و لم يمنحه أحد اسمًا قط، فالمربّون كانوا يعتبرونه مجرد سلعة.
كان باغيس فيدوِك مستعدًا لبيع أي شيء ما دام يدر المال. لكن هذا لا يعني أنه كان يستهين بخطورة التنين.
“حتى لو كان قد فقس للتو، فالتنين يظل تنينًا. استعملوا كل وسيلة ممكنة لكبح قوته!”
كانت التنانين تعيش في مجتمع مستقل لا يخضع لسيطرة ملوك الشياطين، وإذا اختلفت مصالحهم مع الشياطين نشبت الحروب بينهم.
وكانت قوتهم مرعبةٌ حقًا؛ فالتنين الذي ينمو جيدًا يمكنه أن يواجه وحده عدة ملوك شياطين في وقت واحد.
ولمنع أي حادث مؤسف، كان المدرّبون يضعون القيود على التنين فور خروجه من البيضة.
“حين يكبر جسده بدّلوا القيود بأخرى أكبر، وإن قاوم فاضربوه حتى يهدأ.”
كان عالم التنين الذي بلا اسم غارقًا في ظلام دامس.
وكان المربّون لا يزيلون العصابة التي تغطي عينيه أبدًا. ولهذا كان المدرّبون يأمرونه عبر السمع واللمس فقط، فيجبرونه على الجلوس أرضًا أو طي جناحيه بالقوة عند إصدار الأوامر.
“ااااااك!”
“ألا يزال هذا الحقير يثير الفوضى؟ كم هو مزعج! حتى بعد كل هذا الضرب لا يطيع؟”
رغم أن الطاعة كانت تُفرض عليه منذ ولادته، إلا أن التنين لم يرغب أبدًا في الخضوع.
فكان يتمرد مرارًا وتكرارًا. حتى وهو محرومٌ من البصر، و حاول الهرب مرارًا، لكنهم كانوا يمسكون به ويطرحونه أرضًا كل مرة.
أما القشور التي حصلت عليها أرييلا فقد سقطت عنه أثناء تلك المقاومة.
وسط ظلام حالك، كان يعيش تكرار تدريبات لا يفهمها، وكانت تلك هي الحياة الوحيدة التي يعرفها.
الحياة بالنسبة له كانت حرمانًا من الحرية وتعرضًا للأذى.
‘لا أريد هذا.’
رغم أنه لم يرَ أو يتعلم أي احتمالٍ آخر، إلا أن فطرة التنين همسن له،
‘هناك خطب ما…..هذه ليست حياة…..عليكَ أن تهرب من هذا الوضع…..لا تتوقف عن المقاومة.’
‘لا أريد أن أموت…..أريد أن أعيش….لكن ليس هكذا.’
لكنه لم يكن يعرف كيف. فلم يعرف طريقةً للهرب من هذا الحال.
لكن اليوم…..لأول مرة، سمع شيئًا جديدًا.
صوتًا يعده بالإنقاذ. يدعوه للخروج معًا.
من يكون هذا يا ترى؟
طنننغ-!
انكسر القيد المثبّت على مخلبه الأمامي.
ولم يكن القيد مجرد أداة لشلّ الحركة، بل كان يحمل طبقات متراكبة من السحر تضعف قوة التنين السليم، وتجعل حاله واهنًا كالمريض.
وما إن تحطّم حتى خفّ ذلك الثقل الذي كان يضغط على جسده.
طنننغ-! طنيننغ-!
ثم جاء الدور على العنق والصدر والجناحين والمخالب الخلفية…..و توالت أصوات تحطّم بقية القيود جميعها.
شعر التنين أن الحيوية تتدفق في كامل جسده، وأن السحر يتأجج من أعماق صدره. و كانت هذه أول مرة منذ ولادته يشعر فيها بخفة وانطلاق كهذه.
‘جسدي خفيف…..كأنني سأطير.’
كان الأمر أشبه بعودة قطعة مفقودة إلى مكانها الصحيح بعد أن كانت في غير موضعها طوال الوقت.
فرد التنين جناحيه المنحنين على اتساعهما، ولم تعد هناك سلاسل تكبّل حركته.
ولسبب ما، شعر برغبة عارمة في إطلاق صرخة مدوية، والتحليق عاليًا في السماء. رغم أنه لم يجرّب الطيران قط.
‘لا…..عليَّ أن أتمالك نفسي قليلًا بعد.’
ورغم أنه لا يرى، إلا أن أذنيه ظلّتا منصتتين، وكان يعرف جيدًا ما يجري في هذا الكهف. و إن أطلق صوتًا عاليًا الآن، فسيسمعه المدربون في الخارج.
‘مدربون…..’
ما إن خطر اللفظ بباله حتى غمرت قلبه موجةٌ من الكراهية.
أولئك الذين عذبوه منذ لحظة خروجه من البيضة…..الذين كانوا يشدّون قيوده ويضربونه بلا رحمة إذا لم يطِعهم.
ثم خرج صوتٌ في الظلام،
“سأحرر فمكَ الآن.”
شعر بلمسات حذرة، وبعد لحظات أُزيل اللجام الذي كان يكتم فمه. فتسلل الهواء البارد إلى موضعه الفارغ، و أصبح التنفس أسهل بكثير.
وفي تلك اللحظة، طرح التنين السؤال الذي كان يكبته طويلًا،
كان الصوت الذي قال هذه الكلمات مرتجفًا قليلًا، مختلفًا تمامًا عن البرود القاسي الذي اعتاد سماعه من أفواه المدربين…..
‘لماذا؟’
لزم التنين الصمت لحظة، ثم،
“أنتِ…..أول من يقول أنه سيساعدني.”
فكلمات المدربين لم تكن سوى أوامر حادة ولغة مشحونة بالغضب.
العالم الصغير القاسي الذي عرفه التنين، والمليء بالشتائم الخشنة والتدريبات القسرية، كان يتداعى أمامه الآن.
شط-!
ارتفع صوت شيء يُقطع، ثم اختفى ما كان يحجب عينيه. وفي تلك اللحظة لم يستطع منع نفسه من فتح عينيه على اتساعهما.
“آه!”
تدفّق الضوء إلى داخله…..كانت تلك اللحظة التي تحررت فيها حاسةٌ بقيت مختومةً منذ ولادته.
أخذ يرمش سريعًا حتى بدأ بصره، الذي كان يضطرب بالدموع، يستعيد وضوحه تدريجيًا.
الآن صار يرى بعينيه ما كان يتخيله في رأسه…..شكل العالم ولونه.
كانت تجربةً عنيفة هزّت كيانه حتى شعر أن رأسه سينفجر من شدّة الصدمة.
‘آه…..هكذا إذًا يبدو العالم!’
ورغم أنه ما يزال داخل الكهف الضيق، فقد اجتاحه شعورٌ جارف بالقشعريرة.
وبينما يغلي الدم في عروقه من شدّة الانفعال، ثبتت عيناه في مكان واحد.
“……!”
كانت هناك…..أول إنسانة تقع عليها عيناه منذ فقس من البيضة.
في عينيها كانت تتداخل مشاعر كثيرة…..قلقٌ من أن تثقل عليه الرؤية بعد حرمانه الطويل منها، غضبٌ على نقابة فيدوِك التي أبقته في هذه الحالة، وارتياحٌ لأنه أُتيح لها إنقاذه الآن على الأقل.
لكن التنين لم يكن يعرف بعد كيف يقرأ تعابير البشر، ولا كيف يضع أسماء لكل تلك الانفعالات المتشابكة.
لكن كان هناك أمرٌ واحد مؤكد…..لم يكن يعرف كم سيعيش بعد الآن، لكنّه كان واثقًا أنّه لن ينسى هذا المشهد حتى يوم موته.
“…..من أنتِ؟”
سأل متأخرًا قليلًا، موجّهًا السؤال إلى من أنقذته من ذلك الجحيم الضيق، الحبل الذي سيمدّه نحو حياة جديدة بالكامل.
حفر ملامحها في ذاكرته بوضوح، و رؤية التنين المندهش لم تترك أي تفصيل، حتى شكل كل خصلة من شعرها انطبع في ذهنه كما لو كان نقشًا محفورًا.
“أرييلا.”
أجابته بهدوء.
“أرييلا…..”
تمتم التنين بالاسم متأملًا إياها، وكأنّه ليس مجرد اسم، بل كلمةً تحمل معنى بحد ذاتها.
مدّ التنين قوائمه الأربع ونهض، ثم خطا بحذر نحوها. فحاول لودفيك التدخل بقلق، لكن أرييلا رفعت يدها لتمنعه.
مدّ التنين عنقه طويلًا، ثم بدا كأنه يستنشق رائحتها لبرهة قبل أن يداعب خدها بهدوء.
فتفاجأت أرييلا بملمس جلد التنين المغطّى بالقشور، إذ كان ألين بكثير مما تخيلته.
ثم انكمش التنين الذهبي في حضنها،
“أشعر منكِ بشيء دافئ وجميل…..أرييلا.”
***
“التنين اختفى!”
“أيقظوا كل من ينام الآن! حالة طوارئ!”
لقد انكشف تسلّل أرييلا و لودفيك في النهاية.
فقد صادف فريق الحراسة بوابة قفص التنين مفتوحة، وفي الداخل جثة جندي.
“فتشوا المنطقة بدقة!”
شعر الجنود وكأن عقولهم تجمدت من الصدمة.
كيف يختفي التنين الذي اعتنى به سيدهم ببالغ الحرص؟
كانوا يعرفون جميعًا ما ينتظرهم إن لم يعثروا عليه…..فلا أحد يجهل طباع باغيس فيدوِك القاسية.
وفي تلك الأثناء، وبينما كانت حظيرة التربية السرية تعمّها الفوضى….
طق طق طق-!
كان هناك حصانان يشقّان عتمة البرية ويعدوان بسرعة هائلة.
أرييلا و لودفيك كانا يفران بأقصى سرعة. و على خلاف وقت اقترابهما من القاعدة، لم يكونا قادرين الآن على استخدام سحر التخفي.
نفاد طاقة أرييلا السحرية كان مشكلة، وحتى إن حاولت استعارته من لودفيك، فإن السحر لا يؤثر على التنانين.
يبدو أن مقاومة التنين الفطرية للسحر كانت تدفع سحر أرييلا بعيدًا.
وبسبب صغر سنه لم يكن يعرف حتى كيف يضبط قوة الارتداد مثل لودفيك.
“على أي حال، إن أطلقنا سحر التخفي فلن نتمكن من التحرك بسرعة، فلنهرب بأقصى سرعة دون سحر.”
كان حكم لودفيك سريعًا.
فالخصم هم جنود قافلة فيدوِك التجارية. وبما أنهم من أصحاب الثروات الطائلة، فمن المؤكد أنهم يملكون على الأقل قطعةً أثرية تكشف الطاقة السحرية.
حتى لو أطلقوا سحر التخفي فاحتمال اكتشافهم كبير.
لكن حين حاولا الهرب فعلًا ظهرت مشكلةٌ أخرى. فالتنين الصغير لم يكن يعرف الطيران بعد، كما لم يكن يملك القدرة على الجري بسرعة مساوية للحصان.
في النهاية كان على أحدهما أن يركبه معه على الحصان.
“فهيييييينغ!”
حصان لودفيك رفض أن يحمل التنين، وفي النهاية استسلم لودفيك، إذ بدأ الحصان يضطرب وبرتجف.
حتى حصان أرييلا رفض حمل التنين، لكنها لم تستسلم. وحين تظاهرت ببرود بأنها تردد تعويذة، ارتعد الحصان ورضخ لحمل التنين الصغير.
“هل أنتِ بخير؟”
سأل لودفيك بصوتٍ قلق. فأجابت أرييلا وهي تُظهر مهارة ركوب الخيل ذاتها التي أبدتها عند مجيئهما.
“لا مشكلة.”
كان التنين الصغير، بحجم كلب كبير، متمددًا بين يدي أرييلا ورأس الحصان.
دقدق-! دقدق-!
كانت عملية هروب عاجل متوتر.
“……!”
لكن، وكأنه نسي الوضع الراهن، كان التنين الصغير يفتح فمه ويُحدّق بعينين واسعتين متأملًا المناظر حوله، محركًا رأسه بلا توقف يمينًا ويسارًا، أعلى وأسفل، أمامًا وخلفًا.
كان نسيم الليل البارد يلف قشوره. و وجهه الصغير مقارنةً بالتنانين كان مغمورًا بالبهجة والانفعال.
_________________
ياعمري يالتنين دمعت يوم فتح عيونه جعل يدين لودفيك القطع😭
باقي يسمونه تكفون عطوه اسم رايع🤏🏻
حجمه اكبر من راون بس نفس الشي كلهم معذبين من يوم فقسوا لين جا احد ينقذهم 🤏🏻
والي انقذوهم شعورهم حمرا✨ هاهاعاعاهتهتهاها
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 44"