وبين الخدم كان من المسلَّم به ألا يطرقوا بابها في ساعة متأخرة ما لم تُستدعَ. ذلك لأنها لا تحب أن يُعكَّر صفو وقتها الخاص الوحيد.
‘لو كان أمرًا عاجلًا لكان القصر يعم بالضجيج منذ الآن.’
أرهفت سمعها، لكن أجواء القصر كانت ساكنة. و حتى طرق الباب قبل قليل كان واهيًا خافتًا حتى كادت ألا تلتقطه.
“من هناك؟”
“…….”
عينا أرييلا تلألأتا بحدة.
لم يكن ثمة أثرٌ لتحضير سحر خلف الباب. ومع ذلك استعدّت لاستدعاء لودفيك إن لزم الأمر، كما استحضرت تعويذةً قصيرة حفظتها عن ظهر قلب.
صرير…!
وما إن فتحت الباب بحذر.
“……؟”
حتى بدت عليها الدهشة.
ليلةٌ من ليالي عالم الشياطين بلا قمر، في الممرّ حيث ينسكب ضوء باهت من شمسٍ مبيضة كالحليب تحلّ محل القمر، كانت تقف امرأةٌ من الشياطين، ظهرها نحو وهج الضوء.
“هيلينا؟”
لم يكن سبب ذهولها مجرد وجودها هناك. بل لأن هيلينا ظهرت متجاهلة مقامها كسفيرة رسمية.
‘بملابس نوم……وحافية.’
وفوق ذلك……
‘من دون حراسة.’
علمت أرييلا بعد الاجتماع فقط أن لودفيك اعتبر “ترول الثلج” خطرًا بالغًا. والآن الحارس الذي كان يتوجس منه لم يكن بجوارها.
“سيدة أرييلا، لديّ رجاءٌ ملحّ أود قوله.”
حتى المخاطبة تبدّلت؛ خاطبتها بلقب سيدة على نحو ما ينادى به النبلاء في عالم البشر.
“لن يأخذ وقتًا طويلًا، دعيني أدخل.”
كان صوتها سريعٌ ومنخفض، يحمل في نبراته وقعًا مقلقًا. و تعبير وجهها أيضًا لم يكن كما في قاعة الاجتماع.
“ما الأمر؟”
اختفى القناع الذي كان يحجب ملامحها تمامًا. ولأول مرة شعرت أرييلا أنها ترى وجه هيلينا الصادق.
بينما كان في عينيها ونظراتها رجاءٌ خاص.
“…….”
ومع ذلك لم تجبها مباشرة، بل اكتفت بمراقبها. فبدت هيلينا أشد استعجالًا.
“لا بد ألا يراني باقي وفد السفارة هنا. أرجوكِ!”
أي أن لديها أمرًا لتبوح به سرًّا بعيدًا عن أعين رفاقها.
وأخيرًا اتخذت أرييلا قرارها. و اختارت أن تثق بها.
“تفضلي بالدخول.”
تنحّت أرييلا جانبًا لتفسح لها الطريق، فاندفعت هيلينا مسرعة إلى الداخل. وأغلقت أرييلا الباب على الفور.
كانت قبضة هيلينا المرتجفة تدل على توتر شديد، مختلف كليًا عن أجواء اجتماع النهار.
‘إنها متوترة للغاية……في الاجتماع كانت تخفي هذا بكل جهدها، يائسةً.’
ظنت أرييلا أنها خبيرةٌ في شتى المواقف، لكن هيلينا لم تكن شخصًا عاديًا أيضًا.
“سأُحضِر لك كوبًا من الشاي الساخن.”
“لا، إن رآنا أحدٌ سيكون الأمر خطيرًا. لا بد أن يظل مجيئي هنا سرًّا……!”
“أي عيون تقصدين؟ لن أستدعي أحدًا. سأحضره بنفسي.”
تحركت أرييلا بمهارة وهي تُعِد الشاي، فيما راقبتها هيلينا بدهشة.
“تفضلي.”
وضعت أمامها فنجاناً أزرقَ فاتح، فرفعته هيلينا بحذر بكلتا يديها،
“……لم أتخيل الأمر هكذا. سمعت أن المتعاقدة مع الملك الشيطاني تحوز مقامًا لا يقل عن مساعديه المباشرين.”
“يقولون ذلك بحسب العرف، نعم. لكن يبدو أن في قلعة الشيطان التي عشتِ فيها الخدم يتكفلون بكل شيء، أليس كذلك؟”
لم تُنكر هيلينا، فابتسمت أرييلا بخفة.
“أما أنا، فليست حياتي مترفةً بحيث أستخدم من يخدمني حتى في هذه الأمور.”
في عالم البشر كانت خادمتها المخصصة “بيتي” تقوم بتلك المهمة، فلم يكن على أرييلا أن تُعِد الشاي بنفسها.
وحتى أدوات الشاي لم تكن في غرفتها، بل كانت بيتي تجلبها من غرفة الخدم الملاصقة.
‘لكن بما أن الظروف تبدلت، فعليَّ أن أتأقلم.’
و عندما اعتادت أن تؤدي كل شيء بنفسها، صار الأمر ممكنًا من جديد. حتى إعداد الشاي في ساعة متأخرة من الليل.
انتظرت أرييلا حتى تحتسي هيلينا أول رشفة.
و عندما رأت وجهها يكسوه الذهول، ارتسمت على محياها ابتسامة رضا.
“هـ……هذا الشاي؟”
كان طبيعيًا أن تُبدي ذلك الانفعال، فهو شاي أعشاب من “غابة الجان” أهدته لها فيلي لاحتسائه ليلًا.
فابتسمت أرييلا في سرّها بثقة.
“ما رأيكِ؟ مدهش، أليس كذلك؟ لا بد أنكِ تتوقين لمعرفة ما هي أوراقه.”
ثم تظاهرت بالهدوء و تحدثت بصوت عادي،
“لنترك أمر الشاي جانبًا، ولنبدأ بالحديث عن سبب مجيئكِ.”
***
كتمت هيلينا دهشتها من بساطة أرييلا غير المتوقعة، وأخفت فضولها تجاه عبير الشاي الساحر، ثم تكلّمت بوضوح وصوتٍ حذر،
“لم آتِ إلى هنا لأبلغكِ بكلام والدي، فذلك ليس هدفي الحقيقي.”
‘ماذا؟’
“لكن أليست مهمتكِ كسفيرة أن تمثلي وفدكم؟ هذا غريب.”
“ذلك مجرّد ذريعة. هناك خطةٌ أخرى لم أُطلع ملك الشياطين عليها.”
“خطة أخرى؟”
اعتدلت أرييلا في جلستها. فقد أخذ الحديث مجرى لم تتوقعه.
“أعتذر إن كنت قد أسأت التصرف في قاعة الاجتماع.”
“لا داعي لأن تنحني إلى هذا الحد.”
“كنتُ أرجو أن تصل مشاعري ولو بهذه الطريقة. لم يكن أمامي خيارٌ آخر، فهناك آذان كثيرة كانت تنصت.”
“إذاً، رأيكِ يختلف عمّا قلتِ؟”
ارتسمت على وجه هيلينا ملامح خجل.
“نعم. لقد أجبر والدي في الماضي الملك لودفيك على أمرٍ مخزي. وبصفتي ابنته، أشعر بالأسف العميق.”
هاه..…؟ بدت أفضل مما توقعت.
رأي أرييلا فيها أخذ يتغير في لحظته. فقد كانت كلماتها منطقية، وتعرف معنى العار والصواب.
“لكن إن كنتِ لا توافقين، فما الذي دفعكِ للانضمام إلى وفد السفارة؟”
“لأنه كان عليّ الوصول إلى إقليم الملك لودفيك مهما كلف الأمر.”
“ولماذا؟”
“لأنني..…”
وبنبرة يملؤها العزم، صوّبت هيلينا نظرها إلى أرييلاش،
“لأني أطلب اللجوء!”
كادت أرييلا ألا تصدق أذنيها.
“عفواً؟ ماذا قلتِ؟ لعلني سمعتُ خطأ.”
“لا، سمعتِني تمامًا.”
