“عندما كنتِ تراجعين دفاتر الحسابات هنا في المرة الماضية، شعرت بشيء……هذه الآنسة ليست شخصًا عاديًا.”
رغم أنها لم تعش طويلًا في عالم الشياطين، ولم تكن معتادةً على نماذج الوثائق الرسمية فيه، إلا أنها كانت أول من كشف فساد بيفار.
إنسانةٌ سقطت وحيدةً في أرض يعجّ فيها شعب الشياطين.
“حتى تلك الأشياء العجيبة التي صنعتِها من السلايم……وماذا عن السحر الذي أريتيناه لي في المرة الماضية؟ لقد أصبتُ بالدهشة فعلًا. حتى الشياطين المحترفين لا يمكنهم فعل ذلك.”
لودفيك قال كلامًا مشابهًا ذات مرة.
قال إن التحكم في الطاقة السحرية بدقة متناهية إلى حد لا يُصدّق، أو تتبُّع طاقة ساحر غادر المكان مسبقًا، أمورٌ من المستحيل أن تحدث.
أما أرييلا، فقد كانت تتساءل لماذا يندهش الجميع. بالنسبة لها، كان الأمر طبيعيًا، فلماذا يتعاملون معه كمعجزة؟
“هل ذلك نوعٌ خاص من السحر البشري؟”
هزّت أرييلا رأسها نفيًا.
“بحسب ما سمعت، فالأمر لا يبدو كذلك.”
على عكس فيلي، يبدو أن ريتشموند قد تعامل من قبل مع سحرة من البشر.
و ذلك الهيكل أكد أن ما لدى أرييلا ليس مرتبطًا بجنسها، بل هو أمرٌ فريد بها شخصيًا.
“مع أني، في الواقع، لم ألتقِ بساحر بشري آخر غير نفسي قط.”
عند ذكر البشر، تذكّرت فيلي شيئًا،
“صحيح، أنتِ الإنسانة الوحيدة في هذه المقاطعة التابعة لملك الشياطين. ألا تشعرين بالوحدة أحيانًا؟”
“لا أدري؟ لا أظن.”
لم تكن تشتاق إلى العالم البشري، ولم ترغب بالعودة إليه.
“يبدو أنني فقدت كل مشاعري تجاه ذلك المكان.”
حين قررت في البداية أن تعبر إلى عالم الشياطين، كانت قد قطعت كل الروابط بالفعل. وهي من النوع الذي لا يترك مجالًا للندم أو التردد بعد اتخاذ قراره.
لكن إن كان هناك شيء واحد فقط لا يزال في قلبها……
“هناك شخصٌ واحد فقط أود رؤيته مجددًا، لكن لا بأس……إن كُتب لنا اللقاء، فسوف نلتقي.”
ثم نظرت إلى فيلي وسألتها بدورها،
“لكن ماذا عنكِ؟ هل تعيشين مرتاحةً هنا؟ فالجنيات عادةً يعشن في غابات الجنيات، أليس كذلك؟”
ومن خلال ما رأته حتى الآن، بدا أن فيلي هي الجنية الوحيدة في مقاطعة لودفيك التابعة لملك الشياطين.
كلاهما في وضعٍ مشابه.
تذكّرت أرييلا أن فيلي لم تكن مرتاحةً عندما طُرح هذا الموضوع في المرة السابقة. وكما توقّعت، بدت ملامحها شاحبة قليلًا مجددًا.
“في الحقيقة……”
لطالما تساءلت أرييلا كيف خرجت هذه الجنية من الغابة وانتهى بها المطاف كأمينة مكتبة في مقاطعة لودفيك التابعة لملك الشياطين.
“لم أكن أندمج جيدًا مع باقي الجنيات في الغابة.”
قالت فيلي أنها منذ صغرها كانت مولعةً بالكتب إلى درجة الإدمان. وهذه نقطة تشابهت فيها مع أرييلا.
“في الأصل، الجنيات لا تقرأ الكتب. لا يحببن ترك سجلات، ولا حتى قراءتها. يعتبرنه أمرًا مزعجًا.”
وكانت أغلب الكتب التي قرأتها فيلي عندما كانت صغيرة هي ممتلكات أفراد من أجناس أخرى ماتوا بعد أن ضلوا طريقهم داخل غابة الجنيات سيئة السمعة.
“بطبيعتها، الجنية تحب العبث والتجول بالخارج، وإيقاع الآخرين بالمقالب. لا تفضل الجلوس بين أربعة جدران وتقليب صفحات كتاب.”
الجنيات أيضًا حادّات الطبع، وقد يصبحن عنيفات عندما يشتدّ بهنّ الحماس.
“وفوق ذلك، لا يستمررن في شيء طويلًا. فلا يمكنهن التركيز في أمر واحد لفترة كافية.”
قد تمضي الجنية وقتًا في تمزيق حشرة علقت في فخ من باب اللهو، ثم ما تلبث أن تملّ وتنتقل للسخرية من كوبولد ضائع.
بطبعهن المتسرع والمشتت، لم يكنّ من النوع الذي يمكنه الجلوس بهدوء وقراءة كتاب.
فأومأت أرييلا برأسها.
“فهمت الآن أي نوعٍ تقصدين. لكنكِ، فيلي، كنتِ استثناءً.”
وبينما كانتا تتحدثان، كان الشاي في الكوب قد برد. فرفعت أرييلا الإبريق وسكبت لفيلي بعضًا منه كي لا يفقد حرارته.
و استنشقت فيلي رائحة الشاي وابتسمت ابتسامةً حزينة.
“كنت دائمًا غريبةً وسط مجتمع الجنيات. يقولون أنني مختلفة، لأن طبعي واهتماماتي لا تشبههم أبدًا.”
لو كانت في العالم البشري، لربما سُمّيت فيلي “فتاةً طيبة” بكل بساطة. لكن وسط الجنيات، وُصمت بأنها غير طبيعية.
“وفوق ذلك، كنت ضعيفةً جدًا في السحر مقارنةً بجنيات أخريات، وهذا أيضًا أصبح ذريعةً للسخرية مني وإزعاجي.”
تذكّرت أرييلا أول مرة خرجتا فيها لصيد السلايم معًا. حتى من وجهة نظرها، لم تكن فيلي ماهرةً في استخدام السحر.
وبدا أن فيلي شعرت بالخجل من ذلك، إذ احمرّ وجهها.
“في النهاية، لم أتحمل الأمر وغادرت الغابة. وبعد بحث طويل عن مأوى، وجدت وظيفةً هنا في هذا الإقليم.”
“في ذلك الوقت، لم يكن لودفيك الحاكم بعد، أليس كذلك؟ كان الملك الشيطاني السابق هو الحاكم.”
“نعم، صحيح.”
“مع أن هناك أماكن كبيرة مثل مقاطعة ديلّاك، لماذا جئتِ إلى هذا المكان بالتحديد……آه، فهمت السبب الآن.”
“نعم، لأن مكتبة هذا الإقليم هي الأكبر على الإطلاق. قد تكون واحدةً من أضخم المكتبات في الجنوب.”
مكتبةٌ لا يزورها أحد.
في البداية، كانت سعيدةً لكونها تملك كل هذه الكتب وحدها، لكن مع مرور الوقت بدأت تشعر أن قيمتها كأمينة مكتبة تتلاشى، فأصابها القلق والحزن.
“لكن، ألن يبدأ الناس بالتردد على المكتبة من الآن فصاعدًا؟ خصوصًا بعدما أصلحتِ المبنى بهذه الجودة؟”
نظرت فيلي إلى السقف الذي تم ترميمه بإتقان.
“عندما تتحسن أحوال الإقليم ويزداد عدد السكان، سيأتي الكثير من الناس إلى المكتبة لقراءة الكتب، أنا متأكدة.”
“حقًا؟”
“طبعًا.”
قالت أرييلا ذلك بثقة، ثم تمتمت في داخلها،
‘لأنني سأجعل ذلك يحدث.’
……لأني، ببساطة، لا بد أن أعيش.
ابتسمت فيلي ابتسامةً واسعة وقد شعرت بالراحة، وامتدت حمرةٌ خفيفة بلون الخوخ على وجنتيها الممتلئتين.
‘عند النظر إليها هكذا……تبدو لطيفةً فعلًا. مثل طفلة. مختلفة تمامًا عن الانطباع الأول.’
تساءلت أرييلا فجأة بفضول،
“بالمناسبة، أين تقع الغابة التي كنتِ تعيشين فيها؟”
“إذا اتجهتِ جنوبًا قليلًا من بحيرة دالغارو، ستجدينها.”
“همم؟ وأين تقع بحيرة دالغارو؟”
“إلى الغرب من شلال بارانغ.”
“….…”
كانت أسماء أماكن تسمعها للمرة الأولى.
“فيلي، هل يمكنكِ إحضار خريطة؟”
رفرفت أجنحة الجنية الشفافة قليلًا، ثم طارت بخفة لتنفيذ الطلب.
و بعد قليل، عادت حاملةً لفافة خريطة أكبر منها بأضعاف، وبدأت تنشرها على سطح المكتب وهي تحلّق فوقها.
“هذه هنا هي غابة الجنيات التي وُلدت فيها.”
“آه، فهمت. إنها بعيدةٌ نوعًا ما.”
أومأت أرييلا برأسها وهي تنظر إلى الموضع الذي أشارت إليه فيلي.
كانت غابة الجنيات تقع عند حدود الشمال من مقاطعة ديلّاك التي يحكمها أحد ملوك الشياطين.
وللوصول إلى هناك، كان لا بد من عبور مقاطعة ديلّاك بالكامل، ثم اجتياز وادٍ عميق لا قرى ولا مدن فيه.
وبما أن الخريطة الآن أمامها، اغتنمت أرييلا الفرصة لتعيد التحقق من موقع مقاطعة لودفيك.
‘حتى حين أعيد النظر……موقعها سيئٌ فعلًا.’
أخذت تتبع الخريطة بإصبعها.
إن أرادت الخروج من الأزمة الحالية ومنع تكرارها، فعليها أن ترفع من قوة الإقليم العسكرية.
لكن، ماذا إن لم يكن بوسعهم الانتظار حتى تصبح لهم قوةٌ ذاتية؟
‘سوف يُلتهمون أحياء قبل أن يصمدوا حتى ذلك الحين.’
غرقت في التفكير العميق.
‘إن كنا نفتقر إلى القوة، فلا مفر من الاستعانة بقوة خارجية.’
وتوقفت إصبعها فوق موقع مقاطعة ديلّاك.
منذ البداية، كانت قد فكرت في إمكانية إبرام اتفاق سلام مع ملك الشياطين ديلّاك، القريب جغرافيًا من منطقتهم.
‘لكن لودفيك عارض ذلك.’
تذكّرت ما قاله لودفيك في قاعة الاجتماعات.
“ديلّاك؟ إلا إذا جنّ، فلن يقف في صفنا. انسَي الأمر.”
ومن نبرة حديثه، بدا وكأنه يملك سببًا قويًا يجعله واثقًا إلى هذه الدرجة.
هل حدث بينهما شيء سيء في الماضي؟
“على أي حال، هل من المفترض أن يعيش ملوك الشياطين الجيران كأصدقاء؟”
تمتمت بذلك بضيق وهي تتابع تفحّص الخريطة. وانتقل بصرها، وهي تفكر، إلى المنطقة التي يقع فيها المقر الرئيسي لنقابة فيدوِك.
وفي تلك اللحظة، بدأت تتشكّل فكرةٌ واضحة في ذهنها.
“ربما من الأفضل أن أوجّه الضربة إلى هذا الاتجاه……فيلي؟”
لكن فيلي كانت مشغولةً بلعق ما تبقى من فتات البسكويت في الصحن بأطراف أصابعها بكل تركيز.
“آه! نعم؟”
“هل كنتِ جائعة؟”
“لا، ليس تمامًا……”
“سأطلب منهم أن يخبزوا كميةً أكبر في المرة القادمة. كميةً تكفيكِ لتأكلي منها ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ.”
“حقًا؟!”
قالت فيلي ذلك وقد بدا عليها الفرح الخالص.
“يُقال أن الجنيات يعشقن الحلوى.”
“لم أرَ جنية تكرهها أبدًا. غذاؤنا الرئيسي هو العسل الحلو والفواكه. وفي كثير من الأحيان نتشاجر مع الدببة بسبب خلايا النحل!”
“إذًا هناك شيءٌ يربطكِ ببقية الجنيات غير النَسب……وهو الذوق في الطعام.”
“صحيح. أمرٌ مضحك فعلًا.”
ابتسمت الجنية ابتسامةً باهتة وهي تستنشق عبير الشاي بخفة.
***
“تريدين إيقاظ غيرو؟”
“لن يأخذ الأمر سوى لحظات.”
_______________________
ياعمري يا فيلي🫂
المهم ها متى تبدون المجزره؟
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 37"