مرّت عدة أشهر منذ أن هاجرت نصف قبيلة الإنّت جماعياً.
“اليوم أيضاً، الطقس رائع.”
ابتسمت أرييلا وهي تخرج من بوابة قلعة ملك الشياطين.
لم تكن في السماء غيمة واحدة. و الشمس المرتبطة بالملك لودفيك كانت تبث نورها اللطيف على كامل أراضي المملكة بلا عائق.
“بالفعل، إنها تكبر شيئاً فشيئاً.”
أصبحت عادة أرييلا اليومية في الآونة الأخيرة أن تبدأ نهارها بمراقبة تلك الشمس. عادةٌ لم تكن موجودة في البداية.
حين سقطت لتوها في عالم الشياطين حاولت بالعكس أن تتجنب النظر إليها، إذ كان يثيرها القلق أن تراها ساكنة بلا تغيير.
فكل ما ينمو ويتطور هو وحده ما يبعث الحماسة في النفس.
“لكن في هذه الأيام يمكنني أن أرى بوضوح…..التغيرات.”
ومع ازدياد حجم الشمس، كانت قوى لودفيك السحرية، بل وحتى قدرات أرييلا نفسها، تتصاعد بلا توقف.
والسبب المباشر الذي أحدث هذا التغير لم يكن سوى شيء واحد، تزايد عدد سكان مملكة الشياطين.
و قد تقدم العدد ما لم يكن يخطر على البال قبل عدة أشهر فقط.
“أيتها المتعاقدة، مرحباً!”
“صباح الخير يا سيدة أرييلا!”
“أتخرجين خارج القلعة؟ عودي سالمة!”
وما إن اجتازت البوابة حتى رفع الجنود تحياتهم لها بصوت عالٍ.
بعد أن أصدر لودفيك أمراً شبيهاً بالمرسوم وطهّر صفوف جيشه من العناصر المتمردة، تغيّر تماماً موقف جنود الملك تجاه أرييلا.
لكن في الآونة الأخيرة بدا انضباطهم أشد وأكثر صرامة،
وخاصة حين تكون أرييلا أمام أعينهم.
‘هل وبّخهم لودفيك من جديد؟’
ومع ترديد اسمها كثيراً داخل المملكة وازدياد شهرتها، أخذ عدد الذين يكنون لها الاحترام والرهبة يتضاعف.
و حتى الجنود كانوا قد تأثروا بهذا الجو العام.
“فلنذهب إلى السوق.”
أعطت أوامرها لحرسها المرافق. فأحاط بها الجنود بصمت وانطلقوا معها.
***
‘على الأقل اليوم، لودفيك لم يصرّ على مرافقتي، سأستطيع التجوّل بهدوء.’
ذلك الذي سبق أن أعلن أنه سيتبعها أينما ذهبت، كان يضبط نفسه داخل حدود مملكته.
وقد آثرت أن تسير على قدميها برفقة الحرس بدلاً من استدعاء وسيلة نقل. فهي لم تكن تطيق ركوب تلك العربة الملعونة، كما أرادت أن تشاهد بعينيها أحوال المملكة عن قرب.
ثم وصلت إلى شارع طويل مكتظ بالناس.
“أوه! المتعاقدة جاءت!”
“إنها السيدة أرييلا!”
بات من المستحيل أن يوجد أحد في مملكة لودفيك لا يعرفها. فهي الفتاة البشرية الوحيدة التي تتجول في السوق.
وما إن يقع نظرهم على شعرها الأحمر القصير، الذي صار رمزاً لها، حتى ينحنون احتراماً.
وبسبب أفعالها السابقة، مثل حادثة حرق مصاص الدماء حيّاً، كان بعضهم يظهر شيئاً من الخوف.
لكن الغالبية العظمى كانوا يبدون احتراماً صادقاً نابعاً من قلوبهم. وكان ذلك طبيعياً. فقد عاشوا بأعينهم التغيرات التي شهدها هذا المكان.
وكانت أرييلا دائماً في قلب هذا التحول، وفي طليعته.
“سيقان أرنب الشيطان المشوي، ممتلئةٌ ولذيذة، بواحد سيل فقط للقطعة! جربوها، وإن لم تعجبكم نعيد نقودكم!”
تعالت أصوات الباعة الصاخبة في السوق بلا انقطاع. فتأثرت أرييلا بهذا المشهد الحيّ والنابض بالحياة، حتى كاد صدرها يفيض.
‘سوق…..أن يُقام سوقٌ في مملكة لودفيك!’
حقاً، كأن الأرض والسماء قد تبدلتا.
وكان هذا التغير السريع ثمرةٌ لجهودها وجهود غيرو. لكنها في قرارة نفسها كانت تعرف أن الفضل الأكبر يعود إلى كائن واحد.
التنين الذهبي. فبفضل عمليات الأيض المنتظمة والنشيطة التي كان يؤديها كل صباح، اتسع نطاق تأثيره.
تجلّت البركة العجيبة حتى تجاوزت حدود المملكة وامتدت إلى الأراضي التي يقطنها الفلاحون. ولهذا كانت تجري معجزاتٌ زراعية مدهشة في الحقول هذه الأيام.
“ما هذا؟ لقد زرعنا القمح أمس فقط، وها هو قد نبت ونما بهذا القدر!”
“هل يعقل أن أحدهم اقتلع البذور وأعاد غرسها في الليل؟”
“من قد يفعل ذلك؟ انظروا بدلاً من ذلك إلى هذا، ساق فول الحرير، كم هو غليظ!”
“مهلاً، هل بذور القرع التي زرعناها كانت أصلاً من هذا النوع الضخم الممتلئ؟”
لقد أثبتت بركة التنين الذهبي أثرها الفعّال حتى على المحاصيل.
كما كان الحال مع أسوار الإنّت، فقد أصبح أي شيء يُزرع في الحقول ينمو بسرعة مذهلة. ولم يكن الأمر مقتصراً على سرعة النمو فحسب، بل إن حجم الإنتاج نفسه قد تضاعف بشكل هائل.
‘حتى لو زرعنا بذرةً واحدة من النوع ذاته، فإن المحصول يزيد بمرتين أو ثلاث.’
وبهذا المعدل يمكن أن يحصدوا أربع مرات في السنة الواحدة.
فتحول نظام الغذاء في مملكة الشياطين إلى مشهد أقرب ما يكون إلى معجزة.
لقد حُلّت المعضلة المزمنة للأراضي الزراعية. فالمحاصيل باتت تُحصد مرات أكثر من السابق، وكميتها تكفي الجميع وتفيض عن حاجتهم.
ومع ظهور فائض في الإنتاج، صار سكان المملكة يملكون لأول مرة شيئاً يُسمى بالنقود المدخرة.
فبعد دفع الضرائب، وحتى بعد تلبية احتياجاتهم الخاصة، بقي فائضٌ من الطعام يبيعونه إلى قلعة الملك.
‘وأغلب السكان هنا مزارعون أحرارٌ يفلحون حقولهم بأنفسهم.’
فامتلأت جيوب من كانوا يتخبطون في الفقر، وعندها بدأ الاقتصاد يتحرك حقاً.
وهذا ما كانت أرييلا ترجوه وتتوق إليه منذ البداية.
***
واصلت أرييلا سيرها تراقب المارة. وما إن ابتعدت قليلاً عن قلب السوق حتى لمحت أشخاصاً يبدون اهتماماً بما لا يُباع أكثر مما يُباع.
“انظر، ألا تلاحظ لون هذه التربة؟ أليس مختلفاً؟”
“هل هذه التربة هي سر الحصاد الوفير؟”
كان بعض الشياطين القادمين من أقاليم أخرى يعجبون بالتربة ويمسكون بها بأيديهم. و لم يستطيعوا صرف أبصارهم عن تلك الأرض التي تشع بلون ذهبي فريد.
‘حتى أننا في المرة السابقة ضبطنا لصوص تراب!’
من النظرة الأولى يمكن لأي أحد أن يدرك أن أرض هذه المملكة ليست طبيعية. وقد سوّلت لبعضهم نقل كميات كبيرة منها إلى أراضيهم.
لكن بالطبع فشلت تلك المحاولات جميعاً، وأُلقي القبض على أصحابها. وكان للانضباط الصارم في جيش الملك دورٌ كبير في ذلك.
ومع ذلك، ما زال يوجد من يسرق حفنةً صغيرة تكاد لا تُلحظ، حفنةٌ للتذكار ربما، وذلك ما تغاضوا عنه.
‘ليكن تذكاراً، فلن يستطيعوا أن يزرعوا بها حتى سنبلة شعير.’
أنزلت أرييلا بصرها إلى التربة التي تسير عليها.
‘حتى بعيني أنا، يظهر الاختلاف.’
لا مجال لإنكاره، فالأمر يلفت الانتباه حقاً. كأن شجرةً من أشجار العالم قد نبتت هنا. فهكذا بدا سبب غنى الأرض وخصوبتها.
وبمجرد أن استحضرت صورة شجرة العالم، تداعت الأفكار متتابعةً في ذهنها.
‘بحثت في المكتبة، لكني لم أجد سبباً واضحاً. لِمَ لم تنبت في عالم الشياطين شجرة عالم جديدة طوال كل ذلك الزمن؟’
الإنت الذين لا يتركون سجلات قالوا أن الحال صار هكذا منذ مئات السنين، لكن الكتب أوضحت أن المدة تجاوزت في الحقيقة ألف عام.
ولم يستطع أحدٌ أن يكشف عن السبب. كلغز آخر ظل محفوراً في تاريخ عالم الشياطين.
‘لماذا بالذات قبل ألف عام؟ يا لها من مصادفة.’
بل إن اختفاء التنين الذهبي فجأة من صفحات تاريخ عالم الشياطين كان أيضاً في تلك الفترة نفسها.
هل هي محض صدفة؟ أم أن ثمة رابطاً خفياً بين الأمرين؟
‘……لحظة!’
كانت أرييلا غارقة في أفكارها حينما توقفت فجأة وسط الطريق.
“هل أنتِ بخير؟”
“أيتها المتعاقدة، إن احتجتم شيئاً فأمرينا!”
سألها الحراس وهم ينظرون إليها.
لكن أرييلا لم تجب، بل رمقت بنظراتها ناحيةً ما.
‘كنت أشعر بنظرات غريبة تتبعني، وها قد تأكد الأمر.’
ضيّقت عينيها.
“من هناك؟”
كل من يلتقي بنظراتها من سكان المملكة كان يهرع لتحيتها، سواء بفرح أو بخوف.
لكن، هناك، خلف الزقاق. شخص ما يختبئ في الظلال المظلمة يحدق بها.
خشخشة!
وما إن التقت نظراتهما حتى اختفى ذلك الشخص إلى عمق الزقاق. ويبدو أن الحراس أيضاً رأوا من كانت تحدق فيه.
“وجهٌ لم نره من قبل.”
“ليس من سكان مملكة الشياطين. و قد بدا واضحاً أنه غريب.”
أمالت أرييلا رأسها.
“ومع ذلك أشعر أنني رأيته من قبل في مكانٍ ما.”
فسألها أحد الحراس،
“أتريدين أن نطارده ونحضره؟”
وافقت أرييلا، لكن في النهاية كان الأمر بلا جدوى. ففي تلك اللحظات القصيرة، تمكن الشخص من إخفاء آثاره والاختفاء.
و بدلاً من استخدام السحر، بدا أنه اندمج بمهارة بين الحشود بطريقة كلاسيكية.
‘لو أنه استخدم تعويذة التخفي، لكنت تمكنت من تتبعه.’
فعادت أرييلا إلى القلعة وهي تحمل شعوراً بالانزعاج.
***
في ذلك اليوم بعد الظهر، عُقد اجتماع في قلعة ملك الشياطين.
“هل تقولون أنهم سيرسلون مبعوثاً من مملكة ديلاك إلينا؟”
“نعم، صحيح.”
مدّ رئيس الخدم غرويب الرسالة.
كانت رسالةً وصلت هذا الصباح أثناء غياب أرييلا.
“يبدو أنهم سيغادرون نحونا الأسبوع المقبل.”
مبعوث من ملك شياطين مجاور.
وكان هذا أول حدث من نوعه منذ وصول أرييلا إلى عالم الشياطين.
“قد يكون هذا دليلاً على ارتقاء مكانة المملكة.”
قالت أرييلا ذلك وهي تتردد في إكمال جملتها.
“لكن، هل لدينا في قلعة الملك غرفةٌ مناسبة لاستقبال المبعوثين؟ مثل غرفة الاستقبال مثلاً.”
“…….”
حينها، ساد الصمت بين الجميع.
“كما توقعت.”
في مملكتها الأصلية، كان لدى المملكة غرفةٌ للعرض الملكي، لكنها لم تكن تتوقع شيئاً بهذا المستوى، فكانت تسأل عن غرفة استقبال أقل رسمية.
لكنهم أخبروها بعدم وجودها.
ثم تحدث غرويب بصوت متردد.
“لم تُستخدم هذه الغرفة منذ عقود، وأصبحت الآن مخزناً.”
“إذاً علينا أن نقوم بتنظيفها على وجه السرعة.”
كانت قد وظفت بعض الخدم مؤخراً، و ذلك كان مفيداً الآن.
“من المريح أنها مجرد مخزن. لو تحولت إلى مختبر زومبيات ريتشموند أو غرفة نوم أولكن، لكان الأمر صعباً.”
“هاه، ماذا تقولين أيتها المتعاقدة؟ مقارنةُ تلك الغرفة المتسخة، المليئة بالشعر المتساقط على الأرض، مع مختبراتي العريقة.”
“يا لها من سخافة. غرفتي أفضل بكثير من مستنقع الجثث الفاسدة!”
تجاهلت أرييلا كلام ريتشموند و أولكن و تحزثت،
“غرويب، أعتمد عليكَ في ترتيب الأمور.”
“سأتأكد من أن كل شيء جاهز لاستقبال الضيوف كما ينبغي.”
صراحةً، شعرت أرييلا بالارتياح قليلاً، لكنها في الوقت نفسه أثارت في نفسها بعض الشكوك حول ما إذا كان هناك شيء مخططٌ له من الطرف الآخر.
فأي شخص صاحب سلطة يتحرك دائماً نحو مكاسبه. وقد تعلمت هذا الدرس جيداً أثناء تعلمها للشؤون العامة في عالم البشر.
‘هل يريدون مجرد الانضمام إلينا للحصول على بعض المكاسب السهلة، أم أن هناك مؤامرةً خفية؟’
بينما هدأت عينا أرييلا بهدوء، تحدث لودفيك وهو يضع ذراعيه متشابكتين بحزم،
“توقفوا جميعاً! مبعوث ديلّاك؟ لا حاجة للتفكير أكثر. هذه مؤامرة!”
“آه، لقد توصلت إلى استنتاجكَ بالفعل.”
كانت أرييلا تفكر وتراجع عدة احتمالات، لكن يبدو أن لودفيك قد قرر منذ البداية.
يمكن القول أنه مباشر، أو ربما بسيطٌ جداً.
“حسناً، أحياناً أشعر أنه لا شيء يعكر صفو حياتي.”
الملك الذي يبتعد عادةً عن القلق والتفكير العميق إلا في الأمور الخاصة، أظهر تعبيراً يفيض بالرفض.
“أقول لكم من الأفضل ألا يأتوا! لا أريد أن أتشابك معهم أو أتعرض للمشاكل!”
سأل غرويب، الذي تسلم الرسالة شخصياً، بحذر،
“لكن المبعوث الذي أُرسل هذه المرة ليس من الشياطين العاديين.”
“وماذا يعني ذلك؟”
توجهت أنظار الجميع نحو غرويب. فمن يكون هذا الشخص العظيم الذي سيأتي؟
________________________
خير من قال ابي اخلص الفصل هناه طيب قل من عشان يتفاجؤون وينتهي الفصل😭
تخيلوا ديلاك مدري ديلارك جاي بكبره؟ بس صدق وش صاير بينه وبين لودفيك شكلهم متهاوشين😂
المهم من الزفت الي قاعد يراقب ارييلا؟ ياويلك من لودفيك وقولدي جميع
التنين صار قولدي لين تطلع ارييلا باسم 😘
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 63"