بينما كان يحدق في صحن العصيدة الشاحب، شعر روكوم بحقيقة الأمر تتجسد أمامه.
‘لم يكن كابوساً حقاً؟ أهذا هو الواقع؟’
اليوم، الكابوس مستمر.
جلس على أرض طينية بلا كرسي، يلتهم الطعام الذي وُزّع عليه بجشع.
كانت القائمة لا تتغير أبدًا: رغيف خبز أسود يابس وصحن حساء دجاج. وإذا دققت في مكوناته وجدت رؤوس الدجاج وأقدامها، و العظام والأحشاء، وكل ما يعدّ نفاية في ثقافة الطعام، قد ألقي في القدر وغُلي معًا.
ومع ذلك، وكأنه نعمة، التهم روكوم وبقية العبيد الطعام بنهم كأنهم مسّهم جوعٌ شيطاني.
كان عليهم أن يملأوا بطونهم قدر المستطاع الآن. فبعد الإفطار، عليهم الصمود حتى حلول المساء.
‘ترى كم سيكون صعبًا يومنا هذا؟’
حتى لو تحملوا وصبروا حتى المساء، فذلك فقط ليحصلوا على وجبة أخرى.
لكن بالنسبة لروكوم، مجرد الصمود إلى ذلك الحين كان أمرًا بالغ المشقة.
“ابدأوا العمل! انهضوا فورًا وحركوا تلك الأرداف المتثاقلة!”
لم تمضِ لحظاتٌ على انتهاء التوزيع حتى دخل المراقب مستعجلاً. و هددهم بأن من لا ينجز حصته اليوم فلن ينال عشاءً، بل سيتعرض الجميع للجلد.
قام العبيد على عجل وقد فرغوا أوانيهم قبل أن تُنتزع منهم، ثم نهضوا مترنحين. واتبعوا المراقب بخطى كأنهم يمشون إلى ساحة إعدام.
طَرق! طَرق!
كان عمل روكوم وسائر العبيد هو استصلاح الأراضي الجرداء وتحويلها إلى حقول زراعية.
حملوا المعاول والفؤوس، يكدحون وسط ركام الصخور في الصحراء تحت العرق المتصبب.
“هَه… هَه…”
كم مر من الوقت؟ لا يعلم.
بدأ نفس روكوم يعلو ويضطرب، وشعر بدوارٍ يثقل رأسه.
‘أهذا المكان يصلح أصلًا للاستصلاح؟’
كان هو وبعض العبيد يقتلعون الصخور، بينما ينقلها آخرون بلا توقف على ظهورهم.
و إلى جانبه، تمتم رجل كان يضرب بالفأس،
“تباً، ذلك المراقب الحقير! أخيرًا غادر.”
كان هو نفسه الرجل الذي أيقظه صباحًا.
قال إنه أُسر قبل روكوم، وكان قد روى له باختصار ما كان يفعله قبل ذلك، لكنه نسي التفاصيل.
ربما كان مجرد تبجح لا أكثر.
“هيه، بما أن المراقب غير موجود، لا تبالغ. هكذا ستحطم ظهركَ.”
قال ذلك وهو يلوّح بالفأس مظهرًا الجهد دون أن يبذل قوةً حقيقية.
“…….”
لم يجب روكوم، لكن جسده استرخى من تلقاء نفسه. وشعر بأنه يتنفس قليلًا.
كل من يعمل هنا في تكسير الصخور ما هم إلا شياطين. والمراقب يعرف قوة أجسادهم، لذلك لم يمنحهم وقتًا للراحة.
لكن البقاء على قيد الحياة شيء، والمعاناة شيء آخر.
“إلى متى يا ترى سنظل هكذا؟”
تمتم روكوم وقد وجد أخيرًا فسحةً لينطق.
فابتسم الرجل بسخرية.
“من يدري…..ربما حين يموت ملك الشياطين ديلارك ينتهي هذا.”
فتذكر روكوم اسم ملك لم يره يومًا. وتسرب من بين شفتيه صوتٌ خافت كالتنهيدة المتهكمة.
“ديلارك!”
في الأصل لم يكن ديلارك هو شيطان روكوم. فقد كان يعيش من قبل في مملكة شيطانية أخرى.
أما روكوم فقد اختُطف وأُجبر على أن يُستعبد هنا. ليصبح عبدًا لدیلارك.
‘ذلك الوغد!’
اقترب وقت الظهيرة، واشتد لهيب الشمس أكثر فأكثر. و كان الحرّ يلهب جسده الخاوي من الطعام بألم لا يُحتمل.
ولعل وجود روكوم نفسه هنا للعمل قد زاد من حجم تلك الشمس في السماء.
يُحتسب كل من يقيم فترةً طويلة داخل مملكة شيطانية، سواءً كان عبدًا أم مواطنًا حرًا، ضمن تعداد سكانها.
أي أن زيادة عدد العبيد تؤدي إلى تضخم الشمس، وبذلك يزداد نفوذ ديلارك.
ابتسم الرجل إلى جانبه بسخرية يائسة.
“مذهل، أليس كذلك؟ بدل أن يغري الناس بفرص أفضل، يخطفهم قسرًا ويستعبدهم. إنها مجرد فكرة ملتوية.”
طقطق!
صرّ روكوم على أسنانه.
“لن أبقى هكذا للأبد. سأهرب مهما كان الثمن.”
فهزّ الرجل رأسه نافيًا.
“إن أردت الهرب، فعليك أولًا أن تتخلص من ذاك الشيء المعلق في عنقكَ.”
رأى كلاهما بأم أعينهما ما حلّ بمن حاول الهرب من هنا. فالقيد المعدني المثبت في عنقهم لم يكن سوى أداة سحرية استوردت قديمًا من قافلةٍ تُدعى فيدوِك.
وقد ألقى ديلارك بنفسه لعنته عليها، فتصبح أي محاولة هرب مكشوفة فورًا.
وعقوبتها…..موت يصاحبه عذاب يفوق الوصف.
“آاااه! أنقذوني! أرجوكم، أنقذوني..…!”
كاد صدى تلك الصرخات المروعة التي سمعها حينها أن يخترق أذنه من جديد.
“هيه!”
فأيقظه صوت رفيقه محذرًا.
“المراقب عائد. تبا، يالي من ضعيف الإرادة!”
فأعاد الرجل التظاهر بالكدح، يضرب بالفأس بقوة.
أما روكوم فاعتدل قليلًا كمن يمدّ ظهره، راغبًا في اقتناص لحظة راحة قبل أن يصل المراقب.
طَنين!
وخز عينيه شعاعٌ حارق، حتى كاد العمى يصيبه، لكنه لم يحوّل بصره. بل رفع رأسه مباشرةً نحو السماء.
نظر روكوم إلى تلك الشمس التي تسحقهم من عليائها، وفي قلبه غليانٌ من الحقد.
***
في مكتب ملك الشياطين، ديلارك.
“همم.”
تمتم ديلارك وهو يجلس على عرش مزيّن بالذهب.
“كان يفترض أن تصلني رسالةٌ الآن. أعني هيلينا، ألم يحن وقت وصول تلك الطفلة بعد؟”
ألقى نظرةً على ساعته. فأجابته المرأة الجالسة إلى جواره مهدئة،
“لا تقلق، لا بد أنها وصلت بسلام.”
كان جسد ديلارك أشبه ببالون منتفخ بلغ حد الانفجار. جلده مشدود إلى أقصى طاقته ليحتوي ما تراكم داخله من لحم وشحم.
وكان الأعجب أنه لم يتمزق بعد.
العرش الذي جلس عليه ديلارك كان واضحًا أنه صُنع خصيصًا له. فقد بدا واسعًا إلى حد يكفي لإجلاس وحش بحجم الفيل، ومع ذلك يبقى فيه متسع.
أما المرأة الشيطانية، فقد جلست على مسند ذراع العرش، مستندةً بجسدها إلى خاصرة ديلارك.
وقد كان الفرق بين جسديهما شاسعًا، لا يقل عن عشرة أضعاف.
مدّ ديلارك يده يربّت برضا على وجنتها وهو يبتسم.
“أليس كذلك، كيرين.”
كان ديلارك كثير الطمع، وكثير الشك في آن واحد. غير أن كيرين، التي إلى جانبه، وحدها كانت مستثناةً من شكوكه.
اتكأ للخلف بارتياح، فمالت كيرين تهمس بخفوت،
“لكن…..هل يا ترى ستنجح هيلينا في المهمة الموكلة إليها؟ ذلك ما يقلقني.”
“هم؟”
“ألا ترى أن قلبها رقيق، على غير ما يليق بابنة أعظم ملوك الشياطين؟ أخشى أن يؤثر ذلك في الأمر هذه المرة.”
كان ذلك في ظاهره ذمًّا لابنة ليست من دمها، أمام والدها.
فرمقها ديلارك بنظرة جانبية.
“أهكذا تظنين؟”
مدّ يده إلى أسفل وجهه، يمرر كفه على الموضع الذي كان يُفترض أن يكون ذقنًا، حيث تراكمت طبقات اللحم على وجهه ورقبته.
“لكنها ابنتي رغم ذلك. وستنجز هذه المهمة بلا شك.”
“ليت الأمر يكون كذلك.”
“كيرين.”
“نعم؟”
كان في صوته هذه المرة نبرة ضيق لم يحاول إخفاءها.
“لطالما لاحظتُ أنكِ تبالغين في التقليل من شأن هيلينا.”
كانت تلك نبرة تحذير واضحة.
وما إن انقضت كلماته حتى ارتسمت على ملامح كيرين لمحةٌ غريبة، عابرة كظل خاطف.
لكنها سرعان ما أخفتها بابتسامة مشرقة. ثم تدللت أكثر، تغوص بجسدها في خصر الملك الضخم كفيلٍ متخم.
“اغفر لي إن سببت لك ضيقًا بكلماتي. لم أقصد سوى القلق عليها، لا أكثر.”
“…….”
على غير عادته، لم يُجب ديلارك في الحال. فزادت كيرين من جرأتها، محاوِلةً إذابة غضبه.
تركت مكانها على مسند الذراع، وجلست مباشرةً على ركبته، أو بالأحرى على كتلة اللحم التي يُفترض أنها ركبته.
ثم ابتسمت لتغيّر الموضوع.
“إن نجحت هيلينا في هذه المهمة، فسيصبح إقليم لودفيك بين يديكَ، أليس كذلك؟”
عندها فقط لانت شفتا ديلارك قليلًا.
“هكذا يجب أن يكون.”
“وسيصبح حصنكَ أكثر فخامةً وروعة! مجرد التفكير في ذلك يسعدني.”
أما قاعة مكتبه، فقد كانت بالفعل فارهة، حتى كأن أعمدتها طُليت بالذهب من أسفلها إلى أعلاها.
كانت التحف المرصعة بالأحجار الكريمة والمصنوعة من الجلود، والتي أبدعها صناع عالم الشياطين المهرة، تلمع في الأرجاء، كما انتشرت في المكان تماثيل نادرة لا تكاد تُرى في الجنوب.
لم تكن مملكة ديلارك الشيطانية يومًا بهذا الثراء. لكن منذ عقود، حين بادرت كيرين وأطلقت نظام العبيد السري، تغيّر كل شيء.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات