كان المشهد مهيبًا: عشرات من الإنت ينحنون جميعًا أمام التنين الذهبي.
ذلك الجزء الغامض من أجسادهم، الذي لم يُعرف أهو شعرٌ أم رأس، تمدد ليشكّل أذرعًا. وذلك الجزء الذي لم يُفهم أهو خصرٌ أم ساق، انثنى ليصبح ركبتين.
ثم أحنوا جذوعهم، وأسندوا أذرعهم إلى الأرض، وهم يهتفون بصوت واحد مكررين،
“التنين الذهبي!”
“الكائن الذي ينشر البركة المقدسة!”
“التنين الذهبي الأسطوري يقف أمامنا الآن!”
“يا له من شعورٍ مهيب! مهيب بحق!”
في البداية ارتسم الارتباك على ملامح التنين الصغير.
“هاه؟”
لكن حين رأى كائنات الأشجار تحيط به وكأنها تمجّده، لم يلبث أن تحوّل سريعًا إلى وجه مزهوّ متعجرف.
كان لا يعرف السبب، لكنه انسجم مع الموقف بلمح البصر.
“صحيح! أنا هو التنين الذهبي!”
“أوووووه!”
وما إن أجابهم حتى ارتجف الإنت أكثر تأثرًا، واهتزت أجسادهم كلها طربًا. ومع كل رجفة تساقطت أوراقهم الزرقاء بغزارة كالمطر.
‘أيعني هذا أنهم مثل البشر حين يتساقط شعرهم؟ إذن هذا صلع! لكن إذا كان مثل تساقط الأوراق، فهم يعانون صلعًا كل شتاء! أو لعلها عملية تبديل شعر؟’
“آه، هذا ليس وقت هذه الأفكار.”
أعادَت أرييلا تركيزها إلى الواقع بعد أن شرد ذهنها بتلك التساؤلات الغريبة.
لكن الأجواء من حولها ازدادت حماساً، إذ راح الإنت يرفعون عشرات من أغصانهم ثم يخفضونها في حركة متكررة، كأنهم يؤدون طقوساً.
أما التنين الذهبي الصغير فازداد غروراً، رافعًا عنقه الطويل نحو السماء وهو يرفرف بجناحيه في حماس. غارق في لذة الاهتمام والرهبة التي غمرته.
‘يا له من صخب……يا له من ضجيج.’
لقد بدت الساحة وكأنها اجتماع طائفة دينية متطرفة، يشتعل فيها الحماس على نحو غير عادي.
ثم تقدمت أرييلا بصعوبة لتقطع الجو،
“أعتذر عن مقاطعتكم……لكن، هلّا شرحتم لي ما الذي يحدث هنا بالضبط؟”
***
تحدث ممثل الإنت أولاً،
“ثمة أسطورةٌ توارثناها منذ القدم……تقول أنه عندما يواجه قومنا خطر الفناء، سيظهر التنين الذهبي……ليمنحنا الخلاص.”
تلاقت نظرات أرييلا وفيلي.
وتبادل الاثنان حديثًا صامتًا فيما بينهما: “هل كانت هناك أسطورةٌ كهذه؟” — “حتى أنا لا أعرف شيئًا عن أساطير الإنت.”
أما الوحيد الذي بدا مسرورًا بما سمع فهو صاحب الشأن المذكور في الأسطورة.
“حقًا؟ أنا؟ أنا من سيخلّصكم؟”
رفع ذقنه ورأسه في زهو، وقد غمره الفخر.
و لم تأبه أرييلا بغرور التنين الذهبي، بل بادرت بطرح تساؤلها.
“خطر الفناء؟ هل الوضع خطيرٌ إلى هذا الحد فعلًا؟”
صحيحٌ أنها تعلم أن مشكلات الجان المتسللين إلى أراضيهم صداعٌ دائم، لكن هل يستحق الأمر أن يُعتبر أزمةً تهدد مستقبل شعب بأكمله؟
أيمكن أن تكون محاولتها لاقتطاف بعض الأعشاب من الغابة قد أفضت إلى عواقب بهذا الحجم؟
“إزعاج الجان وتسللهم إلى أراضينا أمر يثير الغضب والضيق، لكن ليس هذا ما أعنيه بالخطر.”
“إذاً ما هو؟”
“لقد كنا نواجه مأزقًا منذ زمن، حتى قبل أن يثير الجان تلك الفوضى.”
“مأزق؟ أي مأزق؟”
“إنه يتعلق ببقاء سلالتنا واستمرارها.”
بقاء السلالة. جملة لم تكن أرييلا تتوقعها قط.
“لقد مضت مئات السنين في هذه الغابة……دون أن نستطيع إنبات شتلة جديدة واحدة.”
بمعنى آخر……ترجمت أرييلا ذلك بمصطلحات مألوفة لها،
“تقصد أن عددكم لم يعد يزداد؟”
“صحيح. منذ زمن لم تظهر أي براعم جديدة على الإطلاق.”
وقد أكدوا أن عدد الإنت في غابة الجان ظل ثابتًا لا يزداد ولا ينقص منذ وقت طويل.
“بما أنكم أشجار، فمن الطبيعي أن تعيشوا أعمارًا طويلة فلا يحدث نقصان……لكن لماذا لا تنبت شتلات جديدة إذاً؟”
“لأن الأرض غير موجودة.”
قال الإنت ذلك بصوت مثقل بالكآبة.
“لكي ننمّي شتلةٌ جديدة، نحن بحاجة إلى أرض مباركة بعناية شجرة العالم. وغابة الجان هي الأرض المعنية بذلك. لكن داخل هذه الغابة……لم يبقَ موطئ يصلح لنمو إنت صغير.”
“مستحيل! غابةٌ بهذا الاتساع، لو تاه المرء فيها لضاع ثلاثة أشهر كاملة، ولا يوجد فيها مكانٌ لشجرة واحدة؟”
“لا أقصد المساحة المادية للأرض……بل طاقة الغابة. فلو زاد عدد الإنت هنا أكثر مما هو عليه الآن، لامتصوا من سحر شجرة العالم أكثر مما ينبغي.”
إذاً من الطبيعي أن تضعف قوى الحياة.
“وبالنتيجة، لا يتضرر جنسنا نحن الإنت وحدنا، بل حتى سائر النباتات في الغابة. تفقد نموّها وتذبل.”
“فهمت. معنى ذلك أن الحفاظ على عدد الإنت عند هذا المستوى هو ما يضمن توازنًا مثاليًا مع قوى شجرة العالم، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
لقد كان قرارًا يأخذ في الحسبان ليس الإنت فقط، بل حتى النباتات العادية التي تعيش معهم.
وذلك بدا لأرييلا أمرًا نادرًا وجديدًا على مسامعها. فلو كانوا بشرًا أو من الشياطين، لقطعوا الأشجار الأخرى واقتلعوها ليصنعوالأنفسهم موطئًا جديدًا بلا تردد.
تلك كانت طريقة البشر والشياطين. تجريف الغابات لصناعة الحقول، وإزاحة الكائنات الأخرى لضمان موطن لأنفسهم.
وحتى النباتات العادية التي لا تملك عقلًا لم تَسلم من تلك القاعدة. فالتنافس على البقاء بين الأحياء لا يفرّق بين حيوان ونبات.
كثيرًا ما يذبل نوع ليترك المكان لنوع آخر ينبت ويزدهر. لكن الإنت – على خلاف ذلك – أولوا أهميةً كبرى للتعايش مع بقية الكائنات النباتية.
هل هذه سمة العقل النباتي؟ يبدو أن طريقتهم في التفكير تختلف عن عقل الكائنات الحيوانية مثل الشياطين.
ثم واصل الإنت شرحه،
“كل المشكلات بدأت منذ توقفت شجرة العالم في قلب الغابة عن النمو.”
لو ظلت شجرة العالم تنمو إلى ما لا نهاية، لاستطاع الإنت زرع بذور جديدة بلا انقطاع. لكن حين توقف نموها، توقّف معها اتساع مجال نفوذها.
“لم يعد في هذه الغابة أي أرض صالحة للاستعمال. كان علينا البحث عن أرض أخرى، لكن لم نجد مكانًا يلبي الشروط.”
وكما أن في عالم الشياطين أكثر من شمس، فشجرات العالم ليست واحدة، بل عدة شجرات عظيمة في بقاع مختلفة.
وعندما تنبت شجرة عالم جديدة، تنشأ معها أرضٌ خصبة مشبعة بالسحر، فيستطيع الإنت زرع بذورهم هناك وتكثير نسلهم.
لكن في الأزمنة الأخيرة، لم تعد أي شجرة عالم جديدة تنبت مطلقًا. وبذلك التسلسل، عجز الإنت عن زرع أي بذور.
“وما سبب توقّف ظهور شجرات العالم الجديدة؟”
“لا نعلم. لكن ما نعلمه يقينًا هو أن ذلك وضع الإنت في مأزقٍ وجودي. فالماء الراكد يفسد لا محالة، وكذلك السلالة التي لا تتكاثر لا مستقبل لها.”
غرس البذور وإنبات الشتلات كان في نظر الإنت واجبًا مقدسًا لبقاء جنسهم.
“لكننا مطمئنون الآن.”
“همم؟”
“لقد ظهر التنين الذهبي الأسطوري! وبمجيئه سننال الخلاص. سيقودنا إلى أرض جديدة، إلى خلاصٍ تزدهر فيه سلالتنا!”
“إلى الازدهار!”
“إلى الازدهار!”
وما إن دوّى هتافهم حتى انحنى الإنت من جديد، مردّدين الهتاف وهم يتضرّعون نحو التنين.
و حتى التنين الصغير استغرقه الحماس، فردّد معهم بصوت عالٍ مبهور،
“إلـى الإزدهااااار!”
بينما كانوا أرييلا و لودفيك وجنود ملك الشياطين يحدقون في ذلك المشهد بوجوه مذهولة.
***
تشكل موكبٌ عجيب يشق طريقه من غابة الجان حتى أراضي ملك الشياطين لودفيك.
في المقدمة كانت تسير أرييلا ورفاقها، غير أن خلفهم ظهر عددٌ من المرافقين الذين لم يكونوا موجودين عند الانطلاق.
و أولهم كان التنين الذي أضاف نفسه محلّقًا فوق رؤوسهم.
فوووش!
لقد بلغ التنين مستوى مدهشًا في مهارات الطيران، حتى أنه لو أراد لوصل إلى أراضي ملك الشياطين قبل أي أحد. لكنّه كان يضبط سرعته كي يرافق أرييلا.
وفي الوقت نفسه، لم يكن المرافقون الجدد فوق الرؤوس فحسب. فخلفهم أيضًا انضمت سلسلةٌ من الرفاق الجدد.
غغغغغغغغغ!
اهتزّت الأرض باهتزاز خافت.
غير أن الصوت لم يكن كوقع حوافر جنود ملك الشياطين المسرعين على صهوات خيولهم. فالخيول كانت تُظهر ملامح قلق واضحة.
‘حقًا، طبيعيٌ أن تكون هذه أول مرة لهم. فمتى جرّب أحدهم أن يسير وخلفه غابةٌ كاملة تتبعه؟’
نظرت أرييلا بدهشة إلى فيالق الإنت وهم يلاحقون الموكب.
كانت تعلم أنهم قادرون على الحركة، لكنها تساءلت إن كانت أجسادهم الضخمة ستتمكن من مجاراة سرعة الخيل. ويبدو أن قلقها كان في غير محلّه.
‘لم أتوقع أن يركضوا بهذه السرعة!’
فالإنت يمتلكون قدرةً على تحويل أجسادهم الخشبية بحرية.
وبعد أن قرروا الانتقال، لَوَوا جذورهم الطويلة التي تمثل سيقانهم في شكل دائري. ثم شبكوا بينها من الجانبين ومدّوا الأغصان الدقيقة داخل الدائرة بشكل شعاعي، فتكوّنت عجلاتٌ متينة قوية كأنها مشدودة بعضلات.
وبتلك العجلات الجذرية تدحرج الإنت وركضوا كما لو كانوا عربات.
كانت أرييلا تشاهد السرّ الذي مكّن تلك السلالة قديمًا من قطع مسافات بعيدة بحثًا عن شجرة العالم الجديدة. لكن ذلك كان قبل أن يتغير الوضع كما هو الآن.
‘مع ذلك……لماذا جفّت فجأة بذور شجرة العالم؟ هذا أمرٌ يثير القلق……’
فعزمت على أن تبحث عن كتبٍ متعلقة بالموضوع في المكتبة فور عودتها.
_________________________
حلووو يله زي كايل روحي حاكي شجرة العالم وتفاهمي معها✨
المهم التنين من قوة الثقة الي جته يمكن يفتح له مملكة جنب لودفيك😭
ياناس يدنن شوفوا هو مهدي سرعته عشان يمشي مع ارييلا🤏🏻 يانااااااس🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 60"