“نعم، هذا صحيح.”
“إذاً أين كنتَ تعيش في الأصل؟”
“لا أتذكر، لقد أُسرت وأنا صغيرٌ جدًا، منذ أول ذكرى لي كان هذا الشيء معلقًا في عنقي بالفعل.”
ثم فرّق بخفة خصلات الفراء الأبيض عند عنقه بأصابعه. فانكشف الطوق الحديدي المخبأ تحته.
ترددت هيلينا قليلًا قبل أن تسأل،
“سلفينير، إن تحررتَ يومًا من العبودية وأصبحت حرًا……ما أول شيء ترغب بفعله؟”
رمش سلفينير ببطء، وكأنه يحاول استشفاف مغزى سؤال هيلينا. ومع ذلك لم يظهر على ملامحه أي أثر لمشاعر.
برودٌ مدرّبٌ عليه، رد فعلٍ أثقل صدر هيلينا ألمًا.
“لا أعلم، فقد عشت عبدًا طيلة حياتي، لم أتخيل يومًا حياةً أخرى.”
وبعد أن أنهى كلامه أدار سلفينير عينيه ببطء. ثم صرف بصره عن نظراتها وخفض رأسه منتظرًا الأمر.
بينما كانت هيلينا تحدق بنظرات معقدة في وجه عبدها المقاتل الذي رافقها منذ صغرها. لكن سلفينير لم يرَ تلك الملامح، إذ كان مطأطئ الرأس.
***
في تلك الليلة التي عادت فيها هيلينا. فمكتبة مملكة لودفيك، ملك الشياطين.
“ثمة أمرٌ مهما فكرت به لا أستطيع فهمه.”
قال لودفيك ذلك وهو يحمل قلم رصاص ويتأمل الورقة أمامه بتركيز.
“ما هو؟”
بعد مغادرة وفد ديلارك عادت أراضي الشيطان لودفيك إلى حياتها المعتادة.
و أرييلا، التي أنهت مراسم الوداع وما تبعها، كانت تدير الأعمال في المكتبة بينما تُعلّم لودفيك القراءة والكتابة.
ذلك تنفيذاً للوعد الذي قطعه لودفيك في الغابة قبل أشهر، أن يتعلم الكتابة.
ورغم انشغالها بعملين في آن واحد، لم تفقد أرييلا تركيزها. غير أن التلميذ نفسه كان هو المعرقل الذي يبطئ وتيرة الدروس مرارًا.
“أقصد ديلارك، أليس من الأسهل أن نطلب من التنين الأحمر إنهاء الأمر فحسب؟”
كان لودفيك يتهرّب من التعليم، و يغير الموضوع ويماطل.
لكن أرييلا سامحته هذه المرة. لأن الأمر مرتبطٌ بإدارة إقليم ملك الشياطين.
و تذكرت تعليمها القديم الذي تلقته من أساتذتها قبل أن تُقصى من وراثة العرش. فمثل هذا الحوار والتساؤل يعزز صفات الحاكم.
“بهذه الطريقة سيكون الأمر أسهل فعلًا.”
“أترين؟ لماذا إذاً نترك الطريق السهل وندور؟”
فأجابت أرييلا وهي لا تزال تحدق في الوثائق الرسمية على الطاولة.
“لأن وعد التنين يُستعمل مرةً واحدة فقط.”
“تقصدين أنه يختفي بمجرد استعماله؟”
“نعم، فكيف سنواجه الأخطار القادمة إن أهدرنا تلك الفرصة الثمينة على مجرد ملكٍ كديلارك؟”
توقف لودفيك قليلًا يفكر ثم أومأ برأسه. ويبدو أن كلام المتعاقدة التي وصفت جارًا قويًا من أسياد الشياطين بـ”مجرد ملك” قد راق له كثيرًا.
فابتسم بخبث و تحدّث،
“معكً حق، هذا صحيح.”
ديلارك صحيحٌ أنه ملك شياطين يفرض سطوته في الجوار. لكن في عالم الشياطين هناك عددٌ لا يُحصى من الملوك أقوى منه بكثير وأراضيهم أوسع.
خصوصًا في الشمال حيث ازدهرت الحضارة، فهناك كل شيء يختلف اختلافًا جذريًا.
و أرييلا كانت تفكر دائمًا في المستقبل البعيد أكثر من اللحظة الراهنة.
وأثناء ذلك تركت ملاحظات على الوثائق لتكون مرجعًا لغيرو المسؤول عن المالية لاحقًا وهي تضيف،
“وفوق ذلك، التنانين أصلًا لا تتدخل في صراعات السياسة بين الشياطين.”
