“إنها فوضى، فوضى! السعر يحدده البائع! الكل يحمل صناديق المال على ظهورهم ويأتون بها!”
كان القزم في غاية الاستعجال.
“خصوصًا الأعشاب التي توقف النزيف وتخفف الالتهاب وتقلل الألم تلقى إقبالًا كبيرًا.”
فالآن أيضًا تدور الحروب في أنحاء عالم الشياطين ويسقط المصابون بالعشرات.
وكان تفشي الأوبئة أمرًا متكررًا. هذا يعني أن الحاجة للأعشاب الطبية موجودة دائمًا سواءً في عالم الشياطين أو عالم البشر حيثما وُجد الناس.
حتى لو لم تكن الحاجة ملحةً الآن، فقد كثرت طلبات النبلاء من الشياطين الكبار لتخزينها استعدادًا للمستقبل.
“آسفة، لكن الكمية المتوفرة ليست كبيرة. في الوقت الحالي هذه هي حدود ما يمكننا توفيره.”
هزّت أرييلا رأسها بتعبير يفيض أسفًا.
و عندما لم يُبدِ لا غيرو ولا أرييلا أي نية للتنازل، التفت القزم القَلِق إلى لودفيك الجالس بقربه.
“يا مولاي ملك الشيطان!”
إن حاكم هذه الأراضي هو لودفيك. ومهما فعل التابعون، يبقى فوق رؤوسهم وجود سيدهم الشيطان. فقد اعتقد القزم أن تدخله قد يقلب الموازين.
لكن الشيطان لودفيك تحدث الى القزم الذي يحدق به برجاء بوجه متبلد الملامح،
“إذا قالت أرييلا ذلك فهو كذلك. لماذا تنظر إلي؟”
“……؟”
لم يصدق القزم ما سمع. فالمعنى مُحبط بحد ذاته، لكن نبرة كلامه كانت قاطعةً للغاية.
‘أليس هذا يعني أنه فوّض إليها كل التفكير والقرار؟’
بدا كأنه يصدق كل ما تدعيه أرييلا ويتبعها فيه.
ثم أنهى غيرو الاجتماع بصرامة،
“الدفع، يكون، مقدمًا!”
“نعم، فهمت. سأدفع أي مبلغ تريدونه فقط أرجو أن تزيدوا الكمية!”
وفي النهاية لم يجد القزم سوى أن يعود خالي الوفاض وهو ينتظر موعد التسليم القادم.
***
“أيها الناس، صدر إعلانٌ من قلعة الشيطان.”
فرضت أرييلا قيودًا صارمة على الكميات المصدَّرة إلى الخارج. لكنها اتبعت سياسةً مختلفة تمامًا تجاه سكان إقليم لودفيك، مملكة الشيطان.
“سمعتُ أيضًا. قالوا للجميع أن يجتمعوا أمام بوابة القلعة، لكن ما الأمر؟”
“لستُ متأكدًا بالضبط. قيل أنهم سيوزعون شيئًا مثل الأعشاب؟”
“أعشاب؟ تلك النفيسة؟ ومن دون مقابل؟”
“طبعًا. ألم تسمع أنهم وزعوا الطعام مجانًا في المرة السابقة أيضًا؟”
وحتى تلك اللحظة كان سكان الإقليم يظنون أن ما سيوزعونه مجرد أعشاب عادية يعرفونها.
بالطبع حتى ذلك وحده كان فضلًا عظيمًا. ففي البيئة المعتادة لعالم الشياطين كان الحصول على الأعشاب أمرًا في غاية الصعوبة.
فحتى إذا تجول المرء بنيّة جمعها قد يفشل في معظم الأحيان. لذلك كان المعتاد هو شراؤها بأثمان باهظة عند الضرورة.
وإن لم يتيسر ذلك فلا يبقى إلا الصبر حتى يلتئم الجسد طبيعيًا.
“ما الذي يحدث في مملكة الشيطان هذه الأيام؟”
“ألا تظن أن أمورًا كثيرة وقعت منذ أن جاءت المتعاقدة؟”
وبين السكان السعداء بهذا التغيير جرى ذكر اسم أرييلا. وارتفعت تلقائيًا أصواتٌ تمجّدها مع الشيطان لودفيك.
وهو أمرٌ لم يكن يُتخيَّل قبل عدة أشهر فقط.
***
ما صدم أرييلا منذ أن جاءت إلى عالم الشياطين هو أن مستوى المعيشة كان متأخرًا جدًا.
‘هل السبب أن هذا هو جنوب عالم الشياطين؟ صحيحٌ أن الشمال مختلف تمامًا كما يُقال.’
كان كتابها المفضل “مشاهدٌ في عالم الشياطين”.
المؤلف كيمورا ركّز وصفه على شمال عالم الشياطين.
أما الجنوب فلم يذكره إلا قليلًا قائلًا أنه أرض متوحشين.
‘مع أنه كتابٌ قديم كتبه منذ زمن بعيد، إلا أن مستوى المعيشة في الشمال آنذاك كان أفضل من هذا المكان الآن.’
صحيح أن وفرة الطاقة السحرية جعلت عدد السحرة كبيرًا، وفي هذا كان لا يُقارن مع العالم الذي وُلدت فيه.
لكن في كل الجوانب غير السحرية كان متأخرًا بشكل ملحوظ. والطب كان المثال الأوضح.
‘أهو لأن عالم الشياطين لا يملك معابد؟’
ففي مملكة أُوينوس وحدها تنتشر المعابد المكرّسة، والكهنة نشيطون في كل مكان. وكان الكهنة يعالجون المرضى ويعززون سمعة طائفتهم.
‘قيل أن بين الشياطين كهنة يخدمون الشياطين، لكنهم نادرون جدًا. حتى لودفيك لم ير واحدًا قط.’
ولأن سحر الشفاء كان تعويذةً نادرة، لم يجد سكان هذا العالم سوى الاعتماد على الأعشاب.
وفي وسط ذلك تدفقت عبر أرييلا أعشابٌ عالية الجودة. خصوصًا داخل مملكة لودفيك حيث وُزعت بشروطٍ استثنائية مجانية.
***
“أبي، هل تشعر بتحسن اليوم؟”
في مزرعة من مزارع مملكة لودفيك. كانت عائلة من الكوبولد مجتمعةٌ معًا.
حدّقت الابنة الصغيرة بعينيها القلقتين نحو أبيها. فقد كان مصابًا بداء الرئة وملقى على الفراش منذ أسابيع.
“إن نمتُ هكذا بضعة أيام سأتحسن من جديد.”
تمتم بذلك بصوت واهن. وقد كانت حالته خطيرة، لكن الأعشاب الباهظة الثمن كانت بالنسبة للفلاحين مثل كعكة مرسومةٍ لا تُنال.
بل وحتى إن وُجد المال، فلم يكن الحصول عليها سهلًا حتى الآن. إذ لم تكن إمدادات الموارد تجري بسلاسة.
حبست ابنته الصغيرة دموعها خلسة وهي تدير ظهرها كي لا يراها.
‘ماذا لو لم ينهض أبدًا؟’
فقد رأت بأم عينها أكثر من مرة سكان الإقليم يموتون لأنهم لم يتلقوا العلاج المناسب بعد إصابتهم بالمرض.
وكان بينهم من كان أقرب الناس إليها.
‘ماذا لو حدث مثلما حدث مع أختي حينها.’
فهي لم تكن في الأصل الابنة الوحيدة.
لقد أصيبت أختها الكبرى بمرض قبل ثلاث سنوات، وظلت تذوي حتى فارقت الحياة في النهاية. وعجزت الأسرة عن فعل أي شيء لإنقاذها.
تتذكر بوضوح كيف صرخ والداها بالنحيب المفجع يوم ماتت أختها. أما هي فقد بحّت حنجرتها بالبكاء والعويل.
و ماذا وقع مثل ذلك مرة أخرى لعائلتها؟
القلق والخوف سحقا صدرها مثل ثقل الرصاص.
“عزيزي، لقد عدت.”
كانت زوجة الفلاح قد ذهبت نيابةً عن الأسرة إلى قلعة الشيطان وعادت للتو. فنهض الزوج المريض بصعوبة.
“ماذا كانوا يوزعون؟”
إذ كان بطيئًا في تلقي الأخبار لبقائه حبيس المنزل.
“كانوا يوزعون أعشابًا طبية. إن كان بالبيت مريض تُستعمل له حالًا، وإن لم يكن فليحتفظوا بها احتياطًا.”
فابتهجت الابنة.
“حقًا؟ هذا رائع! إذن لنعطها لأبي حالًا…….”
لكن وجه الأم لم يكن مبتهجًا كما ظنت. لكن إن كانت قد جلبت أعشابًا، فلماذا؟
وبعد لحظات عرفت الابنة السبب.
“يا إلهي، أوزعوا هذا القدر الضئيل؟”
فالأعشاب التي جلبتها الأم لم تكن سوى مقدار كفٍّ واحد.
لهزّت الابنة رأسها.
“هذا لا يكفي إلا ليوم واحد فقط.”
لقد عانى والدها من داء الرئة منذ وقت طويل.
وبحسب معرفتهم، فإن الأعشاب ينبغي أن تُغلى بهذا المقدار يوميًا لمدّة عشرة أيام على الأقل، وإن طالت فشهرًا كاملًا حتى يظهر مفعولها.
تمتمت الابنة بوجه شاحب.
“ترى لو غليناها كلها دفعةً واحدة وشربها، هل سيكون لها تأثير……؟”
فقاطعها الأب وكأنه يحاول تغيير الجو. وبصوت مبحوح أخرج كلمات إيجابية متعمَّدة.
“ومع ذلك، أن نحصل على هذا القدر وحده، أليس مكسبًا؟ في الماضي ما كان ذلك ليخطر حتى في أحلامنا.”
و لم تستطع الابنة الاعتراض.
“صحيح. حتى هذا وحده نعمة.”
ورغم يقينها أن الأثر لن يكون كبيرًا، غلَت الأعشاب. ثم أخذت تراقب والدها وهو يشربها بحذر.
“إنها ساخنة، فانتبه. لا تسكبها، اشرب ببطء.”
وبعد لحظات.
“……هاه؟”
فتح الأب عينيه على وسعهما.
“ماذا؟ السعال…..توقف؟”
فابتسمت الأم ابتسامةً مشفقة.
لا يمكن أن يكون قد شُفي بهذه السرعة، فهذا مرضٌ عذّب المريض وأسرته طويلًا. و ظنت أنه يتظاهر بالقوة فقط حتى لا يقلقهم أكثر.
نعم، ربما كان يتصنع التماسك.
“لا داعي لذلك.”
“لا، إنه حقيقي. لقد شُفيت حقًا!”
وما إن قال الفلاح ذلك حتى همَّ بأن ينهض من مكانه. فصرخت ابنته مذعورةً محاولةً منعه.
“أبي! إن أرهقت نفسكَ فجأة فسوف-.”
لكنها توقفت فجأة مذهولة.
وزوجته من خلفها شهقت وغطّت فمها بكلتا يديها.
“إنه حقيقي! انظري بنفسكِ!”
قبل دقائق فقط كان الكوبولد ممددًا على فراشه بلا حراك، و إذا به الآن ينهض من سرير المرض.
لم يكن هذا كذبًا.
“أبي!”
“زوجي!”
عاد النشاط إلى وجهه الكئيب، وصارت فراؤه تلمع بريقًا في تلك اللحظات القصيرة.
“يا إلهي، ما الذي يحدث؟”
ظل أفراد الأسرة يفتحون أفواههم ذهولًا، ثم سرعان ما أدركوا أن هذا واقع.
“شكرًا لك! شكرًا لك، يا ملك الشياطين!”
انهمرت الدموع الغزيرة على وجه الابنة.
فهذه المرة لن تفقده. لن تضطر إلى توديع أحد أفراد أسرتها عبثًا كما حدث مع أختها.
فتعانقوا جميعًا والامتنان يغمرهم. وهم يردّدون أن هذه معجزة جلبتها أعشاب قلعة الشيطان.
وفي تلك اللحظة، كانت حوادث مشابهة تقع في شتى أنحاء مملكة لودفيك.
______________________
توجع قصة ذا العايلة بنتهم راحت كذا 😔 اشوا بعد ابوهم ماصار له شي
المهم ارييلا ذكيه تبي الناس يعرفون ام السكان استثناء😂
ولودفيكضحكنييي من الحين يسوي نفسه الزوج الي يحترم (غصب) راي زوجته✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 56"