خلال الأشهر الماضية، وبفضل تأثير أرييلا، تغيّر الجو الكئيب والمكتئب الذي كان يخيم على هذا المكان ليصبح أكثر حيويةً ونشاطًا.
ومع ذلك، ظل في أرجاء القلعة تيارٌ بارد ينساب بخفة.
لكن القلعة شهدت مرةً أخرى تحولًا جديدًا، إذ علت الضوضاء في أرجائها واندلعت صغائر الشغب هنا وهناك.
“ا……احذر!”
“آه! لقد أفزعتني!”
وبينما كان موظفو القلعة يصرخون مذعورين……صدر دَوِيّ خطوات سريعة يتردّد! و اندفع كائنٌ ذهبي اللون يخترق صفوفهم بخفة ورشاقة.
كان يركض بأربع قوائم وقد بسط جناحين لم يكتمل نموهما بعد، وكان معظم الشياطين يرونه لأول مرة في حياتهم.
إنه تنين. بل وكان من نوع لم يظهر منذ دهور طويلة……تنينٌ ذهبي.
“كياااا!”
زمجر التنين بقوة وهو يركض في أروقة القلعة، بينما هرع الجنود والخدم إلى الجانبين بفزع.
ومع اندفاعه الخاطف من بينهم، بدا واضحًا أنه قد امتلأ لحمًا واكتسب قوةً أكبر.
و الأماكن التي كانت قشوره فيها متكسرة أو مفقودة غطتها قشور جديدة لامعة ومصقولة. حتى جروحه التأمت تمامًا.
“هاها! إنه يملك أسرع قدرة على التعافي رأيتها في حياتي! إنه تنينٌ بحق.”
حتى ريتشموند، الذي قضى عمره في دراسة مخلوقات شتى، لم يملك إلا أن يبدي إعجابه.
وبعد أن تخلّص من قيوده، فاض جسده الصغير بحيوية المخلوقات الصغيرة. وكأن السنوات المؤلمة التي عاشها قد مُسحت تمامًا.
ولم يتغير مظهره فحسب، بل تغيّر داخله أيضًا؛ فبعد أن كان شديد الحذر، أصبح الآن يفيض فضولًا.
كانت قدماه وأجنحته الطليقة تعبّران عن روح مغامرة متقدة، و أحيانًا بما يفوق قدرة البعض على الاحتمال.
“أ……أواه؟”
التفت طاهي القلعة، وهو يحمل كومةً من الأشياء، ليصطدم به بالنظر. إذ إن قلة قليلة من الشياطين تستطيع الحفاظ على رباطة جأشها حين ترى فجأة تنينًا صغيرًا مندفعًا نحوها عند زاوية ممر.
“آآآاه!”
صرخ الطاهي من هول المشهد.
فكيف لا؟ لقد كبر حجم ذاك التنين حتى تجاوز حجم الكلاب الكبيرة، بل بات أشبه بعجل صغير. وإذا ما اصطدم بك بكامل سرعته، فلن يمر الأمر بلا إصابات.
أطلق التنين الذهبي صيحته.
“رابو، ابتعد من هناك!”
كان التنين قد حفظ خلال أيام قليلة فقط أسماء جميع الشياطين المقيمين في القلعة.
لكن الطاهي المسمّى رابو، بدل أن يتفادى الطريق، تجمّد في مكانه.
بوووم-!
وقبل أن يصطدم به مباشرة……وكالدجاجة التي ترفرف بجنون، رفرف التنين بجناحيه بقوة فاندفع صاعدًا، فيما دوى صوت الغشاء الجناحي وهو يشق الهواء.
وبينما لا يزال عاجزًا عن الطيران الكامل، ترك التنين جسده يندفع بقوة القفزة، ثم دفع بجدار الممر بقدميه. كانت اندفاعةً رشيقة خاطفة.
ثم قفز بخفة فوق رأس الطاهي، كمن يؤدي حركةً بهلوانية.
هووووم-!
هبّت من جناحيه ريحٌ قوية بعثرت شعر رابو، فيما مر ظل التنين فوق وجهه.
وبدفعة أخيرة، هبط بسلاسة خلفه. فتنفس رابو الصعداء وقد نجا من الاصطدام.
وبينما كان يمسح العرق البارد عن جبينه……
تَك……تَك!
“……؟”
توقفت خطوات التنين فجأة وهو يهم بالاندفاع مجددًا. فشعر رابو بالتوتر تحت نظراته الثاقبة.
“ماذا……ماذا هناك يا سيدي؟”
انفلتت منه صيغة الاحترام تلقائيًا. فمهما كان صغيرًا، لا يجهل أحد من الشياطين مدى خطورة التنين.
“لذيذ؟ أليس كذلك؟ ……لا بد أنه لذيذ. لم أتذوقه من قبل، لكنني لا أتصوّر أنه يمكن أن يكون غير لذيذ. أليس كذلك، رابو؟”
تباعد فكّاه وبدأ اللعاب يسيل من فمه. و بين القشور الذهبية برزت فجوة سوداء، تكشف عن لسان أحمر وأسنان حادة.
ورغم أن التنين لم يكن يحدّق به كفريسة، شعر رابو بقشعريرة تسري في جسده وتشنّجت عضلاته.
كان ذلك رد الفعل الغريزي الذي يظهر أمام تنين.
اقترب رأس التنين حتى صار بإمكان رابو أن يشعر بأنفاسه.
“أنتَ!”
ثم دوّى صوتٌ آمر في أرجاء الممر. فاستدار كلٌ من رابو والتنين في الوقت نفسه نحو مصدر الصوت.
“أه……أرييلا؟”
التي ظهرت كانت فتاةً بشعر قصير أحمر.
“السيدة المتعاقدة!”
شعر الطاهي برغبة جامحة في الجري نحو تلك الفتاة الصغيرة والاحتماء خلفها، ناسياً كل المرات التي سلبته فيها قدور الطبخ بسبب ذلك السلايم.
لكن التنين سبقه بالفعل.
“أريييييللااا!”
دَفْدَفْدَفْ-!
وبسرعة مشابهة لما سبق، اندفع التنين نحو أرييلا، ثم قفز عاليًا كأنه يريد الارتماء في أحضانها.
لكن أرييلا أمالت كتفها وتفادت العناق بحركة طبيعية وسلسة.
كانت حركةً متمرسة، فجعلت التنين يهبط في مكان آخر تمامًا.
“لماذا تتفادينني؟!”
“قلت لك، أنت لم تعد كما كنت قبل أيام! إذا ارتميت عليّ هكذا فستكسر عمودي الفقري!”
لم يكن التنين يدرك كم نما حجمه بسرعة في الأيام الأخيرة. لكنه لم يستسلم، بل اقترب وفرك خده بها.
“أرييلا……دافئة. أحب هذا الشعور.”
“أي مخلوق حي، إنسانًا كان أو شيطانًا، يكون دافئًا هكذا.”
“لا……أنتِ مختلفة.”
منذ أول لقاء بينهما وهو يكرر هذه العبارة، ولم تفهم أرييلا سببها أبدًا، خاصةً وأنها ليست ذات حرارة جسد عالية على نحو ملحوظ.
“آه، ولماذا يسيل لعابكَ هكذا مجددًا؟ قلت لك أن تكف عن إزعاج المسكين رابو، أليس كذلك؟”
قالت ذلك وهي تلوّح بيدها إشارةً له بالانصراف، ففرّ رابو هاربًا بأقصى سرعته.
“لكن رابو دائمًا تفوح منه رائحةٌ لذيذة.”
“……لا تقل هذا أمامه، سيقشعر بدنه ويشمئز.”
كان لا بد من إيجاد حلٍ قبل استقالة الطاهي المفاجئة.
“سمعت أنكَ عدت لتزعج الخيول في الإسطبل، أليس كذلك؟”
لم تكن حادثة رابو قبل قليل هي الخطأ الوحيد الذي ارتكبه التنين.
“هـ..…ها؟ كيف عرفتِ يا أرييلا؟”
“أتدري كم من العيون والآذان هناك هنا؟”
“واو! أرييلا، هل لديكِ عيون وآذان أكثر؟ هذا مدهش!”
كان بالنسبة للبشر أشبه بطفل صغير يسيل أنفه، لا يفهم المجاز أو التلميح.
“غرويب أخبرني بكل شيء.”
ذلك الكوبولد الذي يتولى منصب كبير خدم القلعة لم يعرف طعم الراحة منذ جاء التنين.
“قلت لكَ أن تكف عن إزعاج تلك المخلوقات المسكينة!”
“لكنني أحب الخيول. أتذكرين حين ركبنا معًا؟ كان الأمر ممتعًا. الخيول سريعةٌ جدًا، وصوتها طَقْطَقْطَقْ ممتع، وحتى اهتزاز جسدها وهي تجري كان مسليًا.”
كانت تجربة الهروب من الصحراء القاحلة ذكرى لا تُنسى بالنسبة له، ومنذ وصوله إلى قلعة سيد الشياطين وهو كثير التردد على الإسطبل بحجة اللعب.
لكن فرس أرييلا المفضل كان يكتفي بمضغ التبن ببرود، متجاهلًا محاولاته.
فانتقل إلى مضايقة الخيول الأخرى، لكن الخيول الجبانة كانت تنزوي مرتجفةً في الأركان. فحتى خيول عالم الشياطين الشرسة لم تجرؤ على الحركة أمام تنين.
وهكذا وصلت شكاوى السائس، الذي حذر من إصابة الخيول بانهيار عصبي جماعي، إلى مسامع كبير الخدم، ومنها إلى أرييلا نفسها.
“أريد أن أركب الخيل مجددًا، وأجري بسرعة كما فعلنا من قبل.”
“إن طرت بشكل صحيح، فستكون أسرع بكثير من أي خيل.”
“لكنني ما زلت لا أستطيع الطيران.”
رمقته أرييلا بنظرة طويلة.
“لماذا لديكَ عينان؟”
“لأرى؟”
“ولماذا لديكَ فم؟”
“لآكل؟”
“إذًا جناحاكَ؟”
“……للطيران؟”
وأشارت إلى الجناحين الغشائيين على ظهره.
“أتظن أن الأجنحة وُجدت عبثًا؟ أنت ما زلت صغيرًا، انتظر قليلًا، فالأمر مسألة وقت لا أكثر.”
“حقًا؟”
ابتسم التنين ببهجة.
في الآونة الأخيرة، كان يقضي وقته في استكشاف هذا البناء الغريب الذي أصبح منزله الجديد. و أرييلا لم تفرض عليه قيودًا سوى شرط واحد: ألا يغادر القلعة إلى الخارج.
‘لقد قضى حياته كلها مقيدًا بالسلاسل……و لا يمكن أن أحضره إلى هنا ثم أحبسه في غرفة.’
ربما لهذا السبب، ومع إطلاق حريته، أصبح أكثر مرحًا وإشراقًا.
لكن، وعلى عكس توقعها، ظهرت نتيجة جانبية……وهي أنه صار يلتصق بها طوال الوقت.
لكن هذا لن يدوم طويلًا، لقريبًا سيأتي أحدٌ ليأخذه.
ومع أن المدة كانت قصيرة، شعرت بأنها بدأت تتعلق به قليلًا.
مدّت يدها وربّتت على رأس التنين الذي كان ينظر إليها بعينين صافيتين، فأغمض عينيه نصف إغماضة وأصدر صوتًا خافتًا يدل على ارتياحه.
“هل تريد أن نصعد إلى البرج كما فعلنا من قبل ونشاهد ما خارج القلعة معًا؟”
“نعم! أريد أن أرى!”
سارت أرييلا في المقدمة، وركض التنين الصغير خلفها بخفة. و حتى أثناء الحركة، لم يتوقف عن الكلام.
“أتعلمين يا أرييلا، رأيت شيئًا غريبًا في القبو! عظامًا تتحرك وتمشي!”
“آه، ذلك من صنع ريتشموند، إنها هياكل عظمية.”
“هياكل عظمية؟ وما هي؟”
“جنودٌ من الأموات الأحياء.”
“وما معنى أموات أحياء؟”
“يعني أنهم أموات لكنهم يتحركون.”
“هذا الصباح، أكلت لحمًا وكان فيه عظمٌ كبير، هل يعني أن ذلك العظم سيتحرك ويمشي يومًا ما؟”
“لا، لا أظن ذلك.”
“لماذا؟”
“لأن ريتشموند لن يلقي تعويذةً على إفطاركَ.”
“لماذا؟”
“لأنه يكره إهدار السحر.”
“لماذا؟”
“لأن للسحر طاقةً محدودة.”
“لماذا؟”
“إذا فكرت أولًا في كيفية تراكم السحر……”
“لماذا؟”
واستمر الحوار بينهما على هذا النحو وقتًا طويلًا.
لقد كانت الأيام الهادئة نادرةً في الآونة الأخيرة.
***
في جنوب عالم الشياطين، حيث لم يقع أي حدثٍ كبير منذ مدة، بدأت تنتشر شائعتان مدويتان.
إحداهما تتعلق بإقليم لودفيك، الذي كان يُعد في نظر الجميع منطقةً نائية فقيرة على أطراف العالم.
أما الأخرى، فتخص نقابة فيدوِك التجارية، التي كانت من بين أقوى ثلاث شركات في جنوب عالم الشياطين.
“يقولون أن مالك نقابة فيدوِك التجارية اختفى فجأة؟”
انتشرت الشائعة الثانية بسرعة أكبر في الأقاليم الأخرى التي كانت أكثر نشاطًا تجاريًا من إقليم لودفيك.
حاولت نقابة فيدوِك إخفاء الأمر والتكتم عليه، لكن مع إلغاء جميع الفعاليات والمقابلات المقررة سلفًا، لم يعد بالإمكان التستر.
و لم يكن أحد يعلم بعد……لا سبب اختفاء باغيس فيدوِك، ولا النتائج التي سيجرّها ذلك. ولا أن أرييلا كانت تقف وراء كل شيء.
أما الشائعة المتعلقة بإقليم لودفيك، فكانت من النوع الذي يصعب على الناس تصديقه.
“ماذا تقول؟ تنينٌ ذهبي؟”
________________________
ياناس التنين يجنن بزرر 😭🤏🏻
بس محد سلم منه حتى الطباخ شكله بيصير وجبة
ويضحك حصان ارييلا صار عنده مناعة ماخاف منه عكس الباقين😭
وشكله اعتبر ارييلا امه بس وش قصدها فيه احد بياخذه؟ غش كسبته بيقعد معها طول الروايه ☹️
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات