أمال غرويب رأسه قليلًا للحظة ثم بدأ بإرشاد أرييلا.
وبما أن القلعة كانت صغيرة جدًا، لم يستغرق التجول فيها حتى ساعةً واحدة.
بعدها خرج الاثنان إلى خارج القلعة. و كان شياطين الحراسة عند بوابة القلعة لا يزالون منشغلين في تبادل النكات، ولم يلقوا التحية عليها إلا بشكل متراخٍ.
‘حتى الانضباط في الحضيض.’
واصلت أرييلا السير وهي تحتفظ بملامح وجوههم في ذاكرتها.
‘إن كانت المنطقة المحيطة بالقلعة فهي تعتبر المركز تمامًا، لكنها تشبه المنظر الذي رأيته أول مرة…..’
بالمقارنة مع المكان الذي شهدت فيه النهب، كانت هناك منازل أكثر قليلًا فقط، أما الأجواء العامة فكانت متشابهة جدًا.
“إذا كان هذا مكانًا يعادل العاصمة في مملكة، فالوضع غريب.”
الطريق الجانبي فارغٌ للغاية. حتى لو افترضنا أن الجميع يعمل الآن في الأراضي الزراعية، يبقى الأمر مريبًا.
‘عدد السكان المتحركين شبه معدوم فعلًا.’
استمرت الأسئلة في التزاحم داخل رأسها.
كيف يعمل اقتصاد هذا البلد يا ترى؟
كانت الرغبة في السؤال والمعرفة لا تتوقف عن التدفق. و بشكل تلقائي أخرجت من بين طيات ملابسها دفتر ملاحظات صغيرًا وأداة للكتابة.
كانت أشياء تحملها معها دائمًا منذ صغرها كعادة متأصلة. فقد اعتادت أن تكتب المعادلات كلما واجهتها عقدة أثناء دراستها السحر وحدها، حتى أصبحت تلك العادة متأصلةً فيها.
فتحت دفتر ملاحظاتها وبدأت تمطر الكوبولد بوابل من الأسئلة.
“هل توجد عملة في عالم الشياطين؟”
“هل توفر الدولة أماكن السكن؟ أم يُترك الأمر للقطاع الخاص؟و كم تبلغ تكلفة السكن في منزل كهذا شهريًا؟”
“هل تعتمدون على الاكتفاء الذاتي في الغذاء بالكامل؟ وماذا عن الأسواق التي تتم فيها المبادلات؟”
وحين يجيبها، كانت تدون كل كلمةٍ دون أن تفوت شيئًا.
راح غرويب يبتسم وهو يشاهد تصرفها، فبانت أسنانه الحادة بين فكيه المدببين. و كانت تلك أول مرة ترى فيها أرييلا ابتسامة كوبولد.
رفع قطعة العدسة الأحادية على عينه اليمنى وألقى بنكتة.
“تبدين فضوليةً للغاية. لستِ جاسوسةً أرسلها أحد ملوك الشياطين الآخرين، صحيح؟”
فردت أرييلا بالمثل مازحة.
“هل لديكم في هذا الإقليم ما يُنهب غير المحاصيل الزراعية؟”
من خلال تلك الأسئلة والأجوبة، أصبحت تملك تصورًا واضحًا عن مملكة لودفيك.
الجنوب، الذي يُعتبر أقل تطورًا حضاريًا مقارنةً ببقية مناطق عالم الشياطين. ومن بين ذلك الجنوب، فإن هذه المنطقة تقع في أقصى أقاصيه.
قريةٌ نائية لا تمتلك شيئًا يُغري غيرها من الملوك الطامعين.
هز غرويب كتفيه.
“بل لدينا. الشعب.”
“……؟”
وحين بدت على وجهها علامات الحيرة، أشار غرويب بإصبعه نحو السماء. فارتفع رأس أرييلا تلقائيًا نحو الأعلى.
‘آه…..الشمس.’
كانت هناك شمسٌ في كبد السماء، بلون يختلف قليلًا عن شمس عالم البشر الساطعة. وحتى وهي تنظر إليها بعينين مجردتين، لم تشعر بأي انبهار مؤذٍ.
لكن ما أدهشها أكثر هو أنها رأت عدة شموس أخرى ضمن مجال رؤيتها.
“في عالم البشر هناك شمسٌ واحدة، أليس كذلك؟ أما في عالم الشياطين، فهناك أكثر من مئة شمس. بعدد ملوك الشياطين الموجودين في هذا العالم.”
كانت الشمس التي تعلو مملكة أحد ملوك الشياطين تبث أشعتها اللطيفة نحو الأسفل.
وقد شكل الضوء المنبعث منها حدودًا واضحة تفصل بين أراضي المملكة والعالم الخارجي.
“كل شمس ترتبط ارتباطًا مباشرًا بأحد ملوك الشياطين. والمساحة التي تنيرها الشمس على الأرض، تمثل مدى اتساع أراضي ذلك الملك.”
في الحقيقة، كانت أرييلا تعرف هذا القدر من المعلومات مسبقًا. فقد قرأت مرارًا وتكرارًا عن بيئة عالم الشياطين في الكتب حتى تقادمت صفحاتها.
لكنها لم تكن تعلم التفاصيل الدقيقة حول العلاقة التوافقية بين الشمس والملك الشيطاني.
“وكيف يمكن تنمية الشمس؟ هل يكفي أن يصبح ملك الشياطين أقوى؟”
“قوة الملك الشيطاني مهمةً بالطبع، لكن العامل الحاسم هو شيء آخر. إنه عدد السكان الذين يعيشون في أراضيه.”
آه، إذًا لهذا السبب تحدث عن الشعب منذ البداية!
أرهفت أرييلا السمع، وكانت عيناها تتلألآن بشغف وفضول معرفي.
“كلما أدار ملك الشياطين مملكته بشكلٍ جيد، ازداد عدد السكان. فتكبر الشمس المرتبطة به ويتسع نطاق ضيائها. ومع اتساع الضوء، تزداد قوة الملك الشيطاني.”
“إنه توازنٌ إيجابي إذًا.”
كانت هناك عدة طرق لملك الشياطين ليزيد من قوته. كالعقود مع البشر مثلًا، لكنها تبقى ثانويةً أمام العامل الأهم، وهو زيادة عدد سكان مملكته.
“لذلك تُعد الكثافة السكانية أمرًا بالغ الأهمية. لا وجود لمفهوم الوطنية في عالم الشياطين. إن أصبحت الحياة في أحد الأراضي صعبة، يفر الناس مباشرة إلى مملكة أخرى. ولهذا يُجبر ملوك الشياطين على بذل أقصى جهد في إدارة أراضيهم.”
دخلت أرييلا في تفكير عميق للحظة، ثم تمتمت.
“يبدو أن عالم الشياطين بيئةً مثالية لظهور ملوك صالحين. فلا بد أن يعمل الملك على تنمية البلاد وتحسين معيشة شعبه ليستمر وجوده.”
“وهل الأمر مختلفٌ في عالم البشر؟”
“….…”
نظرت أرييلا بصمت إلى شمس مملكة ملك الشياطين لودفيك، الشمس المرتبطة به مباشرة.
حتى من نظرة سريعة، كانت أصغر بكثير من الشموس الأخرى التي تراها تحوم في السماء. و من الواضح أن رقعة الأرض التي تضيئها ليست كبيرة.
شمس مملكة لودفيك بدت لها كشمعةٍ ضعيفة، قد يطفئها نسيمٌ واحد إن هب.
“هل يمكن أن تختفي الشمس يومًا ما؟”
رغم أن الكتب لم تذكر هذا، إلا أن السؤال تسلل إلى عقلها بدافع الفضول.
“نقول هنا أن الشمس ‘تنطفئ’. وقد يحدث ذلك فعلًا أحيانًا، إذا انهار عدد السكان إلى حد لا يُمكن معه الاستمرار في إدارة البلاد.”
شعرت أرييلا بقشعريرة تسري في عمودها الفقري. و تذكّرت الأراضي الزراعية التي كانت تتعرض للنهب.
ثم نظرت إلى الشوارع التي تقع أمام القلعة مباشرة، ومع ذلك كانت ذات كثافةً سكانية منخفضة بشكل غريب.
“انتظر لحظة…..هل هناك تراجع في معدل نمو السكان في هذه المملكة؟”
“بل الأدق أن نقول إنه اتجاه تنازلي في عدد السكان.”
قال غرويب ذلك بابتسامةٍ حزينة.
“من الصعب أن أذكر لكِ أرقامًا دقيقة، لكن منذ تولّي جلالته الحكم، تباطأت وتيرة الهجرة على الأقل. مع ذلك، لم نصل بعد إلى مرحلة النمو الإيجابي.”
بمعنى أن عدد السكان ما زال في انخفاض.
“وإذا استمر ذلك حتى تختفي الشمس؟”
حك غرويب ذقنه وهو يرتب خصلات الفرو الكثيفة عليها.
“ستحدث عدة تأثيرات جانبية، لكن أول ما سيقع هو..…”
نظر حوله بتحفظ كأنه يخشى أن يسمعه أحد، ثم همس،
“سيموت ملك الشياطين.”
لودفيك…..سيموت؟
“الشمس مرتبطةٌ بمصير الملك. فالصعود إلى عرش ملوك الشياطين يعني تحمّل هذا العبء أساسًا.”
انتظر، انتظر!
شعرت أرييلا بالدم يصعد إلى رأسها.
ورغم أنها كانت في حالة توتر شديد، إلا أن فكرةً منطقية بسيطة خطرت لها فورًا.
أولًا، حسب شروط العقد، إذا مات ملك الشياطين، فإن أرييلا بصفتها المتعاقدة معه ستموت معه أيضًا.
ثانيًا، ملك الشياطين يتناغم مع الشمس. فإذا استمر تراجع عدد السكان بلا قدرة على التدخل حتى تنطفئ الشمس، يموت الملك.
استنادًا إلى هذا المبدأ، يمكن الوصول إلى النتيجة التالية.
‘هذا يعني بأنه إذا انهارت هذه المملكة، أنا أيضًا سأموت؟’
في اللحظة نفسها التي استوعبت فيها ذلك، اجتاحها شعورٌ بالفراغ والذعر في آنٍ واحد. و أدركت أرييلا أنها احتفلت بانتصارها مبكرًا جدًا.
حياةٌ مريحة بلا صعوبات أو عوائق، تنساب كما لو كانت ماءً جاريًا؟
حياةٌ لا تفعل فيها شيئًا سوى البحث في السحر وتذوق العسل؟
ذلك الحلم الملون الزاهي الذي راودها قبل قدومها إلى هنا، أخذ يتحول تدريجيًا إلى لوحة باهتة بالأبيض والأسود.
‘……لا، ما زال الوقت مبكرًا على الاستسلام!’
لم يدم شعورها باليأس طويلًا. فقد تماسكت أرييلا سريعًا.
و بما أنها أدركت طبيعة الموقف، أصبحت تعرف تمامًا ما الذي ينبغي عليها فعله.
‘الهروب من الإمبراطورية لم يكن نهاية القصة!’
إنه بالفعل جبلٌ خلفه جبل.
‘إن أردت النجاة، فعليّ أن أنقذ هذه المملكة المتداعية أولًا..…!’
يكفي أن تصل بالمملكة إلى مستوى لا يُخشى فيه من انطفاء الشمس، حينها يمكن اعتبار ذلك نجاحًا.
وهكذا تحدد هدف أرييلا الأعلا بوضوح.
***
في اليوم التالي. في الصباح الباكر، جاء غرويب ليصطحبها.
“هل كانت الغرفة مريحة؟”
كادت أرييلا أن تنفجر بالبكاء في لحظة، فقد كانت عيناها غائرتين من قلة النوم، ووجهها يفضح أنها قضت ليلةً مضطربة.
فكرت أن تجيب بصدق، لكنها تماسكت في اللحظة الأخيرة. فيجب أن تحافظ على هيبتها. على كرامتها.
‘……إنها بيئةٌ منعشة وجديدة بحق.’
كان داخل قلعة ملك الشياطين فوضويًا تمامًا كخارجها.
الطعام المقدَّم كان فظيعًا. و الخبز كاد يخلع فكها من صلابته، والحساء بدا كماء نُقعت فيه قطعة قماش قذرة.
أما مكان النوم، فكان الأسوأ. الشراشف ملطخةٌ ببقع بنية لا يُعرف متى ظهرت، والفئران كانت تقفز فوق السقف طوال الليل.
“آه، فهمت. من الرائع أنكِ قضيتِ الليلة على ما يرام.”
ردّ غرويب ببرود. عندها شعرت أرييلا بإحساس داخلي واضح.
الأسلوب المراوغ والتلميحات الساخرة التي اعتادت استخدامها في مجالس النخبة لا قيمة لها هنا.
‘ما باليد حيلة. هذا الطريق اخترته بنفسي. عليّ أن أتأقلم.’
لم تكن تتوقع معاملةً مميزة، بل كانت تعي تمامًا أن وضعها قد تغيّر.
ثم نظرت من النافذة تتأمل ما حولها.
في الواقع، هناك سببٌ أكبر جعلها تعجز عن النوم في الليلة الماضية.
فعلى عكس العالم البشري، لا تختفي شمس عالم الشياطين تمامًا في الليل، بل يتغير مستوى سطوعها وتدرّج ألوانها فقط.
وهذا أمرٌ طبيعي. فلو كانت الشمس تختفي كليًا كل ليلة، لتسبب ذلك بموجة وفيات متكررة في كل قلعة ملكية.
ولهذا، حتى في عمق الليل، كان ضوءها يغمر الأرض بلون ناعم يفوق ضوء القمر بدرًا.
في الغرفة المضيئة، تقلبت أرييلا طويلًا حتى تخلت في النهاية عن فكرة النوم العميق. وبينما كان الليل يتعمق، جلست تدوّن المعلومات التي جمعتها في دفترها بعد أن رتبت أفكارها.
“من هذا الاتجاه. جلالة الملك موجودٌ هنا بالفعل.”
طرق غرويب الباب ثم نادى باتجاه الداخل.
“المتعاقدة قد وصلت.”
__________________
وش ذا النظام الشمسي الغريب😭😭😭
المهم شكل عشان كذا لودفيك رايح ياخذ اجازه يمكنها اخر اجازه
كوميديا سودا
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"