كانت كلمات أرييلا التفافًا بارعًا حول تصريحات هيلينا.
“أنتِ تحدثتِ عن النمو والتطور، صحيح؟”
غير أن أرييلا ترى أن التطور الحقيقي يبدأ من مواجهة الماضي.
“و تقولين أن علينا أن نتخلى عن الماضي كي نتحرر؟ بالعكس، لو فعلنا ذلك فسوف نمسك في النهاية بأغلال الماضي الذي لم يُحل.”
“…….”
بقيت هيلينا صامتة، تخفي وجهها وهي ترفع فنجان الشاي إلى شفتيها.
لكن ملامح الوفد الدبلوماسي الأربعة المرافقين لها صارت وكأنهم يمضغون التراب. فلم يكن لديهم بدورهم ما يمكن الرد به.
لكن أرييلا حدثت نفسها.
“في الواقع، مجرد أن أقتبس هذه الكلمات هو أمرٌ ساخر بحد ذاته.”
فهي استعارت أقوال البطل، لكنها لم تذكر السياق الذي قيلت فيه.
ذلك البطل الذي هزم هايدلبرغ في المعركة الحاسمة حذّر قائلًا. “لقد صدّينا جيوش الشياطين بعد تضحيات جسيمة، لكن علينا ألا نغفل عن أسباب اندلاع الحرب ونحن مسحورون بلحظة انتصار عابرة.”
أي أن على البشر أن ينقشوا التاريخ الدامي في ذاكرتهم ويراقبوا عالم الشياطين بحذر.
وكان تذكيرًا بأن الجبهة البشرية في بداية الحرب هُزمت بسهولة لأنها افتقرت إلى المعرفة الكافية عن عالم الشياطين وأهله.
لكن أرييلا التي اختارت بملء إرادتها الهجرة إلى عالم الشياطين، ها هي تستشهد بهذه الكلمات؟
‘لو علمت الإمبراطورية لجن جنونها. فهم يقدسون البطل كقديس.’
إذ إن الإمبراطورية المقدسة نشأت أصلًا من إرث تشيغان.
‘لكن، وما المشكلة؟ نحن الآن في عالم الشياطين. لن تصل هذه الكلمات إلى آذان أولئك البشر على أي حال.’
وبينما تفكر هكذا، ظلت أرييلا تراقب هيلينا.
تلك الهالة المشرقة المبتسمة التي لم تفارقها طيلة الوقت، تبدلت لأول مرة إلى وجه خالٍ من أي تعبير.
‘هذا غريب.’
غمرها إحساسٌ يوحي بأنها لا تفعل سوى التظاهر بالهدوء. وكان ذلك الإحساس يزداد كلما فتحت هيلينا فمها لتتكلم.
مرّت ومضاتٌ عابرة من الالتواء خلف القناع، فركزت أرييلا على تلك الشقوق الصغيرة.
‘إنه نفس الوجه الذي يرتسم على من لا يصدق هراءه بنفسه.’
فتذكرت ملامح النبلاء الذين رأتهُم في عالم البشر.
إنها نفسها لا تتعاطف مع ما تقوله في هذا المجلس. لكن بما أن هناك من أصدر الأوامر، فهي لا تستطيع معارضتها، فتردد الكلمات كالببغاء.
‘دميةٌ نموذجية في ساحة السياسة.’
وبعد أن خسرت جولة، حاولت هيلينا أن تُنهي هذا الاجتماع بكلام مبهم.
“……يبدو أن اتخاذ قرار فوري أمرٌ صعب عليكم. فلتأخذوا وقتكم في التفكير بهدوء.”
و كما جرى الاتفاق، سيمكثون ليلةً في قلعة ملك الشياطين، ويرحلون غدًا.
قاد غرويب الوفد إلى حجرات النوم التي أُعدت لهم، بعد أن أنهك الخدم طوال أسبوع كامل حتى صنعوا منها معجزة.
وبينما تراقب ظهر هيلينا وهي تنسحب، سرحت أرييلا في تفكير قصير.
***
“انتهيت من التنظيف!”
في ممرات قلعة ملك الشياطين. الخادم الصغير تشاد مسح العرق المتصبب من جبهته وقرنيه.
فبعد أن أنهى المهمة الخاصة التي أُوكلت إليه بالخروج من القلعة لاستدعاء المتعاقدة، عاد لينهمك في عمله المعتاد: التنظيف.
“بهذا الشكل لن يعاتبني الأساتذة. الأرضية صارت تلمع كالمرآة!”
فقد كان قد صدر أمرٌ صارم من رئيس الخدم بالحفاظ على نظافة لا تشوبها شائبة، بما أن الضيوف في القلعة.
“صحيحٌ أنني لم أتمكن من رؤية وفد السفراء، لكن لا بأس، ستتاح فرصةٌ أخرى.”
وقف أمامه مخلوقٌ ذهبي متوازنًا ببراعة فوق درابزين الممر.
كان جسده أكبر من عجل صغير، ومع ذلك كان واقفًا عليه كعصفور، في مشهد غريب للغاية.
فهوى تشاد أرضًا.
“أيها التنين الذهبي!”
إنه التنين الصغير. ولأول مرة يواجهه وجهًا لوجه على انفراد.
لم يخطر له أن يسأل كيف عرف اسمه، فهناك إشاعةٌ منتشرة بأن التنين يعرف أسماء كل سكان الإقليم، بما أنه يعيش فوق قلعة ملك الشياطين.
والفضل في ذلك يعود إلى ذاكرة التنانين المميزة التي لا تنسى شيئًا.
“تشاد المتأخر دائمًا.”
فهم تشاد هذه العبارة كتوبيخ. فاشتعل وجهه بالحمرة.
“أ….أعتذر! من الآن فصاعدًا لن أتأخر أبدًا!”
مع أنه في الحقيقة ليس تابعًا له، ولا حتى شخصًا يجب أن يعتذر أمامه، إلا أن الكلمات خرجت منه بشكل طبيعي.
“لقد تأخرتَ أيضًا قبل ثمانية أيام، أليس كذلك؟ كان دخولك من بوابة القلعة في تمام الساعة الثامنة والعشرين دقيقة صباحًا. لذلك وبخك غرويب، أليس كذلك؟ لقد رأيتكَ من السماء.”
“آه، في ذلك الوقت!”
لم يكن لديه مجال للاعتذار. واحمر وجهه المنحني خجلًا.
“تشاد المتأخر دائمًا.”
أعاد التنين ما قاله للتو. فتساءل تشاد إن كان يقصد السخرية منه.
لكن.
“المتأخر دائمًا هو لقب.”
“ماذا؟”
“كلمة المتأخر دائمًا هي للمداعبة، أما تشاد فهو اسمكَ الحقيقي.”
“آه، نعم، صحيح.”
لكن لماذا يتفوه التنين الذهبي العظيم بمثل هذه الكلمات البديهية؟
وقد غلبه الفضول، فرفع رأسه من جديد. ليقابل عينين واسعتين تحملان فضولًا أعمق من فضوله.
في الحقيقة لم يكن التنين يقصد توبيخه أو السخرية منه.
“تشاد المتأخر دائمًا، أنت شيطان، صحيح؟”
“نعم.”
“لكن، هل يوجد من يناديك قائلًا: مرحبًا، أيها الشيطان؟”
“هاه؟ أ….أجل، لا أحد.”
كانت فكرةً بديهية للغاية. ولم يدرك تشاد سبب قول التنين هذا إلا بعد لحظات.
“لكن لماذا الجميع ينادونني فقط بالتنين الذهبي؟”
فتلعثم تشاد دون أن يجد ما يقوله.
والآن وقد فكر بالأمر، نعم…..هذا صحيح!
“الإنسانة أرييلا. الكوبولد غرويب. الشيطان تشاد. لكنني أنا فقط يُنادونني التنين الذهبي. بلا اسم. لماذا يا ترى؟”
كان سؤالًا لم يخطر لتشاد قط. فراح يحاول جاهدًا انتزاع جواب.
“أ….أظن ذلك لأنكَ عظيمٌ إلى هذا الحد يا سيدي التنين.”
“صحيحٌ أنني عظيم، لكن ما علاقة ذلك؟”
لو سمعت أرييلا هذه الكلمات لزفرت غيظًا.
وقالت: هؤلاء الشياطين أفسدوا هذا التنين. فهم يعبدونه لدرجة أفسدوا طباعه تمامًا.
وبالمثل، فإن التنين تقبّل مديح الصبي بشكل طبيعي، وألح عليه أن يكمل.
“نحن أيضًا حين نخاطب ملك الشياطين، و لا نتجرأ على ذكر اسمه. نقول: أيها الملك العظيم! وننحني. لأنه شخصيةٌ عظيمة إلى هذا الحد.”
“هنا ملك الشياطين؟ ذلك الرجل لديه اسم، لودفيك. أنتم فقط لا تنادونه به. أما أنا، فلا أملك اسمًا أصلًا.”
وحين اعترض التنين، أصيب الصبي بصداع.
و سرعان ما طرح تشاد احتمالًا آخر.
“أو ربما لأن التنين الوحيد الذي يعيش في هذه المنطقة هو حضرتكَ، أيها التنين الذهبي؟”
“هذا على الأقل يبدو منطقيًا.”
“أليس كذلك؟ حتى صديقي الذي يعمل معي من الشياطين أيضًا. اسمه روي. لو أن المشرف نادانا قائلًا: مرحبًا أيها الشيطانان! لالتبس الأمر ولم نعرف من يقصد.”
“صحيح، لأنكم جميعًا شياطين.”
“لذلك لا بد أن يُنادى المرء باسمه. أما حضرتكَ يا سيدي التنين، فلست بحاجة إلى اسم حتى لا يلتبس الأمر، فأنت التنين الوحيد هنا.”
كانت حجّةً معقولة إلى حد ما.
“إذاً هذا هو السبب؟”
“……ربما؟”
“فهمت، لكن لا يهمني.”
“لماذا؟”
“لأني أريد أن أملك اسمًا!”
لم يستوعب تشاد لماذا يرغب التنين بشدة في الحصول على اسم. فهو نفسه لم يجرب يومًا أن يعيش بلا اسم.
“تشاد المتأخر دائمًا، هذه مسألةٌ خطيرة.”
قال ذلك، ثم قفز التنين إلى الممر.
و توقع الصبي أن يسمع صوت ارتطام مدوٍّ، لكن لم يُسمع أي صوت ولم تهتز الأرض. فقد هبط بجسده الثقيل بخفة مذهلة أشبه بالخوارق.
“……؟”
ثم طوى التنين ذراعيه خلف ظهره عند خصره، وبدأ يدور في الممر على نفس البقعة.
كان يقلد طريقة غرويب كبير الخدم حين يمشي وهو يفكر. غير أن منحنيات جسد التنين الغريبة منعت أن تصل يداه إلى خصره فعلًا، فبدت حركته من الخلف مضحكةً للغاية.
وبينما يدور التنين الذهبي العظيم في الممر، تردد تشاد متسائلًا إن كان من الصواب أن يقف مكتوفًا.
وفي النهاية، أخذ يخطو وراءه بلا وعي ولا يدري لمَ يفعل ذلك.
“هممم. هُمممم!”
“…….”
تنينٌ صغير يدور في مكانه بالممر ووراءه صبي شيطان يتبعه.
تلك الدورة الغريبة لم تدم طويلًا. فقد اتخذ التنين قراره.
“تشاد المتأخر دائمًا.”
“نعم!”
“بما سمعته منكَ قبل قليل، تبدو ذكيًا إلى حد ما.”
“أنا؟ هيهي.”
كان الصبي عاجزًا تمامًا أمام المديح. و ما إن ابتسم ابتسامةً عريضة حتى أعلن التنين الذهبي،
“أنت، كُن تابعي.”
“تابعٌ للتنين الذهبي؟ أنا؟”
اتسعت عينا تشاد باندهاش.
‘يا للروعة! أن يكون المرء تابعًا لتنين، أمر يفوق الخيال!’
سيحسده جميع أصدقائه.
لكن سرعان ما خطرت له هواجس مقلقة.
“لكنني بالفعل من رعايا الملك لودفيك، فهل يجوز أن أصبح تابعًا للتنين أيضًا؟”
“وما علاقة الرعية بالتبعية؟ انظر إلى الجنود في الخارج، إنهم رعية الملك، ومع ذلك فهم أتباعٌ لأولكن.”
وقد تلألأت عينا تشاد حماسةً وهو ينصت. ثم تحدث التنين الذهبي بجدية.
“ابحث لي عن اسمٍ يليق بي، يكون رائعًا وجميلًا وعظيمًا!”
***
في تلك الليلة. كانت أرييلا كعادتها مستغرقةً في قراءة كتاب بين يديها وهي على السرير.
إذ اعتادت أن تختم يومها بقراءة مخطوط قديم أو بمراجعة تعويذة جديدة.
‘مع ذلك، صار لدي وقت فراغ أكثر في الآونة الأخيرة.’
وبفضل ذلك، ارتفع مستوى رضاها عن حياتها بشكل ملحوظ.
صحيحٌ أنها لم تصل بعد إلى مرحلة اللهو المطلق والانغماس طوال اليوم في هواياتها كما خططت في البداية، لكنها على الأقل تستمتع في حدود الوقت المتاح لها بالكتب والسحر.
وكان الكتاب الذي اختارته الليلة مليئًا بالموضوعات المشوقة.
“لو وصل هذا إلى عالم البشر لثاروا جنونًا. سيقلب الكنيسة رأسًا على عقب.”
فكلما اطلعت على المزيد من الكتب، ازدادت معرفتها بتفاصيل عوالم الشياطين التي لم تكن معروفةً في موطنها.
وبعضها كان يتعارض تمامًا مع معتقدات الكنيسة أو حتى ينقض تعاليمها من الأساس.
‘لو نُشر هذا الكتاب لاعتُبرتُ مهرطقةً فورًا.’
فمجرد اكتشاف أنها تعلمت السحر كان كفيلًا بأن يعرّضها للإعدام، فكيف إذا أنكرت التعاليم؟
لم يكن هناك ما يدعو للتفكير أكثر.
“على أية حال، هذا مجرد خيال عقيم.”
حكمت أرييلا ببرود.
‘لن أعود رسميًا إلى عالم البشر مطلقًا.’
وكان ذلك يقينًا شبه مطلق لديها.
فهي بالنسبة إلى معايير عالم البشر إنسانةٌ ميتة بالفعل. و لو أعلنت نجاتها الآن لتشابكت الأمور وتعقدت.
والأدهى أن أرييلا ستكون أول من يقع في مأزق خطير.
‘تُرى ما حال الإمبراطورية الآن؟ لا شك أن الإمبراطور قد تخلّى عني منذ زمن.’
حتى ملامح الإمبراطور لم تعد تتذكرها بوضوح. و لم يبقَ في ذهنها سوى صورة إنسان بارد وماكر لا يجوز الاقتراب منه أبدًا.
“لكن ما شأني به بعد الآن؟ فلن ألتقيه مطلقًا.”
وما أن خطرت ببالها ذكريات عالم البشر بعد طول غياب، حتى سرعان ما أزاحتها أفكارٌ أخرى. فذلك العالم صار أبعد من السراب.
ثم أعادت أرييلا تركيزها على الكتاب بين يديها. متعهدةً في سرّها أن تحمي هذه الحياة الثمينة، و ألا تدعها تنهار أبدًا.
لكن تركيزها لم يدم طويلًا.
طَرق! طَرق!
“من هناك؟”
________________________
ياعمري التنين يبي له اسم😔 بس مب حلوه يختار اسمه ولا تشاد لا ابي ارييلا تسميه غش
عسى ذا الي يطق الباب هو تشاد يعلمها
ولا هيلينا؟ تدور مشاكل او المسكينه صدق ابوها غاصبها تسوي كذا
المهم وين ديلارك حتى بنته مارحمها كل تبن صدق شيطان
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 66"