نزل ريتشموند وأرييلا إلى سرداب قلعة ملك الشياطين. و كان هناك تابوت غيرو الذي تم انتشاله من القبر.
أشار ريتشموند بإيماءةٍ خفيفة فانفتح غطاء التابوت دون أن يلمسه. و نظرت أرييلا إلى الزومبي المستلقي داخله،
“يبدو أن شكله أصبح أنظف بعض الشيء؟”
فردّ ريتشموند بفخر،
“نفذت العمل تمامًا كما طلبت المتعاقدة.”
لم يعد بالإمكان الشعور بالرائحة الكريهة التي انتشرت عند رؤيته أول مرة في القبر. كما تم ترميم الجلد الممزق.
“لقد استثمرت فيه على طريقتي.”
“استثمار؟ آه، تقصد حجر المانا؟”
ريتشمنود أيضًا ساهم من ماله الخاص من أجل غيرو. فقد قدم طوعًا حجر مانا ضخم من مجموعته الشخصية.
وهو الآن مزروعٌ داخل جسد غيرو، تدور فيه المانا بنشاط.
“بفضل حجر المانا، توقفت عملية التحلل. ولن نضطر للقلق بعد الآن من تسرب الأمعاء في أرجاء القلعة كما كان البعض يخشى سابقًا. كما زاد الوقت الذي يمكنه التحرك فيه بشكل كبير.”
“إذًا، العمل التحضيري تم، وبات بإمكانه البدء في أي لحظة. الجسد جاهز، والآن علينا فقط إقناع الروح.”
“صحيح، فهذا كان التحدي الأصعب منذ البداية.”
عندما غمزت أرييلا بعينيها، بدأ ريتشموند بترديد تعويذة. فعاد الاتصال بين الجسد والروح الذي كان مقطوعًا.
سسس-!
“غغك، غروووك……!”
فتح الزومبي عينيه مُصدرًا صوتًا غريبًا يخدش الأحبال الصوتية. ثم بدأ ينهض ببطء وهو يتلفت حوله.
“أنـ-ـتم، من جديد؟”
لسانه لم يُستعد بالكامل بعد، لذا لا تزال كلماته متقطعة.
فردّت أرييلا بنبرة حازمة،
“غيرو، لدي طلبٌ أرجو منكَ تنفيذه.”
اتسعت عينا الزومبي فجأة، وعندما فتح فمه بذهول، ارتجف جلده ذو اللون الطيني.
“لكن، لم، أوقّع، عقد التوظيف بعد!”
امتزج الغضب بصوته.
“وتريدون، أن أبدأ، العمل، من الآن؟”
فرمشت أرييلا بعينيها.
‘من هذه الزاوية، هو محق.’
“عملٌ، بلا أجر! أنا أعارض، و بشدة! تطلبون مني، العمل، قبل توقيع، العقد……! أي، قانون، هـ-ـذا، بحق؟!”
كان لغيرو مبدأ ثابت. وبشكل أدق، لم يكن بعدُ موظفًا ولا تابعًا رسميًا لإقليم لودفيك الذي يحكمه ملك الشياطين.
“أنا، لم أتقاضَ، حـ-ـتى، عملةً، واحدة!”
“لكن ألم تقل من قبل أم الموتى لا يهتمون بالمال؟!”
“هذا، وذاك، أمران، مختلفان!”
فالعمل بلا أجر مسألةٌ حساسة حتى بالنسبة للأموات.
تمتم الزومبي بتذمر وكأنه ضاق ذرعًا،
“ما، الذي، تعتبرونه، حقوق، العمال؟! يا لكم من، جشعين! في النهاية، كل، أصحاب العمل، متشابهون!”
تحسر غيرو. كان يشعر وكأنهم يحاولون استغلاله بسرعة قدر الإمكان ليمتصوا منه ما استطاعوا.
تلك العادات لم تتغير سواءً في الحياة أو بعد الموت.
“إذاً، فلتوقع معي عقد توظيف رسمي من الآن!”
“وفيدوِك، زعيم القافلة؟ هل، قتلتموه؟”
هزّت أرييلا رأسها.
“كلا، ولهذا السبب أعدناكَ للحياة.”
“……؟”
شرحت أرييلا المشكلة الراهنة.
“للتعامل مع باغيس فيدوِك، نحن بحاجة إلى معلومات من الداخل.”
“هل، هذا، تـ-ـبرير، للعجز؟”
“قوة فيدوِك ليست بالأمر السهل. وأنت، الذي انتهى بكَ المطاف في التابوت بسببه، تعرف ذلك جيدًا، أليس كذلك؟”
كان ما يعرفه عن الوضع الداخلي لا يتعدى القليل. بل إنه لا يعرف شيئًا عمّا حدث طوال العام الذي تلا موته.
“لهذا نحن بحاجة إلى مُعاون من الداخل.”
“إذاً، كنتِ، تقصدين……من، داخل، قافلة، فـ-ـيدوِك؟”
“نعم، تمامًا.”
أومأت أرييلا برأسها، وكانت عيناها تشعان بعزيمة متقدة.
“حتى بعد تقاعدكَ، لا يزال هناك فصيلٌ داخل القافلة يدعمكَ، أليس كذلك؟ بل إن بعضهم جاءكَ طالبًا تأسيس قافلة جديدة.”
قطّب غيرو حاجبيه و تحدّث بلسانه المعقود،
“بالطبع. لم أكن، أنا، الوحـ-ـيد، الذي تصادم، معه.”
فمنذ أن أصبح باغيس فيدوِك زعيم القافلة، بدأ يُظهر طمعه علنًا.
وقد كانت طريقته الجديدة في الإدارة غير أخلاقية وقاسية إلى حدٍ كبير، مما أثار موجة من المعارضة الداخلية.
فعلى سبيل المثال، كان يسحق الشركاء التجاريين الذين تعاونوا معهم لسنين بالقوة ليستولي عليهم تمامًا ويضمهم إلى القافلة، أو يقطع التعامل بالكامل مع أقاليم ضعيفة لا تلبي شروطه، ليتركها تموت ببطء.
“حقًا؟ أنت تم اغتيالكَ بعد تقاعدك أصلاً، لكن لو قام بقتل أو طرد جميع المعارضين، لما تمكنت القافلة من الاستمرار.”
فكر غيرو للحظة، ثم،
“آه، صـ-ـحيح!”
وحاول أن يحرك لسانه بأقصى سرعة، و قد كان صوته مشحونًا بالحماس.
“كان، هناك، بـ-ـعض، من، لم، يستطع، قطعه!”
تلألأت عينا أرييلا،
“هل تذكرت بعض الأفراد من الداخل الذين لم يستطع باغيس فيدوِك التخلص منهم؟”
هز الزومبي رأسه بعنف، وكأنه استعاد بوضوح صورة أحدهم في ذهنه.
فنظر ريتشموند إلى أرييلا بدهشة.
“لستِ قارئة أفكار، فكيف فهمتِ تلك الجملة المبعثرة بكل هذا الوضوح؟”
“و، ورقة……!”
تحركت أرييلا بسرعة وقدّمت له عدة أوراق، وأحضرت له قلمًا دون أن يطلبه حتى. فقد كانت تعرف ما يحتاج إليه قبل أن ينطق.
عندها أمسك الزومبي بالقلم وبدأ يكتب بانسيابية مذهلة. فالكلمات كانت تخرج منه أسرع بكثير من الكلام.
وبينما كانت تنظر الى ما كتبه، سألت أرييلا في نفسها،
‘رسالة؟ أم أنها وصية، بما أنه ميت؟’
لبرهة، شعرت أرييلا بالارتباك.
فعادةً، تُكتب الوصايا قبل الموت، أليس كذلك؟ لكن هل يُعد ما يُكتب بعد الموت وصيةً أيضًا؟
‘حسنًا، لا بأس، ليس بالأمر مهمًا.’
وبعد أن أنهى توقيعه، ناولها الزومبي الورقة.
“خطي، هو، الد-ليل!”
أكد الزومبي بثقة. وقال أن هذا سيكون مفيدًا حتمًا.
***
في المقر الرئيسي لقافلة فيدوِك.
“سيدي زعيم القافلة، هناك زوار.”
“من هم؟”
“ملك الشياطين لودفيك، والبشرية المتعاقدة معه.”
رفع باغيس فيدوِك حاجبيه بينما كان ينظر الى الأوراق.
“بالفعل؟ أتوا حتى هنا بأنفسهم؟ يبدو أن رسالتي قد أقلقتهم كثيرًا.”
رغم أنه هو من عرض أن يذهب بنفسه إليهم، إلا أن الطرف الآخر هو من جاء. وهذا يدل على أنهم خافوا مسبقًا، وكأن النار التهمت أقدامهم.
“يبدو أن الأمر بات أسهل مما توقعت.”
فبهذا الشكل، سيكون من الأسهل تحويل التفاوض إلى تهديد مقنّع. فابتسم ابتسامةً خبيثة.
“حسنًا، أدخِلوهم.”
وبعد لحظات، دخل شيطان وبشرية من الباب المفتوح. و تفحّصهم فيدوِك بنظرة هادئة ومرتاحة.
‘هذه أول مرة ألتقي بهم وجهًا لوجه.’
بدأ بنظرته إلى الرجل أولًا. بشعره الأسود المنسدل حتى كتفيه بدا وكأنه ذوبان الليل، وعيناه الحمراوان الداكنتان تشعان ببرودة موحشة.
الخطوط الناعمة التي شكلتها ملامحه كانت أشبه بوجه فتى صغير. ومن ذلك الوجه، قرأ فيدوِك بوضوح مشاعر الغضب الفاضح.
‘هه، الغضب بلغ به عنان السماء.’
أن يُظهر هذا الغضب العلني في موقف رسمي، لم يكن سوى كشفٍ لأوراقه بنفسه.
‘سمعت أن قوته القتالية ممتازة، لكن يبدو أن خبرته في التعامل ضعيفةٌ كطفل صغير.’
ثم حوّل نظره، و الفتاة الواقفة بجانبه بدت من نفس عمره تقريبًا.
وعلى النقيض من الفتى ذي الشعر الطويل، كان شعرها الأحمر القصير بالكاد يلامس عنقها. و خلافًا لشريكها الذي لم يخفِ انفعاله، كانت تعابيرها باهتةً إلى حد كبير.
لم تُبدِ سوى ابتسامةٍ خفيفة توحي بالرسميّة.
فيدوِك، الذي اعتاد بحكم عمله التعامل مع مختلف الأعراق، خمّن أن هذه البشرية ذات طبعٍ ليس بالسهل.
كان واثقًا من نفسه تمامًا. رغم أته كان يعلم أن قوة ذلك الشيطان القتالية ليست بالهينة، وسمع عن كيفية مواجهته لأعدائه من قبل.
حتى أفعاله الطائشة في إقليم الشيطان ديلاك كانت مدوّنةً في شبكة معلومات تجارته المحنكة.
ورغم ذلك، لم يكن فيدوِك قلقًا على أمنه ولو بمقدار ذرة. فالقاعة كانت مزوّدة بعدة طبقات من التعويذات الوقائية، وجنود الحراسة منتشرون خلف الجدران ومستعدون لاقتحام المكان في لحظة.
‘هذا المكان ليس ملعبًا لتهوركَ وعواطفكَ.’
فمهما بلغت قوة الشيطان الفردية، فهي لا تساوي شيئًا أمام قوة قافلة فيدوِك التجارية العملاقة.
“فما الأمر إذًا؟ هل جئتَ بالمبلغ الذي طلبته؟ أم أن الأوراق التي معك هي عقدٌ يمنحني وصفة تصنيع مركّب السلايم وحق احتكاره بالكامل؟”
ضحك فيدوِك وكأنه يستمتع بالفارق الهائل في القوة.
“كنت سآتي بنفسي لأستلمه، لكنكما سبقتما. يا لكما من لطيفين!”
استفزاز فجّ وواضح. و كان أسلوبه في الحديث مليئًا بالسخرية والاستفزاز المقصود.
فعضّ لودفيك على أسنانه بقوة، وكأنه لم يعد يحتمل.
“أيها الوغـــــ…!”
لكن قبل أن يتم عبارته، رمقته أرييلا بنظرة سريعة.
في لحظة عابرة، تلاقت أعينهما، وفي تلك اللحظة القصيرة، تذكّر لودفيك ما قالته له أثناء حادثة بيفار،
“إن أردت أن تكون حاكمًا بحق، فعليكَ أن تتعلم الصبر أولاً!”
كان قد مدّ يده للإمساك بمقبض سيفه، لكنه تراجع، وأغلق كفه من جديد. بينما برزت عروقٌ غليظة على قبضته المشدودة.
رأى فيدويك ذلك وتكلف ابتسامةً ساخرة.
“لا، هذه الوثائق ليست مما تظنه، باغيس فيدوِك.”
من ردّ بدلًا من الملك كان أرييلا. فالتفت فيدوِك نحوها.
“لقد سمعت الكثير عنكِ أنتِ أيضًا، المتعاقدة التي أعادت إنتاج مادة سحرية غامضة باستخدام طرق سرية لا تُعرف إلا في الشمال! لكن ما يثير فضولي فعلًا……كيف عرفتِ بها؟”
كانت من أبرز المهارات التي اكتسبتها أرييلا في أيامها كأميرة هي قدرتها على إخفاء مشاعرها وضبطها. لذلك لم تنفعل أو تغضب، بل ردّت بهدوء تام،
“لا أرى داعيًا لمناقشة ذلك في هذا المجلس.”
كانت صوتها باردةً محكمة لا تسمح حتى لذرة هواء أن تنفذ بين كلماتها.
ورغم وقوفها أمام رئيس أكبر قافلة تجارية، لم تتراجع قيد أنملة. و أثار ذلك دهشةً خفيفة في نفس باغيس فيدوِك.
حتى الشياطين ينحنون أمامه، فكيف لفتاة بشرية أن تقف بهذا الثبات؟
‘هي ليست عادية، على ما يبدو.’
أعجب بها سرًّا، لكن في النهاية……تبقى مجرد إنسانة.
وزعيم قافلة لا يخشى حتى ملوك الشياطين، لن يشعر أبدًا بالتهديد من مخلوق أدنى مثلها.
ثم تحدث بصوتٍ متكاسل
“إذًا، ما محتوى تلك الوثائق؟”
وضعت أرييلا بحزم كومة الأوراق التي أحضرتها على الطاولة أمامه، بضربة قوية أحدثت صدى خافتًا.
“هذه مستنداتٌ تثبت أن مزاعمكَ حول تعرّض قافلة فيدوِك لأضرار بسبب بيفار……كلها محض أكاذيب—”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات