كان يفترض أن يكون المشهد معكوسًا تمامًا. كان يفترض أن تكون فيلي هي من تتخبط في الطين، بينما هن من يضحكن ساخرات منها……!
وبينما كانت روفينيا ترتجف من الألم والمهانة، لم تسحب فيلي سحرها، بل نشرت جناحيها. ثم حملت الحزمة الثقيلة وارتفعت بخفة في الهواء.
أما الجنيات اللواتي شُلّت حركتهن، فقد تُركن ملقَيات على الأرض، فيما اتجهت فيلي بهدوء نحو قلب قرية الجنيات.
وما إن أدارت ظهرها حتى انفجر على ملامحها شعور بالبهجة الجامحة.
‘لقد فعلتها! لقد نجحت حقًا!’
لم تكَد تصدّق أنها تطورت بهذا القدر.
ففيلي، التي لطالما التصق بها لقب “دودة الكتب”، كانت قد التهمت شتى أنواع الكتب السحرية طوال حياتها. ومع ذلك لم يتحسن مستواها قط.
لقد كانت من ذلك النوع الذين يملكون إلمامًا واسعًا بالنظريات لكنهم ضعفاء في التطبيق العملي.
ولأن الجنيات لم يكن لديهن تقليد منظّمة لتعليم السحر، ظل مستواها ثابتًا بلا تقدم.
إلى أن التقت بأرييلا.
‘لو لم يكن بفضلها، لما كان ذلك ممكنًا أبدًا.’
فقد حدّدت أرييلا بدقة مسارات الطاقة السحرية داخل جسدها الصغير، ثم أصلحتها وقدّمت لها النصائح اللازمة لتقوية مواضع الضعف.
وحيث أن معرفتها النظرية كانت بالفعل شبه مكتملة، فما إن تلقت إرشادًا حول طريقة إدارة طاقتها حتى قفز مستواها قفزةً هائلة.
واليوم تأكد لها ذلك بأم عينيها. ففاض قلبها بمشاعر لا تُوصف.
‘شكرًا لكِ، سيدتي أرييلا!’
***
ثم على حدود غابة الجنيات.
“آه؟ ها هي هناك.”
أشارت أرييلا بإصبعها نحو بقعة محددة. كانت فيلي عائدةً إليهم بعد أن أنهت مهمتها في قرية الجنيات.
فتبع لودفيك اتجاه إصبعها وضاقت عيناه قليلًا.
“إنها قادمة وهي تحمل الحزمة.”
كما قال بالفعل. تمامًا كما في الذهاب، كانت فيلي تطير وهي تحمل كيسًا من القماش يكاد يكون بحجم جسدها.
وكما اعتادت أن تطير في المكتبة حاملةً كتبًا أثقل من وزنها بكثير دون عناء، عادت هذه المرة بسرعة كبيرة دون أن تفقد توازنها.
“سيدتي أرييلا، لقد عدت!”
كان على وجهها تعبيرٌ مرح وخفيف، وصوتها أكثر حيوية من وقت انطلاقها.
و ارتسمت ابتسامةٌ تلقائية على شفتي أرييلا. فقد كانت تشعر بالنتيجة دون أن تحتاج لسماعها.
“لقد نجحتِ، أليس كذلك؟”
“نعم!”
قالت فيلي ذلك بحماس غامر، ثم أخذت تروي ما حدث في غابة الجنيات.
بعد أن تخلصت من العصابة التي كانت تعيقها، وصلت بسلام إلى قرية الجنيات في مركز الغابة.
“وكما أمرتِني يا سيدتي، طلبتُ على الفور مقابلة الشيخ.”
لم تكن كل الجنيات سيئات الطباع. فمن بين سكان القرية هناك من فرح بعودة فيلي بعد طول غياب، ومن سألها عمّا جرى.
وبعض من اعتادوا في الماضي احتقارها والسخرية منها، أدهشهم تغيرها الواضح. إذ أن فيلي التي تمكنت من سحق المزعجين بقوتها، ازدادت ثقةً بنفسها أكثر من أي وقت مضى.
وبفضل هيبتها الواضحة ووقفتها الواثقة، جلبوها إلى الشيخ من دون أي اعتراض.
و عندما علموا أنها جاءت تحمل رسالةً من ملك الشياطين لودفيك، بدت عليهم الدهشة.
“تقولين أنكِ جئتِ ممثلةً لملك الشياطين؟”
“لكن من يكون لودفيك؟ أي ملك شياطين هذا؟”
“لا نعرف، لكن ما دام ملك شياطين فلا بد أنه عظيم.”
فأغلب الجنيات لم يسبق لهن أن رأين ملك شياطين في حياتهن.
“واو، إذًا فيلي جلبت مهمّةً بالنيابة عن أحد الشياطين العظماء؟”
“حقًا يا فيلي، لقد بلغتِ شأنًا عظيمًا!”
كان ما تسمعه أرييلا باعثًا على الارتياح، لكنه لم يخلُ من مرارة.
‘لو عرفوا حقيقة مملكة لودفيك لكان موقفهم مختلفًا.’
فجنيات الغابة لم يكن يخطر ببالهن أن تلك المملكة التي يحكمها لودفيك لم يمضِ وقت طويل على كونها على وشك الإفلاس.
ثم أشارت أرييلا إلى الكيس الذي حملته فيلي.
“وماذا عن الذي في داخله؟”
إن كانت المهمة قد نجحت، فلا بد أن محتواه قد تغيّر عمّا كان عليه عند مغادرتها.
فابتسمت فيلي بوجه مشرق وفتحت الحزمة.
***
قبل بضع ساعات، في قرية الجنيات.
“مملكة الشيطان تريد أن تعقد صفقةً معنا؟”
سأل شيخ الجان بملامح شديدة الضجر.
“ولماذا بالضبط؟”
كان ذلك كما توقعت فيلي. فالشيخ لم يكن يريد أي تغييرات جديدة، بل يفضل البقاء على ما اعتادوا عليه.
ولم يكن السبب مجرد حب القديم. بل لأن القيام بأمر لم يجربوه من قبل يعني بذل جهد إضافي، وهو ما لا يطيقونه.
‘الشيخ لا يختلف عن باقي الجان. يكرهون أي عمل.’
فالجان يحبون التمدد بكسل أو المزاح مع بعضهم، وإيقاع بعضهم في المقالب. ولم يكنّ على استعداد للقيام بعمل مرهق.
فبفضل شجرة العالم تكوّنت لهم بيئةٌ طبيعية مثالية، فلا خوف من الجوع حتى لو لم يعملون. إذ إن الطعام كان متوفرًا في كل مكان حولهم.
هزّ شيخ الجان رأسه نافيًا.
“لكي نجمع مقدار الأعشاب الطبية الذي تقولينه، فلا بد أن ينخرط كل جني في القرية. وأنا نفسي أكره هذا وأجده مزعجًا، فهل تظنين أن الآخرين سيختلفون عني؟ ثم ما الذي سيتغير إن فعلنا؟”
قطب الشيخ جبينه كمن يستثقل الأمر بمجرد التفكير فيه.
“ألن تكفين عن إزعاجي بأحاديث لا طائل منها؟”
ومن الأساس لم يكن منصب الشيخ أمرًا يرغب فيه.
لكن لأن الجميع يكره تولي هذه المسؤولية، فقد وُضع قانون يقضي بأن الأكبر سنًا بين الجان هو من يتولاها قسرًا.
وكان الجان الأصغر سنًا، كلما قابلوه، يتمنون له “العمر الطويل والصحة الدائمة”، لكن نواياهم كانت واضحة.
فإن مات، سيقع العبء على أحدهم ليتحمل هذه المسؤولية المرهقة.
“بالطبع لم آتِ خالية اليدين.”
ورغم أن الشيخ أظهر امتعاضه صراحة، إلا أن فيلي لم ترتبك. بل بثقة أخذت تفك عقدة الحزمة التي أحضرتها.
“أنتِ تعرفين أننا لا حاجة لنا بنقود الشياطين أو ما شابه ذلك…..هه؟”
توقف كلام الشيخ الغليظ فجأة. واتسعت عيون بقية الجام وبدؤوا يتجمعون.
“أوه، ما هذا؟”
“أنا لم أرَ شيئًا كهذا من قبل!”
“لكن الرائحة…..حقاً رائعة!”
“والشكل أيضاً جميلٌ جداً! كيف يمكن أن يكون بهذا الإتقان؟”
تركزت أنظار الجميع على الحزمة التي فتحها فيلي. فبداخلها كانت تتكدس أنواعٌ من الحلويات لم يسبق لهم أن رأوها، مغلّفةً بعناية ومرتبة فوق بعضها.
قطع كعك بمذاقات مختلفة، و معجناتٌ مخبوزة وهلاميات، و بسكويت محشوٌ بالكريمة، وحلوياتٌ محفوظة بالسكر.
الجان الذين لا يستعملون النار بسبب القيود، كانوا جميعاً يتذوقن مثل هذا الطعام للمرة الأولى.
“همم!”
تغيّرت ملامح الشيخ فجأة. فالأطعمة الغريبة التي احتوتها الحزمة كانت جميلة الشكل منذ الوهلة الأولى، كما أن رائحتها الحلوة الممزوجة بالحموضة والدهون الطازجة كانت توقظ الشهية.
فابتسمت فيلي وهي تقدّم.
“إنها هدية أُرسلت من قلعة لودفيك ملك الشياطين. حلوياتٌ أُعدّت بعناية لتناسب ذوق الجان. تفضلوا وتذوقوها.”
و لكي تُحضَّر هذا القدر، سهر كبير الطهاة لابو ومساعدوه طوال الليل في المطبخ البارحة.
“طعامٌ من صنع الشياطين؟”
في الحقيقة لم يكن كله من صنعهم. فقد كانت هناك وصفاتٌ كثيرة طلبتها أرييلا اعتماداً على ذكرياتها من عالم البشر.
ورغم أنها لم تعرف الوصفات الدقيقة، إلا أنها قدمت الأفكار ولابو أعاد تجسيدها قدر المستطاع.
لكن فيلي لم تذكر تلك التفاصيل.
“أنا نفسي أتذوقها أحياناً، وطعمها يفاجئني في كل مرة. لا تترددوا، تفضلوا. ها هو الكعك، جربوه أولاً.”
“…..إن كنتِ تُلحين بهذا الشكل.”
كانت فيلي تعرف تماماً أن الجان لا يمكنهم مقاومة مثل هذا الإغراء.
وكان كما توقعت. فالشيخ تظاهر بعدم الرغبة ثم التقط قطعة الكعكة وقضمها.
وفي تلك اللحظة.
“ماذا؟”
ابتلع الشيخ الكعك وتجمد في مكانه. فقد اجتاح عموده الفقري وأجنحته تيارٌ كهربائي لاذع من القشعريرة.
“يا للعجب، ما هذا الطعم؟”
كان مذاقاً أشبه بانفجار ألعاب نارية في رأسه.
لم يكن مجرد حلاوة عابرة، بل نعومةٌ كثيفة، ورطوبة تداعب أطراف اللسان، ولذة تجري في دمه فيسخن جسده كله.
“إنه يذوب داخل الفم ذوباناً!”
لأنه طعم الحلويات التي جمعت بين السكر والنار.
عالمٌ جديد يهز الحواس كلها برجفة ساحرة.
“أيها الشيخ، أيها الشيخ؟ كيف هو الطعم؟”
“هيا، هو لم يعد يسمعنا.”
واكع! واكع!
شيخ الجان التهم قطعة الكعك كما لو ابتلعها في غمضة عين، ثم لعق شفتيه بشهية.
“يا إلهي.”
ثم تحركت عينيه بسرعة.
إن كان أول ما تناوله بهذا المذاق المذهل، فكيف سيكون طعم الأشياء الأخرى؟
حتى الترقب أخذ يتصاعد في داخله.
و دون أن تحثه فيلي، مدّ يده تلقائياً نحو الطعام المستدير بجوار الكعك. و كان شكله أشبه بحصى مسطحة.
“وما هذا الآن؟”
بينما أشرقت عيناه بجدية قصوى. و اختفت تماماً نظرته المرهقة والمنزعجة من استقبال أبنة قومه العائدة.
و حلّت محلها رغبةٌ جامحة وفضولٌ متقد. تماماً كما توقعتا أرييلا وفيلي.
_______________________
اول تعاون شراكة تجارية ناجحة بدون مشاكل من يوم جت ارييلا😂
لودفيك جاي كذا مهمته خوي 😭
المهم فيلي تدنننن قد قلتها؟ بس تذكرني بناهده حقت قنشن🤏🏻
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات