توقفت قدما زعيم الأورك الذي كان يتقدم بخطى قوية. وكذلك فعل الجنود الأورك الذين كانوا يتبعونه.
و ارتسمت على وجه الزعيم علامات حيرة عميقة.
“ما الذي كان ذلك الآن؟”
تبع بعينيه الجندي الذي طار بعيداً.
ذلك الذي كان قبل لحظة في طليعة الجيش يتقدم بقوة، لكنه فجأة أصيب بشيء عاصف وقذف بعيداً.
“بِمَ أصيب؟”
كان الأمر سريعاً جداً فلم يُرَ بوضوح، لكنه بدا كأنه سوطٌ أسود غليظ.
الأورك الذي تلقى الضربة كان ما يزال حياً على ما يبدو، إذ كان يرتجف أحياناً ارتجافاً متقطعاً. لكن الدماء التي سالت من حوله أكدت أنه مصاب بجروح خطيرة لا شك فيها.
“مَن هناك!”
رفع الأورك أسلحتهم وهم متوترون إلى أقصى حد، يتلفتون بقلق. لكن لم يظهر في الجوار أي أثرٌ لعدوهم، جنود الشياطين.
“من الذي هاجمنا قبل قليل؟”
“هل هو العدو؟ أهو كمين؟”
تحولت الأجواء في لحظة الى توتر مشدود.
أعدّ الجنود أنفسهم لحالة التأهب، لكن الغابة ظلت ساكنة تماماً. و لم يُرَ سوى أشجار عملاقة كأنها أعمدةٌ تحمل السماء.
ثم اختلط الغضب بالريبة فتجعد وجه الزعيم.
و في تلك اللحظة همس أحد الجنود.
“ألم تتحرك تلك الشجرة قبل قليل؟”
“ماذا تقول؟”
“الأغصان تحركت بسرعةٍ هائلة، وكأنها سوط ضربت به جندينا……!”
أطلق الزعيم زفرة ضيق.
“كفّ عن الهراء! كيف يمكن لشجرة أن تهاجمنا؟”
ثم رفع سيفه عاليًا فوق رأسه.
“تقدموا مجدداً. ابحثوا عن أولئك الكامنين واقطعوا رؤوسهم!”
وبأمره تفرّق جنود الأورك في أرجاء الغابة.
كان هدفهم تعقب جنود الشياطين المختبئين والقضاء عليهم. لكن اندفاعهم القوي توقف مرة أخرى هذه المرة أيضاً.
بوووم! بوووم!
فقد انطلقت أصواتٌ تشبه هراواتٍ تهوي في أماكن متفرقة. ثم تبعتها أصوات ارتطام عنيفة! بَـق! بَـقع!
ثم دوى في الأجواء صوت ارتطام صلب يمزق اللحم.
“كوييييك!”
“كوااااك!”
بينما تتابعت صرخات الأورك المروعة وهم يتلقون الضربات.
“حقاً، هذا……؟”
اتسعت عينا زعيم القبيلة بذهول. فالمشهد الذي أنكره قبل لحظات كان يتجلى أمام عينيه. أشجار الغابة راحت تلوّح بأغصانها بعنف وهي تهاجم الجنود.
وقد كانت الضربات دقيقةً وقوية، فإذا حاول الجنود الفرار تبعتهم الأغصان بإصرار لتسحق رؤوسهم وصدورهم.
كأن لتلك الأشجار إرادةً خاصة.
بووم!
“كوييييك!”
تلقّى أورك الضربة فارتفع عاجزاً في الهواء، ثم ارتسم قوسٌ في السماء قبل أن يطير بعيداً ويسقط أرضاً.
ومكان سقوطه كان دوماً خارج حدود تلك الغابة الغريبة.
“لماذا تطردنا الأشجار؟”
ألم يكن الأمر أشبه بدفع الأورك قسراً إلى خارجها؟
عندها دوّى الصوت.
كووووورررررر!
“كيف تجرؤون!”
ثم ارتج المكان بصوت عميق وثقيل.
“هذا المكان حيث تنمو براعمنا الثمينة……!”
“كيف تجرؤون على أن تدنسوه بأقدامكم القذرة……!”
شعر زعيم القبيلة بأن ساقيه ترتجفان. فأمامهم أشجارٌ تعلو أكثر من عشرة أضعاف طول الأورك بدأت تتحرك وتنهض.
وما إن حركت جذورها حتى اهتزت الأرض كما لو ضربها زلزال.
“اخرجوا فوراً من أرض الذهب……!”
في تلك اللحظة أدرك زعيم القبيلة حقيقتهم. تلك أشجار العملاقة التي تتحرك وتتحدث.
“إنت؟ كيف يمكن أن يكون الإنت هنا؟!”
كاد صوته أن ينفجر بصرخةٍ يائسة. بينما جاء ظلّ هائل غطى وجهه ووجوه الأورك من حوله.
و داخل الظلال الكثيفة التي صنعتها حركة الإنّت، انتشرت كآبة أشد حلكة.
وصاح أولئك العمالقة من البشر الأشجار بصوت واحد.
“اخرجوا جميعاً من هنا أيها الأوغاد!”
ثم انهالت سياط الأغصان الغليظة كعاصفة هادرة.
***
“جنود الحدود رفعوا تقريراً.”
في قلعة لودفيك، مقر ملك الشياطين. تكلم أولكن في اجتماع الأتباع.
و لم يكن من المعتاد أن يحمل هذا الرجل أخباراً سارة إلى هذا المجلس.
“يبدو أن الأورك تسللوا إلى أراضي الإنّت.”
كانت أرييلا قد توصلت مع الإنّت إلى اتفاق بسهولة.
وبمقتضى الوعد، انتقل نحو نصف الإنّت البالغين الذين عاشوا في غابة الجان إلى أراضي لودفيك، مملكة الشياطين.
و شرط أرييلا الوحيد كان أن يغرسوا جذورهم بمحاذاة التضاريس الطويلة التي تطوّق المملكة كالسور.
فوافق الإنّت على ذلك قائلين إن الغابة، حتى وإن تشكلت هناك، ستظل واقعةً ضمن نطاق “أرض الذهب”.
وما إن استقروا حتى غرسوا بذورهم، ولم تمضِ فترةٌ طويلة حتى برزت براعم صغيرة.
فابتهج الإنّت، وغرست عدة أشجار بالغة جذورها على نحو يحوط كل برعم جديد لتحميه. كما تنازلوا عن تدفق غذاء الأرض وقواها السحرية لتصب في تلك الشتلات كي تنمو قوية.
وفي خضم هذا التوقيت الحرج، اجتاح جيش الأورك الغابة.
“وماذا كانت النتيجة؟”
ابتسم أولكن ابتسامةً ساخرة. وانكشفت أنيابه الحادة بين شفتيه.
“لقد سُحقوا تماماً. نالوا ضرباً مبرحاً وطُردوا شر طردة. يُقال أن الذين تمكنوا من مغادرة الغابة على أقدامهم لا يكاد عددهم يُحصى.”
فهز الجميع رؤوسهم راضين.
“إنها أول نسل يبرعم منذ مئات السنين. كان من الطبيعي أن يثوروا بشدة على من تجرأ ودخل أرضهم.”
“هؤلاء الأورك لن يجرؤوا بعد الآن على مجرد التفكير في غزو هذه الجهة.”
لقد أصبحت غابة الإنّت بمثابة درع طبيعي منيع. والأفضل من ذلك أن هذا الدرع بمرور الزمن لا يضعف، بل يزداد قوة.
“حين تكبر تلك البراعم وتصير أشجاراً بالغة، ستنضم هي الأخرى إلى الدفاع عن أرضها في وجه أي متسلل.”
الإنت استفادوا بفرصة لتكاثر جنسهم، ومملكة لودفيك نالت حصناً طبيعياً صلباً إلى جانب مورد ثابت من الأعشاب الطبية.
كانت صفقةً عادلة عادت بالنفع على الطرفين.
“لكن ما سرّ أن تُصبح تربة الحدود فجأة خصبة على هذا النحو؟”
“صحيح، حتى الأعشاب التي لم تكن تنبت بدأت تنمو فجأة، والإنّت يصرخون بأنها أرض الذهب المباركة!”
“وأنا أيضاً أتساءل……كيف نبتت البذور في مكان لا وجود فيه لشجرة العالم؟”
كانت أرييلا تعرف الجواب. فقد تصفحت خلال تلك الفترة الكتب المتعلقة بالموضوع وجمعت ما فيها من معلومات.
وحين قارنت ذلك مع الوضع الراهن في مملكة الشياطين خرجت بإجابة واضحة.
“السبب الذي جعل تلك الأرض تتغير فجأة، ببساطة……”
أعلنت أرييلا بإيجاز.
“إنها الفضلات.” *وانتم الكرامة
“……؟”
ساد صمتٌ مرتبك في قاعة الاجتماع لبرهة.
ثم تتابعت الأصوات.
“……الفضلات؟”
“هل قلتِ الفضلات؟”
“أحقاً نطقتِ بكلمة فضلاتٍ الآن؟”
“فضلات؟ ما هذا؟”
“فـ….فـ….فضلات؟”
تكلم لودفيك، و فيلي، و أولكن، و ريتشموند، و غيرو جميعاً تقريباً في الوقت نفسه.
فتداخل نطق الكلمة حتى بدا الأمر كأنه جوقةٌ غريبة، وإن كان وقعها وأثرها بعيدين كل البعد عن السمع الجميل.
“نعم، فضلات.”
ثم شرحت أرييلا الأمر متحدثةً عن التنين الصغير الذي لا بد أنه ما زال يطير في الأرجاء.
“أنتم تعرفون أن التنين الذهبي يطير كل صباح في وقت محدد نحو الشمال، أليس كذلك؟”
كان السكان يطرحون شتى التفسيرات حول السبب، لكن حاشية القلعة كانت تعرف الحقيقة بدقة.
“إنه يخرج كل صباح ليقضي حاجته، لا أكثر.”
وأحد الأمور التي أدركتها أرييلا بنفسها أثناء تربيتها للتنين الصغير، هو أن هذا المخلوق شديد الحرص على النظافة.
حتى هذا الفعل الذي يؤديه مرةً كل يوم، كان يفضل أن يقوم به في مكان بعيد خالٍ من الناس، لا في موضع مأهول.
والمسافة التي تستغرق يوماً كاملاً سيراً على الأقدام يستطيع أن يقطعها بجناحين يرفرفان بضع مرات فقط، في لحظات.
“والمكان الذي اختاره لم يكن سوى أطراف مملكتنا.”
موضعٌ داخل نطاق الأرض التي يعتبرها موطناً له، لكنه أبعد ما يكون عن مكان نومه.
يبدو أن التنين الصغير قد اختار هذه النقطة غريزياً.
وقد عُرف هذا الأمر بفضل تقارير الجنود التابعين لأولكن.
فهم وقد تمركزوا في مواقع حصينة على الحدود كانوا قادرين على رؤية تحركات التنين بأعينهم.
“وهكذا، نتيجة أن التنين الصغير كان يقضي حاجته كل يوم في تلك المنطقة……”
قال ريتشموند ذلك وهو يشبك عظام أصابعه باهتمام لافت.
“هل تشبّعت التربة بأثر غامض؟”
“صحيحٌ تماماً.”
لم تكن حكاية الإنّت مجرد خرافة جوفاء، بل كان هناك سببٌ حقيقي لِمَ أطلقوا على تلك الأرض اسم “أرض الذهب”.
“صاحب القافلة الجنوبية من الأقزام حصل على إحدى قشور التنين، ومع ذلك لم يدرك أنها تعود إلى تنين. لماذا؟ لأنه لم يرَ مثلها قط.”
فجنس التنانين يقدّس أجزاء جسده إلى درجة أنه لا يفرّط حتى في قشرةٍ واحدة عبثاً.
لذلك حتى العلماء لم يستطيعوا تحديد ماهية هذا الكائن، إذ لم يكن لديهم أي عينة يقارنونها بها.
“جسد التنين نفسه هو بلورةٌ سحرية فائقة القوة. حتى لو لم تشرق الشمس، وحتى من دون شجرة العالم، فإن التنين قادرٌ على العيش وحده.”
ولهذا السبب لم ولن يخضع التنين لملك الشياطين، ولا حاجة له بأن يجعل عرينه ضمن مجال شجرة العالم.
فسأل ريتشموند باستغراب،
“إذًا، بما أن جسده كاملٌ إلى هذه الدرجة، فحتى فضلاته تحتوي على سحر قوي؟”
فتحت أرييلا كتاباً قديماً عثرت عليه في المكتبة، وتلت ما ورد أسفل رسم يصوّر تنيناً ذهبياً.
“كان مكتوباً: التنين الذهبي، رمز الوفرة. جسده النبيل يمنح بركة تتحول إلى أرض خصبة.”
“بركة؟”
كانت كلمة “بركة” ذاتها قد وردت أيضاً على لسان الإنّت.
“انظروا إلى هذه الصورة. تحت التنين بركةٌ ذهبية، أليس كذلك؟”
في البداية، خطر لها أنه قد يكون يبيض بيضاً من ذهب. لكن الحقيقة لم تكن كذلك.
“لم تكن بيضةً ذهبية بل فضلات. بالنسبة للتنين، إنها مجرد فضلات يطرد معها بقايا السحر، أما بالنسبة لبقية الأجناس فهي مصدر طاقة هائل. وخصوصاً حين يتعلق الأمر بالتنين الذهبي.”
وسر خصوصية فضلات التنين الذهبي أنه من بين كل التنانين يمتلك أعتى طاقة سحرية. بل وحتى قبل أن يبلغ مرحلة البلوغ، أي منذ كونه مجرد تنين صغير.
“إذاً هذا هو الأمر.”
فاقتنع الجميع.
كان مبدأ عجيباً ما كان ليخطر على البال، وأمراً لا يمكن البوح به أبداً على مائدة طعام.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات