وجاءت الاستجابة فورًا، إذ اختفى الكوكيز من يده كأنه تبخر في لحظة.
لم يملك الشيخ إلا أن يطلق تنهيدةً إعجاب جديدة. فقرمشته كانت رائعة، لكن الأروع كان عطره الزكي ونكهته المدهشة الممزوجة بحلاوة خفيفة تتأخر قليلًا قبل أن تنفجر في الفم.
“ما هذا؟ ما هذا؟”
“يا شيخنا، أحقًا هو لذيذٌ إلى هذا الحد؟”
“رجاءً أجبنا هذه المرة! نحن نموت فضولًا!”
لكن الشيخ لم يلتفت إلى أسئلتهم. كان مشغولًا بمد يده إلى ما تبقى من الحلويات ليذوق المزيد.
العين واللسان وجدا لذتهما معًا. فالحلويات المتنوعة تفاخر كلٌ منها بشكلها الخاص وقوامها المميز ومذاقها الفريد.
الحق أن حلوى الشياطين لم تكن بهذا القدر من التنوع. أما ما بدا بوضوح أكثر أناقةً وجمالًا، فكان من محاولات الطباخ “لابو” إعادة صنع بعض حلويات البلاط التي تذوقتها أرييلا أيام كانت أميرة.
قد لا يكون الطعم مماثلًا تمامًا للأصل، لكنه كان كافيًا ليهزّ قلوب الجان.
“مهلًا! لماذا تأكل وحدكَ؟!”
“لم أعد أطيق! سأجرب أنا أيضًا!”
وأخيرًا اندفع باقي الجان نحو الحقيبة التي أعدتها فيلي.
لم يكن هناك ترتيب للأولوية، ولا مجاملة أو تظاهر بالاتزان. فقد كانوا أوفى لطبيعتهم الغريزية.
وما إن ذاقوا حتى أبدوا ردود فعل لا تقل عن الشيخ.
“وااه! ما هذا بحق؟!”
“أشعر أنني عشت سدى. أيمكن أن يكون في هذا العالم شيءٌ بهذا الطعم؟!”
“المذاق رائع، لكن انظروا أيضًا إلى الشكل! أليس جميلًا ولطيفًا؟ زينة الكعكة هذه أشبه بزهرة حقيقية!”
“وهذه الحبات الصغيرة كالجواهر؟ قالوا أنها جيلي؟ طرية ومطاطية في الوقت نفسه…..لم أشعر بمثل هذا القوام من قبل!”
“كلما مضغته انتشرت في فمي نكهة اليوسفي المنعشة! إنه أمرٌ مذهل!”
ابتسمت فيلي ابتسامة المنتصر وهي تتابع ردودهم.
‘صحيح، لقد كنتُ مثلهم تمامًا.’
طَعم الحضارة كان خطيرًا بقدر ما هو حلو.
وإعجاب الجان لم يكن فيه أي مبالغة. فالجواب واضح إذا ما فكرت في عاداتهم الغذائية المعتادة.
‘صحيحٌ أنني كذلك، لكن الجان يعشقون الطعام الحلو. لا، بل لأكون أدق، هم لا يلمسون شيئًا غير حلو أبدًا.’
لذلك كانوا في الغابة يقتاتون على العسل الحلو أو ثمار الأشجار. وبالطبع لم يكن للنار أي دور في ذلك.
ولم يشعر الجان يومًا بأي ضيق من هذا النظام الغذائي الخام، إذ لم يعرفوا سواه من قبل.
لكن، ماذا يحدث لو تذوقوا طعام العالم الخارجي مرة واحدة؟
“سيفقدون عقولهم. سيتعلقون به تعلقًا لا فكاك منه.”
هذا ما جَزمت به أرييلا.
حلوياتٌ تتجاوز في حلاوتها العسل الطبيعي والفواكه، وتضم نكهات شتى ومتنوعة. بالنسبة للجان ستتحول إلى “طعام أساسي” لا مجرد حلوى.
‘توقّع أرييلا كان في محله. وكنت أنا نفسي أعلم أنني سأكون هكذا. فالصدام مع ثقافة طعام جديد بعد عمرٍ قضيناه على طعام متشابه، صدمةٌ عظيمة حقًا.’
حتى الآن، لم يكن الجان يدركون أصلًا أنهم يحبون الحلويات، ولهذا لم تكن لديهم أي رغبة أو طلب بها.
لكن أرييلا صنعت طلبًا لم يكن موجودًا من قبل. وانتهى الحال بأن نفدت كل الكمية الكبيرة من الحلويات التي جلبتها فيلي في لحظة قصيرة.
“ماذا؟! هل أكلناها كلها بالفعل؟!”
“أعطينا المزيد! أعجبتني هذه كثيرًا، أريد المزيد!”
“لماذا جلبتِ القليل فقط؟! كيف يمكن أن نحصل على المزيد؟!”
التفتت كل العيون نحوها، وكل واحد منهم يذكر اسم الحلوى التي علمتهم فيلي إياها.
“فيلي! أنا أحب الجيلي. خاصةً ذاك بطعم الفراولة الحلوة!”
“وأنا أحب موس الكعكة بعطر الورد!”
“أما أنا فالكوكيز! لا، بل الكعكة أيضًا! لا، الكريمة! أوه، كلها لذيذة! أريدها جميعًا!”
“فيلي! أسرعي بالذهاب إلى ما يُسمى مملكة لودفيك، أرض الشيطان ذاك، واجلبي لنا المزيد من هذه الحلوى! أرجوكِ!”
عمّت الفوضى المكان. بينما كانت فيلي تنظر إلى أبناء جنسها الذين علا صخبهم كالعاصفة.
وكان أول من أصدر حكمًا واقعيًا هو الشيخ.
“لقد فهمتُ ما تريديه منّا.”
تألقت عيناه بلمعان. فالمذاق لا يفرق بين صغير وكبير. أمام الطيب واللذة، لا وجود لفارق بين جان شاب وجان شيخ.
“ستأخذين من أعشاب الغابة مقابل ذلك، أليس كذلك؟”
هزّت فيلي رأسها موافقة. وارتفعت همهمة الجان من حولها.
“مقايضة؟ تريدين أن نستبدل الأعشاب الطبية بالحلوى؟”
“الأعشاب موجودة في كل مكان بالغابة! سأجنيها حالًا!”
أشارت فيلي إلى الحقيبة الفارغة.
“بمقدار ما أكلتم للتو. اجمعوا أعشابًا تملأ هذه الحقيبة، وسأبدّلها لكم بالحلوى بنفس الوزن. لكن المدة ستكون مرةً واحدة كل أسبوع.”
“ولماذا مرةً في الأسبوع فقط؟ ألا يمكن أن تأتي كل يوم؟”
“صحيح! أنا أيضًا أريدها كل يوم! فيلان ذاك أكل خمسة كوكيز، وأنا لم أحصل إلا على واحدٍ فقط!”
بدأت أصوات الاعتراض تتعالى بين الجن، لكن فيلي هزت رأسها بحزم.
لقد كانت وصية أرييلا ماثلةً في ذهنها.
“إن تم توفير الشيء بكثرة، حتى ألذ الأطعمة تُصبح مملة. لا ينبغي أن تترسخ في أذهانهم فكرة أن بإمكانهم الحصول عليها في أي وقت. القيمة لا تتحقق إلا إذا امتزجت بالندرة. كلما شعروا بالنقص، ازداد شغفهم بها أكثر.”
أجل، كلما زاد الحرمان، زاد التعلق بها.
وبينما تستحضر فيلي كلمات أرييلا، تحدثت،
“لا، سيكون التوزيع مرةً واحدة في الأسبوع فقط. حتى في قلعة الشيطان، إعداد هذه الحلويات يحتاج إلى تحضيرات كثيرة.”
ولم يكن هذا الكلام كذبًا. فمكوّنات الحلوى تختلف تمامًا عن أطعمة الشياطين اليومية، وكان الحصول عليها أمرًا بالغ الصعوبة.
“حسنًا! إذاً سنجلب الأعشاب فورًا! وستعودين بعد أسبوع، أليس كذلك؟”
“هيا تفرقوا بسرعة!”
“ابحثوا عن كل عشب في الغابة! لا بأس إن اقتلعتموها، ما دامت الجذور سليمةً فستنمو من جديد بعد أيام!”
“إلى الانطلاق!”
طار الجان جميعًا بقيادة الشيخ، كما لو كانوا سرب نحل يتوزع لجمع الرحيق. و لم يسبق أن شوهد هذا العدد الكبير من الجان يتحركون معًا على هذا النحو.
كانوا جميعًا منهمكين، يبددون وقتهم وجهدهم في سبيل الحصول على شيء ما.
وهناك، في تلك اللحظة التي بدأ فيها الجان لأول مرة باستيعاب مفهوم “العمل”، شعرت فيلي بشيء غريب في قلبها.
***
عاداو أرييلا ولودفيك وفيلي إلى الإقليم محملين على ظهور الخيل بحقيبة مليئة بالأعشاب التي جلبها الجان.
أما مهمة بيع هذه الأعشاب إلى اتحاد التجار الجنوبي فقد أوكلت بطبيعة الحال إلى غيرو.
“أيتها المتعاقدة، هذا مذهل. لقد جُبتُ، كُل، كُل أرجاء عالم الشياطين، لكنني لم أر مثل هذه الأعشاب من قبل.”
“الفضل كله يعود إلى فيلي.”
في تلك اللحظة تمتم غيرو بمرارة،
“لو أن….هذه الأعشاب….وُجدت في ذلك الوقت.…”
“عفوًا؟”
“لا…..لا شيء.”
سرعان ما عاد وجه غيرو إلى طبيعته.
“سأستدعي اتحاد التجار.”
لو كان اتحاد “فيدوِك” لا يزال قائمًا لكانت المهمة معقدة، لكن الآن وقد وجدوا شريكًا تجاريًا جديرًا بالثقة، صارت الأمور تسير بسرعة.
صاحب اتحاد الجنوب، وهو قزمٌ عتيق في التجارة، ما إن سمع الشرح حتى شهق بدهشة.
“أعشابٌ تنمو في غابة الجان؟ أهذا صحيح؟”
معظم الشياطين لم يعرفوا حتى أن لتلك الأعشاب مفعولًا يفوق الأعشاب الأخرى بمرات عديدة، لأنها نادرًا ما غادرت موطنها.
أما هذا القزم، الذي خبر التجارة طويلًا، فقد كان يعرف الحقيقة.
“لكن لم يسبق أن طُرحت هذه الأعشاب في أسواق الشياطين! سيدي، كيف حصلتم عليها بحق؟”
نظر إلى غيرو، الذي عاد من الموت كزومبي، بكل احترام، وناداه بـ سيدي. فقد كان يجلّه حتى في حياته، ومجرّد الموت لم يُغير شيئًا من ذلك.
“حتى أعظم ملوك الشياطين لم يتمكنوا قط من دخول تلك الغابة. فما الحيلة التي لجأتم إليها؟”
عندها ابتسم المسؤول الجديد عن مالية إقليم الملك الشيطان لودفيك، ولوى شفتيه بابتسامة ملتوية.
“هـ، هذا….سـ، سرٌّ تجاري!”
“…….”
لذلك، ولأجل التحقق من الفعالية، أخذ اتحاد الجنوب كميةً صغيرة فحسب.
و لم يكن السبب انعدام الثقة بغيرو، إنما لأن أي بيع يسبق التجربة المبدئية ودراسة الطلب يُعد مخاطرة.
لكن في اليوم التالي مباشرة، تلقى إقليم لودفيك رسالةً عاجلة من اتحاد الجنوب، جاء فيها مختصرًا،
[نرغب بشراء كامل المخزون المتوفر فورًا!]
غمر الرضا نفس غيرو، فبدأ يفاوض على الشروط بهدوء، عازمًا على جني أرباح ضخمة.
فحتى إن كانت هذه الأعشاب أقوى بعشر مرات من الأعشاب المعتادة، لم يكن هناك داعٍ لحصر السعر في عشرة أضعاف. بل ستباع حتى لو رفع الثمن أكثر من ذلك.
“هـ، هذا المستوى….أ، أبسط أساسيات….التجارة.”
كان غيرو حازمًا في مسألة التسعير.
“وفوق ذلك، هذا منتجٌ لا يُورَّد إلا لإقليمنا وحده!”
قال ذلك والبهجة تعلو وجهه.
“خليط البناء….والأعشاب الطبية….احتكار كامل بلا منافسين. إنه….حُلم كل تاجر!”
الأعشاب التي تخرج من غابة الجان كانت تنتقل أولًا إلى إقليم لودفيك، ثم يوزعها اتحاد الجنوب لتغمر أرجاء عالم الشياطين بأسره.
وكان الصدى أشبه بانفجار.
***
“هل سمعت الخبر؟ اتحاد الجنوب يبيع نوعًا جديدًا من الأعشاب هذه الأيام.”
“أعشابٌ جديدة؟ من أي صنف؟”
“يقولون أن الأنواع نفسها مألوفة لنا، مثل تلك التي تخفض الحمى أو تسكن الألم.”
“إذاً؟”
“لكن…..الفعالية وسرعة المفعول لا تُصدَّق! يكفي أن تغليها وتشربها، فيزول الألم فورًا من مكانك!”
“هيه! أي كلام هذا؟ ليست سحرًا، فكيف يزول المرض فورًا بمجرد شرب مغلي أعشاب؟”
“أقول لكَ إنها الحقيقة! الشائعة انتشرت بالفعل في كل مكان!”
الزبائن الذين استهدفهم اتحاد الجنوب منذ البداية كانوا الشياطين رفيعي المقام العاملين داخل قصور كل إقليم.
فمنذ التخطيط الأول اعتُبرت بضاعة فاخرة، وسُعِّرت بسعر مرتفع. وهكذا وزّع الاتحاد كميةً تجريبية صغيرة على قصور ملوك الشياطين، تمامًا كما كان غيرو قد وفّر لهم في البداية.
وما إن جُرِّبت تلك الأعشاب هناك، حتى جاء الرد بالإجماع: جميعهم بلا استثناء يرغبون بالشراء الفوري.
“سيدي، التفاعل فاق كل توقعاتي! الطلبات تنهال علينا ولا قدرة لنا على مواكبتها! الأمر أشبه بحالة طوارئ، طوارئ بحق!”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات