بدأ يوم جديد. و الشمس التي لمعت طوال الليل بضوء خافت، راحت في الصباح تبسط نورها بسطوع قوي.
إنه الوقت الذي تفرد فيه الأشجار أوراقها، وتستيقظ فيه الحيوانات ممددةً أجسادها.
“أوي، تشاد! هيا انهض بسرعة!”
أمام كوخ صغير في أراضي ملك الشياطين لودفيك، كان صبيٌ من الشياطين يقفز قلقًا بقدميه.
جسده صغير وكأن أمامه بضع سنوات بعد ليبلغ طول الرجال، وحتى قرناه لم ينموا سوى بطول عقلة إصبع.
صرخ الصبي بصوت متوتر من خلف الباب المغلق.
“تشاد، كفاك نومًا انهض! وإلا سنتأخر مرة أخرى!”
كان الصبي وتشاد يعملان خادمين في قلعة ملك الشياطين. ولم يمضِ على بدء عملهما حتى شهرٌ واحد كامل.
فالأصل أن قلعة لودفيك ملك الشياطين قلّما تضم الكثير من الخدم. لكن في الآونة الأخيرة، وبعد تحسن الموارد الغذائية وظهور الأرباح، اقترح رئيس الخدم توظيف المزيد.
فاختاروا من بين صغار الشياطين الذين لا يقوون على العمل في الزراعة.
مادام عطاؤهم في الحقول محدودًا، فإن تكليفهم بأعمال بسيطة في القلعة مقابل أجر سيكون نافعًا لاقتصاد الإقليم.
“يا تشاد! هل تريد حقًا أن تجعل رئيس الخدم يعاقبكَ؟”
كان رئيس الخدم غرويب مصدر رعب لكل الخدم.
ففي حين أن الخدم في قلاع أخرى يتعرضون للضرب بالعصي، لم يكن هذا الكوبولد يمد يده عليهم أبدًا. بل إذا وقع منهم خطأ، كان يستدعيهم ثم يوبخهم بصوت منخفض وهادئ للغاية.
لكن هيبته حينها كانت من البرودة بحيث تعجز أجساد الخدم على اختلاف أعراقهم عن الحركة.
دوووم! دوووم!
“هيا!”
ظل الصبي يطرق الباب بلا توقف، لكن لم يأتِ أي رد من الداخل. فاشتعل قلبه قلقًا.
‘ماذا أفعل؟ هل أتركه ويذهب؟’
لكن ماذا لو فُصل صديقه من العمل؟
بل قد يكون مجرد الطرد أهون ما يمكن أن يحدث.
“قال لنا الخدم الأكبر سنًا أن من يثير المتاعب في القلعة يؤخذ ليكون مادةً لتجارب السيد ريتشموند!”
وكان ذلك في الحقيقة مجرد كذبة اختلقها الخدم القدامى لتخويفهم. وقد صدّق الصبي تلك الكذبة تصديقًا كاملًا حتى كاد العرق البارد يتصبب من جبينه.
“تشاد، أتريد حقًا أن تتحول إلى هيكل عظمي؟ أتعرف كم الساعة الآن؟ لقد……!”
كان ينوي أن يختلق وقتًا ما ليُفزع صديقه فيخرجه مسرعًا. لكن في تلك اللحظة—
فووووووش!
“هاه؟”
ارتعد الصبي دهشة. فقد ظلّ يقطع زرقة السماء ظلّ مألوف لسكان هذه الأرض.
أجنحةٌ حادة الزوايا ممتدة، و رقبة وذيلٌ انسيابيان إلى الأمام والخلف، وصوت اختراق الهواء السريع المميز مع كل رفرفة جناح.
“ا……التنين الذهبي!”
لقد غدا التنين في هذه الأراضي وجودًا مهيبًا يضاهي أرييلا في قدسيته وعظمته. وذلك بفضل الأساطير الشعبية التي تناقلتها الألسن.
“إنها كارثة!”
وما إن تأكد الصبي من أن التنين يطير، حتى اندفع يطرق الباب بعجلة أكبر.
دوووم! دوووم! دوووم! دوووم!
كانت وتيرة الطرق أسرع من ذي قبل.
“التنين خرج في جولة طيرانه الصباحية!”
وما إن قال ذلك حتى ظهر الأثر فورًا. إذ دوى من داخل البيت صوت ارتطام وسقوط وارتجاج متعجل، ثم فُتح الباب أخيرًا.
“ماذا؟ حقًا؟”
اندفع تشاد إلى الخارج وقميصه و أزراره ملتصقةً بعضها ببعض في غير محلها.
“هاه! إنه صحيح!”
فالجميع يعرف أن التنين الذهبي يخرج من القلعة في التوقيت نفسه كل صباح ليطير شمالًا. وبفضله، حتى من دون ساعة، كان بالإمكان معرفة الوقت.
“إذاً لقد أصبحت الثامنة بالفعل؟”
“نعم، وإن لم نركض من الآن سنتأخر عن العمل!”
وانطلق الصبيان يعدوان بكل ما أوتيا من سرعة.
وفوقهما، ظلّ التنين الذهبي الصغير يحلق في السماء ببهاء، ثم سرعان ما توارى خلف الأفق.
لم يكن الناس العاديون يعرفون إلى أين يذهب ذلك التنين كل صباح. وماذا يفعل هناك ليعود بعد عشر دقائق فقط.
غير أن سكان الإقليم كانت لهم تكهّنات. إذ شاع أن التنين الذهبي يطير كل صباح في السماء ليدور دورةً حول الإقليم، مبعثًا بركته لحمايته.
ولا يُعرف من أول من قال ذلك، لكن الحكاية سرعان ما ترسخت في أذهان السكان كأنها حقيقة.
وكانت النتيجة أن تعاظمت مهابتهم له، وانتشرت في النفوس آمالٌ بأن الإقليم سيغدو أفضل فأفضل، وهو بلا شك أثرٌ إيجابي.
“هاه……هاه……!”
“لقد وصلنا!”
وبعد نحو عشر دقائق، اقتحم الصبيان الباب الجانبي لقلعة ملك الشياطين. فضحك الجنود هناك.
وكانت وجوه كثير منهم جديدة، لم يكونوا من أولئك الذين خدموا حين جاءت أرييلا أول مرة.
“هاها! أيها الصغيران، لقد كدتما تتأخران مجددًا، أليس كذلك؟”
“أما كان يمكن أن تخرجا أبكر قليلًا؟ لا بد أنكما تعرفان أن رئيس الخدم مخيف!”
فحيّا الصبيان الجنود بسرعة ثم هرعا بالمرور عبر الباب.
“أوه، نجونا!”
“هاه……هاه……هاه!”
وفيما هما يلهثان مستعيدين أنفاسهما، عاد التنين الذهبي الذي كان قد اختفى وراء الأفق.
فهبط على البرج، وطوى جناحيه.
وعند رؤيته، تحدّث الجنود،
“لقد عاد بسلام من طيرانه الصباحي.”
“لكن إلى أين يذهب كل يوم؟”
وكانت بين الجنود روايةٌ متناقلة.
“يقول أحد أصدقائي أنه يذهب إلى حدود أراضي ملك الشياطين.”
“الحدود؟”
“نعم! تلك الجهة التي تندلع فيها المعارك مع الأورك بين الحين والآخر.”
“لكن……هل يقطع تلك المسافة البعيدة ذهابًا وإيابًا في عشر دقائق فقط؟”
تعجب الجنود من سرعة طيران التنين رغم أنه ما يزال صغيرًا، وأثارتهم في الوقت نفسه حيرةٌ شديدة.
فما الذي يدفع التنين الذهبي إلى الطيران كل صباح في الوقت نفسه نحو تلك الأرض الجرداء القاحلة التي لا تنبت فيها حتى نبتة واحدة؟
***
وفيما كان جنود القلعة يتساءلون بفضول عن عادة التنين الصباحية، كان رئيس الخدم غرويب يعاني صداعًا بسبب عادةٍ أخرى غريبة للتنين.
“سيدة أرييلا! أرجوكِ، هذا يكفي أرجوكِ!”
“مجدّدًا؟ يا إلهي. هذا المخلوق حقًا……!”
‘الصغير لا يسمع كلامي أبدًا. لذا أرجوكم أنتم!’
أرييلا، التي كانت تتفحص بعض الأوراق، زفرت تنهيدةً ثم نهضت. تقدّمت هي أولًا، وتبعها غرويب من خلفها.
وبعد قليل—
“يا أيها المشاغب!”
وصلا إلى أعلى البرج حيث يقضي التنين الصغير معظم وقته.
“أوه؟ أرييلا، جئتِ؟”
فصفق بجناحيه واندفع نحوها بفرح، غير أن ملامحها لم تكن لينة. فهدأ التنين وهو يراقب صرامة وجهها.
ثم مدّت أرييلا يدها و تحدثت بصرامة،
“أخرج ما عندك!”
فأدار التنين عينيه.
“……ماذا تقصدين؟”
لكن ملامحه وحركاته فضحت أمره.
ورغم محاولته التظاهر بالبراءة، لم تنخدع أرييلا.
“أعد ما سرقته من غرويب. ألم أقل لكَ سابقًا؟ لا يجوز أخذ أشياء لها مالك!”
“لكن……لم يكن أحدٌ يحرسها!”
“حتى لو لم يكن غرويب في غرفته، تبقى الأشياء ملكه. أتظن أنه إن غاب لودفيك عن العرش أكون أنا ملكة الشياطين لمجرد أنه لا يُرى بعينيكَ؟”
“قد يكون كذلك!”
استمر الجدال لحظاتٍ أخرى، ثم استسلم التنين أخيرًا.
أدار ظهره ومشى بخطواتٍ مثقلة نحو زاوية البرج، فيما بدا ذيله المتمايل هذه المرة أقل حيوية من المعتاد.
وهناك، حيث كان يتجه، تراكمت أكوامٌ مما يراه هو “كنوزًا”، جُمعت من شتى بقاع أراضي الملك وحتى من المناطق المجاورة.
‘ألا يُثبت هذا أنه تنين بحق؟ كل ما يبدو براقًا أو جميلًا أو غريبًا، أو يظنه ذا قيمة، يجمعه ويخزنه!’
فالتنين الصغير لم يكتفِ بالطيران القصير عند الثامنة صباحًا، بل كان يهوى أيضًا التحليق في أي وقت يشاء، ليجلب ما يروق له ويكدسه على هذا النحو.
وبالطبع كان بين تلك الأشياء الكثير مما يملكه أصحابٌ معروفون.
فإن تأملت قائمة ما استُرجع حتى الآن وجدتها كالتالي،
ريشةٌ بيضاء كانت مثبتة في قلم تستخدمه أرييلا، منديلٌ كان غرويب يضعه في جيب بزته الرسمية، زخرفة نحاسية كانت معلقةً على باب مختبر ريتشموند، وقطعة ثياب ألقاها لودفيك بإهمال في غرفته…إلخ.
‘ما هذا؟ أهو غراب يلتقط كل ما يلمع؟ هذا حقًا أمرٌ يبعث على الجنون.’
أما المشكلة هذه المرة فكانت ملفًا من الأوراق يديره غرويب بنفسه.
“يا للراحة……لقد استعدناها.”
وعندما استعاد كبير الخدم المسروق منه، حدّق في التنين بنظرة حادة جعلت التنين يشيح بوجهه بخجل.
فأهل المقاطعة وإن كانوا يجلّون التنين ويخشونه، إلا أن كثرة هذه الحوادث جعلت غرويب لا يراه إلا مشاغبًا مزعجًا.
“ولماذا أخذت هذا بالذات؟”
“رأيت غرويب يحمله دومًا على صدره وكأنه شيءٌ ثمين، فظننت أنه كنزٌ عظيم.”
“وماذا ينفعكَ أنت فيه؟ إنه عديم الفائدة بالنسبة لك.”
عندها شمرت أرييلا عن ساعديها وكأنها عقدت العزم على تلقينه درسًا لن ينساه.
لكن في تلك اللحظة—
“سيدة أرييلا!”
ارتفع صوتٌ يناديها. لقد كانت فيلي، عائدةً من غابة الجان.
وهذه المرة لم تأتِ بالأعشاب الطبية فقط، بل أدت أيضًا مهمةً أخرى أوصتها بها أرييلا.
“لقد حددت موعد الاجتماع الثلاثي. بين مملكة لودفيك……والإنْت……وكذلك الجان.”
____________________________
الانت ذولا حرفياً شجر شلون بتجب اشكالهم اجل😭
تذكرت ذاك الجنسنغ الي يقولون له وجه😂
المهم التنين للحين ماعطته ارييلا اسم افا ياذا العلم شكلها نست ان كايل مسمي راون
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات