فقد سرى في جسدها شعورٌ منعش مخفياً معه كل آلام العضلات. وتلك البرودة العذبة خفضت حتى الحرارة المرتفعة قليلًا وأعادتها إلى طبيعتها.
‘أنا بخيرٍ تمامًا.’
بل وأكثر من ذلك، انسدادات أنفها انفتحت بانتعاش وجسدها الثقيل صار خفيفًا. تأثيره كان أشبه بالسحر.
فصرخت فوراً،
“فيلي!”
ارتعبت الجنية من الصوت. بينما كانت قد التهمت بالفعل نصف ما في الطبق من الكعك في تلك اللحظة القصيرة، بسرعة مذهلة.
فأجابت فيلي، وفتات الكعك يغطي فمها،
“آه، لقد أ….أكلت كثيرًا، صحيح؟ أأحضر بعض الكعك الإضافي؟”
وبحركات متوجسة أظهرت فيلي وكأنها مذنبة. لكن أرييلا لم تعر اهتمامًا بالكعك أصلًا.
“هذا الشاي، ما قصته؟ حتى رائحته ليست كالمعتاد. هل أضفتِ شيئًا آخر؟”
“آه! لاحظتِ ذلك؟”
ابتسمت فيلي بارتياح وقد زال سوء الفهم.
“لقد مزجت قليلًا من الأعشاب الطبية مع شاي الأعشاب الذي قدمته اليوم.”
“أعشابٌ طبية؟”
“نعم. رأيتكِ اليوم لستِ على ما يرام كعادتكِ، فخلطتُ فيه بعض النباتات التي يتناولها الجان حين يعتريهم التعب.”
“لكن، مجرد أعشاب طبية، هل يمكن أن يكون تأثيرها فوريًّا بهذا الشكل؟”
في أيامها كأميرة، حتى حين كان الأطباء يختارون أفضل الأعشاب ويغلونها لها لم تصل النتائج إلى هذا الحد. وكذلك بعد قدومها إلى عالم الشياطين.
صحيح أن الغطاء النباتي هنا مختلفٌ عن عالم البشر، وأنواع الأعشاب كذلك، لكن تأثيرها ظل متقاربًا مع المعروف في عالم الإنسان.
غير أن الشاي الذي غلته فيلي الآن كان مختلفًا تمامًا، وكأنه من عالم آخر.
“هذه الأعشاب لا تنبت إلا في غابة الجنيات. ومن الصعب على الشياطين الحصول عليها.”
“غابة الجنيات.”
رددت أرييلا الاسم بصوت ثقيل.
قالت فيلي أنها حين غادرت موطنها جمعت معها كثيرًا من النباتات المجففة. وكان بمقدورها أن تحمل أضعاف وزنها مثل النحلة، لذا لم يكن الأمر عسيرًا عليها.
“إذاً لا يمكن الحصول عليها خارج الغابة؟ أعني عبر الطرق المعتادة.”
“أظن ذلك. فلابد أن تنمو داخل غابة الجنيات تحديدًا لتظهر هذه الفاعلية.”
وكانت أرييلا بدورها قد بدأت تخمن السبب.
“لأنها نبتت في تربة قريبة من شجرة العالم؟”
“صحيح.”
أرض الجان ليست خاضعةً لسلطان ملك الشياطين. فلا تشرق عليها شمس، ويغشاها ليلٌ أبدي طوال العام.
ومع ذلك، كيف ينمو فيها النبات، وتعيش فيها أنواع شتى من الكائنات في ضياء يكفي لاستمرار الحياة؟
السر يكمن في شجرة العالم، القائمة في قلب الغابة.
فشجرة العالم تقوم بدور شبيه بالشمس التي تشرق في أراضي ملك الشياطين، غير أنها لا تبث النور والحرارة من السماء، بل توصل طاقةً سحرية عبر باطن الأرض.
ومن تلك الأرض الخصبة المتدفقة بالحياة الغامضة، غدت غابة الجنيات أدغالا وارفةً اكثف من أي غابة مجاورة.
وبفضل ذلك امتلأت نباتاتها بفاعلية باهرة وأسرار عجيبة.
“أيعني هذا أن الأعشاب التي شربتُها تُعَدّ عندكم نادرةً يصعب الحصول عليها؟”
“لا أبدًا.”
حركت فيلي عينيها تستحضر ذاكرتها.
“لم يحدث أن عانيت في جمعها. فهي تملأ الضفاف بكثرة.”
بل وأخبرت أن من يقطفها تعود لتنبت من جديد كما لو كانت عشبةً ضارة. وذلك أيضًا بفضل قوة شجرة العالم.
“ولو بالغت في القول، فهي تكاد تنمو ثانيةً ما إن تديرين ظهركِ بعد قطفها.”
وبالنسبة للجن، كانت هذه الأعشاب موردًا فائضًا لا يُقيمون له وزنًا.
تعمق بصر أرييلا وهي تتحدث،
“لكن لماذا لا تفكرون في بيعها للخارج؟ أليس من المستحيل العثور عليها خارج الغابة؟ معنى هذا أنها لا تُتداول مطلقًا.”
“آه؟ هذا صحيحٌ فعلًا.”
فغابة الجنيات لا تمارس أي تبادل تجاري مع العالم الخارجي. وكان ذلك أمرًا بديهيًا إلى درجة أن فيلي لم يخطر لها التساؤل فيه من قبل.
“مم…..لو أردنا تعليل الأمر فربما لأنه لا يوجد دافع.”
فالتجارة أصلها تبادل الموارد الفائضة بين طرفين. ثم تتطور لاحقًا لتستخدم النقود بدل المقايضة.
“غير أن الجان لا يهتمون بالنقود أصلًا، إذ يكتفون بما توفره لهم الغابة ويعيشون مكتفين بأنفسهم.”
“بمعنى أن بيئة الغابة غنيةٌ إلى درجة لا تمنحهم حافزًا لمد يدهم إلى الخارج؟”
“بالضبط. والأهم من ذلك، حتى لو أراد الشياطين إقامة تجارة فلن يستطيعوا دخول الغابة. ولأن البيع والشراء لا يتم إلا باللقاء المباشر، فغياب نقطة الاتصال يجعل الأمر مستحيلًا.”
فذلك كان من المحظورات التي حرسها الجان عبر أزمنة طويلة.
“قلتِ أن الشياطين لا يمكنهم دخول تلك الغابة إطلاقًا، أليس كذلك؟”
“بالأدق، كل الأجناس التي تستخدم النار لا يمكنها الدخول. فهناك حجابٌ يحمي الغابة بهذا الشرط.”
كان أشبه بشريعة وُجدت حتى لا تُمسّ شجر العالم بسوء، إذ لو أُضرمت فيها النار لكان الخطب جللًا.
بل إن الجان أنفسهم لا يوقدون النار مطلقًا في حياتهم اليومية.
“الأجناس التي تستخدم النار؟ يعني تقريبًا كل المخلوقات عدا الجان؟”
“صحيح. حتى الأورك يوقدون النار لطهي طعامهم.”
وأي غريب لا تنطبق عليه الشروط ويدخل الغابة يتعرض للعنة. ولهذا، حتى أعظم ملوك الشياطين لم تراودهم قط فكرة غزو غابة الجنيات.
“لكن أليس بإمكان الجان أن يخرجوا بأنفسهم ويتاجروا مع الشياطين؟”
عندها غامت ملامح فيلي قليلًا.
و ترددت قليلًا قبل أن تجيب،
“لكن الحقيقة أن الجن الطبيعيين أصلًا لا يفكرون بالخروج من الغابة.”
وكان في نبرتها أثر مرارة من تركها موطنها، وكأنها تعترف بأنها ليست جنيةً طبيعية.
“الجميع يعتقد أن من البديهي أن يعيش الجان داخل الغابة. مجرد ذكر فكرة الرحيل يُجعلكِ في نظرهم جنيةً مجنونة. لذلك، فأنا التي تعيش هنا خارج الغابة…..لست طبيعية.”
كانت ترى نفسها منبوذة، أُقصيت عن مجتمع الجان الرئيس وصارت غريبة.
وبينما كانت أرييلا تحدق في وجهها المنكمش، تحدثت بصوت مفعم بالقوة،
“إذاً أنتِ فكرتِ بأمر لم يخطر لغيركِ من الجن قط، وحققتِ فعلًا ما لم يجرؤ أحد منهم على فعله؟”
“هاه؟ أ….أجل، ربما؟”
ارتعش وجه فيلي ارتباكًا. فالقول يختلف باختلاف صياغته، وكلمات أرييلا المليئة بالتقدير بدت لها ذات وقع آخر.
ثم ارتشفت أرييلا رشفةً أخرى من الشاي، و قالت بنبرة إعجاب،
“كنتُ أظن ذلك منذ زمن، فيلي…..أنتِ حقًا جنية مميزة.”
“مميزة؟”
“نعم. أن يعيش المرء كما يعيش الآخرون فهذا أمرٌ يسير. فالجديد دائمًا يثير الخوف والنفور، وتحطيم ذلك الجدار يتطلب شجاعةً نادرة. لكنك أنتِ فعلتِها.”
“…..شجاعة.”
تمتمت فيلي وكأن وقع الكلمات عليها كان صادمًا قليلًا. فلم يسبق أن قال لها أحدٌ مثل هذا الكلام، وقد كانت أرييلا الأولى.
ساد صمت قصير بين الإنسانة والجنية يفصل بينهما الطاولة. وكلاهما غرق في أفكاره الخاصة للحظة.
ثم كانت أرييلا أول من قطع الصمت.
“في الحقيقة، خطرت لي فكرةٌ جيدة. إنها تتعلق بمستقبل هذه المقاطعة.”
“أي فكرة؟”
“فكرةٌ يمكنك أنتِ وحدكِ إنجازها يا فيلي. فأنتِ الجنية الوحيدة التي عقدت العزم على السير والطيران في هذا العالم الغريب خارج الغابة.”
كان عالم الشياطين حيث تعيش المخلوقات المظلمة، وعالم الجان حيث غابتهم، عالمين منفصلين تمامًا كأنهما لا يلتقيان.
لكن الآن أمام أرييلا، جلست كائنة يمكنها أن تكون الجسر الواصل بينهما.
الجنية الوحيدة القادرة على عبور الطرفين.
فمدّت أرييلا يدها وأمسكت بيد فيلي الصغيرة.
“أرجوكِ يا فيلي.”
***
في طريق عودتها من المكتبة إلى غرفتها.
“هاه؟ ما الأمر؟”
كان لودفيك واقفًا أمام باب غرفتها. و لم يسبق له أن جاء حتى بابها من قبل، فاستغربت أرييلا الأمر.
“هل كنتَ تنتظرني؟ لأي سبب؟”
“…….”
“لو كان أمرًا عاجلًا، ألم يكن أيسر أن تأتي إلى المكتبة بدلًا من انتظاري هنا؟”
وفجأة.
فوووش-!
قبل أن تنهي أرييلا كلامها. امتدت ذراع لودفيك الطويلة نحوها على حين غرة.
“خذي.”
وبلا وعي بسطت راحتها، فأسقط فيها شيئًا. وقد كانت ثمرةً صغيرة حمراء تشبه الكرز.
ثم شرح لودفيك بصوت خشن مختصر،
“إنها ثمرةٌ جيدة للزكام. قبل أن تنامي امضغيها هكذا كما هي. تأثيرها جيد. و طعمها مرٌ قليلًا فقط.”
ما هذا، هل كان ينتظر كل هذا الوقت ليعطيني إياها؟
يبدو أنه تذكر أنني كنت أسعل أثناء الاجتماع.
‘ما الأمر؟ إنه رجلٌ لا يملك حتى روح الاهتمام بمثل هذه الأمور.’
لكن الأمر جاء متأخرًا قليلًا. فقد كان الزكام عند أرييلا قد اختفى بالفعل بفضل الشاي الذي غلته لها الجنية.
“……آه، شكرًا لكَ.”
لكن بدل أن تقول بصراحة أنها لم تعد بحاجة إليها، اكتفت بكلمات الشكر.
فاستدار لودفيك بصمت دون أن يرد، ثم مضى بخطوات واسعة حتى اختفى.
“ما هذا؟ يقول ما يريد فحسب ويرحل.”
دخلت أرييلا الغرفة، ثم وضعت الثمرة الخشبية التي أعطاها لها لودفيك في فمها وقامت بمضغها بحذر.
وكما قال لودفيك، كان طعمها الأول مرًّا، لكن كلما مضغتها أكثر شعرت بحلاوة خفيفة تتسلل منها.
“……حسنًا، ليست سيئة.”
***
و بعد عدة أيام. غادرت أرييلا مع لودفيك أراضي مملكة الشيطان وشرعا في التحرك.
“آه، هناك أليس كذلك؟”
بدأت حدود الغابة تظهر أمامهما. وعندما سألت أرييلا جاءها الرد من داخل حقيبتها.
“نعم! صحيح.”
فرفر!
طارت فيلي خارج الحقيبة. و حدّقوا الإنسانة والشيطان والجنية جميعًا في الغابة التي امتدت أمام أعينهم.
وبالفعل، على عكس الغابات العادية، كان مسحوقٌ يشبه ضوء النجوم يحيط بالحدود بوهج خافت.
‘قيل أن البشر أو الشياطين إذا دخلوا سيتوهون ويضيعون. وقد يموتون كذلك.’
حتى لودفيك كان سيصبح في خطر ما لم يقرر أن يحرق الغابة بأكملها.
ولهذا جاؤوا بفيلي التي لا تحب مغادرة المكتبة.
“فيلي، نعتمد عليكِ. قلت لكِ من قبل، هذا أمرٌ ضروري من أجل أراضي مملكة الشيطان.”
فأخذت فيلي تعقد وجهها بملامح جادة.
“بما أن السيدة أرييلا قالت ذلك بنفسها…….سأعود بالنجاح حتمًا!”
ثم فتحت فيلي جناحيها وانطلقت نحو الغابة.
_____________________
ارييلا في البدايه تقول بس تبي تركز على السحر وعنها سوت كل شي الا السحر😭 والحين تجارة مع الجان بعد
انا متأكدة المؤلفة قاريك تراش لأن ارييلا نسخة كايل الانثويه تنين وجان ومستئذب وكل شوي يقول وقت الراحه يلقى نفسه في مصيبه جديده من حاكم الموت ذاك 😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 52"