سأل لودفيك، الذي كان يجلس على الكرسي يهز قدميه دون أن يكلف نفسه النظر إلى الرسالة.
“بماذا؟ يقول أنه سيأتي إلى أراضي مملكة الشيطان؟ هذه أخبارٌ جيدة، إذًا انتهى الأمر.”
أشار بيده إلى عنقه بحركة تشبه القطع.
“بالنسبة إلينا، وفّر علينا عناء الذهاب إليه. بما أنه سيدخل بنفسه، سننتظره ونقضي عليه، أليس كذلك؟”
“هذا الأمر ليس شيئًا يُحل بعدة ضربات سيف!”
قالت أرييلا ذلك وهي ترفع الرسالة.
“يبدو أن شائعة اللاصق المعماري الذي صنعته قد انتشرت خارج أراضي مملكة الشيطان.”
“آه، ذلك المصنوع من السلايم؟”
حتى لودفيك كان قد رأى موقع البناء بنفسه.
“حتى قافلة فيدوِك التجارية تريد أن تعقد صفقةً معنا. وبسبب أهمية المنتج، قرر رئيس القافلة أن يأتي بنفسه إلى أراضينا.”
مع أنهم في الواقع لا ينوون التعامل معهم إطلاقًا، بل ويخططون للتخلص من رئيس القافلة.
أدار لودفيك عينيه للحظة،
“خطرت لي فكرةٌ رائعة!”
وضرب راحة يده بقبضته.
“على أي حال، لن نعقد الصفقة، لكن يمكننا أن نوهمهم بذلك وندعو تجار القافلة! وحين يظهر رئيس القافلة هنا، نقضي عليه.”
تفاخر لودفيك وكأنه ابتكر خطةً عبقرية بالفعل.
“ما رأيكم؟ مذهلة، أليس كذلك؟”
كونه قد خطط مؤامرةً بطريقته البسيطة فهذا بحد ذاته يستحق الإعجاب.
لكن بدل أن تفرح أرييلا بنضج لودفيك، حدّقت في الرسالة التي تمسكها.
“لكن محتوى الرسالة لا ينتهي عند هذا الحد.”
“ثم ماذا؟”
“باغيس فيدوِك، بعد أن تحدث عن مزيج السلايم، أضاف شكوى طويلة بحق أراضي مملكة الشيطان، تتعلق بحادثة بيفار.”
ظهرت علامة استفهام في عيني لودفيك.
“شكوى؟”
بكل منطق، الطرف الذي يحق له تقديم الشكوى هو مملكة لودفيك، وليس القافلة. فلو أحصينا الأضرار التي لحقت بهم، لوجب على القافلة أن تدفع تعويضًا حالًا.
أما أن تأتي القافلة لتتذمر؟ فأي منطق هذا؟
و لودفيك لخّص كل ذلك بجملتين قصيرتين،
“أي هراءٍ هذا؟”
فكادت أرييلا أن ترمي الرسالة عليه ليقرأها بنفسه.
“بعد موت بيفار، أجروا تحقيقًا داخليًا وقالوا……أنهم هم أيضًا تضرروا كثيرًا من تعاملهم معنا.”
“……؟”
وجه لودفيك بدا وكأن فهمه للأمور يزداد صعوبة. ولم يكن ذلك غريبًا، فأرييلا نفسها شعرت بالعبث حين قرأت الرسالة لأول مرة.
ثم نقلت مزاعم باغيس فيدوِك كما هي،
“القافلة تقول أنها عقدت صفقات طبيعية وشرعية، لكن بيفار تسلل بين الطرفين واختلس كميات هائلة من البضائع.”
“ماذا؟”
بمعنى أنهم لا يتحملون أي ذنب من البداية إلى النهاية. رغم أن الجانب الآخر سبق أن تحقق من التفاصيل، إلا أن هذا الادعاء كان وقحًا للغاية.
ما جرى لا يمكن أن يكون من فعل بيفار وحده، فمن الواضح أن القافلة كانت شريكةً في الجريمة.
وقد كانت هذه كذبة سافرة منهم بكل وقاحة.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك.
“ويقولون أيضًا أننا تأخرنا طويلًا في دفع أثمان البضائع التي استلمناها منا.”
“ماذا؟”
“يبدو أن الديون التي لم يسددها بيفار أثناء توليه الشؤون المالية لا تزال متراكمة، ويزعمون أن خسارتهم أكبر بكثير.”
وكأن ذلك لا يكفي، فهم يطالبون مملكة الشيطان بسداد تلك الديون غير المسددة. بل إن باغيس فيدوِك حدّد أرييلا بالاسم، باعتبارها خلفًا لبيفار.
ضحك ريتشموند ساخرًا وكأن الموقف لا يُصدق.
“يريدون التهرب من كل المسؤولية، بل أكثر من ذلك، يطالبوننا بسداد المال المتأخر.”
حتى أنهم قالوا أن لديهم أدلة على الأضرار التي سببها بيفار للقافلة. ومن المؤكد أنها مجرد مستنداتٍ مزورة ومفبركة.
لكن من الواضح الآن ما الذي جعل باغيس فيدوِك يتجرأ على كل هذا.
“من السهل رؤية نواياه، أليس كذلك؟”
فقافلةٌ ضخمة كهذه تملك قوةً عسكرية تتفوق بكثير على مملكة صغيرة كأرض الشيطان التي يحكمها لودفيك.
فهم يعتادون التنقل في أراضي الشياطين الخطرة المليئة بالوحوش، فلا عجب أنهم لا يخافون من مملكةٍ صغيرة كهذه.
“بصراحة، يرون أن مملكة الشيطان هذه لا تستحق أن تُؤخذ على محمل الجد.”
وكانت الجملة الختامية في الرسالة كفيلةً بتوضيح ذلك تمامًا.
بدل أن يطالبوا بتعويض عن خسائرهم، طلب باغيس شيئًا واحدًا: طريقة تصنيع مركب السلايم الذي اخترعته أرييلا، مع الحق الحصري في توزيعه.
“……؟”
احتاج لودفيك وقتًا ليستوعب ما قيل، لكنه ما إن فهم، حتى انفجر غضبًا.
“يريدون سرقته بكل وقاحة؟ ما هذا الجنون؟!”
كان على وشك أن يشهر سيفه فورًا.
“حسنًا! كان علينا قتله من قبل، والآن لدينا سببٌ إضافي! استدعوه فورًا! سأنتظره عند الباب، قولو له أن يأتي الليلة!”
“قلت لكَ، الأمر ليس بهذه البساطة.”
كان غضب لودفيك يشتعل وينتشر كالنار في الهشيم. لكن غضب أرييلا كان من نوع مختلف، يتجمّع ببرود داخلها ويتحول إلى نصل حاد.
ثم تحدثت بصوتٍ بارد لاذع.
“خطة اغتيال هذا اللص تعجبني. لكن علينا أن نُظهر موته وكأنه لا يمتّ إلينا بصلة.”
“……ماذا؟”
“رئيسهم قد قُتل، هل تظن أن القافلة ستقف مكتوفة الأيدي بعد ذلك؟”
“كلامٌ وجيه. السمعة بالنسبة لهم تعادل الحياة.”
أومأ ريتشموند برأسه.
“سيثأرون لحفظ شرفهم، هذا مؤكد. الأمر مؤسف، لكن هذه هي الحقيقة. نحن في موقعٍ أضعف بكثير، لذا لا يجب أن نترك أي دليل وراءنا.”
رمش لودفيك بعينيه كأنه لم يفكر في ذلك مطلقًا.
وبعد لحظة من التردد،
“ببساطة نقطع رقبته بالسيف دون سحر. فأي أحد يمكنه استخدام السيف!”
“لنفترض أن هذه الخطة نجحت. هناك مشكلةٌ أخرى: موته حدث تحديدًا أثناء زيارته لإقطاعيتنا.”
هناك ما يُسمّى بالأدلة الظرفية. تاجر القافلة الذي جاء إلى أراضي ملك الشياطين لمطالبة الديون يُقتل هناك بالذات؟
من الطبيعي أن تشك القافلة في لودفيك.
ثم أضاف ريتشموند،
“وقد يتخذون من ذلك ذريعةً لإشعال حرب حقيقية.”
“وماذا نفعل إذًا؟ لا نقتله؟”
“بل يجب أن نقتله.”
لقد حسمت أرييلا أمرها.
في البداية، راودتها الشكوك حول ما إذا كان عليها الانصياع لرغبة الميت الذي أوكل إليهم الاغتيال. لكن الأحداث أثبتت أنه إن لم يهاجموا خصمهم، فسيكونون هم الضحية.
“علينا إيجاد طريقة. وسيلة تجعل موته يبدو وكأنه حادثٌ لا علاقة لنا به.”
^^^
😈حلقة إضافية (خاصة)
قبل أيام من وصول رسالة قافلة فيدوِك. في مكتبة إقليم لودفيك، ملك الشياطين. كانت أرييلا تؤدي عملها في غرفة قراءة خاصة.
و بفضل بنائها المنعزل تمامًا عن الخارج، كان من السهل تبادل الأحاديث داخلها.
فالآن، وبعد أن بدأ بعض الزوار العاديين يترددون على المكتبة واحدًا تلو الآخر، لم يعد من الممكن التحدث بحرية كما في السابق.
لذلك خصصت فيلي مساحةً منفصلة لأرييلا وحدها.
و اليوم، لم يكن في الغرفة أرييلا فقط، بل حضرت أيضًا فيلي، وريتشْموند، وحتى لودفيك.
وبينما كان الحاصرون يناقشون شؤون الحكم بجدية، كان لودفيك في زاوية الغرفة يتحرك بلا كلل وبحركةٍ متململة.
“بالمناسبة……”
لم يستطع احتمال الملل فقرر الكلام أخيرًا.
“ما الأمر؟”
“ألا تلتفتين لمن يكلمكِ؟”
وحين لم يدخل مباشرةً في صلب الموضوع، تجاهلته أرييلا تمامًا.
“هذه المسألة ليتولاها ريتشموند. أما شكوى الكوبولدز المتعلقة بأراضي الزراعة، فعلى فيلي أن تراجع بعض السجلات القديمة……آه! أرعبتني! أما زلت هنا يا لودفيك؟”
“…….”
“هل بقي لديكَ ما تقوله؟ لحظة، ما قصة ملابسكَ؟”
لاحظت الآن أن طرف كم لودفيك قد تلوث بالسواد.
“هذا؟ لا شيء مهم. بالمناسبة، لدي سؤال.”
“ما هو؟”
“كيف تقرئين حروف عالم الشياطين بهذه السلاسة؟”
يبدو أن رؤية إنسان يقرأ نصوصًا هو نفسه لا يستطيع فك رموزها قد أثارت دهشته.
“أكان كذبًا إذًا؟”
“كذب؟ ماذا تعني؟”
“قولكِ أنك عشتِ طوال حياتكِ في عالم البشر.”
“إذا كنت تتوق إلى الهراء، فتعال في وقتٍ أكون فيه أقل انشغالًا.”
“أليس الأمر غير منطقيٍ أصلًا؟ كيف لإنسانة عادية أن تقرأ بسهولة رموز عالم الشياطين المعقدة؟”
“توقّف. هل سمعتُ للتو ما أظن أني سمعتُه؟ أنا إنسانةٌعادية؟”
رفعت أرييلا عينيها المحمرّتين بنفاد صبر. فأدرك لودفيك حينها أنه تفوّه بما لا ينبغي.
“لا، لم أقصد ذلك……”
تلعثم قليلًا ثم سأل بالمقابل،
“على أي حال، هذه ليست حروفًا تُستخدم في عالم البشر، أليس كذلك؟”
تدخّل ريتشموند، الذي كان يستمع إلى الجدال بصمت،
“لطالما أثار فضولي هذا الأمر أيضًا. فحتى التعلم الذاتي له حدوده. ومع ذلك، أنتِ متمكّنةٌ بشكل لافت. حتى هذه الوثيقة التي بين يديكِ الآن.”
“وما بها؟”
“هذه وُضعت قبل نحو خمسمئة عام في شمال عالم الشياطين. وهي مليئةٌ بتعابير ومفردات لم تعد مستخدمة اليوم. ومع ذلك قرأتها بسلاسة ودون تردد.”
كان جواب أرييلا عن هذا التساؤل واضحًا،
“الأمر بسيط. الإمبراطورية المقدسة لم تمنع تعلم حروف عالم الشياطين. فالذي قمعته بشدة هو ممارسة السحر.”
رغم ردود فعل الكنيسة المبالغ فيها تجاه كل ما يتعلّق بالشياطين والسحر، إلا أن تعلم لغة الشياطين لم يُحظر، بل شُجّع في بعض الأحيان.
“حتى يتمكنوا من تحليل المعلومات. فقد كان ذلك استعدادًا لمواجهة أي غزو من قِبل الشياطين.”
فالغزوات وقعت عدة مراتٍ عبر التاريخ، في عصور قديمة حين كان الملك الشيطاني الأعظم لا يزال موجودًا.
ويبدو أن الكنيسة استخلصت درسًا من تلك الحقبة، فصارت تعلّم بعض الكهنة المختارين لغة الشياطين، كما تفعل الدول حين تلقّن جواسيسها لغة الأعداء.
وبفضل ذلك، وعلى عكس كتب السحر التي لم تُشترَ إلا في السوق السوداء بأسعار باهظة، كانت الكتب المتعلقة بلغة الشياطين سهلة المنال نسبيًا.
و بالطبع، لم تكتفِ أرييلا بتعلّم ذلك بشكل سطحي. بل كانت واثقةً أنها لو أرادت، لتمكنت من شغل منصب محاضِرة في أي أكاديمية من أكاديميات عالم البشر.
“حين بدأتُ أدرسه وجدته ممتعًا فعلًا. فالمزيج بين مبدأي الصوت والمعنى في الكتابة فريدٌ من نوعه، وتطوراته عبر العصور مثيرةٌ للاهتمام أيضًا.”
“تقولين أن الدراسة ممتعة؟ كما توقعت……أنتِ لستِ طبيعية.”
“ولِمَ؟ أليس التعلم ممتعًا بالنسبة لكَ أيضًا؟”
“هل جننتِ؟”
“إذًا، لا تزعج المجنونة واغرب عن وجهي. وجودكَ يبعثر أفكاري.”
تلقّى لودفيك هذه الإهانة بصمت، لكنه ظل يتجول في أحد أركان المكتبة لفترة طويلة.
“آه، بحق! توقف عن العبث بالكتب التي لن تقرأها أصلًا.”
زمجرَت أرييلا بنبرةٍ أمينة مكتبة غاضبة، قبل أن تعود لتغرق في أوراقها.
و في تلك اللحظة، اندفع لودفيك نحو أحد أركان الرفوف، وانتزع كتابًا بسرعة، ثم خبّأه في صدره.
لكن تصرفه الغريب لم يَفُت ريتشموند الذي التقط المشهد بعينيه.
“همم……وما ذاك الكتاب يا ترى؟”
تظاهر لودفيك بعدم سماعه، وتسلّل بهدوء خارج غرفة القراءة. فابتسم ريتشموند بخفة، ضاحكًا بينه وبين نفسه،
“هاه، هاه……يبدو أننا على وشك مشاهدة مشهد نادر بحق.”
“عن أي مشهد تتحدث؟”
قسألت أرييلا فوراً.
“سأخبرك لاحقًا، هه هه.”
***
و في صباح اليوم التالي.
“ما هذا الآن؟”
عادت أرييلا باكرًا إلى غرفة القراءة الخاصة بها، فوجدت في أحد الأركان كومةً من الأوراق المبعثرة.
وحين فتحت ورقةً مجعّدة، تجعّد جبينها بلا وعي.
كانت الخربشات مرسومةً بحبر أسود، لا هي حروف ولا هي صور، بل أشكالٌ غريبة أقرب إلى الهذيان.
فزفرت بضيق وهي تتمتم،
“نحن أصلًا نعاني من نقص في الموارد……من الأحمق الذي أهدر ورقًا غالي الثمن في مثل هذه التفاهات؟”
〈نهاية القصة الإضافية〉
____________________
ياعمري لودفيك يبي يتعلم😭😭😭😭😭
المهم الفصل الخاص ذاه هدية كذا من المؤلفه ✨
لودفيك وارييلا صدق يصلحون كوبل عنها ذي نفسه تخطط للقىّل🥰
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 36"