عنها لاحقًا في المكتبة.
لو كان هذا في الماضي، لكان مجرد فضول وشغف بالمعرفة، لكن الآن وقد غدت تلك الوحوش تهديدًا قائمًا أمامهم، لم يكن الأمر مريحًا البتة.
“ألهذه الدرجة الوحوش تحت الأرض كثيرة؟”
“لا تنسي أنكِ في عالم الشياطين. لا مجال للمقارنة مع عالم البشر. وما ذكرتُه كان انتقاءً للضخمة فقط. أما الصغيرة التي تتحرك جماعات وتحفر أنفاقًا، فقد استثنيتها.”
ثم تدخّل أولكن.
“يبدو أننا نستطيع استبعاد ذلك الاحتمال. فلم يكن هناك أثر يشير إلى حركة أكثر من مخلوق واحد.”
فحسم لودفيك النتيجة.
“علينا أن نعثر عليه سريعًا ونطرده.”
لحسن الحظ لم تُسجَّل إصاباتٍ حتى الآن، لكن لا أحد يضمن متى سيخرج إلى السطح ليفترس أحدهم.
“انشروا الجنود للبحث. وعمّموا إعلانًا على سكان الإقليم: إذا شعروا بأي زلزال فليبلغوا قلعة ملك الشياطين فورًا.”
ثم سألت أرييلا
“هل كانت هذه الأمور شائعةً في السابق؟”
و أجاب ريتشموند، الذي أقام في المنطقة وقتًا أطول،
“لا. في الماضي لم يكن لوحوش باطن الأرض أي دافع للمجيء إلى هنا. فقد كانت الأرض خرابًا بالغ القحط. أما الآن فقد ازدادت حيوية الأرض وغناها بالسحر. و أظن أن ذلك ما أغراها بالتسلل.”
“هممم، إذاً هذا ثمن نموٍ لا مفر منه؟”
فمع ازدهار الإقليم وتحسن المحاصيل، شهدوا زيادةً في السكان، لكن في خضم ذلك اجتذبت الأرض أيضًا زوّارًا غير مرحّب بهم.
“الثمار الناضجة تجذب الذباب حتمًا.”
والآفات يُقضى عليها فحسب، كما هو الحال دائمًا.
“غير أن هذه المرة، الحشرة المنتظرة ضخمة على نحو مزعج.”
***
في اليوم التالي. اقترب شخصٌ من معمل سيسيل.
كان الزائر وحيدًا. مغطّى برداء رمادي من الرأس إلى القدمين يخفي معالم جسده.
ولم يكتفِ بذلك، بل لَفّ بشرته كلها بضمادات كثيفة.
طَق! طَق! طَق!
طرق الزائر باب المعمل. لكن سيسيل، المنغمسة في عمله، لم ترد.
و من الداخل ظلّت أصوات صقل التحف السحرية تتردّد بلا انقطاع. فطرق الزائر الباب بقوة أكبر.
دُووم! دُووم! دُووم!
عندها فقط توقفت الضوضاء في الداخل.
“نعم، لحظة وأخرج!”
ثم اقتربت خطوات سيسيل من الباب بعد أن توقفت يداها عن العمل. بينما تحت لسان الزائر لم يعد هناك ريق يتدفق، لكنه مع ذلك ابتلع بجهد جاف كعادته.
وما إن فتحت سيسيل الباب فجأة حتى هتفت بترحيب واسع،
“آنسة أرييلا؟! لقد ذكرتِ بالأمس أنكِ ستأتين، لكن لم أتوقع أن تأتي بهذه السرعة-”
غير أنها توقفت عن الكلام فجأة. و الابتسامة التي غمرت وجهها خمدت في لحظة.
فالواقف أمامها لم يكن أرييلا. و من الجسد الذي حجبه ضوء الشمس الخلفي فاح عبير عطر قوي، مبالغ فيه لدرجة أوحت بأنه يُستَخدم لستر رائحة أخرى.
معظم ملامح الوجه كانت مخفية تحت الضمادات. ولم يظهر إلا محيط العينين. و جلده بدا أغمق وأشوه من بشرة أي شيطاني عادي، وعيناه غائمتان كمن أصيب بالمرض.
لكن العينين وحدهما كانتا كافيتين. فعلى الرغم من كل ما تغيّر في هيئته، إلا أن بريق نظراته لم يتغير.
فقبضت سيسيل على كفّها بشدة، وتسرّبت كلماتٌ قاسية من بين شفتيها.
“لماذا جئت؟ ارحل.”
“سيـ….سيل!”
قال غيرو ذلك، المربوط بالضمادات، بنبرة متوسلة.
“أرجوكِ، امنحيني….بعض….الوقت. حديثٌ فقط.…!”
“لا حديث بيننا! حين عدتَ من الموت أوصلتُ رسالتكَ إلى العم القزم. بذلك أنهيت واجبي تجاهكَ.”
فالثأر من فيدوِك كان أمرًا لا بدّ من فعله.
“ما ساعدتكَ به حينها لا يعني أني سامحتكَ. لا أريد أن أُقحم نفسي بكَ أكثر!”
“أريد…..أن أعرف السبب!”
“….…؟”
فتوقفت يد سيسيل عن دفع الباب لتغلقه بعنف.
“السبب؟”
“السبب….لما….تفعلين هذا بي فجأة؟!”
لم يستوعب غيرو شيئًا. فكما ظنّت أرييلا، هو أيضًا توقّع من سيسيل ردة فعل أخرى.
كان واثقًا أن ابنته ستفرح بعودة أبيها الذي قُتل مأساويًا. و حتى لو عاد على هيئة جثة حية، فقد اعتقد يقينًا أنها ستستقبله.
لكن سيسيل ظلّت ترفضه بشكل صارخ حتى الآن. و مهما أرسل إليها من رسائل أو أشخاصاً، لم يتلقَّ سوى جواب واحد: الرفض.
كل ما تمناه غيرو هو أن يعرف سبب ذلك.
لم يكونا الأب وابنته الأكثر حميمية في العالم، لكن لم يبلغا يومًا حدّ هذا الجفاء.
فلماذا إذًا؟
“لِماذا….تهربين مني؟!”
“لأني اكتشفت الحقيقة!”
“اكتشفتِ…..ماذا؟”
“بعد تلك الحادثة، حين كنت أرتّب تركة أبي، عثرت على السر الذي أخفيته حتى لحظة موتكَ!”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 77"