قالت ذلك بصدق وصوت مفعم بالرجاء،
“أنا، هيلينا ديلارك… ألتمس اللجوء في إقليم الملك لودفيك!”
***
على الفور استدعت أرييلا لودفيك. ولم تُكلّف خادمًا بإيقاظه وإرساله إلى جناح الملك، بل آثرت أن تُجري الأمر بهدوء.
فهمست بتعويذة خفيفة،
“لايت (ضوء)!”
و استغربت هيلينا. إذ ما إن أنهت اعترافها باللجوء، حتى أطلقت أرييلا تعويذة إضاءة دون سبب ظاهر.
“الغرفة مضاءة بما يكفي أصلاً.”
لكن أرييلا قطعت التعويذة في منتصفها.
‘إلغاء!’
فانطفأ السحر دون أن يكتمل.
“……؟”
ولم يكن السبب أن هيلينا قالت إنه غير ضروري. بل لأن نيتها من البداية أن تُلغي التعويذة بعد استدعاء القليل من طاقة الملك وتخزينها في جسدها.
أمرٌ يصعب على هيلينا أن تتخيله أصلًا. لكن النتيجة ظهرت بسرعة.
“ماذا الآن؟ لماذا أيقظتِني؟”
جاء صوت لودفيك من الممر، مثقلًا بالنعاس. و فتحت أرييلا الباب، فإذا به واقف هناك بوجهٍ عابس من الإزعاج الذي أيقظه من نومه.
“تفضل بالدخول.”
تأكدت أرييلا بسرعة من أن لا أحد يراقب، ثم جذبت لودفيك إلى الداخل.
و ما إن دخل حتى احتج غاضبًا،
“رجاءً، لا توقظيني بهذه الطرق الغريبة مرة أخرى. اكتفي بطرق الباب. أن يُسحب مني جزء من طاقتي السحرية وأنا نائم…..أمرٌ يثير أعصابي.”
لكن أرييلا، وقد اعتادت على ذلك، لم تأخذ سوى مقدار ضئيل جدًا من طاقته حين تلت التعويذة.
كان يكفيها سحرها الشخصي، لكنها تعمدت أن تستعير منه قليلًا. وبفضل ذلك لم يُصب لودفيك بإرهاق، بل أيقظته تلك الهزة الغريبة من نومه.
توقف عن التذمر فجأة، إذ لمح وجود امرأة من مملكة الشياطين المجاورة جالسةً في ركن الغرفة.
“…..هيلينا ديلارك؟”
خفضت رأسها قليلًا بتحية.
“وماذا تفعل هذه هنا؟”
وبعد أن أنهت أرييلا شرحًا موجزًا، أعاد لودفيك السؤال باستغراب،
“ابنة ديلارك تريد اللجوء إلى منطقتنا؟”
وبقي متحيرًا لحظة، ثم حك مؤخرة رأسه وردّ ساخطًا،
“حقًا! ما هذا التطور العجيب في منتصف الليل؟”
تدخّلت أرييلا، فقد رأت أن تفاصيل الحديث يجب أن تُستكمل بحضور الملك.
“إذاً انضمامكِ لوفد السفارة لم يكن إلا ذريعةً لتطلبي اللجوء، أليس كذلك؟”
“نعم. والدي لم يكن ليتخيل هذا أبدًا.”
كان وجه هيلينا مظلمًا وهي تتحدث.
هل علاقتها بوالدها سيئة؟
طرحت أرييلا السؤال الذي كان يشغلها منذ البداية،
“أرض الملك الشيطاني التي تعيشين فيها واسعةٌ وغنية، وحياتكِ هناك مضمونة بالرفاه، فلماذا تتركين كل ذلك لتأتِي إلينا؟”
“لأني لا أريد أن أموت.”
“ماذا قلتِ؟”
“لو بقيتُ هناك، فسوف يُقتَلني أحدهم يومًا ما.”
“……؟”
“……؟”
كان جوابها صادمًا مما جعل أرييلا ولودفيك يقفان في حيرة وذهول.
_____________________
من يقدر يقتلها اصلا لايكون ابوها الزفت؟
المهم طريقة تقويم لودفيك تضحك شكلها قد سوتها فيه قبل بعد😭
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 67"