“ومن أين لكِ أن تعرفي هذا؟”
لكن أرييلا بادلت الجواب بتوجيه عينيها الكتب آخر، فألقى لودفيك نظرةً عابرة على رفوف الكتب المتراصة حول الطاولة التي يجلس إليها.
“كان يكفي أن تقولي أنكِ قرأت ذلك في الكتب، ليس عليكِ أن تشيري بطرف عينكِ.”
“سألتني والجواب أمامكَ، فلم لا أُشير إليه؟”
فقد كانت أرييلا قد التهمت كل ما تملكه هذه المكتبة من كتب عن التنانين بسبب التنين الذهبي.
حتى صارت لا تقل خبرةً عن أي شيطان متخصص، بل ربما في بعض الجوانب تعرف أكثر من التنانين أنفسهم.
“لكن ألم يعلن التنانين على جميع أقاليم السادة ألا يتعاملوا مع فيدوِك؟ أليس ذلك تدخلًا؟”
رغم اعتراضه على قولها، إلا أن أرييلا فرحت به في داخلها.
‘جيد……أصبح يطرح أسئلةً نقدية الآن، بطيء لكنه ينمو فعلًا.’
ثم أوقفت يدها التي كانت تدون بالقلم ونظرت إلى لودفيك.
“وقتها أغضب فيدوِك التنانين جميعًا، لأنه خطف التنين الذهبي. لقد مسَّ نقطة ضعفهم القاتلة. لذلك وجدوا مبررًا للتدخل في شؤون الشياطين.”
“يعني أصبحوا أعداءه للأبد.”
“أما ديلارك فلم يكدّس مثل هذا الحقد عندهم. ومهما كانت هناك عهود، فلن يكسر التنانين قانونهم غير المكتوب لمساعدتي.”
بل وحتى لو قدموا يد العون، فالنتيجة أن كفة الميزان ستميل فجأة بشكل خطير، وقد تجد أرييلا نفسها مديونةً للتنانين.
وهي لا تريد مثل هذا السيناريو في وضع مليء أصلًا بالشكوك وعدم اليقين.
“هذه المرة سأحل الأمر بغير اللجوء إلى التنين الأحمر، ولو استغرق ذلك وقتًا وجهدًا أكثر من قضية فيدوِك.”
كانت أرييلا تدرك أن هذه المهمة ستكون مشروعًا طويل الأمد.
أما لودفيك فغرق في تفكير عميق وارتسمت على وجهه ملامح جدية. وأرييلا كانت تعلم أن كل دقيقة يقضيها غارقًا في التفكير تقربه أكثر من صفات الملك الحكيم.
ولذلك منحته وقتًا كافيًا ليستوعب الدروس في ذهنه قبل أن تتحدث بصوت حازم،
“إن انتهيتَ من الأسئلة، عد الآن إلى الكتاب وانسخ منه.”
“تسك!”
“لا تحدق في الورق ساكنًا، حرّك يدك. هل يمكن لعينك أن تكتب حرفًا؟ الكتابة تتم باليد لا بالعين.”
ولتعليمه الكتابة، اختارت أرييلا الطريقة التقليدية. فانتقت كتابًا مناسبًا من المكتبة، فتحته أمامه، وأمرته أن ينسخه سطرًا بسطر.
لكن بدل أن يستأنف التمرين مباشرة، رفع لودفيك قلم الرصاص الذي كان في يده.
كانت أرييلا قد أعدّت قلم رصاص خصيصًا، متوقعةً أنها لو أعطته قلم حبر أو ريشة لبعثر الحبر في كل مكان.
“حسنًا، إذاً أعطني قلمًا جديدًا.”
“قلم رصاص جديد؟ ولماذا؟ الحاليُّ ما زال كالجديد.”
كان واضحًا أنه لم يقترب بعد من أن يصبح قصيرًا، ويمكن استخدامه لساعات أخرى على الأقل.
وعندما أبدت استغرابها أجاب لودفيك بثقة.
“انظري هنا، الرأس تآكل تمامًا! لم يعد يصلح للكتابة، لذا أعطني قلمًا جديدًا!”
“أتسخر مني؟ إذا تآكلت السنّ فالواجب أن تبريه وتستخدمه من جديد. أم تراك تريد أن أبريه لكَ بنفسي؟”
“بريه؟ آه، إذاً هو أداةٌ تُقصّ من طرفها باستمرار لتُستخدم مجددًا؟”
حبست أرييلا أنفاسها بصعوبة كي لا تزفر تنهيدةً طويلة.
‘صحيح، هذه أول مرة يمسك فيها قلم رصاص، فربما من الطبيعي ألا يعرف.’
“كل ما عليكَ أن تقشر الخشب السميك حوله، مثل شرائح رفيعة، حتى ينكشف السن وتكتب به.”
وما إن أنهت كلامها حتى شهقت مذعورة.
ششخ!
كان لودفيك قد أخرج سيفه الطويل المعلق على خصره بكل أريحية. فشعرت أرييلا بزفرة أعظم تعلق في حلقها ومدّت يدها بسرعة.
“أعطني إياه.”
“هاه؟”
“لا تفكر أن تؤدي رقصة سيوف على قلم رصاص، سلّمه إلي فقط.”
فأخرجت من صندوق الأدوات سكينًا صغيرة قابلاً للطي، وأخذت تقشر القلم برشاقة بضع مرات.
“رأيت؟ افعل كما أريتُك الآن.”
استلم لودفيك القلم والسكين. ومضى وقتٌ طويل نسبيًا وهو يبريه، لكن أرييلا لم تستعجله، فقد أرادت أن يعتاد على هذه الأداة الجديدة بنفسه.
وبينما كانت قد قلبت ثلاث صفحات أخرى من الوثائق وانغمست في عملها، تحدّث لودفيك،
“انتهيتُ من بريه.”
ثم ألقت أرييلا نظرةً على القلم الممدود إليها، فارتجف قلبها للحظة.
القلم الذي براه لودفيك كان ذا منحنى متقن بلا أي أثر لسكين، كأنه مصقول بيد نحات ماهر. أما السن فكان حادًا إلى درجة تكفي للكتابة به كما لو كان إبرة.
“مهما يكن، براعتكَ في استعمال السكاكين ممتازة……و لا يهم ما النوع.”
فابتسم لودفيك مزهوًا بمديحها.
“هيا، عد الآن لنسخ الكتاب.”
“لكن على ذكر ذلك……”
يبدو أن لودفيك لم يكن في مزاج للكتابة بعد.
“هل لديكَ سؤالٌ آخر؟”
“أجل.”
كانت قد عقدت العزم هذه المرة أنها ستتجاهل أي سؤال لا يتعلق بإدارة الإقليم. لكن من المصادفة أن سؤاله التالي كان في هذا الشأن أيضًا.
“أولئك العبيد الذين يستخدمهم ديلارك، معظمهم أليسوا من أسرى الأقاليم الأخرى لسادة الشياطين؟”
“نعم.”
“فلماذا لا نخبر بقية السادة بذلك؟ لقد سُلب رعاياهم، ألن يثير هذا غضبهم فيهجمون عليه؟”
حتى ريتشموند، الذي اعتاد أحيانًا الذهاب إلى إقليم ديلارك، لم يكن يعرف خباياه. فمصدر ثراء الإقليم المفاجئ كان العبيد.
وبفضل الآثار الملعونة التي زُرعت عليهم، فقدوا الرغبة في الهرب، وهكذا ظل السر محفوظًا.
لكن لو كُشف هذا الأمر علنًا؟
“المشكلة أن هيلينا الآن لا تملك أي دليل قاطع.”
فلا يوجد سجل يُثبت بالضبط عدد العبيد ومن أي إقليم أُخذوا.
“في مثل هذا الوضع، ماذا تظن أن ديلارك سيفعل لو تسرب فقط خبر وجود عبيد مخطوفين؟”
“لا أدري.”
“أظن أنه سيبدأ أولًا بإتلاف الأدلة.”
“تقصدين أنه سيقتل كل العبيد الذين خطفهم؟”
“أو يخفيهم في مكان أشد ظلمةً وعزلة لا يمكن لأحد أن يعثر عليهم فيه. باختصار، يجب أن يتم ضرب ديلارك بعد أن تكتمل كل الاستعدادات فقط.”
عندها تغيّرت ملامح لودفيك. و تحدث بصوت منخفضً أكثر من قبل،
“……ديلارك، بين أولئك الشياطين الذين خطفهم……لا بد أن هناك من كانوا أصلًا من سكان إقليمنا، أليس كذلك؟”
فارتجفت أرييلا فجأة وتصلب جسدها.
___________________________
كفو لودفيك اول مزه يشتغل عقله كذا رح انقذ العبيد قلهم جاي انقذ ناسي✨ ثم حريقه في شحم ديلارك هاهاعاههاعاعهاهاهااهاها
المهم حارس هيلينا يحزن بس حلو احس حتى لو انقذته هيلينا من العبودية بيقعد حارسها 🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 72"